بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾[1]
امة تجدد ذكرى سيد الشهداء هي امة أجابت عن السؤال عن النعيم بلسان الفعل بعد القول، فمن مصاديق الشكر على نعيم الولاية بل من أجلها وضوحا وأعظمها عنوانا أن نواسي شهداء كربلاء كل حين ونربط عواطفنا بمواقفهم الذكية لتزكوا عواطفنا وتتمحور حول العقل وتكون محض تعقل وتفاعل نحرير فائق الفهم منكشف الرؤى وخارق لحجب اللحظة إلى أفق الحقيقة وعرش المعرفة.
قد يسأل سأل متعجب كيف ترتبط شعائر الحسين بهذا الكم الهائل من مساحة التعقل بل وكيف صيرتموه في شعائر الله وقلتم بأنها شعائر تعظمها تقوى القلوب؟
والحقيقة أن شعائر الحسين من درجات التقوى الأسمى والأعلى بين مراتب التقوى الأخرى، وهي أقرب وأول مصداق للأية 32 من سورة الحج ﴿ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾[2]
أليس رسول الله من الحسين «حسين مني وأنا من حسين» فدين الله من الحسين استمراره بعد أن كان بلاغه من الرسول الأكرم صلى الله عليه وأله «ألإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء» إحياء شعائر الحسين إحياء لشعائر الله والصبر والمواساة في هذه الشعائر لأل بيت النبوة والحزن معهم ولهم هو حزن في سبيل استمرار الدين ودفع إلى تخليصه من شوائب الاستغلال وسور يحيطه من ضلالات الطغاة وإرجافات عملاء الشهوة والدنية وعباد الدنيا، فكل طاغية ينوي استغلال الدين سوف يصطدم بالحسين لا محالة وسوف يحارب شعائر الحسين وسوف تهزمه الشعائر الحسينية بكشفها لحقيقته الماكرة وتميط اللثام عن وجه مكره، فتخفت رايته وينتن ريحه ويكدر روحه.
هذه هي الشعائر الحسينية كاشفة فاضحة لمن إنغمس في الرين والدنس والخبث أن لا يسول للناس فعله ويموه الباطل بدعوات الحق، الحسين سلام الله عليه كان بالمرصاد للباطل وسوف تبقي ذكراه رصدا وعذابا على الطغاة، دونكم التأريخ فسألوا عن قصص الطغاة من أسقطهم ومن فتفت عروشهم ورغم أنوفهم واستنطقوا كتب الرواية لتعرفوا كيف زال ملك بني أمية وبني العباس والشاه وغيرهم الكثير.
أسألوا الشهداء في الزمن الغابر وفي اليوم الحاضر الم يكون الحسين قدوتكم أما تبعتم الحسين في مقولته «هيهات منا الذلة»؟ أسألوا الممانعين للطغيان المجاهدين في سبيل الحق من أين صارت لهم ملكة المقاومة من أين يستمدون صلابة الصمود من أين عرفوا سر التحدي اليس من عاشوراء الحسين؟
واسأل السلاطين وحكام الجور وطواغيت العصر ما الذي يخيفكم ويربك خططكم؟ لم تمنعون شعائر الحسين لم تخافون من ذكرى قبل الف وثلاث مائة وسبعين من السنين، لم تخافون من الذكرى القديمة، لم تدافعون عن عظام الطغاة النخرة، لم تهابون من الباكين على الحسين، لم تكرهون صوت ناعية الحسين، لم تصرعون أمام دماء المواسين بدمهم لدم الحسين وبجرحهم لجرح الحسين؟
كيف تتلذذون بسفك دم المستضعفين وتجزعون أمام لوحة الإدماء وتهولون قطرات سقطت منهم في حب الحسين؟
أليس ذلك ما يكشف أنكم لا تطيقون الوقوف في وجه شعائر الحسين فظلا عن الوقوف في سبيله؟
أقول لكل من يرجف ضد هذه الشعائر الحسينية من المخالفين أو من داخل النسق المذهبي، كلما تسوق من حجج سوف يتكشف بطلانها وسوف تزيد في هذه الشعائر حماسا وسعة وامتدادا، فقولك أنها توهن في المذهب والدين بإعطائها انطباعا دمويا مقززا ينفر الآخرين من الدين ويجعلهم يشمئزون منه، قول من لم يعرف بأن نهضة الحسين هي أصل الدين وهي نهضة صبغت باللون الأحمر لتبقى شاخصة في الأفق إلى اليوم الموعود توقظ السنة من نعاس النوم وترفع من حرارة مشاعر الغضب ضد الباطل فتوهن كيد المبطلين ولا يتأتى ذلك إلا بهذه الصورة المفجعة وبهذه الحرارة الصارخة.
ثم يا من تدعي وصلا بالدين والخوف عليه من التوهين، اليس تمام الدين ونعمته هم أهل بيت النبوة، وسيرتهم وقولهم وتقريرهم؟
أليس إتباعهم هو أصل الدين ومواساتهم شكرا للنعمة التي سوف تسأل عنها يوم الدين ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾التكاثر8؟
فأن غاب عنك ذلك فخذ هذه الجملة من الروايات في تفسير هذه الآية المباركة:
1 - وفي تفسير القمي، بإسناده عن جميل عن أبي عبد الله قال: قلت له: «لتسألن يومئذ عن النعيم» قال: تسأل هذه الأمة عما أنعم الله عليها برسوله ثم بأهل بيته.
2 - وفي الكافي، بإسناده عن أبي خالد الكابلي قال: دخلت على أبي جعفر فدعا بالغذاء فأكلت معه طعاما ما أكلت طعاما أطيب منه قط ولا الطف فلما فرغنا من الطعام قال: يا أبا خالد كيف رأيت طعامك؟ أو قال: طعامنا؟ قلت: جعلت فداك ما أكلت طعاما أطيب منه قط ولا أنظف ولكن ذكرت الآية التي في كتاب الله عز وجل «ثم لتسألن يومئذ عن النعيم» فقال أبو جعفر : إنما يسألكم عما أنتم عليه من الحق.
3 - وفيه، بإسناده عن أبي حمزة قال: كنا عند أبي عبد الله جماعة فدعا بطعام ما لنا عهد بمثله لذاذة وطيبا وأتينا بتمر تنظر فيه أوجهنا من صفائه وحسنه فقال رجل: لتسألن عن هذا النعيم الذي تنعمتم به عند ابن رسول الله فقال أبو عبد الله إن الله عز وجل أكرم وأجل أن يطعم طعاما فيسوغكموه ثم نسألكم عنه إنما يسألكم عما أنعم عليكم بمحمد وآل محمد .
4 - وإلى كون السؤال عن النعيم سؤالا عن الدين يشير ما في رواية أبي خالد من قوله: «إنما يسألكم عما أنتم عليه من الحق».
5 - وإلى كونه سؤالا عن النعيم الذي هو النبي وأهل بيته يشير ما في روايتي جميل وأبي حمزة السابقتين من قوله: «يسأل هذه الأمة عما أنعم الله عليها برسوله ثم بأهل بيته» أو ما في معناه، وفي بعض الروايات: «النعيم هو رسول الله أنعم الله به على أهل العالم فاستنقذهم من الضلالة»، وفي بعضها: أن النعيم ولايتنا أهل البيت، والمال واحد ومن ولاية أهل البيت افتراض طاعتهم واتباعهم فيما يسلكونه من طريق العبودية. [3]
الشعائر الحسينية سدا ضد استحلاب الدين وعلقما في أفواه المدعين لن يستسيغوا مذاقها برغم حلاوة ولذة طعمه عند المعظمين المتقين المواسين، وعلى من يتقزز من هذه الشعائر أن يفتش في ذاته عن الخلل وأن يطم الثغرة التي تتسلل إليه منها المشاعر الشيطانية وإيحاءات الظلال، هناك فأتين في مشوار الأرض فئة تقاتل في سبيل الله وفئة تقاتل في سبيل الطاغوت، وفئة الطاغوت عادة ما تعتدي على الكلمات فتجهض المعاني وتلاعب العواطف بتدليس المقال وتأتي بمنكر الأفعال ’ وسوف تهرج في لحظات الجد وتضحك على الذقون ويأسرون الناس في عيش الواقع المصطنع، فالشعائر الحسينية هي استمرار للنهضة الحسينية وسقي لشجرة الحرية كلما تعاهدناها استطالت وأينعت وأثمرت والعكس بالعكس إلا أن الله سوف يسخر لهذه الحركة المباركة في حالة خذلانها من أناس أناسا غيرهم يقومون بهذا العمل الجليل مصداقا لحفظ الدين المسنون من الخالق جل وعلى، فإن لم نكون أهل المبادرة في إحياء هذه الشعار فسوف يسخر الله لها غيرنا فيفوزوا بشرف البلاغ بالضد ممن ضيعها واستهان بها حيث يصاب بالخذلان والحسرة والندامة، الشعائر حياة لنا وحياة للعدل فينا وحياة للانتماء لخط الصادقين وإطاعة حقيقية لله رب العالمين حيث أنا مسؤلين عن الولاية لأل بيت الرسول الأكرم صلى الله عليه وأله بنص الآية الثامنة من سورة التكاثر، بقى أن ننوء بأنفسنا عن مجالس المطبلين ضد الشعائر الشريفة ولا نصيخ لهم سمعا فهم من حيث يعلمون أو لا يعلمون ينزلون في الخط الأموي المقالي لأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم وسوف يحرقون صورتهم عند الناس ولن ينفعهم تلميع شخصياتهم بعد ذلك، وسوف تشخص أعلام الشعائر خفاقة في بقع كثيرة من أرض الله بل ستسري مراثي الحسين في أصقاع الأرض بحرارة اشد وبقوة أعظم كلما إنفتل لها نفر من أهل التوهين تصدى لهم نفر من الموالين ليفندوا استنكارهم المغلف بكلمات الرقة والنعومة وتتصدى الروايات عن أهل البيت لتبين خطهم المرسوم إلاهيا والمدعم من الرسول الأعظم:
يروى عن زينب الكبرى سلام الله عليها في حوارها للإمام زين العابدين سلام الله عليه يوم الحادي عشر بعد واقعة كربلاء رواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وأله «وينصبون لهذا الطّف علما لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره ولا يعفو رسمه» [4]
يروى عن الأمام الصادق سلام الله عليه في ثواب من يحي شعيرة من شعائر الأمام الحسين «رفع له من الدرجات ما لا يناله المتشحط في دمه في سبيل الله» [5]
وفي تفسير الإمام العسكري أن رسول الله صلى الله عليه وأله دعا الله تعالى وقال «ألا ولعن الله قتلة الحسين، ومحبيهم وناصريهم، والساكتين عن لعنهم» [6] .
إذا كان الحديث النبوي يصل إلى لعن الساكتين عن قتل الحسين فلا بد أن يكون الكلام والفعل هو المندوب في شعائر الحسين وذلك لأنها شعائر تضمن استمرار الرسالة النبوية الشريفة بدور حسيني وبوتيرة التفجع وحرارة الغضب واللعن لمن كاد أن يمحو الإسلام لولا دماء الحسين والإقامة المستمرة لشعائره حيث تكون هي الدليل على تقوى القلوب بتعظيمها حيث تكون من مصاديق الآية الشريفة سابقة الذكر.
---------------
[1] الحج32
[2] المصدر السابق
[3] الميزان في تفسير القرآن 1/8، أقول: وهذا المعنى مروي عن أئمة أهل البيت بطرق أخرى وعبارات مختلفة وفي بعضها أن النعيم ولايتنا أهل البيت، ويئول المعنى إلى ما قدمناه من عموم النعيم لكل نعمة أنعم الله بها بما أنها نعمة، بيان ذلك أن هذه النعم لو سئل عن شيء منها فليست يسأل عنها بما أنها لحم أو خبز أو تمر أو ماء بارد أو أنها سمع أو بصر أو يد أو رجل مثلا وإنما يسأل عنها بما أنها نعمة خلقها الله للإنسان وأوقعها في طريق كماله والحصول على التقرب العبودي كما تقدمت الإشارة إليه وندبه إلى أن يستعملها شكرا لا كفرا. فالمسئول عنها هي النعمة بما أنها نعمة، ومن المعلوم أن الدال على نعيمية النعيم وكيفية استعماله شكرا والمبين لذلك كله هو الدين الذي جاء به النبي ونصب لبيانه الأئمة من أهل بيته فالسؤال عن النعيم مرجعه السؤال عن العمل بالدين في كل حركة وسكون ومن المعلوم أيضا أن السؤال عن النعيم الذي هو الدين سؤال عن النبي والأئمة من بعده الذين افترض الله طاعتهم وأوجب اتباعهم في السلوك إلى الله الذي طريقه استعمال النعم كما بينه الرسول والأئمة.
[4] بحار ألأنوار: ج28/باب2إخبارالله - تعالى - نبيه وإخبار النبي صلى الله عليه وأله أمته بما جرى على أهل بيته - صلوات الله عليهم -... /ص 552.
[5] مستدرك الوسائل: ج10/باب57 أقل ما يزار فيه الحسين - صلوات الله عليه - /ص343/ح1.
[6] تفسير ألأمام العسكري - صلوات الله عليه -: ثواب الحزن والبكاء على الحسين - صلوات الله عليه - /ص 369.