السلام على من بذل مهجته في الله ليستنقذ عباده من الجهالة وحيرة الضلالة
هذه الرائعة الخالدة في زيارة الإمام الحسين والتي يسردها الإمام الصادق في حق جده، تعيد إلى ذاكرة الأمة تضحيات أبي الشهداء وتفاني حوارييه، وما حققوه عبر طريق الدماء وبذل النفس من مفاخر عظم ومآثر كبرى، من شأنها أن تفيض في الأمة ونفوسها روح العزة والكرامة، و
ان هذا النوع من الأدب القيم يجسد الخط العام الذي تشتمل عليه زيارات الإمام ففيه الصفة الإنسانية والمنطق الشمولي الذي نادى به أبو الشهداء في ساحة الدم الكربلائية حيث إنطلق لينقذ عباد الله من شر الجهالات إلى خير الهدايات ومن حضيض الذلة إلى قمة العزة.
النصوص البليغة التي أكد عليها الامام قبل الواقعة تركز على ان يأخذ الإنسان حقه من غاصبه عنوة وقسوة وان يشعر في نفسه روح الكرامة ويقوي في وجوده جانب الشجاعة.
فهناك حقيقة تاريخية أثبتها الأبعدون ممن لم ينتمون إلى الإسلام كإنتمائنا نحن المسلمين وممن درسوا النهضة الحسينية بدقة وعمق وهي: ان التضحية الحسينية التي أقدم عليها الامام الحسين وأصحابه هي رمز للحب والتحاب للشرائح الإنسانية، وحينما يسأل أحد الكتاب المسيحي
ين الذين كتبوا عن الحسين وهو (بولس سلامه) عن سر ولائه يجيب: (ان ملحمة كربلاء هي ملحمة إنسانية وملحمتي الذاتية كفرد إنساني).
فالحسين وكما نقرأ في زيارة أربعينيته يربط نفسه في عباد الله جميعهم (ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة)، فهذه الكلمات تجعل الإنسان مهما كان لونه وطوره وعرقه وذوقه، يشعر نفسه بأنه مرتبط إرتباطا مباشرا بالثورة الحسينية ويجعل مقادير أموره منقادة لمنهج ا
لحسين، منهج الفكر والحرية والدم.
فالمعتقد النظري في هكذا عبارات تزرع نفسا حسيا وحركيا عند كل ضمير إنساني بأن لا يتجاوز على مبادئه ورسالته.
فالسرد الواضح في أدب الزيارات الحسينية يشير إلى النزعة الإنسانية في نهضة الطف حيث لا تتمكن الحدود الطائفية والجغرافية والطبقية ان تمنعها من توسيع رقعتها، ذلك لأن الرؤية الرسالية واحدة لا تتجزأ ومن هنا يستعير الإمام الصادق هذا المفهوم الإسلامي الخالد في ز
يارة جده الحسين، مستخدمان، هكذا عبارات صريحة وفصيحة وتشير إلى عظمة سر من أسرار كربلاء، فكربلاء لها رسالة قيمة لا تحدها الوسائل الزمنية والمكانية إنها لكل أرض وكل إنسان ولكل زمان.
فلنر النسق الرائع والمصبوغ بحمرة دم الحسين الذي أريق ظلما يوم عاشوراء حيث صوره الكاتب المسيحي الجدير (جرجى زيدان) في روايته المعروفة (غادة كربلاء): (لا شك ان إبن زياد إرتكب بقتل الحسين جريمة كبرى لم يحدث أفظع منها في تاريخ العالم، ولا غرو إذا تظلم الشيعة
لقتل الحسين وبكوه في كل عام، ومزقوا جيوبهم وقرعوا صدورهم أسفا عليه لأنه قتل مظلوما).
فهذه العبارات ليست غرابة فيها لأن الحسين بمنطقه البشري وتفاديه الإنساني تمكن من إمتلاك قلوب أحرار العالم ويدخل في أفئدتهم بلا إستئذان، على إختلاف مشاربهم في العصور الغابرة والحاضرة، ولعل تكرار إحياء زيارات الحسين فتحت بابا لتتمكن أبناء الأمة من الولوج إل
يها ويصبحوا في دائرة الكرامة الحسينية.
ومن هنا وردت روايات عديدة في فضيلة زيارته وأجرها المعطاء حيث كان الأئمة يحشدون الناس لهذه الشعيرة العظيمة ليجعلوها تظاهرة حاشدة ضد ظلمة كل عصر ومصر علاوة على الجانب العاطفي والطاقة الشعورية الخارقة التي تمثلها الزيارات.
ففي ظرف كان المتوكل العباسي يقطع النفوس ويقلع الرؤوس نرى ان الإمام الهادي كان يحث ويدفع الناس لزيارة الحسين مهما كلف الأمر ومهما قست قوى الشر فقد روى عبد الله الفضل الهاشمي وقال:
(كنت عند أبي عبد الله الصادق فدخل رجل من أهل طوس فقال: (يا إبن رسول الله ما لمن زار قبر الحسين فقال: من زار قبر الحسين وهو يعلم انه إمام من قبل الله مفترض الطاعة على العباد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وقبل شفاعته في خمسين مذنبا، ولم يسأل الله ع
زوجل حاجة عند قبره إلا قضاها له).
وعن الصادق: (إذا أردت الحج ولم يتهيأ لك فأت قبر الحسين فإنها تكتب لك حجة، وإذا أردت العمرة ولم يتهيأ لك فأت قبر الحسين فإنها تكتب لك عمرة).
ولمعرفة آثار ما قاله الأئمة في هذا الباب رأينا في العصر الحاضر إصرار وإلحاح محبي أهل البيت على الإلتزام بهذا الخط ومدى قساوة وجبروت الظالمين على التصدي لتوجه الزائرين لكربلاء، وكما حدث في العراق، حيث ان حاكم العراق كان يستعد ويستعين بآلات حربية قوية للوق
وف أمام هذه الحركة الثورية، فما زاد الناس إلا عزيمة وإندفاعا أكثر في الوقوف أمام محاولات النظام.