نذكر في المقام بعض الأسباب الخاصة والعامة بعناوين مستقلة بالرغم من إمكان إرجاع بعضها إلى الآخر ، لأهمية البعض ولتعميم الفائدة ولنفس الغرض فصلنا الحديث في بعضها ومن هذه الأسباب :-
الأول : شرب الخمر
1 – ورد عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله ): {من شرب الخمر لم تقبل له صلاه أربعين يوماً } .
2 - عن المصطفى الأمجد(صلى الله عليه وآله ): {....شارب الخمر ، وعـاصرها ، ومعصرها ، وبايعها ، ومبتاعها ، وحاملها ، والمحمولة إليـه ، وآكل ثمنها ، سواء في إثمها ، ولا يقبل الله تعالى له صلاة ولا صوما ولا حجا ولا عمرة حتى يتوب ...... } .
الثاني : الظـلم
1 – ورد عـن النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله ): { من تعدّى على حقوق الآخرين لم تقبل صلاته } .
2 - عن (علية السلام):{ أربعة لا تقبل لهم صلاة: الإمام الجائر...... } .
الثالث : الإساءة
والمقصود هنا الإساءة الأخلاقية وغيرها ، ويشهد لها :
1 – عن النبي(صلى الله عليه وآله ): { تصعد صلاة المحسن طيّبة مضيئة ، وصلاة المسيء مُنتنة مظلمة } .
2 - عن النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله ): { ثمانية لا تقبل لهم صلاة: العبد الآبق حتى يرجع إلى مولاه ، ... وإمام قوم يصلي بهم وهم له كارهون .... } .
الرابع : نشوز الزوجة
نشوز الزوجة هو منعها زوجها من حقوقه الشرعية والتمرد عليه وعلى الحياة الزوجية ، بالفعل والمنع المباشر وعدم تمكينه من الاستمتاع أو بفعل ما ينفر الزوج من ممارسة حقوقه أو التخلي عـن الأخلاق الحسنة والاتصاف بسوء الخُلُق ، كَسَبْ الزوج وشتمه أو الخروج بدون إذنه وكذا الكلام عن الزوج فيدخل تصرفه في عنوان النشوز أو تحت عنوان الظلم وعلى كلا التقديرين لا تقبل صلاته ، ويشهد لما يخص النشوز :-
1 – عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله ): { ثمانية لا تقبل لهم صلاة.... الناشز عن زوجها وهو عليها ساخط}.
2 - عن (علية السلام): { أربعة لا تقبل لهم صلاة .... والمرأة تخرج من بيت زوجها بغير أذنه ....} .
الخامس : الاستخفاف
الصلاة عمود الدين ، وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وتارك الصلاة كافر ، وان قبلت قُبِلَ ما سواها من أعمال ، كل ذلك وغيره صدر عن الشارع المقدس وسمعناه من الآباء والأخوان ، ومن الكبار والصغار ، ومن رجال الديـن وغيرهم ، لكن هل وعى كل أُولئك تلك المعاني التي نقلوها كي تنتقل بوعي إلينا ، وهل ملازمة تلك المعاني لهم قد أثرت بهم وتفاعلوا معها حتى نتأثر بها نحن ونتفاعل معها ، من المؤسف جداً في مجتمعنا نجد وبصورة عامة إن فريضة الصلاة قد فرغت من معناها وحقيقتها ، فأصبح كل منّا مخالفاً للقرآن والسنة من حيث يعلم أو لا يعلم ، فالصلاة عندنا لا تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وتارك الصلاة حتى من أبنائنا وأرحامنا نعتبره مسلماً ونتعامل معه على هذا الوصف بينما الشارع المقدس يعتبره كافراً كما ورد :
1 – عن (علية السلام): {..... ما بين المسلم وبين أن يكفر إلا إن يترك الصلاة الفريضة متعمداً أو يتهاون بها فلا يصليها } .
2 - إن (علية السلام) قد سؤل ، ما بال الزاني لا تسميه كافراً ، وتارك الصلاة تسميه كافراً ؟
قال(علية السلام): { لأن الزاني وما أشبهه إنما فعل ذلك لمكان الشهوة لأنها تغلبه ، وتارك الصلاة لا يتركها إلا استخفافاً بها ، وذلك لأنك لا تجد الزاني يأتي المرأة إلا وهو مستلذ إياها قاصد لها ، وكل من ترك الصلاة قاصداً لتركها فليس يكون قصده لتركها اللذة ، فإذا انتفت اللذة وقع الاستخفاف وإذا وقع الاستخفاف وقع الكفر } .
وقد أصبحنا مستخفين بالصلاة ، فلا صلاة في أول الوقت ولا خشوع ولا إلتفات ولا حضور قلب فنقدم أتفه الأعمال وأبسط الأشياء وأردئها على الصلاة ، وإذا صليّنا فإنشغال الذهن والقلب بتلك الأمور الدنيوية التافهة الزائلة ومع هذا يعتبر كل منّا نفسه متقياً مصلياً ملتزماً مسلماً بينما الشارع المقدس اعتبر مثل ذلك الإنسان المستخف بصلاتـه ليس بمسلم ، وانه في النار مع المنافقين والكافرين كقارون وهامان وغيرهما ، وقد ورد عن المولى الشرعي ما يشير إلى هذا كما ورد :
1 - عن النبي(صلى الله عليه وآله ): { إن عمود الدين الصلاة وهي أول ما يُنظر فيه من أعمال ابن آدم فإنْ صحّت نظر في عمله ، وإن لم تصح لم ينظر في بقية عمله } .
2- وعن الصادق الأمين(صلى الله عليه وآله ): { إن أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة هو الصلاة ، فإذا جاء بها تامة وإلا زُجَ في النار } .
3- وعن الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله ): { إنْ قُبِلَتْ الصلاة قُبِلَ ما سواها وإنْ رُدت رُدَّ ما سواها } .
4- وعن خاتم النبيين(صلى الله عليه وآله ): { أربعة يدخلون النار بغير حساب أحدهم تارك الصلاة ولو بركعة }.
5- وعن المصطفى(صلى الله عليه وآله ):{ ليس مني من استخف بصلاته} .
6 - وعن النبي(صلى الله عليه وآله ) :{ لا تضيّعوا صلواتكم فإن من ضيّع صلاته حشر مع قارون وهامان وكان حقاً على الله أن يدخله النار مع المنافقين } .
7- عن (علية السلام): { بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله ) جالس في المسجد إذ دخل رجل فصلى فلم يتم ركوعه ولا سجوده ، فقال (صلى الله عليه وآله) : نـَقَر كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني} .
فعلى كل مسلم أن يجهد نفسه حتى يكون غير مستخف بالصلاة ولا يكون تاركاً لها ولا ناقراً لها كنقر الغراب ، ولكي يقبل عمله ولا يحشر مع المنافقين والكافرين ، ويتحقق ذلك بصرف بعض الوقت للإطلاع على ما موجود في هذا البحث وغيره من بحوث وتكرار الإطلاع لمعرفة معنى الصلاة وحقيقتها وأهدافها وثمارها المادية والمعنوية الظاهرية والباطنية فيكون أداؤها بصورة صحيحة وصالحة مع الحضور والخشوع فتكون مهيأة للقبول والنمو لتحقيق التكامل والسعادة في الدارين .
ولا يخفى إن للاستخفاف أسباب عديدة ، ولهذا يمكن أن تكون الأسباب والعناوين اللاحقة كلها أو بعضها يرجع إلى الاستخفاف حيث تكون جميعها أو بعضها سبب للاستخفاف ، ونحن أبرزنا بعض العناوين بالرغم من كونها تتداخل في البعض الآخر ، لإظهار أهميتها ولزيادة الفائدة وتعميمها .
السادس : الجـهـل
لا يخفى إن الجهل هو السبب الرئيسي في التهافت السلوكي والعبادي عند الناس وهو السبب في إعراضهم عن كل أمر جادٍ يحدد مصيرهم في الحياة الآخرة فضلاً عن الدنيا فلو عرف الناس حقيقة المعاصي والموبقات والشهوات الشيطانية وما هي أضرارها وتبعاتها السيئة لَوَلّوا منها فراراً ، ولو عرف الإنسان حقيقة العبادات والأعمال الصالحة وبالخصوص لو عرف معنى الصلاة وحقيقتها وثمراتها لما ضيّعها بتركها أصلاً أو بالاستخفاف بها .
لقد شيّد الاستعمار اليهودي الصليبي أُسس وأركان الجهل في قلوب ونفوس الكثير ، وأزاحَ العلم والتعاليم الاسلامية عن قلوبهم وأذهانهم ، فأصبحَ المسلم يتحلى بالجهل وهو آمن ومفتخر ، فانتشر وساد في المجتمع المسلم الانحطاط العبادي الروحي والأخلاقي ، وأصبح أكثر الأفراد مصداقاً للجاهل الذي ورد وصفه في كلام النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله ) عندما سُئِلَ عن علامات الجاهل قال(صلى الله عليه وآله ): { إنْ صحبته عنّاك ، وإنْ اعتزلته شتمك ، وإنْ أعطـاك منَّ عليك ، وإنْ أعطيته كفّرك ، وإن أسررت إليه خانك ، وإنْ أسرّ إليك اتهمك ، وإنْ استغنى بطر وكان فظاً غليظاً ، وإنْ افتـقر جحد نعمة الله ولم يتحرّج ، وإنْ فرح أسرف وطغى ، وإنْ حزن آيس ، وإنْ ضحك نهق ، وإنْ بكى خار ، يقع في الأبرار ، ولا يحب الله ، ولا يراقب الله ، ولا يستحي من الله ولا يذكره ...... } .
السابع : الكـسل
لـقد أشـار الشارع الـمقدس إلى حالات الكسل في الصلاة كما في:
1 – قوله تعالى : ﴿ وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ..... ولا يذكرون الله إلا قليلاً ﴾
2 - عن (علية السلام): { انصف الناس من نفسك واسهمهم في مالـك ، وارضَ لهم بما ترضى لنفسك ، واذكر الله كثيراً ، وإياك والكسل والضجر ، فإن أبي بذلك كان يوصيني ..... انك إذ كسلت لم تؤدِ إلى الله حقه ، وإن ضجرت لم تؤد إلى أحد حقاً } .
وصلاة الكسالى تكون فاقدة لروحها وحرارتها العاطفية ولأبعادها الفكرية لأنها أصبحت عادة وعملاً مكرراً مغلقاً مفرغا من الروح والطعم والتأثير .
ويصنف الكسل حسب مناشئه إلى :
أولا : كسل الجسد
ويحصل هذا الكسل بسبب الخلل في وظائف الجسد الفسيولوجية ، وبسبب الترابط الوثيق بين النفس والجسد يحصل انعكاس الكسل على النفس فتصاب بالخمول والضعف وعدم القدرة على العمل وتحصل الصعوبة والضمور في الاستيعاب والشعور والتفاعل وينعكس هذا على عباداته وخاصة صلاته ، وهذا النوع من الكسل على نحو العموم ليس فيه محذور شرعي ولا عقلي ولا يذم صاحبه ما دام لم يحصل بسببه وباختياره تطبيقاً لقوله تعالى : ﴿ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها ، لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ ﴾
نعم لو أوقع الإنسان نفسه في الضرر الجسدي المؤدي إلى كسل النفس المؤدي إلى تضييع الصلاة ، فمثل هذا الإنسان يستحق الذم والعقاب في الشرع والعقل .
ثانيا : كسل النفس
ويشمل قسمين :
1 – كسل إرهاق النفس :
وينتج هذا الكسل عندما تبذل النفس الجهد العالي والمتواصل دون إعطائها قسطاً من الراحة ، فتصاب النفس بالمرض والإعياء والإرهاق المؤدي إلى ضعف وضمور التفاعل والاستيعاب وغالباً ما يكون هذا الانحراف مؤقتاً ، وهذا النوع من الكسل ليس فيه محذور شرعي أو عقلي ولا يذم صاحبه ما دام الجهد المبذول مشروعاً وأشار لهذا المولى الشرعي كما في (( الأنفس تمل كما تمل الأبدان ، وإن لها إقبالاً وادباراً )) .
2 - كسل انحراف النفس:
إذا حصل انحراف النفس وتلوثها بالنجاسات والرذائل الظاهرية والباطنية انعكس هذا وأثّر سلباً على تفاعل النفس وانسجامها مع النشاط والسلوك الخيّر النافع حيث نجد الكسل والخمول والضجر والنفور من هذه النشاطات الخيّرة النافعة ، وفي كثير من الأحيان يكون هذا الانحراف دائمياً ويوجد حالتان لهذا الكسل .
الأولى : كسل الانحراف الجزئي / وفيه ينحصر الضجر من أعمال معينة كالصلاة .
الثانية : كسل الانحراف الكلي / وفيه يحصل الضجر من جميع النشاطات النافعة والخيّرة فتتركز رغبات النفس على النشاطات الضارة .