مناظرة مؤمن الطاق مع أبي حنيفة في حكم الطلاق ثلاثاً
بتاريخ : 24-06-2012 الساعة : 10:37 PM
مناظرة مؤمن الطاق (1) مع أبي حنيفة في حكم الطلاق ثلاثاً
عن ابن أبي عمير قال : قال ابو حنيفة لاَبي جعفر مؤمن الطاق : ما تقول في الطلاق الثلاث ؟
قال : أعلى خلاف الكتاب والسنة ؟
قال نعم.
قال أبو جعفر : لا يجوز ذلك(2).
قال أبو حنيفة : ولم لا يجوز ذلك ؟
قال : لاَنّ التزويج عقدٌ عُقد بالطاعة فلا يحلّ بالمعصية ، وإذا لم يجز التزويج بجهة المعصية لم يجز الطلاق بجهة المعصية ، وفي إجازة ذلك طعن على الله عزّ وجلّ فيما أمر به وعلى رسوله فيما سنَّ ، لاَنّه إذا كان العمل بخلافهما فلا معنى لهما ، وفي قولنا من شذَّ عنهما ردّ إليهما وهو صاغر .
قال أبو حنيفة : قد جوّز العلماء ذلك .
قال أبو جعفر : ليس العلماء الذين جوّزوا للعبد العمل بالمعصية ، واستعمال سنّه الشيطان في دين الله ، ولا عالم أكبر من الكتاب والسنّة ، فلم تجوّزون للعبد الجمع بين ما فرّق الله من الطلاق الثلاث في وقت واحد ، ولا تجوّزون له الجمع بين ما فرّق الله من الصلوات الخمس ؟ وفي تجويز ذلك تعطيل الكتاب وهدم السنة ، وقد قال الله جلّ وعزّ : ( وَمَن يَتَعدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَد ظَلَمَ نَفسهُ )(3).
ما تقول يا أبا حنيفة في رجل قال : إنّه طلق امرأته على سنّة الشيطان ؟ أيجوز له ذلك الطلاق ؟
قال أبو حنيفة : فقد خالف السنّة ، وبانت منه امرأته ، وعصى ربّه .
قال أبو جعفر : فهو كما قلنا ، إذا خالف سنّة الله عمل بسنّة الشيطان ، ومن أمضى بسنته فهو على ملّته ليس له في دين الله نصيب .
قال أبو حنيفة : هذا عمر بن الخطّاب ، وهو من أفضل أئمّة المسلمين ، قال : إنّ الله جلّ ثناؤه جعل لكم في الطلاق أناة فاستعجلتموه ، وأجزنا لكم ما استعجلتموه(4) .
قال أبو جعفر : إنّ عمر كان لا يعرف أحكام الدين .
قال أبو حنيفة : وكيف ذلك ؟
قال أبو جعفر : ما أقول فيه ما تنكره ، أمّا أوّل ذلك فإنّه قال : لا يصلّي الجنب حتى يجد الماء(5)ولو سنة ! والاُمّة على خلاف ذلك ، وأتاه أبو كيف العائذي فقال : يا أمير المؤمنين إنّي غبت فقدمت وقد تزوجت امرأتي ، فقال : إن كان قد دخل بها فهو أحقّ بها ، وإن لم يكن دخل بها فأنت أولى بها(6)، وهذا حكم لا يُعرف ، والاُمّة على خلافه .
وقضى في رجل غاب عن أهله أربع سنين أنّها تتزوّج إن شاءت(7) ، والاُمّة على خلاف ذلك ، إنّها لا تتزوّج أبداً حتى تقوم البيّنة أنّه مات أو طلّقها؛ وأنّه قتل سبعة نفر من أهل اليمن برجل واحد ، وقال : لولا ما عليه أهل صنعاء لقتلتهم به ، والاُمّة على خلافه ، واُتي بامرأة حبلى شهدوا عليها بالفاحشة فأمر برجمها ، فقال له علي عليه السلام : إن كان لك السبيل عليها فما سبيلك على ما في بطنها ؟ فقال : لولا عليٌّ لهلك عمر(8).
واُتي بمجنونة قد زنت فأمر برجمها ، فقال له عليٌّ عليه السلام : أما علمت أنّ القلم قد رفع عنها حتى تصحّ ؟ فقال : لولا عليٌّ لهلك عمر(9) ، وإنّه لم يدر الكلالة فسأل النبي صلى الله عليه وآله عنها فأخبره بها فلم يفهم عنه ، فسأل ابنته حفصة أن تسأل النبيصلى الله عليه وآله عن الكلالة فسألته ، فقال لها : أبوك أمرك بهذا ؟ قالت : نعم ، فقال لها : إنّ أباك لا يفهمها حتى يموت(10) ! فمن لم يعرف الكلالة كيف يعرف أحكام الدين ؟(11).
____________ (1) هو : أبو جعفر محمد بن علي بن النعمان الكوفي الصيرفي البجلي ، قال عنه الشيخ الطوسي رحمه الله : إنه ثقة ، وروى عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبدالله عليه السلام ويلقب بمؤمن الطاق ، وصاحب الطاق ، وسمي بالطاق لانّه كان دكانه في طاق المحامل بالكوفة ، وكان كثير العلم حسن الخاطر ، ولمؤمن الطاق مع أبي حنيفة حكايات ومناظرات كثيرة ، فمن ذلك ما رواه الخطيب البغدادي في تاريخه : قال : كان أبو حنيفة يتهم مؤمن الطاق بالرجعة ، وكان مؤمن الطاق يتهم أبا حنيفة بالتناسخ ، قال : فخرج أبو حنيفة يوماً إلى السوق فاستقبله مؤمن الطاق ومعه ثوب يريد بيعه ، فقال له أبو حنيفة : أتبيع هذا الثوب إلى رجوع علي عليه السلام !! فقال : إن أعطيتني كفيلاً أن لا تُمسخ قرداً بعتك فبهت أبو حنيفة ، قال : ولما مات الاِمام جعفر بن محمد عليه السلام التقى هو وأبو حنيفة ، فقال له أبو حنيفة : أما إمامك فقد مات ! فقال له مؤمن الطاق : أما إمامك فمن المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ، ومن مصنفات مؤمن الطاق : كتاب الاِمامة ، وكتاب الرد على المعتزلة ، وكتاب المعرفة ، توفي في سنة 374 هـ .راجع ترجمتة في : الكنى والاَلقاب للقمي : ج 2 ص398 ، رجال الطوسي : ص 302 و 359 ، سير أعلام النبلاء للذهبي : ج 10 ص553 ترجمة رقم : 553 . (2) ومما جاء في جواب الاِمام علي بن موسى الرضا عليه السلام لمسائل محمد بن سنان ، قال عليه السلام : وعلة الطلاق ثلاثاً : لما فيه من المهلة فيما بين الواحدة إلى الثلاث لرغبة تحدث أو يكون غضبه إن كان ، وليكون ذلك تخويفاً وتأديباً للنساء وزجراً لهن عن معصية أزواجهن ، فاستحقت المرأة الفرقة المباينة لدخولها فيما لا ينبغي من معصية زوجها ، وعلة تحريم المرأة بعد تسع تطليقات ، فلا تحل له أبداً عقوبة لئلا يتلاعب بالطلاق ، ولا يستضعف المرأة ، وليكون ناظراً في أموره متيقظاً معتبراً ، وليكون يأساً لهما من الاجتماع بعد تسع تطليقات. عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج 1 ص 102 ، (ب 33 ح 1) . (3) سورة الطلاق : الآية 1 . (4) راجع : صحيح مسلم : ج 2 ص 1099 ، كتاب الطلاق ب طلاق الثلاث ، سنن البيهقي ج 7 ص 336 ، سنن أبي داود : ج 2 ص 261 ح 2199 ـ 2200 ، الغدير للاَميني : ج 6 ص 178 ـ 179 ، مسند أحمد بن حنبل : ج 1 ص 314 . (5) راجع : سنن النسائي : ج 1 ص 168 ـ 170 ، مسند أحمد بن حنبل : ج 4 ص 319 ، السنن الكبرى للبيهقي : ج 1 ص 209 ، الغدير للاَميني : ج 6 ص 83 . (6) راجع : السنن الكبرى للبيهقي : ج 7 ص 446 ، المغني لابن قدامة : ج 8 ص 499 وج9 ص135. (7) أصول الفقه للدواليبي : ص 241 ، النص والاجتهاد للسيد شرف الدين : ص 270 ، السنن الكبرى للبيهقي : ج 7 ص 445 ، المغني لابن قدامة : ج 9 ص 132 ، بحار الاَنوار : ج104 ص161. (8) الرياض النضرة : ج 3 ص 163 ، ذخائر العقبى : 80 ـ 82 ، المناقب للخوارزمي : ص81 ح65 ، الغدير للاَميني : ج 6 ص 110 . (9) المستدرك للحاكم : ج 2 ص 59 و ج 4 ص 389 ، الرياض النضرة : ج 3 ص 164 ، الغدير للاَميني : ج 6 ص 101 ـ 102 . (10) الدر المنثور للسيوطي : ج 2 ص 753 ـ 754 ، تفسير القرآن العظيم لابن كثير : ج 1 ص606 ، أحكام القرآن للجصاص : ج 2 ص 87 (باب الكلالة) ، الغدير للاَميني : ج 6 ص128. (11) الاختصاص للمفيد : ص 109 ـ 111 ، بحار الاَنوار للمجلسي : ج10 ص 230 ـ 231.