"رب ادخلني مدخل صدق و اخرجني مخرج صدق"
بهذا الدعاء ابتدئ مقالتي وأرجو ان أدخل فيها بصدق و اخرج منها كذلك ان شاء الله.... بل اسعى ان ادخل يومي واسبوعي و شهري بصدق و اخرج منهم بصدق ايضاً، كما ادعو لأدخل حياتي و اخرج منها بصدق و هكذا ادخل قبري و اخرج منه... فما هو الصدق ؟
كاد أن يكون الصدق عملة نادرة في زمن غابت عنه صفات الفضيلة. والصدق هو مطابقة المنطق و الفكر للسلوك و القول، و يبدأ بالصدق مع الرب و النفس و مع الآخرين فيصدق المرء مع ربه حين اداءه للاعمال العبادية فلا يرائي و لا يصاب بالعجب إنما يخلص نيته لربه تعالى و يصدق مع نفسه ليجعلها دائماً على الصراط القويم ويصدق مع الآخرين ليجتنب الكذب.
و الدعاء بالصدق يشمل جميع هذه الاقسام وهو بالطبع من اجلّ و اعظم الادعية لأن الذي يتمثل الصدق في جميع مواضع حياته يكون قريباً من الجنة و هذا ما نجده عند ذاك التائب الذي آمن بالنبي الأكرم ولكنه لم يستطع أن يتخلص من الصفات السلبية التي كان يحملها في الجاهلية و اشترط عليه النبي (صلى الله عليه وآله) شرطاً وهو ان لا يكذب! وحين خلا مع نفسه واراد أن يشرب الخمر منعه الشرط لأنه لو عاد و سألوه عن رائحة فمه للزمه أن يقول الحقيقة مما يعني جلده... و هكذا حينما عرضت له سائر المنكرات و بالتالي طهر هذا الفرد من جميع الرذائل بالتزامه الصدق، و من هنا كان الكذب مفتاح الرذائل، يقول تعالى: "يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم" (المائدة /119).
فاذا كان للايمان رأس و للتقوى حياة و للاسلام عماد و للانسان جمال وللدين لباس وللنبل كمال فلا يكون ذلك الّا الصدق فاليه مرجع الفضائل و منتهى الكمالات و من هنا كان الصدق هو المعيار لمعرفة فساد المرء أو صلاحه يقول الامام الصادق (عليه السلام): (لا تغتروا بصلاتهم، ولا بصيامهم، فإن الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش، ولكن عند صدق الحديث، وأداء الأمانة) .
و في الحقيقة إنّ سر الإنتصار يكمن هنا، و هذا هو طريق الأنبياء و الأولياء الرّبانيين حيث كانوا يتجنّبون كل غش و خداع و حيلة في أفكارهم و أقوالهم و أعمالهم و كل ما يتعارض مع الصدق.
و عادة فإنّ المصائب التي نشاهدها اليوم والتي تصيب الأفراد و المجتمعات و الأقوام و الشعوب، إنّما هي بسبب الانحرافات عن هذا الأساس، ففي بعض الأحيان يكون أساس عملهم قائما على الكذب و الغش و الحيلة، فعلينا دائماً أن ندعو ربنا بأن يدخلنا في اعمالنا جميعاً مدخل صدق ولكن في بعض الأحيان يدخل أناس إلى عمل معين بصدق و لكنهم لا يستمرون على صدقهم حتى النهاية. و هذا هو سبب الفشل و الهزيمة، ولذلك كان الدعاء واخرجني مخرج صدق أي ان استمر الى النهاية بهذا الصدق الذي ابتدأت به.
وبالمصلحة؛ فأن الانسان اذا ما اراد النجاح و السعادة في الدارين عليه أن ينتهج الصدق و كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام: (النجاة في الصدق)، و اذا ما راجع كل انسان نفسه يجد أن النجاحات الحقيقية التي حققها لم تأت الّا من الصدق. ولا يمكن بالطبع أن يصل المرء الى هذا المقام السامي الّا بعون من الله تعالى و لذلك يدعو المؤمنون أن يدخلهم ربهم في جميع امورهم بصدق ليكون نتاج ذلك، "جنات و نهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر" ان شاء الله