الطفل مجبول بفطرته على الايمان بالله تعالى ، حيثُ تبدأ تساؤلاته عن نشوء الكون وعن نشوئه ونشوء أبويه ونشوء من يحيط به ، وان تفكيره المحدود مهيأ لقبول فكرة الخالق والصانع فعلى الوالدين استثمار تساؤلاته لتعريفه بالله تعالى الخالق في الحدود التي يتقبّلها تفكيره المحدود ، والايمان بالله تعالى كما يؤكده العلماء سواء كانوا علماء دين أو علماء نفس (من أهم القيم التي يجب غرسها في الطفل .. مما سوف يعطيه الاَمل في الحياة والاعتماد على الخالق ، ويوجد عنده الوازع الديني الذي يحميه من اقتراف المآثم) (1) والتربية والتعليم في هذه المرحلة يفضّل أن تكون بالتدريج ضمن منهج متسلسل متناسباً مع العمر العقلي للطفل ، ودرجات نضوجه اللغوي والعقلي ، وقد حدّد الاِمام محمد الباقر عليه السلام تسلسل المنهج قائلاً : « اذا بلغ الغلام ثلاث سنين يقال له : قُلْ لا إله إلاّ الله سبع مرات ، ثم يترك حتى تتم له ثلاث سنين وسبعة أشهر وعشرون يوماً فيقال له : قُلْ محمد رسول الله سبع مرات ، ويترك حتى يتم له أربع سنين ثم يقال له : قُلْ سبع مرات صلى الله على محمد وآله ، ثم يترك حتى يتم له خمس سنين ثم يقال له : أيهما يمينك وأيُّهما شمالك ؟ فاذا عرف ذلك حوّل وجهه إلى القبلة ويقال له : اسجد ، ثم يترك حتى يتم له سبع سنين فاذا تم له سبع سنين قيل له اغسل وجهك وكفيك فاذا غسلهما قيل له صلِّ ثم يترك ، حتى يتم له تسع سنين ، فاذا تمت له تسع سنين علم الوضوء وضرب عليه وأمر بالصلاة وضرب عليها فاذا تعلم الوضوء والصلاة غفر الله عز وجلّ له ولوالديه انشاء الله » (2)
وقد أثبت علم النفس الحديث صحة هذا المنهج (2 ـ 3 سنوات ، يكتسب كلام الطفل طابعاً مترابطاً ممّا يتيح له إمكانية التعبير عن فهمه لكثير من الاشياء والعلاقات ... وفي نهاية السنة الثالثة يصبح الطفل قادراً على استخدام الكلام وفق قواعد نحوية ملحوظة وهذا يمكنه من صنع جمل أولية وصحيحة) (3)
وتعميق الايمان بالله ضروري في تربية الطفل.
والطفل في هذه المرحلة يكون مقلداً لوالديه في كل شيء بما فيها الايمان بالله تعالى ، يقول الدكتور سپوك : (إنّ الاساس الذي يؤمن به الابن بالله وحبه للخالق العظيم هو نفس الاساس الذي يحب به الوالدان الله).
ويقول : (بين العمر الثالث والعمر السادس يحاول تقليد الابوين في كلِّ شيء فاذا حدّثاه عن الله فانه يؤمن بالصورة التي تحددها كلماتهما عن الله حرفياً) (4) والطفل في هذه المرحلة يميل دائماً اِلى علاقات المحبة والمودّة والرقّة واللين فيحب أو يفضّل (تأكيد الصفات الخاصة بالرحمة والحب والمغفرة إلى أقصى حدٍّ ممكن مع التقليل إلى أدنى حد من صفات العقاب والانتقام) (5)
فتكون الصورة التي يحملها الطفل في عقله عن الله تعالى صورة جميلة محببة له فيزداد تعلقه بالله تعالى ويرى انه مانح الحب والرحمة له.
واذا أردنا ان نكوّن له صورة عن يوم القيامة فالافضل ان نركز على نعيم الجنة بما يتناسب مع رغباته ، من أكل وشرب وألعاب وغير ذلك ، ونركز على انه سيحصل عليها إنْ أصبح خلوقاً ملتزماً بالآداب الاسلامية ، ويُحرم منها إنْ لم يلتزم ، ويؤجل التركيز على النار والعذاب إلى مرحلة متقدمة من عمره. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
1 ـ قاموس الطفل الطبي : 294.
2 ـ من لا يحضره الفقيه ، للصدوق 1 : 182 / 3 باب الحد الذي يؤخذ فيه الصبيان بالصلاة ـ دار التعارف للمطبوعات 1401 هـ.
3 ـ علم النفس التربوي ، للدكتور علي منصور 2 : 132 ـ 1407 هـ.
4 ـ مشاكل الاباء في تربية الابناء : 248.
5 ـ مشاكل الاباء في تربية الابناء : 251.