اقول : من ظاهر المعنى اللغوي والمفهوم الديني للعصمة يتبين لنا عموم المعنى ولكن ليس كل حقيقة المطلب وضروراته ومراتبه في الوجود .
لذالك ، نحن لمّا ناتي الى مصطلح " اصول الدين " ، نجد وإن اختلفت المذاهب الاسلامية بتعدادها ، ولكن من بين المشتركات الثابته هي اصل النبوة ، وهذا يدخل فيه كل من هو واسطة بين السماء ( الغيب الإلهي ) وبين الناس في عالم الدنيا محل الامتحان*
حتى هنا ، لعل عنوان العصمة لا يظهر جليا في الاصول ، ولكن التصريح والفهم القراني يوجبها ضمنا او يظهرها بشكل / بصيغة تدل عليها ، وكذالك العقل المسترشد بالدين يقبلها ويستوجبها .
اي كل ما ياتيكم من الرسول ( قول ، فعل ، امضاء ، غيرها ) ، فملزم بالاخذ به بصريح القران ، وما نهاكم عنه فنفس الشيء ، وهذا لا يكون الا ان يكون ما ياتي به الرسول ( قول ، فعل ، امضاء ) موافق للحق ، وخلافه ولو قليلا كان باطلا ، ولا يمكن القول بان الله يامر باخذ ما يمكن ان يكون به باطلا او خارجا عن الحق ولو قليلا ( ولعل دقة الحساب تستوجب دقة الحكم : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ )*
وموافقة الحق الذي عند الله تستلزم كل مايمنع زيغها من شبهة او خطأ او هوى او جهل ، وهذا بالمعنى ممتنع عنه ، ومعصوم منه ، فهو المعصوم بعصمة الله له .
النطق لغتاً : ـ نطــق بكذا : لفظ ، تكلَّم بصوت وحروف تُعرف بها المعاني .
بمعنـــى ، ستكون الاية المباركة تبين ان كل لفظ ( بل صوتٍ ) ذي معنى من الرسول هو اصله من الوحي لا من الهوى ، سواء ما يخص الشريعة كقران منزل وبلا شك او قول الرسول في اي حيثية اخرى ( كسنته وتقريره وإمضائه ) ، وهذا لمن يعقل ويتذوق ويفهم ، غاية في الدقة لتقرير عصمته عليه السلام .
هنا عطف الله طاعة أولي الامر على طاعة الرسول ومنه الى الله تعالى .
بمعنى نفس طاعة ولي الامر هي طاعة الرسول ، ونفس طاعة الرسول هي طاعة الله
وهذا يختلف معنا وفهما وما يترتب عليهما لو كانت الاية كذالك : ( واطيعوا الله واطيعوا الرسول واطيعوا اولي الامر منكم ) ، حيث هنا وان اثبت طاعتهم ، ولكن ليس بالضرورة ان تكون الطاعة فيها المثلية والمساوات بل كل طاعة مخصوصة بحدود المطاع ،
كما الحال لو اقول : أطِع الله وأطِع الرسول وإطع اباك وأطِع توجيهات الطبيب ... فهنا اثبتنا طاعة لهم ولكن مضمونها متفرق وحدودها مختلفة .
والاية بمحل عطف الطاعة لولي الامر والرسول على طاعة الله ، بمعنى طاعتهم من طاعة الله ، بل نفس طاعة الله ، ولا يخفى على ذي لب كيف لا يكون معصوما من طاعته كطاعة الله . وأيّ مقام واصطفاء هذا ، فتامل
-------------------
مما سبق علمنا من ثابت فهم وتصريح الشرع ان هناك عصمة ومعصوم ،
ولكن : لماذا العصمة والمعصوم .
الجواب العقلي المرتكز على الدين ، بعد الاثبات الديني لها ،
لمّا كان المعصوم ( نبي ، رسول ، إمام ) هو واسطة بين السماء ( الغيب ) وبين الناس ، وكانت وضيفته هداية الناس الى الصراط المستقيم ، والذي هو متعلقه كل افعال وسلوك الانسان بدقة وفي جميع حيثيات حياته ، كان لا بد من ان لا يُتصور في هدايته خطأ او سهو او انحراف ، وإلا تغير عنوان ومضمون الفعل الى عنوان ومضمون اخر وهو الضلال ( كل شيء غير الحق والهدى وان صغر هو ضال عنها )
لذالك استوجب ان يكون الهادي للصراط والحق معصوما في هدايته من كل اوجه الضلال / الانحراف ، فاذا كان كذالك استكملت واستحكمت الهداية ، وامكن لها ان تكون رسالته حجة على الخلق ولا حجة لمن يمكن ان يرد في عمله او قوله خطأ ، ولهذا الله والدين جعل الرسول حجته تامة ، وتماميتها بمعصوميتها .
فاذا كان الرسول معصوم ، وكان حجة تامة ، فالناس في اتّـباعه على يقين بانها تسير على الصراط المستقيم ، اصلا وتفصيلا وفعلا (1)
والصراط المستقيم ، هو الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ، وهو الطريق المباشر الاقصر في الوصول للغاية .
وحتى يتحقق مضمون الاستقامة في الصراط المستقيم ، لا بد من ان يُنفى عنه كل اعوجاج ، وهذا يعني نفي كل خطأ او ضلال عنه وإن كان صغيرا ، فاذا تحقق ذلك اصبح الطريق مباشرا سريعا وهو الاقصر للوصول للغاية لانتفاء كل زيغ عنه " يطوله او يحفره بما يناسب الفهم المعنوي العقدي "
وهذا نفسه قول القران الكريم في مقام الرسل والحجج اجمعين ( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )
فالذين انعم الله عليهم من الرسل ( حجج الله التامة على الخلق ) هم على الصراط المستقيم ، بل هم الصراط المستقيم ، لان القران الكريم هو ذات الصراط المستقيم في مرتبة اللفظ والتشريع ، والرسول هو ذات الصراط المستقيم في مرتبة العمل / التفعيل ( والعمل والتفعيل هو غاية التشريع لانه به يُنال غاية وثمار الفرائض والواجبات والنواهي وما الى غيرها من احكام مختلفة لبلوغ الكمالات الاخروية ) ،
وفي كل زمان ومكان لا يمكن لغير المعصوم ان ياتي بتمام فهم الصراط وتطبيقه لفظا وفعلا بمراتبته التشريعية ( فضلا عن فهم تأويله ومراتبه الباطنية الاخرى )
وفي الشريعة المحمدية الخاتمية هو الرسول محمد ص واله الاطهار ع ، لانهم " هـم وهُـم فقط " من يستطيع ان ينالوا اعلى مرتبة من مراتب حقيقة القران ، وهي مرتبته في اللوح المحفوظ : (إنَّه لقرآن كريم. في كتاب مكنون. لا يمَسُّه إلا المطَـهَّرون ) ، وهم من عصمهم الله ولم يدّعي غيرهم العصمة من الناس .
فاذا كان الرسول هو الصراط المستقيم ، فلا شك ولا ريب ان يُنفى عنه كل ما يتقاطع واستقامته ، ومنها واولاً الانحراف عنه بمعنى الخطأ تحت اي مسمى وعنوان ... فتامل
-------------------------------------
بعد ان تبين لنا مما سبق اهمية العصمة والمعصوم في الدين
فهل هناك ضرورة لبقائها مستمرة ام هي مكتفية بحدود تبليغ الرسالة ( ويستطيع الناس الاخذ من القران وما بينته السنة الصحيحة )
الجواب قرآنا ، مما سبق من الذكر المجيد ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )
لا حصر لها بوقت الرسالة ، فاذا كان الرسول واحدا في شريعة واحدة ، فولاة الامر ليس كذالك وهم على نهجه وشريعته كان يكون وصي او امام معصوم .
ولما تبين ان الهادي للصراط المستقيم والحجة على الناس اجمعين لا بد وان يكون معصوما لزوما ، فهنا سيكون ولي الامر كذالك ، للاسباب السابقة ذاتها لاشترك الوضيفة والغاية ، ولا بد من استمرار اولي الامر طالما هناك بشر على الارض ،*
( لان حقائق الهداية لا ظاهر الهداية تستوجب الهادي الحق وليس الهادي بالظاهر . ) فافهم .
فما معنى ( الهادي الحق )
الهادي الحق : نعني من اخذ الهداية الحَقّة من الوحي وعَلِمها حق علمها ( حق اليقين وعين اليقين وعلم اليقين ) وعمل بها فلا فرق بين عمله ولفظه فهو والقران سواء ،
وحيث ان كل زمان ومكان هناك من يحتاج هداية الهادي الحق ، فهذا يستلزم وجوده ، والا انحرف الفهم والتطبيق بالخلاف بدونه
ولعل وجدان وواقع الامر يبين صحة هذا الامر ، فكم مذهب مختلفٍ مفسر للقران والشريعة ويدعي انها الحق ، وحيث ان الحق واحد فهذا يدل على انها تدعي الحق ( ظاهر الحق على الاقل ) وليست عين الحق والهادي الحق . والله يريد ان يهدي عباده الى الصراط المستقيم بصراط مستقيم وهو المعصوم عليه السلام اي يريد الهداية الحقيقية التي لا يشوبها باطل وبها الحجة التامة وهي الصراط المستقيم حقا .
والله اعلم
هذا مقدار علمنا وفهمنا اذا وفقنا الله واصبنا الحق والله اعلم