عبد الكريم قاسم على غلاف مجلة التايم عدد 13 ابريل 1959
بتاريخ : 17-09-2012 الساعة : 12:03 PM
عبد الكريم قاسم
من الموسوعة الحرة
عبد الكريم قاسم على غلاف مجلة التايم عدد 13 ابريل 1959
عبدالكريم قاسم (1914 - 1963) رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع في العراق من 14 يوليو 1958 ولغاية 9 فبراير 1963 حيث اصبح أول حاكم عراقي بعد الحكم الملكي . كان عضوا في تنظيم الضباط الوطنيين " او الاحرار" و قد رشح عام 1957 رئيسا للجنة العليا للتنظيم الذي اسسه العميد رفعت الحاج سري الدين عام 1949 . ساهم مع قادة التنظيم بالتخطيط لحركة او 14 يوليو / تموز 1958 التي قام بتنفيذها زميله في التنظيم عبد السلام محمد عارف والتي أنهت الحكم الملكي وأعلنت قيام الجمهورية العراقية. هو عسكري عراقي عرف بوطنيته وحبه للطبقات الفقيرة التي كان ينتمي لها. ومن اكثر الشخصيات التي حكمت العراق اثارةً للجدل حيث عرف بعدم فسحه المجال للاخرين بالاسهام معه بالحكم واتهم من قبل خصومه السياسيين بالتفرد بالحكم حيث كان يسميه المقربون منه وفي وسائل اعلامه "الزعيم الاوحد" .
أحد ضباط الجيش العراقي الذين شاركوا في القتال بفلسطين ، حكم العراق 4 سنوات و 6 أشهر و 15 يوماً ، تم أعدامه دون تحقيق و من خلال محكمة صورية عاجلة في دار الأذاعة في بغداد يوم 9 فبراير 1963. هناك جدل و تضارب حول الإرث التاريخي لقاسم فالبعض يعتبره "نزيهاً و حريصاً على خدمة الشعب العراقي لم يكن يضع لشخصه ولأهله وأقرباءه أي أعتبار أو محسوبية أمام المسؤولية الوطنية" واتخاذه سياسة التسامح ،والعفو عن المتآمرين الذين تآمروا على الثورة "سياسة عفا الله عما سلف" واصدر الكثير من قرارات بأعفاء المحكومين بالأعدام ولم يوقع على احكام إعدام ، بينما يعتبره البعض الآخر زعيما عمل جاهداً للاستئثار بالسلطة وسعيه إلى تحجيم جميع الاحزاب الوطنية منها والقومية والاخرى التقدمية واصداره لاحكام اعدام جائرة بحق زملائة من اعضاء تنظيم الضباط الوطنيين "او الاحرار" كناظم الطبقجلي ورفعت الحاج سري ووغيرهم ، كما يتهمه خصومه السياسيين بانه ابعد العراق عن محيطه العربي من خلال قطع علاقاته الدبلوماسية مع اكثر من دولة عربية وانتهى به المطاف لسحب عضوية العراق من الجامعة العربية, وكذلك يتمهمه خصومه بانه ابتعد عن الانتماء الاسلامي للعراق الاسلامي بالتقرب من الشيوعيين . الا ان هناك نوع من الإجماع على شعبية قاسم بين تجمعات الطبقة المتوسطة والمدن والمناطق التي تقطنها الطبقات الفقيرة.
حدثت ابان حكم قاسم مجموعة من الإضطرابات الداخلية جعلت فترة حكمه غير مستقرة على الصعيد الداخلي اما على الصعيد الإقليمي فقد اثار موقف عبد الكريم قاسم الرافض لكل اشكال الوحدة مع الاقطار العربية ومنها رفضه الانظمام إلى الاتحاد العربي الذي كان يعرف بالجمهورية العربية المتحدة التي كانت في وقتها مطلبا جماهيريا ،ولد خيبة أمل لجماهير واسعة من العراقيين ولمراكز القوى والشخصيات السياسية العراقية والعربية ومنها الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي أشيع انه في سبتمبر 1959 ساند و مول المعارضين لقاسم والذي ادى إلى محاولة انقلاب عسكري على حكم قاسم في الموصل . وفي المقابل كانت تصريحات عبد الكريم قاسم لها اثار متناقضة والخاصة بانه كان وراء انفصال مشروع الوحدة بين مصر وسورية من خلال تموله ودعمه للعميد السوري عبد الكريم النخلاوي والعقيد موفق عصاصة الذين قادا الانقلاب في الشطر السوري من الوحدة, كما كانت لمطالب قاسم بضم الكويت تداعيات تسببت برد فعل عبد الكريم قاسم وغضبه انتهت بانسحابه من عضوية العراق في الجامعة العربيه . كما حدثت ابان حكم قاسم ايضا حركات تمرد او انتفاضة من قبل الأكراد في سبتمبر 1961 مما ادى إلى إضعاف اكثر للهيمنة المركزية لقاسم على حكم العراق وكانت آخر الحركات المعارضة ضد حكمه حركة او انقلاب او ثورة 8 شباط 1963 التي قام بها مجموعة من الضباط العسكريين العراقين الذين كان معظمهم ينتمي إلى حزب البعث .
قاسم وتنظيم الضباط الوطنيين
الضباط الوطنيين
تخرج قاسم من كلية العسكرية العراقية والتي كانت تسمى في حينها "الثانوية الحربية" وعمره 20 سنة وبدأ حياته العسكرية برتبة ملازم ثاني في كتيبة للمشاة تم تعيينه لاحقا كمدرس في الكلية العسكرية وفي عام 1941 تخرج من كلية الأركان العسكرية وفي عام 1955 وصل قاسم إلى رتبة مقدم ركن وبعد ان اصبح عقيدا تم نقله امراًً للواء المشاة 20 . وصف قاسم سياسته الخارجية بمصطلح "الحيادية الإيجابية" ولكن مع تطور الأحداث السياسية ابان السنة اولى من حكمه ظهرت بوادر تقارب بينه وبين الحزب الشيوعي العراقي و الكتلة اليسارية .
عند تشكيل نخبة من الضباط المستنيرين لتنظيم الضباط الوطنيين الذي اسماه الاعلاميون لاحقا بتنظيم "الضباط الاحرار" اسوةً بتنظيم الضباط الاحرار في مصر. انضم لهذا التنظيم العقيد الركن عبد السلام عارف الذي طلب انضمام زميله العميد عبد الكريم قاسم إلى خليته وقد تردد التنظيم بضمه للتنظيم باديء الامر لاسباب وصفوه "بالمزاجية و التطلعات الفردية" . وبسبب تأجيل تنظيم الضباط الوطنيين بالقيام بالحركة لاكثر من مرة اتفق عبد السلام عارف مع عبد الكريم قاسم وبالاتفاق مع بعض الضباط من اعضاء التنظيم وهم الفريق نجيب الربيعي والعميد ناظم الطبقجلي والعميد رفعت الحاج سري والعميد عبد الرحمن عارف والعقيد عبد الوهاب الشواف بالمبادرة للشروع بالتحرك للإطاحة بالحكم الملكي دون الرجوع للتنظيم ، مستغلين فرصة قيام الاتحاد الهاشمي وتحرك القطعات العراقية لاسناد الأردن ضد تهديدات اسرائيلية لقيام الاتحاد. تولى العميد عبد الكريم قاسم بعد نجاح الثورة منصب رئيس الوزراء ووزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة والفريق نجيب الربيعي منصب رئيس مجلس السيادة ريثما يتم انتخاب رئيسا للجمهورية . اما العقيد الركن عبد السلام عارف فتولى منصبي نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية. ووزعت باقي الوزارات على اعضاء التنظيم حسب اسهامهم بالثورة.
شريكه في الثورة عبد السلام عارف
تمتد علاقة الصداقة والود بين العميد عبد الكريم قاسم والعقيد الركن عبد السلام عارف إلى عام 1938 حيث التقى عبد السلام عارف بعبد الكريم قاسم في الكلية العسكرية . وبعد ان تخرج عبد السلام من الكلية العسكرية التقى بعبد الكريم قاسم في البصرة في احدى القطعات العسكرية بعد نقل عارف بسبب اشتراكه بثورة رشيد عالي الكيلاني باشا عام 1941 ، واثناء اللقاءات التي كانت تجمعهما كانا يتداولان موضوعات الساعة يومذاك من سوء الاوضاع التي يعيشها المواطن العراقي من جراء سياسة نوري السعيد باشا رئيس الوزراء والامير عبد الاله الوصي على العرش ، وخضوعهما للسياسة البريطانية في العراق كما التقيا مرة اخرى في كركوك في عام 1947 وجمعتهما مرة اخرى الحياة العسكرية فالتقيا في الحرب الفلسطينية 1948 حيث ارسل قاسم إلى مدينة كفر قاسم وارسل عارف إلى مدينة جنين وهما قريبتان الواحدة عن الاخرى فكانت تتم بينهما اللقاءات المستمرة واستمرت علاقتهما حتى عام 1951 حيث فارق عبد السلام عارف رفيق سلاحه لمدة خمس سنوات حيث التحق في ذلك العام بالدورة التدريبية الخاصة بالقطعات العسكرية البريطانية ثم ما لبث وان اصبح معلما اقدما للطلبة -الضباط العراقيين المبتعثين للدورات التدريبية والتي كانت تقام في مدينة دوسلدورف الالمانية الغربية واستمر في الخدمة هناك حتى عام 1956 .
بعد عودة عارف للعراق نقل إلى اللواء 20عام 1956 حيث انتمى إلى تنظيم الضباط الوطنيين وبعد عام على انتمائه التقيا ثانيةً عام 1957 حين فاتح العقيد عبد السلام عارف قيادة التنظيم لضم زميله العميد عبد الكريم قاسم للتنظيم الذي تردد التنظيم بضمه للتنظيم باديء الامر لاسباب عزوها نزعته الفردية ومزاجيته وبعد انضمام قاسم وبعد تغيب الفريق نجيب الربيعي عن اجتماعات التنظيم لاسباب تتعلق بالتحاقة لوحداته في اماكن مختلفة ثم تعيينه سفيرا للعراق في السعودية ، تم اختيارا الضابط الاعلى رتبةً حسب السياقات العسكرية العميد ناجي طالب للرئاسة المؤقتة للتنظيم لحين عودة الفريق نجيب الربيعي الاان تدخل العضو الفاعل في التنظيم العقيد عبد السلام عارف حال دون ذلك حيث دخل في تفسير وشرح لمبررات طلب ترشيح زميله العميد عبد الكريم قاسم مبراً امكانيتهما بالعمل المشترك للقيام بالثورة كونهما يعملان في موقع عسكري استراتيجي قرب بغداد ومع وجود كتائب مدفعية ودروع ومشاة واسلحة وصنوف ساندة اخرى وختم قوله مبتسماً لا زعيم الا كريم ، الامر الذي ادى احراج المجتمعين مما ادى إلى موافقتهم على مقترحه .
اتاح ترأس عبد الكريم قاسم للجنة العليا للتنظيم لعبد السلام عارف الفرصة للعمل المشترك مع قاسم لتحقيق امالهما في احداث تغيير في البلد. وبعد ورود بعض المعلومات للقصر الملكي ودار السراي للحكومة العراقية بأن تنظيما سريا قد تشكل هدفه احداث تغيير في البلد سارعت الحكومة باصدار تعليماتها لقيادة الجيش باحداث حركة تنقلات شمل بها العميد عبد الكريم قاسم والعقيد عبد السلام عارف الذين نقلا إلى المنصورية في محافظة ديالى حيث تم تنسيب قاسم امرا للواء 19وعارف امرا للواء 20 الذي اصبح مع مجموعة القطعات الذاهبة إلى الاردن تحت امرة اللواء احمد حقي.
وفي حركة سياسية لافتة للانتباه لامتصاص نقمة الضباط على الحكم واحداث تفرقة قي صفوف الضباط المشتبه بانضمامهم للتنظيم قام الوصي على العرش الامير عبد الاله مع الملك فيصل الثاني برفقتهما الفريق نوري السعيد باشا رئيس الوزراء بعدد من الزيارات للمواقع العسكرية المهمة الاولى بضمنها معسكر المنصورية ، ففي الزيارة عرض نوري باشا على عبد الكريم قاسم منصب نائب القائد العام للجيش الذي اعتذر عنه وعرض على نجيب الربيعي منصب سفير العراق في السعودية فقبله ، وفي الزيارة التالية عرض نوري السعيد على عبد السلام عارف منصب وزير الدفاع والذي كان مرشحا قريبا لرتبة عميد ركن الذي اعتذر عنه هو الاخر حيث كان عارف معروف لديهم من خلال عضويته في القيادة العامة للقوات المسلحة وعمله ملحقا عسكريا وضابط ارتباط في ألمانيا . فما كان من ديوان سراي الحكومة الا ان يعالج الامر بنقل عبد السلام عارف مع عدد من الضباط المشتبه بانتمائهم للتنظيم إلى الأردن وهم من المعروف عنهم استيائهم المعلن اومشاركتهم بثورة رشيد عالي الكيلاني باشا عام 1941 ، حيث استغلت الحكومة قيام الاتحاد الفدرالي الهاشمي بين المملكتين العراقية والاردنية عام 1958 وتوتر الحدود الاردنية الاسرائيلية بسبب قيام الاتحاد من جهة وبسبب قيام الجمهورية العربية المتحدة من نفس العام من الجهة الاخرى .
في مطلع يوليو عام 1958 وعند اصدار الاوامر بتحرك القطعات للمفرق بالاردن مروراً ببغداد دعا ذلك كل من قاسم وعارف لعقد اجتماع عاجل للتنظيم حيث ابلغا التنظيم الذي تلكأ كثيرا بالقيام بالثورة بأنهما سيقودا عدداً من ضباط التنظيم لاستغلال هذه الفرصة للاطاحة بالنظام الملكي . ثم اتفق عارف مع قاسم باعطاء التنظيم فرصة اخيرة للتحرك من خلال ضم الفرق الاربعة العسكرية الموزعة في المحافظات العراقية الاخرى لمساندة تحرك قطعات المنصورية فذهب عارف لوحده قائلا "انا والزعيم نخبركم لاخر مرة بانه في حالة عدم الاشتراك معنا فنقول لكم هذا حدنه وياكم " ثم وضعا خطط التحضير والقيام بثورة ثوره يوليو 1958 حيث كان توجس العميد عبد الكريم قاسم من تصرفات الحكومة واي عملية ثورة مضادة فاتفق مع العقيد عبد السلام عارف بانشاء غرفة عمليات سرية يديرها قاسم من مقرة في معسكر المنصورية من خلالها يتمكن توجيه العمليات والحفاظ على ظهر الثورة واوكلت لبقية الضباط تنفيذ العمليات داخل وخارج بغداد فأوكلت إلى عبد السلام عارف تنفيذ ثلاثة عمليات وهي السيطرة على مقر قيادة الجيش والسيطرة على مركز اتصالات الهاتف المركزي والسيطرة على دار الاذاعة حيث اذاع عارف بنفسه البيان الاول للثورة صبيحة 14 يوليو 1958 وبهذا تكون الثورة قد نجحت بلاطاحة بالحكم الملكي .
إختلافه مع عبد السلام عارف
مع وجود علاقات الصداقة المتينة بين قاسم وعارف الا انهما كانا مختلفين في بعض التوجهات الفكرية فيعتقد بعض المؤرخون انه وبعد نجاح الثورة حاول عارف ابراز نفسه كمفجر حقيقي للثورة من خلال دوره فيها حيث كان يدلي بخطابات عفوية وارتجالية و التي رأى فيها بعض المؤرخون وكذلك خصوم عارف بإنها كانت خطابات لامسؤولة .اما قاسم فكان يبرز نفسه على اساس انه القائد والاب الروحي للثورة والمخطط لها نحى قاسم نحو الفردية فنادى نفسه بالزعيم الاوحد وجمع السلطات بيدة وعطل صلاحيات مجلس السيادة وعلق انتخاب منصب رئيس الجمهورية والغى تشكيل المجلس الوطني لقيادة الثورة ، ثم بدئت هواجسه بالحذر من منافسيه حتى رفاقه في السلاح وأعضاء تنظيم الضباط الوطنيين.
كان هوى عارف مع التيار العروبي المتدين في حين كان هوى قاسم مع التجربة الاشتراكية فتقرب للتيارات الشيوعية مما ابعده عن التوجهات الدينية والتيارات العربية والقومية التي كانت متعاظمة في الشارع وقت ذاك ، وعمق ذلك سياسات كل من الطرفين غير المتحفظة تجاه الطرف الأخر أدى ذلك إلى تسابق الطرفين على زعامة الثورة بينهما مما اعطى المبررات للعميد عبد الكريم قاسم لازاحة العقيد عبد السلام عارف الذي كانت سلطاته ضعيفة امام سلطات رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع الامر الذي سهل مهمة الاطاحة به .
وبسبب بعض الاحداث المؤسفة حيث قامت المليشيات الشيوعية (المقاومة الشعبية) ومساهمة بعض مؤيدي العميد عبد الكريم قاسم من العامة بموجة انتقام عارمة من اهلي الموصل و كركوك بسبب حركة العقيد الشواف الانقلابية في الموصل وكذلك بسبب سلوكيات محكمة الثورة التي استهانت بالمتهمين حيث تم استغلال الحركة كذريعة لمحاكمة وتصفية خصوم قاسم من الاحرار والوطنيين مثل رشيد عالي الكيلاني باشا والعميد ناظم الطبقجلي وغيرهم و من جهة اخرى تعمق الخلاف بين قاسم وعارف ادى هذا الخلاف الحاد إلى الاطاحة بزميله عبد السلام عارف كما اطاح بعدد من الزعامات العسكرية والسياسية وزج اسمائهم مع الانقلابيين والمنتفضين ضده تحت ذرائع شتى التي لم تثبتها محكمة الثورة التي رئسها ابن خالته المقدم فاضل عباس المهداوي ذو الميول الماركسية. اعفي عبد السلام عارف من مناصبه عام 1959، وابعد بتعينه سفيراً للعراق في المانيا الغربية ، وبعد عودته للعراق على اثر اجازته المفاجئة بسبب مرض والده لفقت لعارف تهمة محاولة قلب نظام الحكم ، فحكم عليه بالاعدام ثم خفف إلى السجن المؤبد ثم بالاقامه الجبرية لعدم كفاية الادلة مما ادى إلى انتصار رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم في الجولة الاولى ضد خصمه العنيد بابعاده عن مسرح السياسة قابعاً تارةً في السجن ينتظر يوم اعدامه ، ورازحاً تحت الاقامة الجبرية في منزله تارةً اخرى.
على الرغم من هذه الخلافات الفكرية والسياسية الاان جذور العلاقة الطويلة الاجتماعية والمهنية بدت وكانما ازيل عنها الغبار ، ففي الوقت الذي يبدو فيه عبد الكريم قاسم لم يكن جاداً باتخاذ الخطوة الاخيرة باعدام عارف وكأن العملية برمتها لعبة اقصاء وردع بين متنافسين ، اتخذ عبد السلام عارف موقف مشابه حين ارسل قادة حركة او انقلاب او ثورة 8 شباط 1963 عبد الكريم قاسم للمحاكمة في دار الاذاعة ، حيث وجد نفسه مرة ثانية وجها لوجه مع صديقه اللدود فانبرى عارف منفعلاً للدفاع عنه امام معتقليه اعضاء تيار علي صالح السعدي من حزب البعث متوسطا عدم اعدامه والاكتفاء بنفيه إلى تركيا حسب طلب قاسم او الاكتفاء بسجنه.
المنجزات التي تمت في عهده
اتخذ العميد عبد الكريم قاسم بوصفه رئيساً للوزراء عددا من القرارات المهمة التي تعد من الانجازات التي حققها منها:
شروعه ببناء المساكن للطبقات الفلاحية الفقيرة التي هاجرت إلى بغداد ومن بينها قرية (الثورة) شرق بغداد والتي سميت لاحقاً ( مدينة صدام ثم مدينة الصدر ).
تبنى قاسم مشروع زراعي إصلاحي يقوم على تأميم الأراضي الزراعية وتوزيعها على الفلاحين.
دعى الشعب للتوجه نحو العلم والتعلم. ودعى إلى تحرير المرأه وسن قوانين لضمان حقوقها ومشاركتها الرجل في حياته العمليه في كافة المجالات.
في المجال النفطي اصدر القانون رقم 80 الذي حدد بموجبه الاستكشافات المستقبلية لاستثمارات شركة نفط العراق البريطانية لحقول النفط .
في عهده حدثت طفره بالمستوى الصحي والتعليمي فشهد عهده تشييد العديد من المستشفيات في ارجاء محافظات العراق علاوةً على تاسيس مدينة الطب ببغداد التي كانت اكبر مجمع طبي في العراق في حينها كما شهد عهده تشييد عدداً كبيراً من المدارس وفي جميع انحاء البلاد.
عقد الإتفاقية الأولية لبناء ملعب الشعب الدولي في عهده نتيجة إتفاق بين الحكومة العراقية وشركة كولبنكيان البرتغالية ، التي صاحبها ومؤسسها كالوست سركيس كولبنكيان التي مقرها في لشبونة عاصمة البرتغال ويعد الملعب الرئيسي في العراق ويتسع إلى 50 ألف متفرج. ومن الجدير بالذكر ان البناء الفعلي للملعب تم في عهد عبد السلام عارف.
علاقات العراق الخارجية في عهده
اتسمت علاقات العراق الخارجية في عهد رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم بالعزله عن المحيط العربي والابتعاد عن العالم الغربي والتقارب من المعسكر الشرقي الاشتراكي بسبب التأثير الشيوعي على مركز القرار في بداية حكومة قاسم حيث وقع اتفاق دفاع مشترك استراتيجي مع الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشرقي ولم تتميز علاقاتة مع الرؤساء العرب سوى بالتخبط والخلاف الذي وصل احيانا إلى حد التجريح واخطر خلافاته كانت مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر والرئيس السوري ناظم القدسي وعاهل الأردن الحسين بن طلال وفيصل بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية وامير الكويت الشيخ عبد الله السالم الصباح . الا انه في المقابل احتفظ ببعض العلاقات مع المغرب وثورة الجزائر .
وكان اخطر قرار اتخذه عبد الكريم قاسم على صعيد السياسة العربية هو الغلاء عضوية العراق من الجامعة العربية وفسر بعدم ايمانه باي تقارب او تضامن او مشروع وحدوي عربي ، ذلك القرار الذي وضع العراق في عزلة مطبقة الا مع إيران ومنظومة الدول الشيوعية بزعامة الاتحاد السوفيتي.
اما علاقته مع بريطانيا فكانت ظاهريا واعلاميا متوترة الا ان دار الوثائق البريطانية اماطت اللثام عن العديد من الوثائق التي تشير إلى وجود تنسيق من نوع ما للحفاظ على المصالح البريطانية في العراق والمنطقة منها عدم تأميم حقول النفط في فترة تعالت الاصوات الداعية للتاميم بعد تاميم مصدق في ايران للنفط وتاميم قناة السويس في مصر . كانت لقاسم مطالب عديدة من ضمنها ضم الكويت للعراق سنة 1961 مدعيا بأنها امتداد طبيعي لأرض الرافدين واحدى الامارات التابعة اداريا لولاية البصرة منذ العهد العثماني .
عبد الكريم قاسم في الميزان
جانب من محكمة الشعب او ماعرف بمحكمة المهداوي
ينقسم العراقيين بوصفهم لرئيس الوزراء العميد "الزعيم" عبد الكريم قاسم فمنهم من يعتبره بأنه الأكثر عدالة ونزاهة وصدقا من بين حكام العراق الحديث والمخلص وابو الضعفاء والقائد الفعلي للثورة ، ويرى اخرون أنه قد أبرز نفسه على انه القائد والاب الروحي للثورة والمخطط لها العوامل التي دعته نحو الفردية والديكتاتورية فنادى نفسه بالزعيم الاوحد وجمع السلطات بيدة وعطل صلاحيات مجلس السيادة وعلق انتخاب منصب رئيس الجمهورية والغى تشكيل المجلس الوطني لقيادة الثورة ، كما سبق وان حل مجلسي النواب والاعيان للحكم الملكي ولم يفسح المجال لانتخابات برلمان جديد والغى جميع الاحزاب وعطل الصحافة واستبدلها بعدد محدود من صحافة الدولة . ثم بدأت هواجسه بالحذر من منافسيه حتى رفاقه في السلاح وأعضاء تنظيم الضباط الوطنيين الذين لم يسلموا من الاعتقال والتحقيق والاهانة وتلفيق التهم . كما يتهمه خصومه ايضا ًبانه كان يميل لجهة أو حزب على حساب الآخر رغم أنه لم يكن عضوا في أي تنظيم أو حزب بعينه ويستشهدون بايعازه او فسح المجال لميليشيات الحزب الشيوعي العراقي التي شاركت الحكم معه منذ عام 1959 بارتكاب اعمال العنف في الموصل وكركوك على اعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة التي قادها العقيد عبد الوهاب الشواف والتي احيل على اثرها الكثير من المشتبه فيهم من الابرياء والوطنيين بضمنهم الشخصية الوطنية قائد ثورة مايس 1941 رئيس الوزراء الاسبق رشيد عالي الكيلاني باشا والعميد "الزعيم" ناظم الطبقجلي.وزجهم مع المتهمين في محكمة الثورة التي سميت لاحقا بمحكمة المهداوي. حيث اعلن الكثير من المتهمين امام المحكمة التي نقلت مباشرة عبر التلفزيون بانهم قد اهينوا اوعذبوا او اغتصبوا.
صورة نادرة لقاسم وهو يزور المرجع الشيعي محسن الحكيم في المستشفى ويظهر في الصورة محمد باقر الحكيم
وقد وصفه خصومه بالطائفية وذلك من خلال تحيزه لمذهب والدته التي تتحدر من الاصول الشرقية (الشروقية). ويستشهدون على ذلك بمنح الكثير من النازحين والمهاجرين الشروقيين الجنسية العراقية وهم المتحدرون منذ الحكم الصفوي للعراق ولغاية مطلع الستينيات من القرن العشرين من المناطق الايرانية مثل لورستان والاهواز وبلوشستان وجنوب غرب باكستان وشمال غرب الهند وقسم منهم هاجروا بسبب اضطهاد الصفويين لهم وسكنوا الاهوار العراقية كعبيد لدى الاقطاع وقسم اخر اتى مع جيش الليفي اثناء احتلال الجنرال البريطاني مود للعراق حيث ارسلتهم حكومة الهند الشرقية البريطانية التي كانت تحكم الهند انذاك وبقوا هم وعوائلهم في مناطق شمال العمارة وجنوب الكوت وشمال الناصرية وجنوب كربلاء واندمجوا في المجتمع العراقي من خلال نظام الدخالة القبلي الذي يجيز للدخيل في اي عشير من تغيير اسمه وحمل لقب العشيرة.
كذلك يتهمه خصومه بتغيير البنية الديمغرافية لبغداد بتطويقها باحياء سكنية من الشروقيين على حساب السكان الاصليين لبغداد من الرصافة: حي الامين والفضيلية والعبيدي والشماعية ثم والثورة والحسينية ومن الكرخ: ابو دشير والدباش والشعلة والحرية والاسكان ودور السود وغيرها وكان اغلبية سكان هذه المناطق من المهاجرين من ارياف الجنوب لاسباب شتى اما هربا من ظلم الاقطاع او مقتا للحياة الزراعية او هربا من الثأر القبلي او هربا من العدالة ، حيث كانوا قد استوطنوا ما يعرف بمنطقة خلف السدة وهي سد ترابي بارتفاع 10 - 12 متر بناها والي بغداد ناظم باشا مطلع القرن العشرين شرق بغداد حفاظا على بغداد من فيضانات نهري دجلة ونهر ديالى وذلك ابتداءً من تخوم ضاحية الاعظمية شمال بغداد وممتدةً حتى منطقة الرستمية على نهر ديالى جنوب بغداد . من اهم معارضيه في الداخل هي الحوزه العلمية بالنجف لتقربه من التيار الشيوعي والمعسكر الاشتراكي وابعاد العراق عن محيطه العربي والاسلامي واهم موقف قامت به الحوزة هو وقوفها ضد قانون الاصلاح الزراعي وقانون الاحوال الشخصية حيث رفعت برقيات التأييد لقادة حركة 8 فبراير 1963.
قاسم مع مصطفى بارزاني
ويتهمه أكراد العراق بانه تلاعب بالقضية الكردية ففي عام 1958 و مع إعلان الجمهورية العراقية دعى رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم ، القائد الكردي الملا مصطفى البارزاني للعودة الي العراق حيث كان البارزاني لاجئا في الاتحاد السوفيتي عقب إنهيار الجمهورية الكردية القصيرة الأمد التي شكلها أكراد إيران في مدينة مهاباد وشغل فيها البارزاني منصب وزير الدفاع إلا ان الحكومة إنهارت بعد 11 اشهر من نشوئها حيث تم القضاء عليها من قبل الحكومة الأيرانية بعد انسحاب القوات السوفيتية من الاراضي الايرانية حيت دخلت القوات السوفيتية جزءا من الاراضي الايرانية ابان الحرب العالمية الثانية. كان البارزاني في ذلك الوقت قريبا من الخط الماركسي وعقدت مفاوضات في حينها حول اعطاء الأكراد بعض الحقوق القومية لكن تطلعات البارزاني وتذوق طعم تجربة الجمهورية الكردية في مهاباد جعلته يحلم بتجربة مماثلة في العراق وهذا الطموح فاق ما كان في نية عبدالكريم قاسم باعطاءه الأكراد من حقوق ، الامر الذي ادى إلى نشوب صراع بين الطرفين ، حيث قام عبدالكريم قاسم بحملة عسكرية على معاقل البارزاني عام 1961, والتي من تداعياتها ، يتهمه الاكراد بانه اضطهدهم والب عليهم العشائر العربية في الحويجة والموصل مما ادى إلى وقوع احداث مؤسفة من اراقة الدماء وتنكيل بين المكونين الاجتماعيين العراقيين .
اما اكثر الناس ارتباطاً به هم من المقربين لديه في الجيش وبعض الشخصيات الشيوعية ، اما الاخرون فيتوزع ولائهم حسب مواقفه الوطنية ومنجزاته. وكذلك ارتبطت به بعض الطبقات الفلاحية من جنوب العراق والتي وقف إلى صفها ، والذين بالغوا بوصفه إلى حد اطلاق الاحاجي والخرافات التي كانت تنشر في الصحافة يومذاك فبعضهم ادعى انه رأى صورة "الزعيم" على بيضة واخرون نشروا بانهم رأوا صورته بالمرقب متجلية على سطح القمر . وبقيت هذه الاحاجي يتداولها البسطاء ممن استفادوا من حكمه وبالغ بها الاخرون منهم من المثقفين إلى حد الاطراء واسناد احداث غير واقعية لسيرة رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم .
مصرع العميد عبد الكريم قاسم
ثورة 8 شباط 1963
تداخلت مجموعة من العوامل الداخلية و الإقليمية وهيأت الضروف المناسبة للإطاحة بعبد الكريم قاسم فيرى المؤرخون إن ما إعتبره بعض الشخصيات العسكرية المستقلة او المنتمية للخط البعثي "تخبط وفردية قاسم والاخطاء التي ارتكبها باعدام القادة والوطنيين واعمال العنف التي قامت بها المليشيات الشيوعية المتحالفة مع قاسم والخلاف مع المشير عبد السلام عارف الذي كان قيد الاقامة الجبرية" عوامل داخلية هامة بينما يرى المحللون اليساريون دورا للإمبريالية العالمية بسبب إصدار قاسم قانون رقم 80 لسنة 961 الذي لم يكن في مصلحة الشركات المحتكرة لنفط العراق .
الجيش العراقي في شوارع بغداد في 8 شباط 1963
غادر عبد الكريم قاسم إلى مبنى الوزارة إلى قاعة الشعب ، القريبة من مبنى الوزارة ، تحت جنح الظلام ، وكان بصحبته كل من فاضل عباس المهداوي رئيس المحكمة العسكرية العليا الخاصة ، والعميد الركن طه الشيخ أحمد، مدير الحركات العسكرية ، وقاسم الجنابي السكرتير الصحفي لعبد الكريم قاسم،والملازم كنعان حداد مرافق قاسم . ومن هناك قام عبد الكريم قاسم بالاتصال هاتفياً بدار الإذاعة ، وتحدث مع عبد السلام عارف طالباً منه السماح له بمغادرة العراق ، أو إجراء محاكمة عادلة له ، لكن عبد السلام عارف طلب منه الاستسلام وانه لاعلاقة له مباشر بالحركة وانه سيكلم قادتها بمطاليبه .عند الساعة الواحدة والنصف من ظهر 9 شباط 1963 ، اقتيد عبد الكريم قاسم ورفاقه إلى ستديو التلفزيون ووجه كل من عبد الغني الراوي ، منعم حميد ،و عبد الحق نيران أسلحتهم إلى صدورهم فماتوا لساعتهم ،رافضين وضع عصابة على أعينهم ،وسارع قادة الحركة إلى عرض جثته على شاشة التلفزيون .
وتشير جميع الوثائق من محاضر جلسات ولقاءات صحفية ومقابلات مسؤولين محايدين بان حادث اعدام رئيس الوزراء الاسبق عبد الكريم قاسم ابان حركة 8 فبراير 1963 كانت بقرار من قيادة التيار المتشدد داخل حزب البعث الذي تزعمه على صالح السعدي الذي كان له الدور الفاعل في تغيير نظام الحكم وذلك من خلال المحكمة العاجلة التي تشكلت بعد يوم من الحركة في قاعة الشعب المجاورة لوزارة الدفاع حيث مقر عمل قاسم وبعد اتمام المحاكمة التي لم يعلم بتشكيلها عبد السلام عارف الا بعد انعقادها حيث تم نقل قاسم إلى مقر الاذاعة والتلفزيون فالتحق عارف بقيادة البعث هناك محاولا التوسط لعدم اعدام قاسم. كما تشير الوثائق المحايدة بان عارف طلب من قيادة البعث مقابلة قاسم وتم له ذلك حيث دخل عارف في نقاش وعتب مع قاسم حول تفردة بالسلطة وخروجة عن إجماع تنظيم الضباط الوطنيين "اوالاحرار" وعن تلفيق تهمة محاولة الانقلاب لعارف التي ادت إلى محاكمته ثم سجنه وتشير الوثائق ايضا بان عارف بعد هذا النقاش طلب من قيادة البعث عدم اعدام قاسم والاكتفاء بسجنه الا ان طلبه قد رفض وكان لرفض طلبه ،الاثر بزرع اولى لبنات الخلاف بين عارف وقيادة البعث التي تفاقمت بعد احداث الحرس القومي التي قادها علي صالح السعدي والتي كانت السبب في قيام عارف بحركته التي سماها التصحيحية في 18نوفمبر عام 1963.راجع مقال