مر عليك أن أصحاب الحسين (عليه السلام) كانوا سادة المسلمين وخيارهم وشجعانهم، جمعوا صفات الكمال، وتسابقوا في المكارم والعليا، ولم تكن استجابتهم لسيد الشهداء (عليه السلام) في ذلك اليوم العصيب وليدة الصدفة، بل كانت نتيجة إعدادهم الروحي طيلة الفترة التي عاشوها، وحصيلة عقيدة راسخة استقاموا عليها.
ومن هؤلاء الأبطال شوذب، فقد كان كما يقول التاريخ: من رجال الشيعة ووجوهها، ومن الفرسان المعدودين، وكان حافظاً للحديث، حاملاً له عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان من الرجال المخلصين وداره مألف للشيعة يتحدثون فيها فضل أهل البيت، وكان متقدماً في الشيعة.
وفي يوم عاشوراء أقبل عابس على شوذب يسأله: يا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟
قال: ما أصنع، أقاتل معك دون ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى أقتل.
قال: ذلك الظن بك، أما الآن فتقدم بين يدي أبي عبد الله حتى يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه، وحتى احتسبك أنا، فإنه لو كان معي الساعة أحد أنا أولى به مني بك لسرني أن يتقدم بين يدي حتى احتسبه، فإن هذا اليوم ينبغي لنا أن نطلب الأجر منه بكل ما قدرنا عليه، فإنه لا عمل بعد اليوم وإنما هو الحساب.
تقدم شوذب فسلم على الحسين ثم مضى فقاتل حتى قتل. (إبصار العين: 90، مقتل الحسين للمقرم: 312، الحدائق الوردية 1/126، تاريخ الطبري 6/254).
رحم الله هذه الصفة الطيبة، وأخذ الله بأيدينا إلى انتهاج نهجهم، والسير على هداهم، والاقتداء بهم.
وبعد أن سقط خمسون شهيداً في الحملة الأولى من أصحاب الحسين (عليه السلام) أخذوا يبرزون للحرب وحداناً وثوانياً أو على شكل مجموعات صغيرة، فيخرج الأخوان والصديقان فيقاتلان حتى يستشهدا معاً. وربما قدم الأخ أخاه والحميم حميمه حتى إذا قتل خرج من بعده.
وبعد مقتل شوذب أقبل عابس على الحسين (عليه السلام) وهو يقول: يا أبا عبد الله أما والله ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعز عليّ ولا أحب إليّ منك، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعز عليّ من نفسي ودمي لفعلته. السلام عليك يا أبا عبد الله، أشهد الله إني على هديك وهدي أبيك.
ثم مشى بالسيف مصلتاً نحوهم، وبه ضربة على جبينه.
قال أبو مخنف: حدثني نمير بن وعلة عن رجل من بني عبد من همدان يقال له ربيع بن تميم شهد ذلك اليوم، قال: لما رأيته مقبلاً عرفته، وقد شاهدته في المغازي، وكان أشجع الناس، فقلت: أيها الناس هذا أسد الأسود، هذا ابن أبي شبيب، لا يخرجن عليه أحد منكم.
فأخذ ينادي ألا رجل لرجل! فقال عمر بن سعد: ارضخوه بالحجارة.
قال: فرمي بالحجارة من كل جانب، فلما رأى ذلك ألقى درعه ومغفره، ثم شد على الناس، فوالله لرأيته يكرد أكثر من مائتين من الناس، ثم أنهم تعطفوا عليه من كل جانب فقتل، قال: فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدة، هذا يقول: أنا قتلته، وهذا يقول: أنا قتلته، فأتوا عمر بن سعد فقال: لا تختصموا، هذا لم يقتله سنان واحد. ففرق بينهم بهذا القول. (تاريخ الطبري 6/254).