بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
مثّل خروج الإمام الحسين(ع) إلى أرض العراق نقطة فاصة في حياة الأمةن سواءً بين الأعداء أو الأصدقاء، ونعني بالأصدقاء هو دائرة الشيعة والموالين للإمام (عليه السلام) وبالأخص خواص الأمة والتي تمثلت مواقفهم في ثلاثة مواقف لا غير:
- موقف الطاعة و النصرة : أمثال : حبيب بن مظاهر، زهير بن القين، سعيد بن عبدالله الحنفي، مسلم بن عوسجة…
- موقف التخلف و التخاذل : أمثال: الضحاك بن عبدالله المشرفي، عبدالله بن الحر الجعفي…
- موقف التحفظ والنصيحة : أمثال : عبدالله بن عباس، محمد بن الحنفية، عبدالله بن جعفر…..
بالنسبة لمواقف النصرة و التخلف عن ثورة الإمام الحسين(ع) تم تسليط الضوء عليها كثيراً، ولكن يبقى موقف واحد لم تكن معالمه واضحة، خصوصاً وأن الشخصيات التي وقفت هذا الموقف لم تكن من عامة الناس بل هم من الخواص المقربين، أمثال عبدالله بن عباس الذي هو ابن عم الرسول(ص) وأمير المؤمنين(ع) ومن كبار المفسرين ولمكانته العلمية سمي (بحبر الأمة)، و أيضاً محمد بن الحنفية الذي هو أخو الإمام ومن الشجعان، وصاحب راية جيش علي(ع) يوم الجمل و شهد معه النهروان….، و عبدالله بن جعفر الطيار..
مشكلة الأمة أنها بعد رحيل الرسول الأكرم (ص) لم تستوعب مدى >الانحراف الكبير< الذي طرأ على الرسالة الكاملة وعلى عنصر هام منها وهي (الولاية) العاصمة إلى مسيرة الأمة إلى يوم القيامة، والتي بها إتمام النعمة الإلهية، هذا الانحراف الكبير الذي يحتاج إلى عملية تربوية كبرى تعيد الأمة إلى الانسجام التامة مع الرسالة الهادية، وهذا ما وجدناه في سيرة الإمام علي(ع) وسيدتنا فاطمة الزهراء(ع) والإمام الحسين(ع) حتى جاء الإمام الحسين(ع) ، هذا الهدف الكبير الذي تحرك في السلسلة الطاهرة للأمة أهل البيت (ع) لم يكن واضحاً للكثيرين خصوصاً من يرى صلح الحسن معضولاً عن ثورة الحسين وعلم الباقر والصادق معضولاً أدوار الأئمة الطاهرين، لذا جعل بعض الخواص في عصر الأمة(ع) تكون لهم (حسابات آنية زمنية) يقفون من خلالها بعيداً الحسابات البعيدة والكبيرة.
حسابات النصر عند الإمام الحسين(ع)
يمكن أن نلحظ أن معظم كلمات الإمام الحسين(ع) تركزت على ثلاثة أبعاد رئيسية في حركته الخالدة:
أ- الهدف : – صلاح الأمة بالولاية :
(إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي(1).
(رضا الله رضانا أهل البيت) (2) – (نحن أهل بيت محمد(ص) أولى بولاية هذا الأمر) (3)
(ليستنقذهم من الجهالة وحيرة الضلالة..) (4)
ب – الوسيلة :- أداء التكليف بالثورة و الشهادة :
(أريد أن أمر بالمعروف و أنهى عن المنكر :
(من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله ناكثاً عهده مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيرّ عليه بفعل و لا قول كان الله أن يدخله مدخله..) (5)
(إني لا أرى الموت إلا سعادة و الحياة مع الظالمين إلا برما) (6)
(لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد) (7)
ج- الضمانة : – الوقوف مع القيادة الشرعية :
(و أسير بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب..)
(ما الإمام إلا العامل بالكتاب و الآخذ بالقسط و الدائن بالحق و الحابس نفس على ذات الله) (8)
(لو لم يكن في الدنيا ملجأ و لا مأوى لما بايعت يزيداً) (9)
(فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين) (10)
حسابات النصر عند الخواص:
أما حساب الخواص و التي نجدها من خلال الحوارات التي دارت مع الإمام(ع) قبل خروجه كانت متشابهة في الموقف (التحفظ والنصيحة) كانت (تأيد قيام الإمام(ع))، لكن من جهة أخرى نلحظ في حوارها مع الإمام(ع) أنها كانت تبدي نوعاً من التحفظ بل أحياناً تشير على الإمام(ع) الطريقة السليمة في التحرك أي (طريقة التحرك)، ولا شك بأن الإمام الحسين(ع) كان يسمع لأصحابه ويعلم ما يكنوه حباً له – وهذا ما سنلحظه أثناء التأمل في الحوارات التي دارت بين الإمام الحسين(ع) وبين عبد الله ابن عباس ومحمد بن الحنفية واللذين نشابها في الموقف من حيث النصيحة للإمام(ع) بعدم الذهاب إلى الكوفة بل الذهاب إلى اليمن حيث توجد هناك قاعدة واسعة للشيعة الموالين الذين من خلالهم توجج الثورة وتنتصر.
والإمام كان يتحسس آلامهم ومعاناتهم، وهذا ما سنجده في حواراتهم مع
الإمام، حيث كان اعتراضهم على الخروج للكوفة، وترجيهم اليمن كقاعدة لانطلاق الثورة.
(1) موقف عبد الله بن عباس: يقول التأريخ فلما كان من العشي أو من الغد أتى الحسين(ع) عبد الله بن عباس فقال : يا بن عم إني أتصبر و لا أصبر إني أتخّوف عليك في هذا الوجه الهلاك و الإستئصال إن أهل العراق قوم غدر فلا تقربنهم، أقم بهذا البلد فإنك سيد أهل الحجاز فإن كان أهل العراق يريدونك كما زعموا فاكتب إليهم فلينفوا عدوهم ثم أقدم عليهم، فإن أبيت إلا أن تخرج فسر إلى اليمن فإن بها حصوناً و شعاباً وهي أرض عريضة طويلة و لأبيك بها شيعة و أنت عن الناس في عزلة فتكتب إلى و ترسل وتبث دعاتك، فإني أرجو أن يأتيك عند ذلك الذي تحب في عافية!
فقال له الحسين(ع) : يا ابن عم إني و الله لأعلم أنك ناصح مشفق و لكني قد أزمعت و أجمعت على المسير ! (11)
(2) موقف محمد بن الحنيفة: سار محمد بن الحنفية إلى الحسين(ع) في الليلة التي أراد الخروج في صبيحتها عن مكة، فقال يا أخي إن أهل الكوفة من قد عرفت غدرهم بأبيك و أخيك وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى فإن رأيت أن تقيم فإنك أعز من في الحرم وأمنعه.
فقال الإمام(ع) : يا أخي، قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم، فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت.
فقال له ابن الحنفية : فإن خفت ذلك فسر إلى اليمن أو بعض نواحي البر فإنك أمنع الناس به و لا يقدر عليك أحد !
ولما كان السحر ارتحل الحسين(ع) فبلغ ذلك ابن الحنفية، فأتاه فأخذ زمام ناقته التي ركبها، فقال له : أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك ؟!
فقال(ع) : بلى
فما حداك على الخروج عاجلاً ؟!
فقال(ع) : أتاني رسول الله(ص) بعدما فارقتك فقال : يا حسين، أخرج فإن الله قد شاء أن يراك قتيلاً!
فقال له ابن الحنفية : إنا لله و إنا إليه راجعون، فما حملك هؤلاء النساء معك و أنت تخرج على مثل هذه الحال ؟!
فقال(ع) : قد قال لي : إن الله قد شاء أن يراهن سبايا !…) (12)
قليل الموقف:
- لم يخفى على الإمام الحسين(ع) عاقبة خروجه على طاغية بني أمية يزيد بل الإمام على علم بكل التبعات و اللوازم، و إن الإمام(ع) لما خرج كان يعلم بأنه يقتل لا محالة وكان(ع) يطلب النصر بالقتل و الدم وبالعناصر الثلاثة السابقة والتي بحسابه تحقق النصر الإلهي وهذا ما تحقق على ثلة من أصحابه الذين استشهدوا معه.
- هذا المعنى – ربما – لم يفطنه ابن عباس وعبدالله بن جعفر الطيار ومحمد بن الحنفية، والذين كانوا على دراية بمقتل الإمام(ع) وشهادته، ولعل كان في حسابتهم أن واقعة الطلف والنصرة للإمام(ع) يراد لها أن تحلون في إطار حدودها الزمني، وأن تحقق مكسباً في نصرة الإمام الحسين وإسقاط يزيد، وهذا المعنى يمثل جزء من حركته(ع) وليس هدفاً بحدّ ذاته، صحيح أن الإمام الحسين(ع) كان يريد أن يسقط يزيد، لكنه في نفس الوقت يريد أن يؤسس لواقع جديد يسقط الواقع المنحرف في الأمة منذ رحيل رسول الله(ص).
إذا (كربلاء) معركة في التاريخ إنتهت بفاصلها الزماني والمكاني… الإمام الحسين (ع) يرى الحسنين وهو ذاهب إلى كربلاء، وضع الأمة أمام أخيارين حددهما بشكل واضح، إما ترجع الأمة إلى صلاحها المحمدي وإما تبذل دمها الحسيني وكلاهما طريقان للنصر والفلاح ومعهما لا يوجد تفكير أو حساب للهزيمةن إلا بتخلف الأمة أن وقوفها إلى جانب ابن بنت رسول الله (ص) وعدم السير وفق حسابات النصر التي وضعها الإمام (ع)، وهذا ما لم يفطنه إبن عباس ومحمد بن الحنفية من طريقة تحرك الإمام (ع) وأنه يرى النصر في بذل دمه من أجل إيقاظ الأمة وإصلاحها.
الخلاصة:
ما نريد أن نستفيده من خلال هذين الموقفين لعبد الله ابن عباس ومحمد بن الحنفية هو أن هناك (لحظة مصيرية، يُبتلى بها الخواص وهم يشخصون ساحة المعركة، صحيح أنهم ينطلقون من حسابات موضوعية على الواقع، لكن هذا الحسابات لابد أن ترتبط بالهدف الكبير المرتبط بالسماء، وهذا لا يدركه إلا المعصوم أو من هو قريب منه و هم (الفقهاء العدول)، لأن الأهداف تتفاوت تارة تكون مقدمة وتارة متوسطة حتى تصل إلى الهدف الأسمى، والذي رأيناه أن الإمام الحسين(ع) كان يستمع بكل شفقة ومحبة إلى ابن عباس وابن الحنفية لكن الإمام نطرته أبعد وأفقه أوسع فهو يسمع لمشاورة أصحابه، لكن ليس بالضرورة أن يأخذ به، ذلك لأن الساحة والظروف ليس تحكمه (حسابات موضوعية فقط) بل هناك (حسابات غيبية قائمة على سنن إلهية حتمية)، والتي قد يحسبها صاحب النظرة الأولى نكسية وتراجع ولا يعلم بأن باطنها رحمة وأجر في الوصول (إلى النصر الإلهي) الذي يحتاج إلى قيادة الفقهاء وصبر الخواص وليس (النصر الظاهري).