البرسي، عن طارق بن شهاب، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال:
يا طارق الإمام كلمة الله، وحجة الله، ووجه الله، ونور الله، وحجاب الله، وآية الله، يختاره الله، ويجعل فيه منه ما يشاء، ويوجب له بذلك الطاعة والأمر على جميع خلقه، فهو وليّه في سماواته وأرضه، أخذ له بذلك العهد على جميع عباده، فمن تقدّم عليه كفر بالله من فوق عرشه، فهو يفعل ما يشاء، وإذا شاء الله شاء، يكتب على عضده وتمّت كلمة ربّك صدقاً وعدلا، فهو الصدق والعدل، ويُنصب له عمود من نور من الأرض إلى السماء يرى فيه أعمال العباد، ويلبس الهيبة وعلم الضمير، ويطّلع على الغيب ويعطي التصرف على الاطلاق، ويرى ما بين الشرق والغرب، فلا يخفى عليه شيء من عالم الملك والملكوت، ويُعطى منطق الطير عند ولايته، فهذا الذي يختاره الله لوحيه، ويرتضيه لغيبه، ويؤيّده بكلمته، ويلقّنه حكمته، ويجعل قلبه مكان مشيّته، ويُنادى له بالسلطنة، ويُذعن له بالإمرة، ويُحكم له بالطاعة; وذلك لأنّ الإمامة ميراث الأنبياء، ومنزلة الأصفياء، وخلافة الله وخلافة رسل الله، فهي عصمة وولاية، وسلطنة وهداية; لأنّها تمام الدين، ورجح الموازين.
الإمام دليل للقاصدين، ومنار للمهتدين، وسبيل للسالكين، وشمس مشرقة في قلوب العارفين، ولايته سبب النجاة، وطاعته معرفة (مفروضة في) الحياة، وعدّة بعد الممات، وعزّ للمؤمنين وشفاعة المذنبين، ونجاة المحبّين وفوز التابعين; لأنّها رأس الإسلام، وكمال الايمان، ومعرفة الحدود والأحكام، تبيين الحلال من الحرام، فهي رتبة لا ينالها إلاّ من اختاره الله وقدّمه، وولاّه وحكّمه.
____________
1- آل عمران: 68.
2- نهج البلاغة قصار الحكم: 96، مجموعة ورام 1:24، البحار 71:189.
الصفحة 32
فالولاية هي حفظ الثغور، وتدبير الاُمور، وهي بعدد (وتعديد) الأيام والشهور.
الإمام الماء العذب على الظمأ، والدال على الهدى.
الإمام المطهّر من الذنوب، المطّلع على الغيوب.
الإمام هو الشمس الطالعة على العباد بالأنوار، فلا تناله الأيدي والأبصار، وإليه الاشارة بقوله تعالى: {وَللهِِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}(1) والمؤمنون علي وعترته، فالعزّة للنبي (صلى الله عليه وآله)، وللعترة (عليهم السلام)، والنبي والعترة لا يفترقان (في العزّة) إلى آخر الدهر، فهو رأس دائرة الايمان، وقطب الوجود، وسماء الجود، وشرف الموجود، وضوء شمس الشرف ونور قمره، وأصل العزّ والمجد ومبدأه ومعناه ومبناه.
فالإمام هو السراج الوهّاج، والسبيل والمنهاج، والماء الثجّاج، والبحر العجاج، والبدر المشرق، والغدير المغدق، والمنهج الواضح المسالك، والدليل إذا عمت المهالك، والسحاب الهاطل، والغيث الهامل، والبدر الكامل، والدليل الفاضل، والسماء الظليلة، والنعمة الجليلة، والبحر الذي لا ينزف، والشرف الذي لا يوصف، والعين الغزيرة، والروضة المطيرة، والزهر الاريج، والبدر البهيج، والنيّر اللائح، والطيب الفائح، والعمل الصالح، والمتجر الرابح، والمنهج الواضح، والطبيب الرفيق، والأب الشفيق، ومفزع العباد في الدواهي، والحاكم والآمر والناهي، أمير الله على الخلائق، وأمينه على الحقائق، حجّة الله على عباده ومحجّته في أرضه وبلاده، مطهَّر من الذنوب، مَبرأٌ من العيوب، مطّلع على العيوب (الغيوب)، ظاهره أمر لا يملك، وباطنه غيب لا يدرك، واحد دهره، وخليفة الله في نهيه وأمره، لا يوجد له مثيل، ولا يقوم له بديل، فمن ذا ينال معرفتنا، أو يعرف درجتنا (أو يشهد كرامتنا) أو يدرك منزلتنا، حارت الألباب والعقول، وتناهت الأفهام فيما أقول.
____________
1- المنافقون: 8.
الصفحة 33
تصاغرت العظماء وتقاصرت العلماء، وكلّت الشعراء وخرست البلغاء، ولكنت الخطباء وعجزت الشعراء (الفصحاء)، وتواضعت الأرض والسماء عن وصف شأن الأولياء، وهل يعرف أو يوصف أو يعلم أو يفهم أو يدرك أو يملك شأن من هو نقطة الكائنات، وقطب الدائرات، وسرّ الممكنات، وشعاع جلال الكبرياء، وشرف الأرض والسماء، جلّ مقام آل محمّد عن وصف الواصفين، ونعت الناعتين، وأن يقاس بهم أحد من العالمين، وكيف وهم النور الأوّل، والكلمة العلياء، والتسمية البيضاء، والوحدانية الكبرى، التي أعرض عنها من أدبر وتولّى، وحجاب الله الأعظم الأعلى.
فأين الاختيار من هذا وأين العقول من هذا، ومن ذا عرف من عرف، أو وصف من وصف، ظنّوا أنّ ذلك في غير آل محمّد، كذبوا وزلّت أقدامهم، واتّخذوا العجل ربّاً والشياطين حزباً، كلّ ذلك بغضة لبيت الصفوة ودار العصمة، وحسداً لمعدن الرسالة والحكمة، وزيّن لهم الشيطان أعمالهم فتبّاً لهم وسحقاً، كيف اختاروا إماماً جاهلا عابداً للأصنام جباناً يوم الزحام.
والإمام يجب أن يكون عالماً لا يجهل، وشجاعاً لا ينكل، لا يعلو عليه حسب، ولا يدانيه نسب، فهو في الذروة من قريش، والشرف من هاشم، والبقية من إبراهيم، والنهج من النبع الكريم، والنفس من الرسول، والرضى من الله، والقبول عن الله، فهو شرف الأشراف، والفرع من عبد مناف، عالم بالسياسة، قائم بالرياسة، مفترض الطاعة إلى يوم الساعة، أودع الله قلبه سرّه، وأطلق به لسانه، فهو معصوم موفّق ليس بجبان ولا جاهل، فتركوه يا طارق واتّبعوا أهوائهم {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللهِ}(1).
والإمام بشر ملكي وجسد سماويّ، وأمر إلهيّ وروح قدسيّ، ومقام عليّ ونور
____________
1- القصص: 50.
الصفحة 34
جليّ، وسرٍّ خفيّ، فهو ملكيّ الذات، إلهيّ الصفات، زائد الحسنات، عالم بالمغيّبات، خصّاً من ربّ العالمين، ونصّاً من الصادق الأمين.
وهذا كلّه لآل محمّد (صلى الله عليه وآله) لا يشاركهم فيهم مشارك; لأنّهم معدن التنزيل، ومعنى التأويل، وخاصّة الرب الجليل، ومهبط (الوحي) الأمين جبرئيل، صفات الله وصفوته، وسرّه وكلمته، شجرة النبوّة، ومعدن الفتوة، عين المقالة ومنتهى الدلالة، ومحكم الرسالة، ونور الجلالة، حبيب (جنب) الله ووديعته، وموضع كلمة الله ومفتاح حكمته، ومصابيح رحمته وينابيع نعمته، والسبيل إلى الله والسلسبيل، والقسطاس المستقيم، والمنهاج القويم، والذكر الحكيم، والوجه الكريم، والنور القويم (القديم)، أهل التشريف والتقويم والتقديم، والتعظيم والتفضيل، خلفاء النبيّ الكريم، وأمناء الرؤوف الرحيم، واُمناء العليّ العظيم {ذُرِّيَّة بَعْضُهَا مِنْ بَعْض وَاللهُ سَمِيعٌ عَلَيْهِمْ}(1).
السنام الأعظم والطريق الأقوم، من عرفهم وأخذ عنهم فهو منهم، وإليه الاشارة بقوله: {وَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي}(2) خلقهم الله من نور عظمته، وولاّهم أمر مملكته، فهم سرّ الله المخزون، وأولياؤه المقرّبون وأمره بين الكاف والنون، لا بل هم الكاف والنون، إلى الله يدعون وعنه يقولون، وبأمره يعملون، علم الأنبياء في علمهم، وسرّ الأوصياء في سرّهم، وعزّ الأولياء في عزّهم، كالقطرة في البحر، والذرّة في القفر، والسماوات والأرض عند الإمام منهم كيَدِه من راحته، يعرف ظاهرها من باطنها، ويعلم برّها من فاجرها، ورطبها من يابسها; لأنّ الله علّم نبيّه (صلى الله عليه وآله) علم ما كان وما يكون، وورث ذلك السرّ المصون الأوصياء المنتجبون، ومن أنكر ذلك فهو شقيّ ملعون، يلعنه الله ويلعنه اللاّعنون.
____________
1- آل عمران: 34.
2- إبراهيم: 36.
الصفحة 35
وكيف يفرض الله على عباده طاعة من يحجب عنه ملكوت السماوات والأرض، وإنّ الكلمة من آل محمّد (صلى الله عليه وآله) تنصرف إلى سبعين وجهاً، وكلّما في الذكر الحكيم والكتاب الكريم والكلام القديم، من آية تذكر فيها العين والوجه، واليد والجنب، فالمراد منها الولي; لأنّه جنب الله، ووجه الله الغني، حقّ الله وعلم الله وعين الله ويد الله، فهو الجنب العليّ والوجه الرضيّ، والمنهل الرويّ، والصراط السويّ، والوسيلة إلى الله، والوصلة إلى عفوه ورضاه، سرّ الواحد والأحد، فلا يقاس بهم من الخلق أحد، فهم خاصّة الله وخالصته، وسرّ الديّان وكلمته، وباب الايمان وكعبته، وحجّة الله ومحجّته، وأعلام الهدى ورايته وفضل الله ورحمته، وعين اليقين وحقيقته، وصراط الحق وعصمته، ومبدأ الوجود وغايته، وقدرة الرب ومشيّته، واُمّ الكتاب وخاتمته، وفصل الخطاب ودلالته، وخزينة الوحي وحفظته، وآية الذكر وتراجمته، ومعدن التنزيل ونهايته.
فهم الكواكب العلوية، والأنوار العلوية المشرقة من شمس العصمة الفاطمية في سماء العظمة المحمدية، والأغصان النبويّة النابتة في الدوحة الأحمدية، والأسرار الإلهيّة المودعة في الهياكل البشرية، والذريّة الزكية والعترة الهاشمية الهادية المهديّة اُولئك هم خير البريّة.
فهم الأئمة القاهرون، والعترة المعصومون، والذريّة الأكرمون، والخلفاء الراشدون، والكبرياء الصدّيقون، والأوصياء المنتجبون، والأسباط المرضيّون، والهداة المهديّون، والغرّ الميامين من آل طاها وياسين، وحجج الله على الأوّلين والآخرين، واسمهم مكتوب على الأحجار، وعلى أوراق الأشجار، وعلى أجنحة الأطيار، وعلى أبواب الجنّة والنار، وعلى العرش والأفلاك، وعلى أجنحة الأملاك، وعلى حجب الجلال وسرادق العزّ والجمال، وباسمهم تسبّح الأطيار، وتستغفر لشيعتهم الحيتان في لجج البحار، وإنّ الله لم يخلق أحداً إلاّ وأخذ عليهم الاقرار
الصفحة 36
بالوحدانية والولاية للذريّة الزكية والبراءة من أعدائهم، وإنّ العرش لم يستقرّ حتّى كتب عليه بالنور لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله عليّ وليّ الله(1