.عن جابر بن يزيد الجعفي - في حديث طويل[1] - قال جابر للإمام زين العابدين (ع): الحمد لله الذي مَّن علي بمعرفتكم وألهمني فضلكم ووفقني لطاعتكم, موالاة مواليكم ومعاداة أعدائكم.
قال صلوات الله عليه: يا جابر أو تدري ما المعرفة؟ المعرفة إثبات التوحيد أولاً, ثم معرفة المعاني ثانياً, ثم معرفة الأبواب ثالثاً, ثم معرفة الأنام رابعاً, ثم معرفة الأركان خامساً, ثم معرفة النقباء سادساً, ثم معرفة النجباء سابعاً, وهو قوله تعالى {لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً}[2] وتلا أيضاً {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله إن الله عزيز حكيم}[3].
يا جابر إثبات التوحيد ومعرفة المعاني, أما إثبات التوحيد معرفة الله القديم الغائب الذي {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}[4] وهو غيب باطن ستدركه كما وصف به نفسه, وأما المعاني فنحن معانيه ومظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته, وفوض إلينا أمور عباده, فنحن نفعل بإذنه ما نشاء ونحن إذا شئنا شاء الله, وإذا أردنا أراد الله, ونحن أحلنا الله عز وجل هذا المحل واصطفانا من بين عباده وجعلنا حجته في بلاده, فمن أنكر شيئاً ورده فقد رد على الله جل اسمه وكفر بآياته وأنبيائه ورسله.
يا جابر من عرف الله تعالى بهذه الصفة فقد أثبت التوحيد لأن هذه الصفة موافقة لما في الكتاب المنزل وذلك قوله تعالى {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}[5] {ليس كمثله شيء}[6] {وهو السميع العليم}[7] وقوله تعالى {لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون}[8].
قال جابر: يا سيدي ما أقل أصحابي!! قال (ع): هيهات هيهات أتدري كم على وجه الأرض من أصحابك؟ قلت يا ابن رسول الله كنت أظن في كل بلدة ما بين المائة إلى المائتين وفي كل ما بين الألف إلى الألفين بل كنت أظن أكثر من مائة ألف في أطراف الأرض ونواحيه, قال (ع): يا جابر خالف ظنك وقصِّر رأيك أولئك المقصرون وليسوا لك بأصحاب, قلت يا ابن رسول الله ومَن المقصر؟
قال: الذين قصروا في معرفة الأئمة وعن معرفة ما فرض الله عليهم من أمره وروحه, قلت يا سيدي وما معرفة روحه؟
قال: (ع) أن يعرف كل من خصه الله تعالى بالروح فقد فوض إليه أمره يخلق بإذنه ويحيي بإذنه ويعلم الغير ما في الضمائر ويعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة, وذلك أن هذا الروح من أمر الله تعالى فمن خصه الله تعالى بهذا الروح فهذا كامل غير ناقص يفعل ما يشاء بإذن الله يسير من المشرق إلى المغرب في لحظة واحدة يعرج به إلى السماء وينزل به إلى الأرض ويفعل ما شاء وأراد, قلت يا سيدي أوجدني بيان هذا الروح من كتاب الله تعالى وإنه من أمر خصه الله تعالى بمحمد | قال نعم اقرأ هذه الآية {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا}[9] قوله تعالى {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه}[10] قلت فرج الله عنك كما فرجت عني ووفقتني على معرفة الروح والأمر, ثم قلت يا سيدي صلى الله عليك فأكثر الشيعة مقصرون وأنا ما أعرف من أصحابي على هذه الصفة واحداً, قال يا جابر فإن لم تعرف منهم أحداً فإني أعرف منهم نفراً قلائل يأتون ويسلمون ويتعلمون مني سرنا ومكنوننا وباطن علومنا, قلت إن فلان بن فلان وأصحابه من أهل هذه الصفة إن شاء الله تعالى وذلك أني سمعت منهم سراً من أسراركم وباطناً من علومكم ولا أظن إلا وقد كملوا وبلغوا قال يا جابر ادعهم غداً وأحضرهم معك.
قال فأحضرتهم من الغد فسلموا على الإمام (ع) وبجلوه ووقروه ووقفوا بين يديه فقال (ع): يا جابر أما إنهم إخوانك وقد بقيت عليهم بقية أتقرون أيها النفر أن الله تعالى {يفعل ما يشاء}[11] و{يحكم ما يريد}[12] و{لا مُعقِّب لحكمه}[13] ولا راد لقضائه {ولا يسئل عما يفعل وهم يسئلون}[14] قالوا نعم {إن الله يفعل ما يشاء}[15] و{يحكم ما يريد}[16] قلت: الحمد لله قد استبصروا وعرفوا وبلغوا, قال يا جابر لا تعجل بما لا تعلم فبقيت متحيراً, فقال (ع): سلهم هل يقدر علي بن الحسين أن يصير صورة ابنه محمد؟
قال جابر فسألتهم فأمسكوا وسكتوا, قال (ع): يا جابر سلهم هل يقدر محمد أن يصير بصورتي؟ قال جابر فسألتهم فأمسكوا وسكتوا, قال فنظر إلي وقال يا جابر هذا ما أخبرتك أنهم قد بقي عليهم بقية فقلت لهم ما لكم ما تجيبون إمامكم؟! فسكتوا وشكوا فنظر إليهم وقال يا جابر هذا ما أخبرتك به قد بقيت عليهم بقية, وقال الباقر (ع) ما لكم لا تنطقون فنظر بعضهم إلى بعض يتساءلون قالوا يا ابن رسول الله لا علم لنا فعلمنا قال فنظر الإمام سيد العابدين علي بن الحسين (ع) إلى ابنه محمد الباقر (ع) وقال لهم من هذا؟ قالوا ابنك, فقال لهم من أنا؟ قال أبوه علي بن الحسين قال فتكلم بكلام لم نفهم فإذا محمد بصورة أبيه علي بن الحسين وإذا علي بصورة ابنه محمد قالوا لا إله إلا الله!! فقال الإمام (ع): لا تعجبوا من قدرة الله أنا محمد ومحمد أنا وقال محمد يا قوم لا تعجبوا من أمر الله أنا علي وعلي أنا وكلنا واحد من نور واحد وروحنا من أمر الله أولنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد وكلنا محمد قال فلما سمعوا ذلك خروا لوجوههم سجداً وهم يقولون آمنا بولايتكم وبسركم وبعلانيتكم وأقررنا بخصائصكم فقال الإمام زين العابدين يا قوم ارفعوا رؤوسكم فأنتم الآن العارفون الفائزون المستبصرون وأنتم الكاملون البالغون الله الله لا تطلعوا أحداً من المقصرين المستضعفين على ما رأيتم مني ومن محمد فيشنعوا عليكم ويكذبوكم قالوا {سمعنا وأطعنا}[17] قال (ع): فانصرفوا راشدين كاملين فانصرفوا, [...] الخبر.[18]