المقدمة
يستند مفهوم الأمن المائي كمفهوم مطلق، هو الكفاية والضمان عبر الزمان والمكان، اذ يعني تلبية الاحتياجات المائية المختلفة كما"ونوعا"، مع ضمان استمرار هذه الكفاية دون تأثيرات سلبية من خلال حماية وحسن استخدام المتاح من موارد مائية، وتطوير أدوات وأساليب هذا الاستخدام، علاوة على تنمية موارد المياه الحالية، ثم يأتي بعد ذلك البحث عن موارد جديدة سواء كانت تقليدية أو غير تقليدية، وهذا المفهوم يرتبط بين الأمن المائي وبين ندرة المياه.
لذا يجب أن يكون الأمن المائي العراقي هدفا "استراتيجيا" وان تسخر جميع الإمكانيات لتحقيقه، وبالنظر إلى الموارد الرئيسة في العراق والمتمثلة بنهري دجلة والفرات، والتي تأتي للعراق من دول الجوار الجغرافي وتحديدا (تركيا وإيران) باعتباره دولة المصب، فنلاحظ ان واردات هذين النهرين تخضع للسياسة المائية لتلك الدول، مع عدم التوصل لاتفاقيات تضمن الحقوق المائية المكتسبة فنرى من المناسب ان نسلط الضوء على الأسباب والعوامل التي تحول دون تحقيق الأمن المائي في العراق، وما هي أفاق تطور الاختلال المائي وكيف يمكن التخفيف من هذه المشكلة، وهذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذا البحث.
1-مفهوم الأمن المائي
لقد تم النظر إلى الأمن المائي في الأساس، على انه الحال الذي يكون فيه للفرد القدرة بالحصول على المياه غير الملوثه والمضمونه بالقدر الكافي وبالكلفه المناسبة، حتى يتمكن ان يعيش بصحة لائقة وزيادة قدرة على الانتاج. مع الحفاظ على النظم الايكولوجية التي توفر المياه وتعتمد عليها في ذات الوقت، بينما يؤدي نقص المياه الصالحة للشرب "العذبة" إلى تعرض الفرد لمخاطر تتعلق بالأمن البشري ابرزها انتشار الامراض والعيش في بيئة ملوثة(1).
تتفق هذه الرؤية مع التوجية الذي أعلنته لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والذي نص على ان "حق الانسان في المياه يجب ان يكفل للجميع وبالإمكان الحصول على المياه بشكل كاف وامن ومقبول لاغراض الاستخدام الشخصي والمنزلي" .
ويصبح الحصول على المياه على وفق هذا المنظور حقا مشروعا من حقوق الانسان اذ ان" التمسك بالحق الانساني في المياه هو غاية في حد ذاته ووسيلة لاستنهاض حقوق أكثر شمولا" وردت في الاعلان العالمي لحقوق الإنسان(2). وبالمقابل يعتبر انعدام الأمن المائي خرقا" لأهم مبادئ العدالة الاجتماعية، اذ من المفترض ان تكفل المواطنة العادلة لكل فرد الحق في قدر متكافىء من الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية، بينما يعد انعدام الأمن المائي تهديدا" لها، لانه يقلل من تكافؤ الفرص الذي هو احد الشروط الاساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية.
وفي الوقت الحاضر، لم يعد النظر إلى انعدام الأمن المائي من زاوية الندرة المادية للمياه والتي تعرف بـ"عجز الموارد المائية" عن تلبية الطلب فحسب بل كنتاج لسياسات سوء ادارة الموارد المائية ايضا.
ان التغيرات المناخية وظاهرة الاحتباس الحراري في العقدين الاخيرين، وما رافقه من اختلال في انماط سقوط الامطار وبروز ظاهرة التصحر والجفاف هذا ما دفع المهتمين والباحثين في قضايا المياه إلى اعتبار الأمن المائي مرتبطا بالقدرة على التنبؤ بالمخاطر كالعواصف والاعاصير والفيضانات وحتى الجفاف وامكانية الحد من الضرر الناتج عن مخاطرها(3).
2- أسباب البحث في الأمن المائي العراقي
تعد المياه من أهم مكونات الانسان العضوية، ومن أهم مرتكزاته الاجتماعية، يحتاج الانسان إلى المياه بقدر حاجته إلى الاوكسجين اذ بدونهما لايمكن ان تكون هنالك حياة. لقد كان ينظر في السابق إلى المياه على انها احد الموارد الطبيعية المتجددة، اذ ان الكميات المتوفرة منها على الارض تمتاز بالثبات النسبي، وقد عززت الدوره الهيدرولوجية للمياه هذا الاعتقاد(4). لقد أدت المتغيرات المناخية وقلة تساقط الامطار، وانتشار الاراضي المتصحرة بسبب الجفاف، وقلة الموارد المائية وازدياد عدد السكان، واتساع النمو الحضري، يضاف إلى السياسات المائية لدول الجوار الجغرافي غير العربي من خلال انشاء العديد من السدود الكبيرة والمشاريع المائية والاروائية، دون الاخذ بنظر الاعتبار استحقاقات دولة المصب "العراق" والتي تعد مخالفة صريحة لقواعد القانون الدولي الناظمة لاقتسام مياه الانهار المشتركة، إلى ضرورة البحث عن المرتكزات الاساسية لاستراتيجية الأمن المائي العراقي كجزء من متطلبات سبق النظر بالاحتياجات المائية المتوقعة ولمختلف الاغراض.
3-عوامل اختلال الأمن المائي
ثمة عوامل واسباب تسهم في اختلال الأمن المائي، والتي تعد من الازمات الصامتة التي قلما تلاقي الاهتمام الكافي من قبل وسائل الاعلام ومن ابرز تلك العوامل:
أ. ندرة المياه
لقد باتت ندرة المياه قضية تؤرق السياسيين والاقتصاديين وبعض أعضاء مجلس النواب والباحثين والمهتمين بقضايا المياه، وذلك في ضوء عدم كفاية الموارد المائية المتاحة لسد احتياجات السكان، الذين يتزايدون باضطراد وأيضا في ضوء مخططات دول الجوار الجغرافي لحرمان العراق من نصيبه القانوني من مياه الانهار المشتركة، وهذا ما قد يفضي إلى صراعات سياسية وربما عسكرية مستقبلا على هذا المورد.
يرى بعض الاقتصاديين، ان مصدر القلق حول المياه يعود لندرتها التي تزايدت مع زيادة عدد السكان اضافة إلى الطلب المتزايد على استهلاكها(5). تقدر كمية المياه الموجودة على كوكب الارض بحوالي (1400) مليون كم3، الجزء الأعظم منها (97,5%) هو من المياه المالحة التي تملاء المحيطات والبحار، بينما لاتمثل كمية المياه العذبة سوى نسبة (2,5%) الا ان اغلب المياه العذبة غير متاح في الوقت الحاضر، فقسم منها مخزون في باطن الارض على عمق يتجاوز مئات الامتار، وقسم اخر متجمد في المناطق القطبية واعالي الجبال الشاهقة، اما الجزء المتاح يقرب من (20%) من اجمالي المياه العذبة أي حوإلى (0,05%) من اجمالي مياه الكرة الارضية(6)، يعتبر العلماء ان توفر المياه في بلد ما بما هو أقل من (1000م3) للفرد سنويا هو ندرة للمياه، بينما يعد توفرها بأقل من (500م3) للفرد في السنة هي ندرة مطلقة.
ب. تسارع الزيادة السكانية
لقد أدى الازدياد المضطرد للسكان، والهجرة من الريف إلى المدينه في العراق، والتوسع العمراني وانتشار ظاهرة الاحياء العشوائية وضعف التخطيط العمراني، إلى زيادة معدلات الطلب على المياه العذبة في حين ينخفض العرض منه مع ازدياد معدلات الاستهلاك بأكثر من معدلات التعويض، مما تقتضي الضرورة لترشيد استخدامه وحسن تخطيطه(7). ان زيادة الطلب على المياه جعل من عنصر الندرة أكثر حدة، كما تؤدي الندرة إلى اعتماد المدن على مصادر مياه أكثر كلفة، لان مصادر المياه المحلية تصبح إما مستنزفه أو ملوثه.
ت. ارتفاع مستوى المعيشة
يؤدي التقدم الحاصل في مجال التنمية الاقتصادية، إلى تحسن مستويات المعيشة فتتغير بدورها أنماط الاستهلاك ويزداد الطلب على المياه.
ث. أنماط الزراعة
تحتاج بعض أنواع المحاصيل الزراعية بطبيعتها إلى وفرة مائية، فإنتاج كيلو غرام واحد من الرز في مناطق الفرات الأوسط وجنوبه كمثال يتطلب من 2000_5000 لتر من المياه، وإنتاج طن واحد من قصب السكر يتطلب ثمانية أضعاف كمية المياه المستخدمة في إنتاج طن من القمح بالري السيحي(8). إضافة إلى عزوف بعض المزارعين لاستخدام تقنيات الري الحديثة، كالري بالرش والري بالتنقيط، وضعف دور الإرشاد الزراعي في عموم محافظات القطر جميع هذه العوامل ساعدت على الإسراف باستخدام المياه للأغراض الزراعية مما يتطلب الأمر التعاون والتنسيق بين وزارتي الزراعة والموارد المائية لوضع ضوابط تحدد كمية المياه حسب المساحة الزراعية وتسعيرها وتفعيل دور الإرشاد الزراعي والدور الرقابي لدوائر الزراعة في المحافظات ومؤسسات المجتمع المدني للحد من ظاهرة الإسراف والاستتراف باستخدام المياه للأغراض الزراعية.
ج. قطاع الصناعة
يستهلك قطاع الصناعة كميات كبيرة من المياه، فانتاج طن واحد من الحديد والصلب على سبيل المثال يحتاج ما بين 8000_1200 لتر من المياه، وحاجة الصناعة إلى المياه لاتقتصر على الصناعات الثقيلة، بل تشمل كل فروع الصناعة، مما يتطلب التفكير الجدي باستخدام المياه المعالجة للاغراض الصناعية ووضع استراتيجية واضحة وقابلة للتطبيق للمحافظة على المياه العذبة للاستخدام البشري(9).
4-الأسباب السياسية والمؤسساتية
يرى العديد من الباحثين الاقتصاديين، ان السبب الرئيس لندرة المياه هي أسباب سياسية ومؤسساتية، ويكون في اغلب الأحيان نتاج سوء ادارة الموارد المائية وليس بسبب نقص مادي في إمدادات المياه، فهناك قدر كبير من عدم المساواة بفرص الحصول على المياه العذبة على مستوى الاسرة داخل الدول، في حين يتمتع سكان المناطق المرتفعة الدخل والمدن بإمكانية الحصول على مئات الليترات من المياه تصل لبيوتهم يوميا وبأسعار رمزية بواسطة دوائر الماء في عموم المحافظات. فان سكان الارياف والإحياء الفقيرة في اطراف المدن يحصلون على ما هو اقل من المناطق الانفة الذكر، اما فيما يتعلق بالجانب السياسي فان ارتباط موارد المياه بالسياسة كانت منذ القدم وحتى يومنا هذا مثار نزاعات قبلية وإقليمية ودولية، ان المشكلة المائية بين العراق وسوريا من جهة وبين تركيا من جهة اخرى بشأن تقاسم مياه الفرات لازالت قائمه اذ ان السلوك السياسي التركي في مجال الموارد المائية لايلتزم بقواعد القانون الدولي للتوصل إلى اتفاقيات لتنظيم استثمار مياه الأنهار المشتركة، يضاف لذلك أن المشروع السوري لسحب مياه نهر دجلة قد أثارت حفيظة السياسيين العراقيين والبعض من أعضاء مجلس النواب لتأثيرها المباشر على واردات مياه نهر دجلة(10) ناهيك عن الاستغلال غير الأمثل لإيران بخصوص الانهار الحدودية المشتركة مع العراق وقطع جريان ابرز تلك الأنهر كنهر الكارون والوند(11). وعليه يتطلب من حكومة العراق والجهات ذات العلاقة تفعيل الدور الدبلوماسي واللقاءات الثنائية بين العراق وتركيا وايران، للتوصل إلى اتفاقيات مشتركة تلزم جميع الأطراف بتنفيذ بنودها. كما يتطلب الأمر إذكاء دور التوعية والتربية المائية عبر وسائل الإعلام المختلفة والمؤسسات التربوية لترشيد استهلاك المياه، كما ينبغي رعاية الباحثين والمهتمين بقضايا المياه لإذكاء الدور البحثي في هذا المجال للتوصل إلى حلول ناجعة لتفادي الأزمة المائية المتوقعة، وبناء مرتكزات لإستراتيجية مائية ناجحة لتعزيز الأمن المائي العراقي.
5-استهلاك المياه
يؤدي سوء استخدام الموارد المائية, وعدم استخدام الطرق العلمية الصحيحة في الري إلى هدر حوالي 50% من المياه المستهلكة, والجزء الاكبر من الهدر في المياه يحصل نتيجة رداءة انظمة الري المستخدمة في الزراعة اذ يضيع اكثر من 60% من مياه الري في العراق بسبب اعتماد طرق الري التقليدية ولا يقتصر أسباب الهدر على اسباب تقنية وسوء ادارة الموارد المائية فحسب, فهي تكون ناتجة احيانا عن ظروف توفير المياه (خصوصا مياه الري) بشكل مجاني او باسعار رمزية الامر الذي يترك المجال للإفراط في استهلاكها وضياع جزء كبير منها(12).
6-تلوث المياه
تعتبر مشكلة التلوث من ابرز مشكلات العصر, حيث انها باتت تطال كل المرافق والموارد, الا اننا سنحصر حديثنا بتلوث المياه الذي تكاد تكون مشكلته على الرغم من حداثتها النسبية, اذ تتخطى في خطواتها مشكلتي الندرة والهدر معا.
يؤثر تلوث المياه على الانسان في مختلف أنحاء القطر ولكن خطره الاكثر يتركز في الاقضية والنواحي والقرى والارياف, فعلى الرغم من التحسن الذي طرأ في مجالي الحصول على المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي في العقدين الاخيرين الا ان الصورة لم تتعدى كثيرا ان ان المشاريع المائية كالسدود مثلا لدول جوار العراق (تركيا, ايران) والمشاريع الاروائية والزراعية واستخدام الاسمدة الكيميائية والمبيدات الحشرية ساعد بشكل كبير على تلوث المياه الواردة إلى العراق اذ أصبح العراق يعاني من النوعية اكثر من الشحة اضافة إلى نقص الوعي البيئي للمواطن ساعد على انتشار لكثير من الاراضي ناهيا عن تأثير العمليات العسكرية ومخلفات الحروب من تاثيرات بيئية كبيرة. كما الحق التلوث ضررا كبيرا في الثروة السمكية في جنوب العراق وبمناطق الاهوار تحديدا(13). وفي مجال اخر ذكر تقرير التنمية البشرية لعام 2006, ان (70%) من المياه الموجودة في خمسة من اكبر شبكات الانهار السبعة في الصين على سبيل المثال شديدة التلوث حتى انها لا تصلح للاستخدام البشري وان (14%) فقط من مياه الصرف الصحي في أمريكا اللاتينية تتم معالجتها بينما يتم التخلص من الباقي في الأنهار والبحيرات او يترك ليترسب إلى المياه الجوفية(14).
7- ضعف ادارة الموارد المائية
ان توفير سبل الحصول على المياه يعد واحدا من اكبر التحديات التي تواجه البشرية في مطلع القرن الحادي والعشرين. فقد دار جدال واسع منذ سبعينات القرن العشرين حول المزايا النسبية لكل من القطاعين العام والخاص في ادارة الموارد المائية, ورأى البعض ان مشاركة القطاع الخاص (مشاريع تحلية المياه) على سبيل المثال يعد احدى الواسائل للحصول على خدمات اكثر وافضل لان القطاع الخاص يمكنه توفير المياه بكفاءة اكبر والحصول على مصادر التمويل بصورة افضل مع ضمان قدر اكبر من المسائلة والشفافية(15), وفي عراقنا الجديد وتماشيا مع ترويج فكرة استثمار المشاريع الخدمية نجد من المناسب طرح فكرة مشاركة القطاع الخاص بإنشاء مشاريع مائية صغيرة لدعم مشاريع الدولة المائية وعلى مستوى الاقضية والنواحي ويمكن دراسة ذلك من قبل مجالس المحافظات كالبصرة وديإلى مثلا, وتتمثل الفكرة المطروحة عن ترتيبات تقوم بها وزارة الموارد المائية بتحويل إدارة مؤسسات المياه في القطاع الخاص مع احتفاظ الدولة بملكية هذه المؤسسة وبموجب هذا العقد تتقاضى الادارة الجديدة بدل اتعاب الادارة الا انها لاتستفيد من الاداء المائي للمؤسسة الذي يذهب إلى الدولة, وان الإخفاقات التي قد تحصل لا تمثل دليلا كافيا على انتقاء ودور القطاع الخاص في هذا المجال, انما تؤكد مدى الحاجة إلى مزيد من التفاعل بين القطاعين الخاص والعام.
في العراق لا يمكن الاعتماد على القطاع الخاص وحده الذي تنخفض فيه معدلات التغطية لسببين: اولهما تمتع قطاع المياه بالكثير من خصائص الاحتكار الطبيعي. وثانيهما: ان في العراق ترتفع مستويات الفقر بسبب ازدياد نسبة البطالة فيكون تمويل الدولة مطلبا أساسيا.
مما تقدم هذه فكرة مطروحة للنقاش حيث من الواضح ان ضعف إدارة الموارد المائية يعتبر جزاء أساسيا في المشكلة في مسالة توفير المياه, وهذا الضعف سببه ضعف الصيانة وعزوف المواطنين بعد عام 2003 إلى تسديد قوائم أجور المياه إلى جانب المزيد من التدهور في الهياكل الأساسية لمشاريع إيصال الماء الصالح للشرب إلى المواطنين إضافة إلى الاستهلاك المنزلي ومن المناسب ان تكرس بعض جلسات مجلس النواب لإدارة هذا الجانب واستضافة الوزراء ذات العلاقة لتدارس الموضوع والخروج بصيغ كفيلة لوضع إستراتيجية لقطاع المياه لضمان الأمن المائي ومحاولة سد الفجوة الغذائية الذي يعاني منها المواطن في الوقت الحاضر(16).
8- امكانية الحصول على الأمن المائي في العراق
على الرغم من الصورة غير المتفائلة التي قدمها البحث, إلا انه مازال بالإمكان عمل الكثير للحيلولة دون تفاقم الاختلال المائي, وتجنب المخاطر التي يمكن ان تواجه الأجيال القادمة. ان اختلال الأمن المائي هو احد التحديات التي ستواجه الدولة وبالإمكان مواجهة هذا التهديد ام الحد منه على الأقل او ندعه على حاله فيزداد ويتحول إلى انعدام الأمن المائي.
مواجهة هذا التهديد متعددة الإشكال والمستويات والأساليب, منها ما هو شخصي يمكن ان يقوم به المواطن, ومنها ما هو وطني يتمثل بالخطط الوطنية التي تعتمدها الدولة, ومنها ما هو دولي يتطلب تعاون دولي صادقا وفعالا وملزما.
1. على المستوى الوطني:
تتمثل نقطة الشروع في محاولة الوصول إلى معالجات في ضرورة التعامل مع المياه باعتباره موردا استراتيجيا أي بافتراض اسوأ الاحتمالات والعمل على أساسه كما أن اعتماد مفهوم الإدارة المتكاملة للمياه التي تنظم استهلاك موارد المياه في إطار الحدود البيئية لتوفرها مع ضمان تأمين وصولها إلى الجميع باكبر قدر كافي من المساواة في الفرص وهو المدخل العملي لنجاح هذه المعالجة.
ان أي خطة وطنية يمكن اعتمادها لمعالجة مشكلة اختلال الأمن المائي العراقي يجب ان تنطلق من اعتماد السياسات الآتية: أولا: لقد ثبت فشل بعض سياسات الدعم التي تم اعتمادها في السابق والتي لا تتناسب مع مبادئ الجدوى الوطنية الاقتصادية, كما لا يمكن التعامل مع المياه باعتبارها سلعة مجانية. ثانيا: إجبار الصناعات الملوثة على إزالة ما أحدثته من تلوث في البيئة وتغريم ومحاسبة من يقوم بتلويثها, من خلال اعتماد سياسة حكومية صارمة في هذا المجال, ودفع الشركات والمصانع للبحث عن تقنيات تحد من تلويث مصادر المياه. ثالثا: تعتبر المياه الجوفية موردا استراتيجيا احتياطيا يفترض استخدامه عند تدهور مصادر المياه الأخرى, لذا يجب الحفاظ على هذا المصدر المائي وتنظيم استخدامه من خلال عملية مراجعة وطنية والحد من ظاهرة حفر الآبار العشوائي. رابعا: تفعيل دور التوعية والتربية المائية لضمان ترشيد استهلاك المياه والحد من ظاهرة الإسراف والاستتراف باستخداماتها, وان تأخذ المؤسسات الإعلامية والتربوية والتعليمية ومؤسسات المجتمع المدني دورها الفاعل في هذا المجال. خامسا: يعتبر خفض الطلب على المياه احد الأساليب الضرورية لكسر حدة اختلال الأمن المائي, ويتم ذلك عبر استبعاد بعض الصناعات المستنزفة للمياه, والتخفيض من استعمال الأسمدة الكيمياوية في الزراعة إذ أنها تتطلب كميات كبيرة من المياه واعتماد الأساليب الحديثة بالري والاتجاه نحو الزراعات العضوية كون حاجتها للمياه اقل. سادسا: قيام وزارة الموارد المائية بإنشاء العديد من السدود الصغيرة وخاصة في المنطقة الغربية من العراق للاستفادة من خزن مياه السيول والأمطار على مجاري الأودية (محافظة الانبار أنموذجا). سابعا: بات من الضروري الحد من الزيادة السكانية ووضع الضوابط لتقليل الهجرة من الريف إلى المدينة, التي اخذت تضغط على الموارد المائية والموارد الاقتصادية بشكل كبير.
ثامنا: التعامل مع المتغيرات المناخية بقدر كبير من المرونة والمسؤولية لتخفيف تأثيراتها السلبية. تاسعا: أصبح من الضروري أن تنتهج الدولة سياسة جديدة للبحث عن مصادر طاقة بديلة لتوفير قدرا اكبر من المياه.
2. على المستوى الدولي:
ان دول الجوار الجغرافي غير العربي للعراق, وباعتبارها دول المنبع تنتهج سياسة مائية مخالفة لمبادئ وقواعد القانون الدولي والشريعة الإسلامية وعلاقات حسن الجوار من خلال استئثارها بالمياه من داخل أراضيها بإنشاء العديد من المشاريع المائية والاروائية والخزنية, دون الاكتراث إلى الحقوق المائية للعراق (دولة المصب), ومحاولتها استخدام المياه كورقة ضغط سياسية لكي تأخذ دورا إقليميا في المنطقة, والسبب من ذلك هو عدم توقيعها على اتفاقيات ملزمة وكفيلة لضمان حصول العراق على حصته المائية, والأمر الذي يتطلب حسم الموضوع على مستوى رئاسة الدولة والحكومة مع الجانبين التركي والإيراني, وكان من المناسب أن يستثمر العراق قمة بغداد لطرح مشكلته المائية مع الدولتين الجارتين لكي تأخذ جامعة الدول العربية دورا واضحا في هذا المجال, لان اختلال الحصة المائية سيربك إستراتجية الأمن المائي العراقي.
الخاتمة
لقد توصل المقالة إلى عدد من الاستنتاجات والتوصيات وكما يلي:
الاستنتاجات
أ.الابتعاد عن مسألة ربط موضوع المياه بمواقف وأحداث سياسية لدول الجوار الجغرافي للعراق، لان السياسة عالم متغير.
ب.سيعاني العراق من موضوع نوعية المياه أكثر من موضوع كميتها، بسبب تلوثها وعدم قيام دولة المنبع (تركيا) بمعالجة المياه الراجعة من المشاريع الصناعية والزراعية العالية الملوحة، قبل وصولها إلى مجاري نهري دجلة والفرات.
ت.عدم استخدام التقنيات الحديثة، في خزن المياه ونقلها، وكذلك استخدام أنظمة الري القديمة والتقليدية في مجال الزراعة، والتي من شأنها زيادة الضائعات المالية.
ث.ضعف ادارة الموارد المائية في العراق، وعدم سبق النظر بتوقعات المتغيرات المناخية وقلة واردات المياه أثر بشكل مباشر على الأمن المائي العراقي.
ج.ضعف التوعية المائية للمواطنين، وعدم ترشيد استهلاك المياه بسبب رخص أثمانها، كان أحد عوامل اختلال الأمن المائي.
ح.ازدياد السكان المضطرد، وإنشاء الأحياء السكنية العشوائية شكل ضغطا" واضحا على كميات المياه الصالحة للشرب.
التوصيات
أ.تشكيل مجلس أعلى للمياه يرأسه رئيس الحكومة، ويضم بعضويته وزراء المارد المائية والزراعة والبيئة والصحة ورئيس لجنة المياه بمجلس النواب لدراسة الخطط المتعلقة باستراتيجية المياه .
ب.اعتبار المياه سلعة إستراتيجية أسوة بالنفط، ويجب وضع الاستراتيجيات الكفيلة لديمومتها والمحافظة عليها من الهدر والتلوث.
ت.اعتبار الأمن المائي العراقي، جزء أساس من منظومة الأمن الوطني وبكافة المقاييس، والتعامل مع موضوع المياه والمشكلات العالقة مع دول الجوار كموضوع سيادي، يتعلق بالجوانب الإنسانية والاقتصادية والسياسية.
ث.اذكاء البحوث والدراسات المتعلقة بالمياه، وتفعيل عقد المؤتمرات والندوات العلمية والحلقات النقاشية، في الجامعات والمراكز البحثية، التي تعنى بالشان المائي من حيث الشحة والاستغلال.