اصطُلح في حوزة النجف الأشرف على تقسيم الدراسات إلى ثلاث مراحل :
1ـ المقدِّمات :
ويريدون بها دراسة النحو والصرف ، وعلوم البلاغة والمنطق ، وكأنهم أرادوا أن دراسة هذه العلوم ، هي مقدِّمة للدخول فيما يقصدون إليه من التخصص في الفقه وأصوله .
ولا يزال يُتَّبع في تدريس هذه العلوم الكتب القديمة المعروفة ، مثل : شرح قَطر الندى لابن هشام ، وشرح ألفيّة ابن مالك ، ومُغني اللبيب في النحو ، والشمسية وغيرها في المنطق .
والعلوم التي عددناها آنفاً هي إلزاميّة في هذه المرحلة ، والمُلزِم هو التلميذ نفسه ، وقد يضاف إليها علوم أخرى كالعلوم الرياضية ، والعَروض والبديع ، والنصوص الأدبية ، وهذا يقرّره الطالب نفسه .
2ـ السطوح :
ويراد بها دراسة مُتون الكتب في الفقه الاستدلالي ، وأصول الفقه .
والكتب التي تُدَرّس في هذه المرحلة كتب خاصة بها ، وأهمها :
معالم الأصول ، وقوانين الأصول ، ورسائل الشيخ الأنصاري ، وكفاية الأصول ، هذا في أصول الفقه .
أما في الفقه الاستدلالي فأشهرها : شرائع الإسلام ، وشرح اللُّمعة ، والمكاسب .
ودراسة الفقه الاستدلالي ، وأصول الفقه إلزامية في هذه المرحلة ، ولكن يرى بعض الطلاب ، دراسة علم الكلام ، والحديث ، والفلسفة ، والتفسير ذلك أيضاً .
على أنّه إذا لم تكن دراسة التفسير إلزامية ، فلأنّ معظم الآيات ستمر خلال الدراسة ، ولابد في هذه الحالة من تفسيرها وشرحها .
وكذلك القول في الحديث ، فهو والتفسير يرافقان الطالب في مراحل دراسته كلها ، فيدرك أنواع الحديث وأقسامه ، واصطلاحاته ، والجرح والتعديل ، وما إلى ذلك .
وهاتان المرحلتان هما اللتان تُكوِّنان الطالب وتُعِدّانه ليكون ( مجتهداً ) .
وقد يستغرق اجتياز الطالب لهما العشر السنين ، أو أكثر من ذلك ، وهما أشقّ مراحل دراسته ، وطالما تساقط الطلاب فيهما فتوقّفوا ، ومضى البارعون المُجِدّون منهم ، وهكذا لا يصل إلى مرحلة ( الخارج ) في الأغلب إلا القلة المتفوّقة الصابرة .
3ـ بحث الخارج :
هذه المرحلة بعكس المرحلتين السابقتين ، لا تكون إلاّ جماعية ، وذلك أن عدداً كبيراً من الطلاب الذين أنهَوا دراسة المرحلتين السابقتين ، يلتقون حول واحد من كبار المجتهدين ، فيحاضِرهم ارتجالاً في الأصول أو في الفقه ، فيعرض عليهم المسألة ، شارحاً لها شرحاً مستفيضاً ، يُبرز فيه جميع الآراء الإسلاميّة ومذاهبها ، ثمّ يناقش تلك الآراء مناقشة دقيقة ، كما يناقش أدلتها ، ثمّ يُدلي هو برأيه في المسألة ، عارضاً دليله على ما ارتآه .
وإذا كنّا قد قلنا : إن طلاب هذه الدروس ، هم ممن أنهَوا المرحلتين الأوليتين ، أي ممن أصبحوا على أبواب الإجتهاد ، فربما كان طلابها أيضاً من المجتهدين أنفسهم ، إذا كان الأستاذ من الأعلام المتفوقين ، الذين يستفيد من دروسهم حتّى المجتهدون ، كما حدث في دروس الآخوند الشيخ محمد كاظم الخراساني ( صاحب الكفاية ) ، الذي كان يلتقي في حلقة تدريسه فريق من المجتهدين ، يستمعون إليه ويأخذون عنه .
وإذا كنا قد عَدَدنا الكتب المقرّرة في المرحلتين السابقتين فإننا لا نعدد هنا كتباً ، إذ أن التدريس هنا ، لا يعتمد على كتاب خاص ، ما عدا ما يمكن أن يُعين الطلاب على المراجعة .
ومما تمتاز به هذه المرحلة ، هو إطلاق حرية المناقشة للطلاب على أوسع الأبواب ، فترى الطلاب يناقشون الآراء والنظريات مع الأستاذ ، مناقشة النِد للنّد ، فيتعودون الثقة بأنفسهم ، والاعتماد على آرائهم ، لأنهم سيكونون في المستقبل مرجعاً للناس .
والذي يُصغي للمناقشات في تلك الدروس ، يعلم أنّها فريدة في أسلوب التدريس العلمي ، بما فيها من حرية وعمق ودقة ، وبما تنطوي عليه من توجيه رائع ، وسعة آفاق وتشجيع ، مما لا نحسب أن له نظيراً في أي تدريس جامعي آخر .
ولابد أن تكون كذلك ، لأنّها تعد الرجال لينالوا أضخم إجازة علمية ، هي إجازة ( الاجتهاد ) ، فليس يسيراً أن يصبح العالم مجتهداً .
أين تُعقد الدروس ؟
ربما تبادر للذهن ، أن هناك قاعات للدرس ، وكليات للمحاضرات ، مع أنه لا شيء من ذلك في حوزة النجف ؛ فمكان الدرس غير محدّد ، فربما كان في بيت الأستاذ نفسه ، على أنّه كثيراً ما يكون في المساجد الرحبة البعيدة عن الضجيج ، فيجلس الطلاب على الأرض ، متحلقين حول الأستاذ ، فإذا كثر عددهم اتسعت صفوفهم غير نظيمة ، واضطر الأستاذ لأن يجلس على المنبر ، ليُسمِع صوتَه إلى أقصى الحضور .
ولعل التجديد الوحيد الذي دخل على هذا التدريس ، هو أن الأساتذة صاروا يستعملون مكبرات الصوت ، ليوصلوا أصواتهم إلى أبعد طالب بلا جهد ولا عناء .
المرجع الأعلى :
تتفرد حوزة النجف بشيء لا مثل له في أي بقعة من بقاع العالم ، ذلك أن فيها دائماً مرجعاً أعلى للشيعة ، هو في الأصل مجتهد من كبار المجتهدين ، أجمعت الكلمة على الإذعان لرئاسته ومرجعيته .
فنحن نعلم ، أن المراجع الدينية في العالم ، سواء كانت إسلاميّة أو مسيحية ، يتم اختيارها بإحدى طريقتين : إما طريقة الانتخاب ( كالبابا ) ، أو طريقة التعيين ( كشيخ الأزهر ) .
أما في حوزة النجف ، فلا انتخاب ولا تعيين ، ومع ذلك فهناك أبداً خَلَف للسلف الراحل ! فكيف يتم ذلك ؟
طريقة الحوزة النجفية تضمن عدم وصول غير الأصلح ، فهناك الكفاءات الشخصية ، التي تفرض نفسها فرضاً ، ويشترط في هذه الكفاءة أن تجمع إلى التميّز بالعلم ، التميّز بالفكر والعقل ، والتميز بالاستقامة والأخلاق ، وهذه صفات لا يمكن مخادعة الناس بها على طول السنين ، وهكذا يتبين للخاصة والعامة ، سيرة كل مجتهد واضحةً جلية ، ويبدأون في حياة المرجع الحي ، يرشحون في أنفسهم من يصلح بعده خلفاً له .
فإذا مات المرجع ، كانت النفوس كلّها ملتقية على الاقتداء بمجتهد معين ، دون أن تجتمع وتقرّر ، وتعيّن أو تنتخب ، ولا يشعر المجتمع إلا وقد اعتلى سدّة المرجعية من هو كفؤ لها ، مختاراً اختياراً طبيعياً ، باعثه الأول صفات المجتهد ، وسجاياه وفضائله ، وبذلك يتحرّر المرجع ، من أن يكون مَديناً في منصبه ، لفريقٍ انتخبه ، أو لسلطة عيّنته .
ولابد من الإشارة ، إلى أن هذا الاختيار الطبيعي ، لا تقيّده جنسية المرشّح ، وما دام الإسلام عالمياً ، فيمكن أن يكون المرجع عربياً أو إيرانياً أو غير ذلك .
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن (صلواتك عليه وعلى آبائه)في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافضاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً وهب لنا رأفته ورحمته ودعائه وخير برحمتك يا أرحم الراحمين
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف