اسفه لان القصه الاولى ربما لخلل ما لم تظهر -- وانشاء الله سنتواصل في سرد قصص سفرنا الطويل الذي لابد منه لنتأهب ونعتبر ونتزود
سفر الروح في عالم البرزخ
شعرتُ ببعض الألم فأحسستُ بقرب الأجل فعلمتُ بأني أحتضر, وجهوني نحو القبلة وبدأوا يلقنونني الشهادتيـن.. وإذا برجل يلبس ملابس بيضاء قادم إليَّ من أطراف أصابع قدمي ويتجه نحوي، وكلما يتقدم يزداد معـه ألمي، وأشعر بالألم في العضو الذي يتحرك منه حتى وصل إلى حلقومي, ثقل لساني عن التلفظ بالشهادتين.. وهذا بسبب أصوات كنت أسمعها من جنبي تحاول إزعاجي ومنعي من التلفظ بالشهادتين.. وإذا بأنوار ساطعة من بعيد تقترب مني وباقترابها تبتعد الأصوات المزعجة, نطقتُ الشهادتين فارتاح قلبـي ومعه جسمي من تلك الآلام التي كنت أشعر بها.. سمعت في غرفـتي صياحاً ونحيباً والجميع يلتفون حول شيء ما.. تعجبتُ!!.. وما إن ذهبتُ لأرى الأمر حتى رأيتُ نفسي مُـمدداً!!.. إذن مــن أكون أنا، وها أنا أرى نفسي على الأرض؟!
عند ذلك رأيتُ ذلك الرجل ذو الملابس البيضاء يقول لي: أنت روح ذلك الرجل... لقد ودّعتَ دنــياك، وانفصلتْ روحُـكَ عن بدنك، وبدأتَ حياةً جديدةً في البرزخ بجسدك البرزخي (الشفاف)! حاولتُ إسكاتَ الباكين والتخفيفَ عنهم إذ إنـني ما زلتُ موجوداً فلم يسمعوني لأنهم لا يرون سوى جسدي المادي، أما المعنوي فلا يراه إلا مَن هم مثلي الذين ودعوا دنياهم بلا عودة.. إذن أنا قد مُتُّ، فماذا بعد الموت؟
لفوني بقمـاش ثم أخذوا بجسدي إلى المغتسل.. غسلوني ثم لفوني بكفـن وأدخلوني في صندوق ثم أخرجوني من المغتسل وهم ينادون بالصـلاة... خفتُ قليلاً.. كنتُ مستغرباً.. كيف سيوارون جسدي في التراب وأنــا أنظر؟ وهل ستدخل روحي التي لا يراها سواي مع جسدي في القبر؟؟
بعد الصلاة ارتاحت نفسي قليـلاً ودخلت نفسي الطمأنينة.. كانوا أهلي وأصدقائي ومعارفـي يحملون التابوت الذي فيه جسمي وهم ينادون: (لا إله إلا الله).. كـان بعضهم حزيناً، وبعضهم عادياً، وبعضهم يتهامسـون في تجاراتهم، ومنهم من كان يفكر فيما امتلكه، فاستغربت في أني أستـطيع سماع ما يفكر به؟؟ رأيتُ حفرةً من بعيد وبجانبها قبور أخرى.. أعرف هذا المكان فطالما كنت آتي هنا لزيارة أهلي الموتى وأترحم عليـهم، وكثيراً ما تخيلت نفسي محـمولاً في يوم ما إلى هذا المكان وها قد أصبح الخيال حقيقة، كنت أظنها بعيدة عني في يوم ما... انتابني الرعب وأنا أتخيل نفـسي في هذه الحفرة الضيقة..
وبالفعل، ما هي إلا دقائق إلا وهم يخرجون جثـتي من الجنازة ويدخلونها إلى اللحد، وفجأة رأيـت نفسي داخل اللحد والناس تنظر إليَّ وأحدهم يدنو مني ويناديـني باسمـي ويلقنني ببعـض كلمات طالما قرأتُها في الكتب... كنتُ أسمعه وأردد ما يقول، وبعد لحظات رموا الصخور والتراب علـيَّ.. فتـألمتُ كثيراً.. وقررتُ الهروبَ من القبـر حتى لا أُدفنَ في ذلك المكان الضيق، ولكني لم أتمكن من ذلك.. كنتُ أصرخُ: ويلكم، لا ترموا عليَّ الصخور والتراب.. إنني أتألم.. لكن لم يسمع صرختي أحد.. وجدت نفسي في الظلام، وأصوات أقدام المشيعين تبتعد عن القبر، وأنا أصرخ فيهم: يا قومي لا تتركوني وحيداً في الظـلام! هلموا إليَّ.. لا تبتعدوا ندمتُ ندماً شديداً على ما جمعته في دنـياي من أجل دنيا فانـية.. ندمت على كل لحظة ضيعتـها في غير عبادة الله..
وخشيت من رؤية منكر ونكير.. فحتماً هـما قادمان لمسائلتي.. وأنّى لي الجواب.. بماذا أجيبهم؟ وهل لي من الأعمال ما تكفيني على تحمّل ما سأواجهه الآن؟ كل شيء انتهى وجاء وعد الرحمن. إنه الموت الذي كنت منه أحيد وها هو بصري الآن حديد... وبينما أنا غارق في أفكاري.. وإذا بصوت يخاطبني وكأنه سمــع ما يدور في مخيــــلتي: لن تعود أبداً فقد اُغلقتْ صحيفةُ حياتك.. ستمكثُ هنا في البرزخ إلى قيام الساعة.. أنا (رومان) من ملائكة الرحمن، جئتُ لأحصــي أعمالَك الصالحة والسيئة لأدوّنها في صحيفة، أعلقها على رقبتك حتى تستقبل خالقك وصحيفتك في عنقك..
وباشر (رومان) بأداء مهمته التي جاء من أجلها ورحل بعد أن علق صحيفة أعمالي في رقبتي.. فأحسستُ بثقلها.. ثم جاء بعـدها شبحان أدركتُ أنهما منكر ونكير... تقدما مني وصاحا صيحةً لو سمعها أهلُ الدنيا لماتوا، ثم باشـرا بالسؤال وفي يد أحدهم عموداً من حديد: مَن ربُّكَ؟ ومَن نبيُّكَ؟ من إمامُك؟ تلكأ لساني من شدة الرعب، وتوقفتْ حواســـي عن العمل، وأغمضتُ عيني وأطرقتُ برأسي وأنا أنتظر نزول العمود الحديدي على رأسي.. أحسستُ أني سأموتُ من جديد.. توسلتُ بمحمدٍ وآله الأطهار (ع) كما كنتُ أفعلُ في دنياي... فإذا بلساني ينفتح ويردد: (الله ربي، ومحمد نبيي، وعلي إمامي، والقـرآن كتابي، والكعبة قبلتي، و... إلخ).. وإذا ببابٍ ينفتح من أعلى رأسي يخبُّ منه نسيمُ الجنة... تنوّرَ قبري واتسع لحدي ومضى الملكان من حيث أتيا.... يالَـله.. ماذا أفعل الآن؟ وماذا بعد هذا؟ ما الذي ينتظرني يا ترى؟ وما هي لحظات حتى أتاني شابٌّ جميلٌ طيبُ الأخلاق.. فتهللتْ سريرتي بعض الشي إذ إنني لن أكـون وحيداً في هذه الوحشة... تقدم نحوي وكأنه عَلِم ما يدور في خاطري عن هويته، فبادرني قائلاً: اسمي (حَسَن)، وأنا ثمرةُ عملِكَ الطيب في حياتك الدنيا، وظيفتي هي إيصالك إلى (وادي السلام)، حيث تستقر فيها الأرواح المؤمنة حتى قيام الساعة وحتى تستقر روحك - إذا شاء الله - في وادي السلام، فلا بد لك من عبور (وادي برهوت) حيث تستقر فيه الأرواح الكافرة والظالمة إلى قيام الساعة.. ولكن في طريقنا سيحاول شخص اسمه (ذنب) اعتراض طريقنا، وذلك ليجعل روحك تستقر عنده في وادي برهوت، و (ذنب) هذا هو نتاج أعمالك الدنيوية القبيحة. وسنخوض أنا والقبيح حروباً ومناورات كثيرة من أجل أن ينتصـر كل مـنا على الآخـر.. ولكن انتصاري عليه يعتمد كليــاً عليك وعلى أعـمالك الدنيوية، فإذا ما كانت أعمالُك الصالحة في دنياك أكثر من أعمالك السيئة فلي الغلبة، وماعدا ذلك فستمـــكث مع الأرواح الشريرة إلى أن ينظر الله إليك أو يشفع لك النبي (ص) والأئمة الأطهار (ع) عند قيام الساعة...
قمتُ من قبري وتركتُ جسدي طريحَ التراب وأنا أستعد لبدء رحلتنا إلى (وادي السلام).. قطعنا طريقاً طويلاً ووعراً ومظلماً.. سألته إن كان لديــه مصباحاً لينور علينا طريقنا فهو موحش ومظلم.. فأجابني: نوري هو نتاجُ أعمالك الدنيوية ونظراً لقلة زادك، فنـوري خافت.. فخجلتُ من نفسي... كنا نعبر الأوديةَ الصغيرةَ والطويلة ونصعد أعلى القمم.. كنتُ مجهَداً وتعباً لكن (حسـن) كان يمشي ويركض وكنت أخشى أن أقف فأفقده لذا اضــطررتُ اللحاق به أينما ذهب.
بعد وقت طويل من المسير طلبت من (حسن) التوقـف للراحة، كما طلبتُ منه أن يســلكَ طريقاً آخر غير هذا الطريق الوعر المحيط بالنيران والأودية السحيقة، فاعتذر وقال لي: وراءنا طـــريقٌ طويلٌ وشاقٌّ.. وبينما نحن نتحدث ومستمرين في المشي مـــن أعلى الوادي، فإذا برجل يسقط في قعر الوادي العمـــيق المليء بالنيران... وهنا استـحوذ عليّ الخوفُ، وقلتُ لحســن: مَن هذا!؟ فأجابني: لقد تغلبتْ سيـئاتُه على حسناتِه، فألقتْ به في الوادي الذي سيمكث فيه إلى قيام الساعة، ولعل الأئمة (ع) يشفعون له إن كان من مواليهم!!
كنتُ خائفاً جـداً من أن يأتيني (الذنب) ويقطع على (حسن) طريقه وأهوي إلى الوادي نفسه، فدعوتُ اللهَ أن تكون أعمالي الحــــسنة أكثر من القبيحة، وتمنيتَ لحظتها أن أرجع إلى الدنيا لأعمل عملاً حسناً واحداً يخفف ويقصر عليَّ هذا الطريق ولكن هيهات.. وفجأةً نظرتُ أمامي وإذا أنا أمام وادٍ خطير للغاية إذ إنني إذا مشيتُ فيه فسأهوى، فحاولتْ أن أتحرك نحو الأسفل بكل حذر وأنا أتخيل نفسي ساقطاً فيه بسبب الذنب الذي يلاحقني ليأخذني من (حسن).
كنت سأفقد توازني لولا أن جاء طائرٌ إلى (حسن) وسلمه رسالة ثم رحل.. فتح حسن الرسالة ثم أمرني بتغيير المسار.. سُررتُ مــن ذلك وسألته: ما الخبر؟ فقال: لقد أمر الله بأن لا تعبر هذا الوادي الخطير، وتغير مسارك نتيجةً لعملٍ أهدى أهلُك ثوابَه إليك.. وهو قراءة القرآن ومجلس مصيبة الإمام الحسين (ع).. شكراً لكم يا أهلي المخلصين؛ إذ مازلتم تذكروني بأعمالكم التي تنفعني في اجتياز هذا الطريق الطويل.
بعد جهد كبير وطريق موحش.. وصلت إلى مكان يشبه المستنقع وما أن وضعت قدمي فيه حتى بدأت المياه تسحبني إلى الأسفل.. كنت أصرخ مستنجداً بحسن، وعرفت بأنَّ مَن يسحبني هو الذنب التعيس, فخشيت المكوث في هذا المكان حتى قيام الساعة.. فصرخت وتعالت صرخاتي في أرجاء المكان، وإذا بحسن يمدُّ لي حبلاً ليخلصني من المستنقع.. أمسكت بالحبل واستطعت النفاذ.. فسألته: ماذا جرى؟ فأجابني: سحبكَ الذنبُ، وكنتَ ستمكث لولا أنك ساهمتَ في تزويج شخصين بمبلغ بسيط، فترحّـموا عليكَ لِتَوّهِمْ، فأنقذكَ اللهُ من هذه الحفرة...
فأجبته: أتذكر بأني قد ساهمتُ في تشييد مسجدٍ أيضاً، فأين خيراته؟؟ فأجابني حسن: وصلك ثوابُه في الدنيا، لقد شيدتَه برياء فمدحك الناسُ وطاب عطرُ ذكرِك في المجالس، فقدّمتَ رضاهم على رضا الله تعالى، فأجازك الله في دنياك..
وبينما نحن نمشي فإذا نحن نمر على أنوار خافتة وأخرى قوية نسبياً، ثم مر بنا رجلٌ يمشي بطيئاً جداً على ضوء نور خافت وهو يقول متأففاً: لقد تعبتُ، فأنا أمشي منذ مدة طويلة، إلا إنني لا زلت في بداية الطريق. فأجابه حسن: هذا من قلة إيمانك.. وفجأة هوى في إحدى الحفر... فانتابني الخوف، وسألت حسن: ماذا جرى!؟ فقال لي: لقد تأخر عن مقصدة وسقط.. وسينقذه الحسن الخاص به وذلك بعد صراع من ذنبه.. سيصل إلى مقصدة ولكن بعد وقت طويل.
وبعد لحظات.. رأيتُ شخصاً يركض بسرعة، فسألت حسن: ومن هذا!؟ قال لي: إنه شهيداً للتو... وصل اجتاز الطريق بشهادته ووصل لتوه إلى وادي السلام.. فغبطتُه، وتحسرتُ على نفسي.. واستكملت مشواري... لاحظت بعد ذلك ذنبي الذي بات يطاردني من أول رحلتي وذلك ليوقعني في حباله وقد تغير حجمه وانكمش، فاستغربت وسألت حسن: ماذا جرى له؟ فقال لي: إن ما تجرعتَه في دنياك من المصائب وصبرك عليها والعذاب الذي تجرعته عند الموت هو الذي أنهك قواه. فسررت لسماع ذلك، بالرغم من أني كنت أتألم كثيراً في دنياي من تلك المصائب..
بعد ذلك دخلنا صحراء مترامية الأطراف، فقال لي حسن: هذه الصحراء وسيرنا المستقيم فيها سيوصلنا إلى وادي السلام، ولكن هناك طرق متفرعة ومتفرقة سينجرف إليها كل ما انحرف في دنياه.. فاحذر الانحراف وذنبك الذي ينتظرك عند أطرافها.. انتابني رعب شديد من الانجراف إلى الذنب... كنت أحاول أن أخطّ قدمي على نفس الموضع الذي يخط فيه حسن قدمه، وذلك حتى لا أنجرف.. كان حسن يمشي وهو يشير إلى الطرق الفرعية التي انجرف إليها أهلها كلٌّ حسب ذنبه.. فهناك المتكبرون، وهناك النمامون، وهناك آكلي الربا، وهناك الظَلَمة، وكل هؤلاء يتعذبون بذنوبهم إلى قيام الساعة...
وبعد ساعات، وصلنا نفقاً، وحتى نعبره كان هناك كمٌّ من الملائكة يقفون عند مدخله، وهنا التفت إلى حسن سائلاً: ماذا هناك؟ فأجابني: هذا هو المرصاد. قلت: وما المرصاد؟
قال: إنه مكان التحقيق حول حقوق الناس.. وهل في عنقك أدنى حق للناس ابتداءً من الصفعة وانتهاءً بالقتل أو أي دين آخر.. فإن هذا سيمنعك من استكمال الطريق ويصبح سبباً في بؤسك.... رأيتُ عالَـمـاً غير العالَـم.. أناساً محمّلين بالهموم والأحزان وقد افترشوا الأرض ولم يكونوا قادرين علـى التحرك من ثقل السلاسل وحقوق الناس.. سألت حسن: وإلى متى سيجلس هؤلاء الناس؟
فقال لي: البعض يبقون أشهراً وآخرين سنوات، كلٌّ على حسب ذنبه ومقدار حقوق الناس التي في ذمتهم, لأن الله قد يتنازل عن حقه، ولكنه عادلٌ لا يعفو عن حقوق الناس أبداً إلا أن يعفو المظلوم عن حقه، وإلا سيؤخذ من حسنات الظالم وتضاف إلى ميزان المظلوم حتى يرضى، وإذا لم تكن للظالم حسنات فستؤخذ من سيئات المظـلوم وتضاف إلى سيئات الظالم وهــذا قصاصاً من الظالم..
خفتُ كثيراً، وخشيتُ أن يكون لأحدهم حقٌّ عليّ.. إلا أنني لم أجد فراراً من الدخول في النفــق، وما أن وقفتُ أمام الملائكة حتى أشار أحدهم إلى أن يطوقوني بالسلاسل, توسلتُ بحسن لكنه اقترب مني وقال لي: يجب أن تعلم بأنهم هنا لا يعذبون أحداً دون علة، فاعترفت لحسن، وقلت: أذكر بأنني قد رفعتُ يدي على خادمي لأنه أغضبني.
فقال لي: سأساعدك لزيارة أهلك في عالم الرؤيا لتطلبَ منهم أن يطلبوا العفوَ من الخادم.. زرتُ أحدَهم في المنام لأخبره عن حالي.. وبقيت أنتظر الفرج عن طريقهم... وبينما أنا أنظر لأولئك المعذبين بديونهم وحقوق الآخرين.. وبعد فترة طويلة.. أمروا بفتح الأغلال عن عنقي فقال لي حسن مسروراً: لقد عفا عنك خادمُك، فهنيئاً لك.
قصة فيها من الحكم والمواعظ الكثيرة التي من شانها ان تنبه الناس الى افعالهم واعمالهم وتصرفاتهم فالحياة الدنيا متاع الاخرة . نسال الله ان يوفقنا لعمل مايرضيه ويحبه انه سميع مجيب الدعوات
الف الف شكر لك اختي ام جنى قصة رائعة ومفيدة جدا تجعل المرء يعيد كل حساباته
موفقين دوما انشاءالله