رغم أن التعامل بمصطلح المعادل الموضوعي في جميع أنواع الكتابة الأدبية، أصبح يشكل ظاهرة كبيرة، رغم أننا لم نجد مفهوما دقيقا يقربنا إلى معناه في الموروث العربي. فلذلك اعتبره بعض النقاد سلوكا نصيا أو فنيا، لكونه يرمم أحداثا هامشية توازي (التضاد) في سياقات مجرى الحدث الأساسي، كقول الإمام علي عليه السلام: (لقد كنت أمس أميرا فأصبحت اليوم مأمورا. وكنت أمس ناهيا فأصبحت اليوم منهيا. وقد أحببتم البقاء، وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون).
ويعني أن المعادل الموضوعي هو التعبير بصورة لا مباشرة، لخلق عمل مبدع، يمنحنا مقوماته الداخلية، دون أن يفقد خصائصه الموضوعية. وينفع لإبراز المنحى النفسي من خلال إيجاد معادل موضوعي يعبر عن رموز كثير، كقوله عليه السلام: (اللهم إني أستعديك على قريش، فإنهم قد قطعوا رحمي، وأكفأوا إنائي، وأجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به من غيري، وقالوا: ألا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تمنعه، فاصبر مغموما أو مت متأسفا، فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذاب ولا مساعد، إلا أهل بيتي، فضننت بهم عن المنية فأغضيت على القذى، وجرعت ريقي على الشجى، وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم، وآلم للقلب من حز الشفار) أستعديك: أستعينك. وإكفاء الإناء: أي قلبه، مجاز عن تضييعهم لحقه. الرافد: المعين. والذاب: المدافع. وضننت: أي بخلت. والقذى: ما يقع في العين. الشجى: ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه، يريد به غصة الحزن. الشفار: جمع شفرة: حد السيف ونحوه.
وكثرت لدينا التفرعات التفسيرية التي ترى أنه الصورة الحلمية للواقع، ومقابلا لغويا، واختزالا لمضمون آني بطريقة مكثفة عن عالم آخر، فمن كلام له عليه السلام في شأن الحكمين، وذم أهل الشام: (جفاة طغام، وعبيد أقزام. جمعوا من كل أوب، وتلقطوا من كل شوب، ممن ينبغي أن يفقه ويؤدب، ويعلم ويدرب، ويولى عليه ويؤخذ على يديه. ليسوا من المهاجرين والأنصار، ولا من الذين تبوأوا الدار ألا وإن القوم اختاروا لأنفسهم أقرب القوم مما تكرهون). الجفاة - بضم الجيم -: جمع جاف، أي غليظ فظ. والطغام - كسحاب -: أوغاد الناس. والعبيد كناية عن رديئي الأخلاق. والأقزام: جمع قزم - بالتحريك - أرذال الناس جمعوا من كل أوب أي ناحية. والشوب: الخلط كناية عن كونهم أخلاطا ليسوا من صراحة النسب في شيء. ممن ينبغي: أي أنهم على جهل، فينبغي أن يفقهوا ويؤدبوا ويعلموا فرائضهم، ويمرنوا على العمل بها، وهم سفهاء الأحلام فينبغي أن يولى عليهم.
وهناك من اعتبره يمثل الأمثولة الفاعلة في التشبيه، لإرتباطه بصورتين سعيا لتعميق الفكرة، وتأكيد القول، وليبعد المنجز عن المباشرة، كقوله عليه السلام اقتص فيه ذكر ما كان منه بعد هجرة النبي صلى الله عليه وآله ثم لحاقه به - في كلام طويل -: (فجعلت أتبع مأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله فأطأ ذكره، حتى انتهيت إلى العرج) قوله عليه السلام: فأطأ ذكره. من الكلام الذي رمى به إلى غايتي الإيجاز والفصاحة، أراد أني كنت أعطى خبره صلى الله عليه وآله من بدء خروجي إلى أن انتهيت إلى هذا الموضع. فكنى عن ذلك بهذه الكناية العجيبة.
والناقد عبد الجبار عباس، يراه معادلة واضحة الدلالة، أي: انزياحا شاملا، بتعويض مجازي، كاستبدال مفردة بدل أخرى- مثل قوله تعالى:{...وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا...} مريم/4 أي: امتلأ فأزاحها وهي جملة إستعارية.
وواضح أن أغلب النقاد أوعزوا الإهتمام العام بهذا المصطلح وإشتغالاته، فقالوا: إن الطريقة الوحيدة للتعبير عن الإنفعال بطريقة فنية هو من خلال المعادل الموضوعي، كقوله عليه السلام في وصف بيعته بالخلافة، وقد تقدم مثله بألفاظ مختلفة: (وبسطتم يدي فكففتها، ومددتموها فقبضتها، ثم تداككتم علي تداك الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها، حتى انقطعت النعل وسقطت الرداء، ووطئ الضعيف، وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إياي أن ابتهج بها الصغير، وهدج إليها الكبير، وتحامل نحوها العليل). التداك: الازدحام كأن كل واحد يدك الآخر أي يدقه. والهيم: أي العطاش، جمع هيماء، كـ(عيناء) وعين. هدج: مشى مشية الضعيف، وهدج الظليم إذا مشى في ارتعاش.
إلا أننا نرى إن المعادل الموضوعي يقترب كثيرا من مفهوم (الحسجة) الشعبية كـ(تورية) مقصودة لتقريب المعنى، بحيث يكون مؤثرا بالأوساط المتلقية، رغم إيماننا باختلاف الآلية المطروحة في خاصية نهج البلاغة، حيث استخدمها الإمام علي عليه السلام، ليترفع بها عن الإبتذال المعنوي، حين سعى لفضح بعض المشاكل التاريخية، من غير أن يقحم نفسه كجزء من هذه اللعبة، وكشف معاييرها على أنها قضايا ليست خاصة بل عامة لها مساس بالجوهر العام.( لعبد الله بن عباس، وقد جاءه برسالة من عثمان وهو محصور، يسأله فيها الخروج إلى ماله بينبع، ليقل هتف الناس باسمه للخلافة، فقال عليه السلام: (يا ابن عباس ما يريد عثمان إلا أن يجعلني جملا ناضحا بالغرب أقبل وأدبر، بعث إلي أن أخرج، ثم بعث إلي أن أقدم، ثم هو الآن يبعث إلي أن أخرج. والله لقد دفعت عنه حتى خشيت أن أكون آثما) نضح الجمل الماء: حمله من بئر أو نهر، ليسقى به الزرع فهو ناضح. والغرب - بفتح فسكون:- الدلو العظيمة، والكلام تمثيل للتسخير.