استراتيجية "حزب الله" تربك اسرائيل وتسقط عقيدتها العسكرية
بتاريخ : 08-08-2006 الساعة : 04:18 AM
يتوقع العديد من المحللين العسكريين أن تغير حرب لبنان الحالية الكثير من النظريات والعقائد العسكرية في العالم. كما أنها ستدفع بالقوى الدولية لإعادة النظر في حقيقة موازين القوى وسبل قياسها.
فـ «حزب الله» لم يفاجئ اسرائيل في حجم ترسانة صواريخه وتنوعها فحسب، بل فاجأها أيضاً باسلوبه القتالي وتمكن مقاتليه على طول الجبهات الأمامية من الصمود لأكثر من ثلاثة أسابيع. وبحسب تصريحات المسؤولين العسكريين الاسرائيليين وتعليقات الخبراء الاستراتيجيين في الدولة العبرية، يواجه الجيش الاسرائيلي أزمة حقيقية في استراتيجيته وتكتيكاته العسكرية نتيجة أسباب عدة أهمها:
- اتكال القيادة الاسرائيلية المفرط على سلاح الجو، ويعزو بعض الخبراء الاسرائيليين ذلك لكون قائد الأركان الاسرائيلي الحالي من سلاح الجو. لكن اعتماد اسرائيل على سلاح الجو لحسم المعركة على الأرض ليس بالأمر الجديد. كما أن اسرائيل أخذت تعتمد بشكل متزايد على سلاح جوها في مواجهة مقاتلي «حزب الله» منذ أواخر التسعينات، ومرد ذلك هو العقيدة العسكرية الاسرائيلية التي تضع ضمن أولوياتها تقليص الاصابات في صفوف جنودها. كما أن النتائج المبهرة للقوات الجوية لحلف شمال الأطلسي في حرب كوسوفو حيث حسمت الحرب من الجو وما تلاها من نتائج مذهلة للقوات الجوية الأميركية خلال حرب العراق زاد من ثقة القيادة الاسرائيلية في امكان احراز نصر من الجو.
- الاعتماد المتزايد على سلاح المدرعات في المعارك البرية مع اعطاء دور ثانوي لسلاح المشاة. ومرد ذلك هو أيضا العقيدة العسكرية الاسرائيلية التي تعطي أولوية لتقليص عدد الاصابات في جنودها وتحقيق نصر سريع عبر الحرب الخاطفة التي تعتمد على الحركة السريعة للمدرعات عبر وخلف خطوط الخصم تحت غطاء جوي ومدفعي.
- افتقار الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية لمعلومات دقيقة عن امكانات «حزب الله» ومراكز قيادته ونوعية أسلحته وتكتيكاته القتالية ومخازن أسلحته. فأحد أكبر انجازات الحزب، منذ نشأته، هو منع الاستخبارات الاسرائيلية من اختراق صفوفه، وحتى في حال نجاحاتها المحدودة على هذا الصعيد كان الجهاز الأمني للحزب يعالج المشكلة بسرعة ويفكك شبكات التجسس. فكل ما حصل منذ 12 تموز (يوليو)، من تمكن المقاتلين من خطف الجنديين الاسرائيليين ومفاجأة البحرية الاسرائيلية بصاروخ موجه وتمكنهم من الصمود على الجبهات والحاق خسائر في المدرعات وفشل الكوماندوس الاسرائيلي في تحقيق أي أهداف في عمليتي الانزال في بعلبك وصور وعدم تمكن اسرائيل من وقف اطلاق صواريخ الكاتيوشا على أراضيها، كل ذلك يعتبر من الناحية العسكرية اخفاقات استخباراتية كبيرة.
- تأثير الاتكال المتزايد على التكنولوجيا على القدرات القتالية لسلاح المشاة، خاصة عند فشل المدرعات في تحقيق السيطرة الكاملة على أرض المعركة خلال مواجهة خصم عنيد ومحترف مثل مقاتلي «حزب الله». كما أن الجيش الاسرائيلي لم يخض أي حروب برية منذ اجتياح لبنان العام 1982، وغالبية جنوده الذين هم من الاحتياط قد اعتادوا على حياة الترف والأمان. كما أن الجيش الاسرائيلي يفتقر اليوم للضباط والقادة المتمرسين من أبطال الحروب السابقة. فمعظم قادة الفرق في حرب 1982 كانوا من الضباط الذين حققوا انجازات عسكرية مهمة في حرب 1973.
- عدم وضوح الأهداف الاستراتيجية للحرب الحالية الذي يبدو جليا في التناقض المتكرر في تصريحات القادة العسكريين والمسؤولين السياسيين. فحتى الآن لم تحسم القيادة الاسرائيلية أمرها حول مدى عمق الهجوم (حتى 7 كلم أو حتى نهر الليطاني أو أبعد). كما أنها لم تحدد طبيعة مهمة قواتها بعد التوصل الى اتفاق على وقف اطلاق النار خاصة مع التأكيدات بأنها لن تتحول الى قوات احتلال. وأهم شيء لم يحدد بعد هو ما الذي يحدد النصر على «حزب الله»، دفع قواته الى ما بعد الليطاني أو تدميره؟ والواضح أن رئيس الحكومة الاسرائيلية يسعى الى نصر سياسي عبر قرار قوي من مجلس الأمن في حين أن القيادة العسكرية تبحث اليوم عن نصر عسكري حاسم يعيد للجيش هيبة الردع.
أما «حزب الله» فقد قام مقاتلوه بانجازات مهمة تمثلت بحسن قراءته للهجوم الاسرائيلي البري والتحضير له بشكل جيد. فقد أثبت صمود مقاتليه على الجبهات الأمامية أن القيادة قد حسبت الأمور بدقة، اذ أنها توقعت قيام اسرائيل بتدمير الجسور وطرق المواصلات وخطوط الاتصال، فزودت الفصائل المنتشرة على التلال الاستراتيجية والقرى الأمامية بكميات من الذخائر والمؤن تكفيها للصمود فترة طويلة لا يبدو أن أحدا يعلم الى متى، وما ان كان الحزب قد حفر أنفاقا تصل مواقع عدة مع بعضها البعض مما يمكن المقاتلين من تغيير مواقعهم بسرعة أو نقل المؤن والذخائر عند الحاجة. وخبرة السنوات الماضية جعلت مقاتلي الحزب مدركين جيدا لتضاريس المنطقة وأي تلال استراتيجية ستحاول اسرائيل السيطرة عليها أولا.
كما أن حسن استخدام الصواريخ التكتيكية المضادة للدروع ووضعها في نقاط استراتيجية مكنت المقاتلين من تدمير المدرعات الاسرائيلية وشل حركتها مما منع سلاح المشاة الاسرائيلي من احتلال الكثير من المواقع المهمة على الأرض. ولم ينجح التكتيك الاسرائيلي القديم بمحاصرة القرى وقصفها بعنف لبضعة أيام ومن ثم اقتحامها بالمدرعات التي يتبعها المشاة، اذ أن مقاتلي «حزب الله» احتموا في أماكن عدة داخل وخارج القرى وانتظروا تقدم العدو باتجاههم والاشتباك معه. وعليه، فان مقاتلي الحزب يخوضون اليوم المعركة البرية ضمن شروطهم وفي المواقع التي اختاروها مسبقا الأمر الذي يبدو أنه أربك القوات الاسرائيلية وأعاق تقدمها. وأهم ما يملكه عناصر «حزب الله» اليوم هو الايمان بقضيتهم وعزيمتهم على القتال حتى الشهادة أو النصر في معركة ضد عدو درب فيه الجنود والضباط على مبدأ أن الأولوية هي لسلامتهم.
لا بد أن القيادة العسكرية الاسرائيلية اليوم تعيد تقويم الموقف العسكري على الأرض وتحاول تحديد استراتيجية وأهداف الحرب التي بات معروفا أنها ذات أبعاد اقليمية ودولية. كما أنها تدرس امكان تعبئة المزيد من جنود الاحتياط اذ أن اسرائيل قد أرسلت الى الجبهة عشرة آلاف جندي من أصل نصف مليون يمكن لها أن تحشدهم اذا ما شاءت. لكن ما بات واضحا هو أن حربها هذه لا يمكن حسمها من الجو، وأن هجومها البري سيحتم عليها الزج بالمشاة بشكل أكبر مما يعني خسائر كبيرة في صفوف جنودها. كما أن بروز فعالية الصواريخ الحديثة المضادة للدروع يضع علامات استفهام حول العقيدة العسكرية في اسرائيل والجيوش الغربية التي تتكل بشكل كبير على القوى الجوية وأسلحة المدرعات. وتجدر الاشارة هنا الى أن ايران وسورية قامتا في العقد الأخير بتجهيز قواتهما البرية بكميات كبيرة من هذه الصواريخ، خاصة تلك المزودة بحشوات مزدوجة قادرة على تدمير معظم الدروع الحديثة. ولا بد أن القيادة السورية، التي يملك جيشها أنواعا عدة من الصواريخ الروسية المضادة للدروع أهمها صاروخ «كورنت» الموجه باللايزر، تنظر باهتمام كبير لنتائج المعارك البرية في جنوب لبنان وتتحضر لما قد ينتظرها قريبا في حال توسع الحرب.