الشهيد الشيخ المتبحر حسين معن رحمة الله
كان شعاره (المستميت لا يموت) وكان يقول : اننا نحن الدعاة يجب ان لا نفكر بشيء اسمه الحياة
اتسم شهيدنا بروح حركية عالية لا تفتر ولا تلين ابداً في كل الظروف ولهذا لم يكن يهدأ له بال دون عمل وخدمة متواصلة للمبدأ السامي رغم تعالي روح الحركية وسيطرتها على نفسه لم يكن ارتجالياً في اعماله بل كان دقيقاً في التخطيط والتنفيذ، وقلما سلك طريقاً او قام بعمل قبل أن يحسب له الف حساب. ولهذا واصل عمله في العراق طيلة ست سنوات من المطاردة العنيفة، المتواصلة في كل مكان، ولكن لم يثبت على نفسه أي اثر ولم يعط أي مستمسك يطمع السلطة الغاشمة فيه. كان عالي الانضباط دقيق التحرك بين بغداد، والنجف، وديالى، والبصرة متنكراً، وحاملاً هوية مزورة يعبر بها نقاط التفتيش.
يذكراحد زملائة انهم يوماً كا نوا جالسين في النجف مع مجموعة من الاخوة من طلبة العلم وبعض الدعاة.. واخذ كل منهم يتحدث عن إعتقاله وتعذيبه ومواقفه وكان ابو سجاد صامتاً يستمع بدقة لعرض الاخوة فتبسم وقال: (اظن ان اللّه لا يحبني ولذا فاني الوحيد منكم لم يبتلني اللّه بما ابتلاكم) فضحكنا وعلقنا بفكاهة على كلامه وكثيراً ما سمعته يقول، وهو ساجد : اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك.. وكان يؤكد دائماً ان التطلع للشهادة من العناصر الرئيسية التي يجب ان تتجلى في شخصية الداعية، ومن هذا المنطلق كتب في ختام وصيته : (وأوصي والدَيَّ اذا رزقني اللّه الشهادة ان يجعلا يوم شهادتي كيوم عرسي) وفعلاً عندما سلمت جثته الطاهرة وقفت والدته المثكولة به لتطلق نغمات الفرح التي اطلقتها يوم عرسه..
وقبل ايام في مجلس احد المشايخ ذكرهذا المجاهد
واحببت
ان اقدم لكم اخوتي مختصر من احد
بحوثة المطولة حول الاعداد الروحي للمؤمن المجاهد
نسال الله ان يجعله واخوتة الذي قدموا اعظم صورالتضحية
والفداء وبذل الانفس في سبيل كلمة الله ونصرة ال محمد
ص في اعلاعليين في مقام عزيز كريم بجورمحمد والة الاطهار
____
كان التأكيد الاسلامي، والعمل الذي تقوم به التربية الاسلامية، باتجاه الحياة الوجدانية للانسان، مرتكزاً على اساسين او مبدأين :
المبدأ الأول :
تكوين وجدان اسلامي خاص بالانسان المسلم. وقد اعد الاسلام بهذا الصدد قائمة طويلة للمعاني التي يجب ان يبتني عليها الانسان المسلم، وتقوم على اساسه الشخصية الاسلامية والتي تتألف من عناصر عديدة كحب اللّه تعالى، والانس به، والاشتياق اليه والخوف منه، ورجاؤه والرضا بقضائه وقدره، وحب المؤمنين، وحب الرسالة، وبغض الكافرين، والمنحرفين، والشريرين، والسرور بالحسنة والتضايق من المعصية والانفتاح النفسي على الحياة والابتهاج بها الى غير ذلك من المعاني الاسلامية الكثيرة في هذا المجال.. وتوجد الى جانب ذلك عناصر سلبية في الوجدان المسلم.. كالزهد الذي يعني تفريغ الانسان المسلم لوجدانه من حب الدنيا.. والخوف عليها ورجائها.
لماذا يصر الاسلام على تكوين وجدان خاص بالانسان المسلم، ولا يكتفي منه بالعمل ؟ ان السبب في هذا الاصرار من قبل الاسلام يعود
الى أمرين :
1- ان هدف الاسلام ليس مجموعة من التصرفات، والمواقف، والحركات يؤديها الانسان المسلم، وانما هو بناء الانسان الصالح بكل ما يعنيه الانسان من الفكر، والروح، والوجدان والسلوك. ان الاسلام يهدف الى ايجاد صيغة جديدة للانسان تختلف عن كل الصيغ المعروفة للانسان في مختلف الحضارات، صيغة كاملة شاملة.. وليست محصورة ضمن نطاق الفعل، والسلوك الاجتماعي وبهذا يختلف الاسلام عن مجموعة من انظمة الارض التي لا تريد سوى ان تؤكد سلطتها وسيطرتها السياسية، والاجتماعية على الناس..
2 - ينظر الاسلام الى الشخصية الانسانية وحدة متكاملة يؤثر كل جانب منها، وكل جزء في الجانب الآخر، والاجزاء الاخرى، ومن هنا فهو يرى ان من غير الممكن ان نؤمن جانباً من الشخصية الانسانية دون تأمين كافة الجوانب الاخرى، ليس من الممكن للاسلام ان يحكم السلوك الاجتماعي، والسياسي للناس دون ان يغير من مضمونهم العاطفي، والانفعالي، والوجداني، ودون ان يغير من مفاهيمهم الحياتية ورؤاهم الفكرية حول الكون، والحياة كما لا يمكنه ان يؤكد على جوانب الفكر، والوجدان في شخصية الانسان المسلم دون ان يؤكد على جانب السلوك، والنظام الاجتماعي، والسلطة الزمنية.
المبدأ الثاني :
تحكيم العقل والدين على العاطفة والانفعال، فمهما كانت
العواطف، والانفعالات رسالية، وانسانية عامة او منحرفة فهي - محكومة - في شخصية الانسان المسلم - لارادة اللّه تعالى التي يعرفها العقل.
وعلى هذا فالعاطفة والانفعال - ولو كانا مبدأين - يعتبرهما الاسلام (طاقة نفسية) لا بد منها، اما الجهاز الحاكم في الشخصية فليس هو العاطفة، ولا الانفعال وانما العقل، والارادة، اولهما : يوضح الصحيح من الخطأ والحلال من الحرام في ضوء المنطق الشرعي، وثانيهما ينفذ ويقرر عملياً ويرتكز ذلك على ما يلي :
1 - ان ارتباط الغريزة، والعاطفة، والانفعال الذي تقتضيه هذه الدوافع ليس ارتباطاً حتمياً، وانما هو ارتباط اقتضائي. اذ يمكن للانسان ان يحول بين العاطفة والانفعال وبين نتائجهما العملية.
2 - ان مقتضى العبودية للّه تعالى هو، ان ينسجم الانسان سلوكياً مع ارادته تعالى، سواء كانت مثبتة تشريعياً على شكل الزام، او على شكل ترجيح، او كانت ارادته تعالى هي ترجيح احد الاطراف المتزاحمة من وجهة نظر المصالح، والمفاسد.
3 - ان العواطف ولو كانت دينية - لا تقتضي دائماً الفعل الذي ينسجم مع ارادة اللّه تعالى، بل قد تختلف مقتضياتها مع مقتضيات الارادة الالهية فقد يسبُّ المؤمن - لعاطفته الدينية - الذين كفروا فيسبوّا اللّه تعالى، وقد ينفعل - غاضباً للّه تعالى فيتعجل بموقف يعود بالضرر على الدين وعلى هذا اناط الاسلام (الفعل) بالتدبر بالعاقبة والتعقل كما جاء في حديث عن رسول اللّه (ص) :
(اذا هممت بامر فتدبر عاقبته فان يك رشداً فامضه، وان يكن غياً فدعه).
التربية الروحية وتماسك الصف :
ان تماسك الصف يعتمد على وحدة الاهداف، والمنطلقات ووحدة المشاعر، والتعاطف القلبي.. ويتعرض تماسك الصف الى عوامل التفتيت، والتجزئة باستمرار.. (اختلاف الآراء، والمصالح الشخصية التي تغلب على المصلحة العامة عند بعض الناس، واختلاف المذاقات والمشاعر الخ)..
والتربية الروحية.. وبناء العلاقة بالله تعالى - وتنميتها هي دائماً في صالح التماسك.. فان التربية الروحية تعمل على ما يلي :
أ - توحيد المنطلق النفسي للمؤمنين في العمل.. (الدافع والهدف).. حب الرسالة، والرغبة في نشرها وتطبيقها مقابل الرغبات الشخصية، والاهداف الذاتية التي تختلف عادة من شخص الى آخر.
ب - الحب في الله تعالى، حب المؤمنين، والأنس بهم والاخوة فيما بينهم والمشاركة الوجدانية
ج - التقيد بالخلق الإسلامي في التعامل بين المؤمنين.
د - الحرص على المصلحة الدينية والخوف على الرسالة.
هذه المعاني الأربعة وما يتفرع عنها هي أساس التماسك والحصانة من التزلزل والتصدع.. وهي معان لا يبنيها سوى الايمان باللّه، والاخلاص
له تعالى، وحبه الذي ينبسط على المؤمنين، وكذلك طاعته، والصبر عليها في مواجهة الأهواء الشخصية ومشاعر الأنا والاستقلال.. وهذه الأمور هي جوهر البناء الداخلي الروحي للمؤمن..
(وما انا بطارد الذين آمنوا انهم ملاقو ربهم ولكني اراكم قوماً تجهلون، ويا قوم من ينصرني من الله ان طردتهم افلا تذكرون
(ان سرعة ائتلاف الابرار اذا التقوا، وان لم يظهروا التودد كسرعة اختلاط ماء السماء بماء الانهار وان بعد ائتلاف قلوب الفجار اذا التقوا وان اظهروا التودد بالسنتهم كبعد البهائم من التعاطف وان طال اعتلافها على مذود واحد).
واوضح مما سبق صلة التربية الروحية، والثبات على الدين في الايام الصعبة، وامتصاص المحن، والحرب النفسية والاضطهاد الجسمي، والنفسي الذي تواجه به الجاهلية اصحاب الرسول (ص) ومن بعدهم، ومن قبلهم اتباع الرسل والانبياء ان الصمود في المحن والبلاء.. وفتنة العذاب والمواجهة هو سمة المؤمنين في القرآن الكريم :
(وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير، فما وهنوا لما اصابهم في سبيل اللّه، وما ضعفوا، وما استكانوا، واللّه يحب
الصابرين، وما كان قولهم الا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرنا وثبت اقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، فآتاهم الله ثواب الدنيا، وحسن ثواب الآخرة واللّه يحب المحسنين)
(الذين قال لهم الناس : ان الناس قد جمعوا لكم فأخشوهم، فزادهم ايماناً، وقالوا : حسبنا اللّه ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله، وفضل لم يمسسهم سوء، واتبعوا رضوان الله، والله ذو فضل عظيم)
(قال آمنتم له قبل ان آذن لكم انه لكبيركم الذي علمكم السحر، فلاقطعن ايديكم، وارجلكم من خلاف، ولاصلبنكم في جذوع النخل، ولتعلمن أينا اشد عذاباً، وابقى، قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات، والذي فطرنا فاقض ما انت قاض، انما تقضي هذه الحياة الدنيا، انا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا، وما اكرهتنا عليه من السحر واللّه خير وابقى)
الى آخر ما هنالك من آيات الصمود الايماني في مواجهة قوى الضغط والعذاب.
كيف اتيح لهذه الافواج المؤمنة ان تصمد في وجه التحديات، وتواجه الآلام، والاغراءات، والاضطهاد بالصبر والثبات ؟ وما هو غذاء اصحاب موسى، واصحاب الاخدود الربيين، واصحاب محمد في رحلة المكاره، والمصاعب ؟ وبأي وقود استطاعوا الثبات، والتحدي حتى وهم تحت سياط الجلادين، وقبضة الطغاة ؟
كان غذاؤهم، وعزاؤهم، ووقودهم في كل هذه المرحلة الزهد.
(اقض ما انت قاض انما تقضي هذه الحياة)
وذكر الله، والتوكل عليه، واحتسابه.
(وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)
(والذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا للّه وانا اليه راجعون)
(واللّه خير وابقى)
والتطلع الى ثواب الله تعالى في اليوم الآخر، واسترخاص هذه الحياة الزائلة الى حيث تلك الحياة الخالدة.. والافق الواسع في تصور الحياة، ووعي حركتها، وقلة متاع الظالمين.. وهكذا خوف الله واستشعار
مراقبته.. وهذا هو أيضاً جوهر التربية الروحية..
وامثلة الصابرين بالله تعالى في المحنة، والبلاء بسبب عمق صلتهم بالله تعالى، وشديد تعلقهم به كثيرة جداً نعرف الكثير منها، ونجهل الكثير..
سجل القرآن الكريم بعضها وسجل التأريخ بعضها الآخر، واسدل ستار الزمن على الكثير من صبر الصابرين في الله. ونحن هنا نستشهد بالمثالين التاليين، في كل تلك الحدواث :
1 - عن الفضل بن شادان انه (سعي بمحمد بن ابي عمير الى السلطان : انه يعرف اسامي عامة الشيعة بالعراق، فأمره السلطان ان يسميهم فامتنع، فجر، وعلق بين (العقارين) نخلتين، وضرب مائة سوط قال الفضل فسمعت ابن ابي عمير يقول : لما ضربت فبلغ الضرب مائة سوط ابلغ الضرب الالم اليّ، فكدت ان اسمي فسمعت نداء محمد بن يونس بن عبد الرحمن يقول : يا محمد بن ابي عمير اذكر موقفك بين يدي الله تعالى، فتقويت بقوله فصبرت، ولم اخبر، والحمد لله)
2 - ومن أروع ما يرويه الأصفهاني عن مجموعة الحسنيين التي سجنت من قبل المنصور، لعدم معرفته بمكان محمد بن عبد اللّه (ذو النفس الزكية) الذي كان قد بويع بالخلافة سراً منذ العهد الأموي، ما رواه عن علي بن الحسين العابد الذي كان ضمن هذه المجموعة الصابرة.
(أ)- عن أحد السجناء منهم : حبسنا في المطبق، فما كنا نعرف
أوقات الصلاة إلا بأجزاء القرآن يقرأها علي بن الحسن.
(ب) - وفي رواية : لما حمل بنو الحسن إلى أبي جعفر أتى بأقياد يقيدونه بها، وكان علي بن الحسن قائماً يصلي وكان في الأقياد قيد ثقيل، فجعل كلما قرب إلى رجل تفادى منه واستعفى، فانفتل علي من صلاته فقال : لشد ما جزعتم من هذا.. ثم مد رجليه فقيد به.
(ج) وعن أحد السجناء : لما حبسنا كان معنا علي بن الحسن وكانت حلق أقيادنا قد اتسعت، فكنا إذا أردنا صلاة أو نوماً جعلناها عنا، فاذا خفنا دخول الحراس أعدناها، وكان علي بن الحسن لا يفعل فقال له عمه : يا بني ما يمنعك أن تفعل ؟ قال : لا واللّه لا أخلعه أبداً حتى أجتمع انا، وأبو جعفر عند اللّه تعالى فيسأله لم قيدني به ؟
(د) - وعن أحدهم : لما دخلنا السجن قال علي بن الحسن :
(اللهم ان كان هذا من سخط منك علينا، فأشدد حتى ترضى)
(ه) - وعن الحسن بن نصر قال : حبسهم ابو جعفر في محبس ستين ليلة ما يدرون بالليل، ولا بالنهار، ولا يعرفون وقت الصلاة الا بتسبيح علي بن الحسن، قال فضجر عبد الله (ابو محمد) ضجرة فقال : يا علي، الا ترى ما نحن فيه من البلاء ؟ الا تطلب الى ربك عز وجل ان يخرجنا من هذا الضيق والبلاء ؟ قال : فسكت عنه طويلاً، ثم قال : يا عم : ان لنا في الجنة درجة لم نكن لنلقيها الا بهذه البلية او بما هو أعظم منها، وان لابي جعفر المنصور
في النار موضعاً، لم يكن ليبلغه حتى يبلغ منا مثل هذه البلية، أو اعظم منها. فإن تشأ تصبر فما اوشك فيما احسبنا ان نموت، فنستريح من هذا الغم، كأن لم يكن منه شيء.. وان لم تشأ ان ندعو ربنا ان يخرجك من هذا الغم، ويقصد بأبي جعفر غايته التي له في النار فعلنا قال : لا، بل اصبر. فما مكثوا الا ثلاثاً حتى قبضهم الله اليه.
(ط) - ومن روايات أبي الفرج أيضاً، وعن أبي عبد اللّه إبن موسى قال : سألت عبد الرحمن بن أبي الموالي وكان معه بنو الحسن بن الحسن في المطبق : كيف كان صبرهم على ما هم فيه ؟ قال : كانوا صبراء، وكان فيهم رجل مثل سبيكة كلما أوقدت عليه النار ازدادت خلاصاً وهو إسماعيل بن إبراهيم، كان كلما إشتد عليه البلاء إزداد صبراً
هذه بعض الآثار العملية الهامة للجانب الروحي.. وهناك آثار أخرى : فالمؤمن العامل يصدر عن خلفية إيمانية، ورصيد روحي كبير، وعلاقة وثيقة باللّه تعالى هو الأكثر اندفاعاً، وانتاجاً، والأكثر ثباتاً، واستقراراً في ظل المتغيرات الحياتية، من رفاه، ورخاء إلى محنة وابتلاء ومن انفتاح الناس، وتقبلهم إلى جفائهم، وتكذيبهم، ومن بساطة العمل للّه إلى التعقد، والتشابك، ان الايمان وحده بما له من آثار في النفس، والشعور هو وحده القادر على الجمع بين الاندفاع في العمل، والهدوء في المشاعر والتسامي في الوجدان. وهي معانٍ من أصعب المعاني في مجال التربية.
كيف لا ينطلق المؤمن من الاثارة الخارجية ؟ وكيف لا تهزه العواطف والمتغيرات ؟ وكيف لا ينشغل بجزئيات الحياة عن الاهتمامات الرسالية
الكبرى ؟ وكيف لا يضيق صدره من مواجهات التكذيب والسخرية ويحتفظ بطمأنينة ورباطة جأشه في أحرج اللحظات ؟ وكيف يحتفظ بدرجة اندفاعه، وينمو عنده هذا الاندفاع في مختلف الظروف والأحوال ؟ !
واخيراً.. كيف يحافظ على استقامته الشرعية في معمعة العمل الاجتماعي، وضوضاء الحياة ؟
والجواب : ان كل هذا ليس له سوى منبع واحد.. هو الايمان حينما يثبت في الجوارح كلها في القلب والمشاعر، والارادة، والوجدان.
ومن الواضح تاريخياً، ان الائمة كانوا عموماً يعملون به لاجل بناء، وتكوين الشخصية الاسلامية المتكاملة كنقطة مشتركة ضمن النقاط المشتركة في عملهم (ع).. وكانت الشخصية الاسلامية في وعيهم. بوصفهم المعبرين الحقيقيين عن الاسلام هي هذا التلاحم، والتكامل بين الاطار الاخلاقي الشامل للعطاء الاجتماعي، والعمل الرسالي، وبين المضمون والمحتوى الروحي الذي يتمثل في العلاقة بالله تعالى.
كانوا (ع) يواجهون عملية التحلل الاخلاقي، والانصراف للدنيا والبعد عن الله.. والتنصل عن عبادة الله تعالى، وكانوا يواجهون الانحرافات العملية في الجماعة، التي افرزها عملهم، عندما حولت بعض قطاعاتهم الولاءات الى اداة للتنصل عن الالتزام الشرعي، ولتبرير الوضع المتحلل بدلاً من ان تفهمه على حقيقته، بوصفه عاملاً من عوامل الاستقامة،
والالتزام بالشريعة، وكانوا أولاً واخيراً. ينطلقون من دورهم الايماني في الحياة الذي يتمثل - فيما يتمثل فيه - بتكوين اجيال مؤمنة تحمل الرسالة الى العالم باستمرار.. فيعملون على ذلك بمختلف الاساليب..
وقد سجلت المجاميع الحديثية النصوص الواردة عنهم حول الايمان والاخلاق والتربية الروحية، حول الشخصية الاسلامية وبنائها فبلغ ذلك من الكثرة مبلغاً عظيماً.
ونحن هنا نسجل شيئاً من تلك النصوص التي تربط بين الولاء، والتشيع لخط أهل البيت (ع)، وبين العلاقة الروحية بالله تعالى :
1) - عن ابي جعفر (ع) :
(لا تذهب بكم المذاهب فواللّه ما شيعتنا الا من اطاع الله عز وجل
2) - عن جابر عن ابي جعفر (ع) (قال : قال لي : يا جابر ايكتفي من ينتحل التشيع ان يقول بحبنا اهل البيت فواللّه ما شيعتنا، الا من اتقى الله واطاعه وما كانوا يعرفون يا جابر الا بالتواضع، والتخشع، والامانة، وكثرة ذكر اللّه والصوم والصلاة)
3) - عن ابي الصباح الكناني عن ابي عبد اللّه (ع) في حديث :
(ما اقل والله من يتبع جعفراً منكم انما اصحابي من اشتد ورعه، وعمل لخالقه،
ورجا ثوابه، فهؤلاء اصحابي)(34)
4) - وعنه (ع) :
(ليس منا - ولا كرامة - من كان في مصر فيه مائة الف، أو يزيدون، وكان في ذلك المصر احد اورع منه)(35)
5) - وعنه (ع) :
(شيعتنا الشاحبون الذابلون الناحلون الذين اذا جنهم الليل استقبلوه بحزن)(36)
6) - وعنه (ع) :
(ان شيعة علي كانوا خمص البطون ذبل الشفاه، اهل رأفة، وعلم، وحلم، يعرفون بالرهبانية فاعينوا على ما انتم بالورع والاجتهاد)
وعن ابي جعفر (ع) :
(انما شيعة علي الحلماء العلماء الذبل الشفاه تعرف الرهبانية على وجوههم)(37)
ومن المناسب ان نذكر هنا ان الجيل الاول للمسلمين قد خرّج مجموعة من اهل العبادة، والورع والتقوى، كانوا بسببها موضع مدح اهل البيت (ع) اذ يروى عن ابي جعفر (ع) في خبر صحيح قال : صلى أمير المؤمنين (ع) بالناس الصبح بالعراق، فلما انصرف وعظهم فبكى وابكاهم من خوف الله، ثم قال : اما والله لقد عهدت اقواماً على عهد خليلي رسول الله (ص)، وانهم ليصبحون ويمسون شعثاً غبراً خمصاً، بين اعينهم كركب المعزى يبيتون لربهم سجداً وقياماً يراوحون بين اقدامهم وجباههم يناجون ربهم، ويسألونه فكاك رقابهم من النار والله لقد رأيتهم مع هذا، وهم خائفون، مشفقون).
هذه بعض النصوص الشاهدة على ان الائمة (ع) كانوا يهدفون الى بناء الشخصية الاسلامية بما تتضمنه من عبادة، وايمان، وحب، واخلاص، وكل عناصر الروحية الاسلامية الاخرى. ومن هنا فهم (ع) يربطون بين الولاء، وبين التربية الروحية.. وأما دراسة هذا الهدف ضمن الاهداف العامة للائمة (ع) من الزاوية التاريخية فلها موضع آخر