الدلالة على عصمتها ، ومنزلتها و فضلها وعلو رتبتها
اللهم صل وسلم على محمد وال محمد وعجل فرجهم الشريف واهلك اعدائهم
من أوكد الدلائل على عصمتها قوله سبحانه: ﴿ إنَّما يُريدُ الله لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أهلَ البَيت وَيُطَهِّرَكُم تَطهيراً ﴾ ووجه الدلالة: أنّ الاُمة اتّفقت < على > أنّ المراد بأهل البيت في الآية هم أهل بيت رسول الله ، ووردت الرواية من طريق الخاصّ والعامّ أنّها مختصّة بعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، وأنّ النبيّ جلّلهم بعباء خيبريّة ثمّ قال: «اللهمّ إنّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً» فقالت اُمّ سلمة: يا رسول الله وأنا من أهل بيتك؟ فقال لها: «إنّك على خير» .
ولا تخلو الاِرادة في الآية إمّا أن تكون إرادة محضة لم يتبعها الفعل، أو إرادة وقع الفعل عندها، والأوّل باطلٌ، لأنّ ذلك لا تخصيص فيه لأهل البيت، بل هو عام في جميع المكلّفين، ولا مدح في الاِرادة المجردة، وأجمعت الاُمّة على أنّ الآية فيها تفضيل لأهل البيت وإبانة لهم عمّن سواهم، فثبت الوجه الثاني، وفي ثبوته ما يقتضي عصمة من عني بالآية، وأنّ شيئاً من القبائح لا يجوز أن يقع منهم، على أنّ غير من سمّيناه لاشكّ أنّه غير مقطوع على عصمته، والآية موجبة للعصمة، فثبت أنّها فيمن ذكرناهم لبطلان تعلّقها بغيرهم.
وممّا يدلّ أيضاً على عصمتها : قول النبيّ فيها: «إنّها بضعة منّي يؤذيني ما آذاها» .
وقوله : «من آذى فاطمة فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله عزّ وجل» .
وقوله : «إنّ الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها» .
ولو كانت ممّن يقارف الذنوب لم يكن من يؤذيها مؤذياً له على كلّ حال، بل يكون متى فعل المستحق من ذمّها، أو إقامة الحدّ ـ إن كان الفعل يقتضيه ـ سارّاً له .
ومّما روي من الآيات الدالّة على محلّها من الله عزّ وجلّ ما رواه الخاصّ والعامّ عن ميمونة أنّها قالت: وجدت فاطمة نائمة والرحى تدور فأخبرت رسول الله بذلك فقال: «إنّ الله علم ضعف أمته فاوحى إلى الرحى أن تدور فدارت» .
ومن الأخبار المنبئة عن فضلها وتميّزها عمّن سواها ما روته العامّة عن عائشة قالت: ما رأيت رجلاً أحبّ إلى رسول الله من عليّ، ولا امرأة أحبّ إلى رسول الله من امرأته .
ورووا عن أمير المؤمنين أنه قال : «سألت رسول الله فقلت : أنا أحب إليك أم فاطمة ؟ فقال : فاطمة أحب إليّ منك ، وأنت أعز عليّ منها» .
ورووا عن أنس قال: قال رسول الله : «حسبك من نساء العالمين ـ وفي رواية اُخرى: خير نساء العالمين ـ: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خوليد، وفاطمة بنت محمّد»
وعن ابن عبّاس قال: أفضل نساء أهل الجنّة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد ، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم .
وروي عن عبد الرحمن بن عوف قال: سمعت رسول الله يقول: «أنا الشجرة، وفاطمة فرعها، وعليّ لقاحها، والحسن والحسين ثمرها، وشيعتنا ورقها، الشجرة أصلها في جنّة عدن، والفرع والثمر والورق في الجنّة» .
ورووا عن عائشة: أنّ فاطمة كانت إذا دخلت على رسول الله قام لها من مجلسه وقبّل رأسها وأجلسها مجلسه .
ورووا عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم في تفسير القرآن، عن الصادق جعفر بن محمد أنّه قال: «بلغنا عن آبائنا أنّهم قالوا: كان رسول الله يكثر تقبيل فم فاطمة سيّدة نساء العالمين إلى أن قالت عائشة: يا رسول الله أراك كثيراً ما تقبّل فم فاطمة، وتدخل لسانك في فيها؟! قال: نعم يا عائشة، أنّه لمّا اُسري بي إلى السماء أدخلني جبرئيل الجنّة فأدناني من شجرة طوبى وناولني من ثمارها تفّاحة فأكلتها فصارت نطفة في ظهري، فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة ، فكلّما اشتقت إلى الجنّة قبّلتها وأدخلت لساني في فيها فأجد منها ريح الجنّة، وأجد منها رائحة شجرة طوبى، فهي إنسيّة سماويّة» .
وما رواه أصحابنا رضي الله عنهم من لأخبار الدالّة على خصوصيّتها بشرف المنزلة، وبينبونتها عن جميع نساء العالمين بعلّو الدرجة فأكثر من أن يحصر، فلنقنتصر على ما ذكرناه.
وكان ممّا تممّ الله تعالى به شرف أمير المؤمنين في الدنيا وكرامته في الآخرة أن خصّه بتزويجها إيّاه، كريمة رسول الله ، وأحبّ الخلق إليه، وقرّة عينه، وسيدة نساء العالمين.
فممّا روي في ذلك ما صحّ عن أنس بن مالك قال: بينما النبيّ جالس إذ جاء عليّ فقال: «يا عليّ ما جاء بك؟».
قال: «جئت اُسلّم عليك».
قال: «هذا جبرئيل يخبرني أنّ الله تعالى زوّجك فاطمة، وأشهد على تزويجها أربعين ألف ألف ملك، وأوحى الله تعالى إلى شجرة طوبى أن: اُنثري عليهم الدرّ والياقوت، فنثرت عليهم الدر والياقوت فابتدرت إليه الحور العين يلتقطن في أطباق الدر والياقوت، وهنّ يتهادينه بينهنّ إلى يوم القيامة» .
وعن ابن عبّاس قال: لمّا كانت الليلة التي زفّت بها فاطمة إلى عليّ كان رسول الله أمامها، وجبرئيل عن يمينها، وميكائيل عن يسارها، وسبعون ألف ملك من خلفها، يسبّحون الله ويقدّسونه .
وافتخر أمير المؤمين بتزويجها في مقام بعد مقام:
روى أبو إسحاق الثقفي بإسناده، عن حكيم بن جبير، عن الهجريّ، عن عمّه قال: سمعت عليّاً يقول: «لأقولنّ قولاً لم يقله أحدٌ بعدي إلاّ كذّاب، أنا عبدالله، وأخو رسوله، وريث نبيّ الرحمة، وتزوّجت سيّدة نساء الاُمّة، وأنا خير الوصيّين»
والأخبار في هذا النحو كثيرة، وروى الثقفي بإسناده عن بريدة قال: لمّا كان ليلة البناء بفاطمة قال لعليّ: «لا تحدث شيئاً حتّى تلقاني» فاتى النبيّ بماء ـ أوقال: دعا بماء ـ فتوضّأ ثمّ أفرغه على عليّ ثمّ قال: «اللهم بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في شبليهما» .
وروى بإسناده عن شرحبيل بن أبي سعيد قال: لمّا كان صبيحة عرس فاطمة جاء النبيّ بعسّ فيه لبن فقال لفاطمة: «اشربي فداك أبوك» وقال لعليّ : «اشرب فداك ابن عمّك» .