ذِكرُ مَن ذَكر الإجماع
على سُنية زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم
وأما دعوى ابن تيمية الإجماع على النهي عن زيارة قبر نبينا صلى الله عليه وسلم فهي دعوى باطلة مردودة بإجماع المسلمين على سنية زيارة قبره صلى الله عليه وسلم وبالأحاديث الثابتة الصحيحة على الحث على زيارة قبره صلى الله عليه وسلم فقد صح خروجه صلى الله عليه وسلم لزيارة قبور أصحابه بالبقيع وأُحُد فإذا ثبت مشروعية الانتقال لزيارة قبر غيره صلى الله عليه وسلم فقبره الشريف أولى وأحرى والقاعدة المتـفـق عليها أن وسيلة القربة المتـوقـفة عليها قربة أي من حيث إيصالها إليها. وقد أجمع كل من يُعتد باجماعه على استحباب زيارة قبره الشريف ذي الأنوار والبركات وشد الرحال إليه ونقل غير واحد اجماع المسلمين على ذلك منهم الإمام الفذ المجمع على إمامته المجتهد قاضي القضاة شيخ الإسلام والمسلمين تقي الدين السبكي في كتابه شفاء السقام في زيارة خير الأنام فاشدد يدك عليه فإنه من أجل الكتب، والعلامة أحمد بن حجر الشافعي المكي في الجوهر المنظم في زيارة قبر النبي المكرم صلى الله عليه وسلم حيث قال: قد نقل جماعة من الأئمة حملة الشرع الشريف الذين عليهم المدار والمعول الإجماع وانما الخلاف بينهم في انها واجبة أو مندوبة.اهـ
قال الإمام أحمد بن زيني دحلان في كتابه الدرر السنية في الرد على الوهابية: اعلم رحمك الله أن زيارة قبر نبينا صلى الله عليه وسلم مشروعة مطلوبة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة أما الكتاب فقوله تعالى {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} دلت الآية على حث الأمة على المجيء إليه صلى الله عليه وسلم والاستغفار عنده واستغفاره لهم وهذا لا ينقطع بموته ودلت الآية أيضا على تعليق وجدانهم الله توابا رحيما بمجيئهم واستغفارهم واستغفار الرسول لهم فأما استغفاره صلى الله عليه وسلم فهو حاصل لجميع المؤمنين بنص قوله تعالى {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} وصح في صحيح مسلم أن بعض الصحابة فهم من الآية ذلك المعنى ألذي دلت عليه هذه الآية فإذا وجد مجيئهم واستغفارهم فقد تكملت الأمور الثلاثة الموجبة لتوبة الله تعالى ورحمته. ثم قال: والآية وإن وردت في أقوام معينين في حالة الحياة فتعم بعموم العلة كل من وُجِد فيه ذلك الوصف في حال الحياة وبعد الممات ولذلك فهم العلماء من الآية العموم في الحالتين واستحبوا لمن أتى إلى قبره صلى الله عليه وسلم أن يتلوا هذه الآية ويستغفر الله تعالى واستحبوها للزائر ورأوها من آدابه التي يسن لـه فعلها وذكرها المصنفون في المناسك من أهل المذاهب الأربعة.اهـ
وقال تقي الدين الحصني في كتابه دفع شبه مَن شبَّه وتمرَّدَ ما نصه: ومن الأمور المنتَقَدَة عليه ـ أي ابن تيمية ـ قوله: زيارة قبر النبي وقبور الأنبياء معصية بالإجماع مقطوع بها، وهذا ثابت عنه أنه قاله، وثبت ذلك على يد القاضي جلال الدين القزويني فانظر هذه العبارة ما أعظم الفجور فيها من كون ذلك معصية، ومن ادعى الإجماع وأن ذلك مقطوع به؟!فهذا الزائغ يُطالب بما ادعاه من إجماع الصحابة رضي الله عنهم وكذا التابعون ومن بعدهم من أئمة المسلمين إلى حين ادعائه ذلك. وما أعتَقِدُ أن أحدًا يتجاسر على مثل ذلك مع أن الكتب المشهورة بل والمهجورة وعمل الناس في سائر الأعصار على الحث على زيارته من جميع الأقطار، فزيارته من أفضل المساعي وأنجح القُرَبِ إلى رب العالمين، وهي سنة من سنن المرسلين ومجمع عليها عند الموحدين ولا يطعَنُ فيها إلا من في قلبه مرض المنافقين ومن هو من أفراخ اليهود وأعداء الدين من المشركين الذين أسرفوا في ذم سيد الأولين والآخرين ولم تزل هذه الأمة المحمدية على شد الرحال إليه على ممر الأزمان من جميع الأقطار والبلدان، سار في ذلك الزُّرافات والوُحدان والعلماء والمشايخ والكهول والشبان حتى ظهر في ءاخر الزمان مبتدع من زنادقة حرَّان لَبَّسَ على أشباه الرجال.اهـ
وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي في كتابه الجوهر المنظم في زيارة القبر الشريف المكرّم ما نصه: فإن قلتَ: كيف تحكي الإجماع السابق على مشروعية الزيارة والسفر إليها وطلبها، وابن تيمية من متأخري الحنابلة مُنكرٌ لمشروعية ذلك كلّه كما رءاه السبكي في خطه، وأطال أعني ابن تيمية في الاستدلال لذلك بما تـمـجُّـه الأسماع وتنفر عنه الطباع بل زعم حرمة السفر لها إجماعا، وأنه لا تقصر فيه الصلاة وأن جميع الأحاديث الواردة فيها موضوعة وتبعه بعض من تأخر عنه من أهل مذهبه؟ قلتُ: مَن هو ابن تيمية حتى يُنظرَ إليه ويُعوَّلُ في شىء من أمور الدين عليه؟؟ وهل هو إلا كما قال جماعة من الأئمة الذين تعقبوا كلماته الفاسدة وحججه الكاسدة حتى أظهروا عوار سقطاته وقبائح أوهامه وغلطاته كالعز بن جماعة: عبد أضله الله تعالى وأغواه وألبسه رداء الخزي وأرداه وبوَأه من قوة الافتراء والكذب ما أعقبه الهوان وأوجب له الحرمان.اهـ
وقال القاضي عياض في كتاب الشفا: وزيارة قبره صلى الله عليه وسلم من سنن المسلمين مجمع عليها وفضيلة مرغب فيها.اهـ وقال الحافظ السخاوي في كتابه القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع عند حديث لا تجعلوا قبري عيدا، قلت اي السخاوي: والحث على زيارة قبره الشريف قد جاء في عدة أحاديث لو لم يكن منها إلا وعد الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بوجوب الشفاعة وغير ذلك لزائره لكان كافيا في الدلالة على ذلك وقد اتفق الأئمة من بعد وفاته صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا على أن ذلك من أفضل القربات.اهـ
وفي حاشية رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين الحنفي ما نصه: وزيارة قبره صلى الله عليه وسلم مندوبة بل قيل واجبة لمن لـه سعة [قوله مندوبة] أي باجماع المسلمين كما في اللباب، قال في شرح اللباب وهل يستحب زيارة قبره صلى الله عليه وسلم للنساء الصحيح نعم بلا كراهة بشروطها على ما صرح به بعض العلماء اما على الأصح من مذهبنا وهـو قـول الكرخي وغيره من أن الرخصة في زيارة القبور ثابتة للرجال والنساء جميعا فلا إشكال وأما على غيره فكذلك نقول بالاستحباب لإطلاق الأصحاب والله أعلم بالصواب، وأما قوله: [بل قيل واجبة] ذكره في شرح اللباب وقال كما بينته في الدرة المضية في الزيارة المصطفوية وذكره أيضا الخير الرملي في حاشية الفتح على ابن حجر وقال وانتصر لـه، نعم عبارة اللباب والفتح وشرح المختار أنها قريبة من الوجوب لمن لـه سعة وقد روى الحسن عن أبي حنيفة أنه إذا كان الحج فرضا فالاحسن للحاج أن يبدأ بالحج ثم يثني بالزيارة وإن بدأ بالزيارة جاز. وهو ظاهر إذ يجوز تقديم النفل على الفرض إذا لم يخشى الـفَوت بالاجماع وأما قوله: [ما لم يمر] أي بالقبر المكرم أي ببلده فإن مر بالمدينة كأهل الشام بدأ بالزيارة لا محالة لأن تركها مع قربها يُعَدُ من القساوة والشقاوة وتكون الزيارة حينئذ بمنـزلة الوسيلة وفي مرتبة السنة القبلية للصلاة.اهـ
قال ابن الحاج المالكي في كتابه المدخل ما نصه: وقال ابن هبيرة في كتاب اتفاق الأئمة: اتفق مالك والشافعي وابو حنيفة وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى على أن زيارة النبي صلى الله عليه وسلم مستحبة. ونقل عبد الحق في تهذيب الطالب عن أبي عمران الفاسي: أن زيارة النبي صلى الله عليه وسلم واجبة قال عبد الحق: يُـريد وجوب السنن المؤكدة. والحاصل من أقوالهم أنها قربة مطلوبة لنفسها لا تعلق لها بغيرها فتنفرد بالقصد وشد الرحال إليها ومن خرج قاصدا إليها دون غيرها فهو من أجل الطاعات وأعلاها فهنيئا له ثم هنيئا له. اهـ
الفاروق
11-28-2001, 06:45 PM
بارك الله فيك على هذا البيان
وفي كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى ج:3 ص:122 لأبي العباس أحمد بن خالد الناصري:
قلت مسألة زيارة قبور الأنبياء والأولياء مشهورة في كتب الأئمة وهي من القرب المرغوب فيها عند الجمهور ومنعها قوم من الحنابلة وشدد تقي الدين بن تيمية منهم فيها محتجا بقوله عليه الصلاة والسلام لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى وهو عند الجمهور مؤول بأن المعنى لا تشد الرحال لصلاة في مسجد إلا إلى ثلاثة مساجد اهـ وقد بسط القول في هذا صاحب المواهب اللدنية والقول الفصل أن التبرك بآثار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والأولياء رضي الله عنهم وزيارة مشاهدهم من الأمر المعروف عند أمة محمد المجمع عليه. انتهى
فلم يبق لابن تيمية وجماعته إلا التشويش ورفع العقيرة بالباطل فالأمر مجمع عليه عند أمة محمد صلى الله عليه وسلم
وصلى الله وسلم على محمد وآله الطاهرين
smilies/50.gif
تحياتي