|
عضو جديد
|
رقم العضوية : 289
|
الإنتساب : Aug 2006
|
المشاركات : 33
|
بمعدل : 0.00 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى العقائدي
بنو امية وبنو العباس
بتاريخ : 12-02-2007 الساعة : 02:49 AM
مَن هُم بنو أميُة ؟
يفصح القرآن الكريم معلناً بقوله: «وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنةً للناس والشجرة الملعونة في القرآن»(1) ويحدّثنا التفسير في سبب نزول هذه الآية الكريمة أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) رأى في المنام أنّ قردة تنزو على منبره فأعلمه جبرائيل أنهم بنو أميُة يتغلّبون على الأمر فيتنازون على منبره وأنهم هم الشجرة الملعونة، ثم أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) لم يستجمع ضاحكاً بعد ذلك حتى مات(2).
وجاء في ذمّ بني أميُة والطعن فيهم كثير من التنزيل، انظر الحاكم في حديث الإمام علي (عليه السلام) في قوله «وأحلّوا قومهم دار البوار»(3) قال: هما الأفجران من قريش بنو أميُة وبنو المغيرة، وتفسير ابن جرير في قوله: «وجاهدوا في اللّه حقَّ جهاده»(4) فإنه قال: إن الذين أمر تعالى بجهادهم مخزوم وأميُة(5)، إلى غير ذلك.
ثمّ أنّ الرسول الصادق الأمين (صلّى اللّه عليه وآله) يتبع القرآن المجيد بقوله: اللهمّ العن بني أميُة قاطبة، وبأمثال ذلك، لا سيّما فيما يخصّ أبا سفيان وابنيه يزيد ومعاوية، ولا تنس ما جاء عنه في آل أبي العاص ولا سيّما في الحّكم وابنه مروان(6).
أترى لماذا يمنح الكتاب المبين أهل البيت بذلك الثناء الجزيل ويذكر بني أميُة بذلك السوء والذمّ، أيكيل العادل تعالى لأُولئك المدح جزافاً، ولهؤلاء الذمّ اعتداءً، تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً.
نعم إنّ الطاعة هي التي تُقرّب الخلق من الخالق، وإنّ المعصية هي التي تُبعد العبيد عن البارئ، وإلا فانّ عباده لديه بالعطف واللطف وبالرحمة للمطيع وبالنقمة على العاصي شرع سواء، فإنّه يدخل الجنّة من أطاعه وإن كان عبداً حبشيّاً، والنار من عصاه وإن كان سيّداً قرشيّاً.
فما كان دنّو أهل البيت من حظيرة القدس حتى منحهم تعالى بذلك الوسام الأرفع الذي لم يحظ به بشر سواهم إلا لتقواهم وامتثالهم لأوامره، وما كان بُعد بني أميُة عن ساحة الرحمة حتى صاروا الشجرة الملعونة في القرآن، وحتى عمَّتهم لعنة الرسول (صلّى اللّه عليه وآله) مرَّة، وخصّت الكثير منهم أُخرى، مشفوعة بالدعاء عليهم، إلا لعصيانهم لجبّار السموات والأرضين، واستمرارهم على العصيان.
ولو لم يقرئنا التاريخ قدر تلك الطاعة، التي كان عليها أهل البيت ومبلغ ذلك العصيان الذي استقام عليه الأُمويّون، لكفى ذلك التقديس من الجليل في كتابه لاؤلئك، وهذا الحظ من هؤلاء، كاشفاً عمّا عليه الآل من الطاعة والانقياد، وأميُة من التمرّد والابتعاد.
وهذه النتيجة تلمسها من هذه النصوص الفرقانيّة والأحاديث النبويّة من دون شحذ قريحة وغور في التفكير، نعم لو سبرت السيرة الأُمويّة قبل الإسلام وبعده إلى انقراض دولتهم، لعرفت أنّ اللّه تعالى ورسوله (صلّى اللّه عليه وآله) إنّما كشفا بالكتاب والسنّة عن تلك السيرة والسريرة الفائتتين، وأنبآ عن الآتيتين، وما كان ليخفى على الناس حالهما، ولكنّ كان هذا التصريح قطعاً لاعتذار أوليائهم ودحضاً لمكابرات مشايعيهم، ومع هذه الصراحة من الكتاب والحديث مازال للقوم حتى اليوم أولياء وأشياع، ومدافعون وأتباع.
ولأجل أن تطمئنّ القلوب بهذه الحقيقة، نستطرد نبذاً من أعمال أميُة وبنيه أخبرنا عنها التاريخ الموثوق به.
مات عبد مناف وترك عدَّة بنين، كان منهم هاشم والمطّلب ونوفل وعبد شمس، وكان هاشم أرجحهم عقلاً وأسماهم فضيلةً فاصطلحت قريش على أن تولّيه الرفادة والسِّقاية(7) وكانتا لأبيه عبد مناف، فكان هاشم حيث رأت قريش، وزاد في شرف أبيه أن سنَّ الرحلتين رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام، وقد ذكر هاتين الرحلتين الكتاب الكريم(8)، وما كانت غاية هاشم من الرحلتين إلا أن يكثر المال في قريش فيقووا به على إطعام الحاجّ، وهذه فضيلة سامية أرادها هاشم لقومه، وهذا شأن العظام الذين ينحون بقومهم عظائم الأُمور، ومراقي الشرف الرفيعة.
ثمّ تقدم هو في الإطعام ليكون قدوة لقومه، فأطعم وأجزل حتى غنّت الركبان بجوده، وحتّى قال شاعره:
عمرو العلى هشم الثريد لقومه******ورجال مكة مسنّتون عجاف
في أبيات مشهورة، فصار يُلقب بهاشم لذلك، وغلب على اسمه عمرو(9) فكان الجود بعض فضائل هاشم التي سوّدته على قريش سادات العرب.
وانشطرت أخوته فصار المطّلب إلى جنب هاشم، وصار نوفل وعبد شمس في جانب، وهما ينافسانه ويحاولان أن يجارياه في مفاخره، فيقصر بهما العمل، فكان هاشم لكرم فعاله وجميل خصاله سيّد البطحاء غير مدافع.
ولمّا مات عبد شمس وظهر أميُة حاول أن يلحق بهاشم في شأنه بما عجز عنه أبوه من قبل، وأين أميُة من هاشم في سنّه وشأنه، وما ساد هاشم إلا لأنّه مجمع الفضائل، ولم يكن لأميُة ما يسود به الفتى خلا المال والولد ولا يكفيان للسيادة إذا لم تكن الأعمال تلحقه بالمعارج السامية.
وطمع أميُة يوماً أن ينافر هاشماً، وذلك إقدام لم يرتقب من مثله لمثل هاشم، ولا نعرف سبباً في قناعة هاشم بهذه المنافرة - وهو سيّد الأبطح وشيخ قريش - سوى علمه بأنه سوف ينفر أميُة، وبذلك كبح لجماع أميُة وإذلال لنفسه المتطلّعة لما ليس له كما كان ذلك، فإنّه قد نفره هاشم فأخرجه من مكّة عشر سنين، ولعلّ أميُة كان يعتقد أن هاشماً سيّد الأبطح لا محالة ينفره، إلا انّه قنع من الشرف أن يُقال أن أميُة نافر سيّد الحرم وجرى في مضماره.
ولمّا نبغ عبد المطّلب بعد أبيه هاشم وعمّه المطّلب، علا على شرف أهله ومفاخر آبائه، فانبطَّ ماء زمزم ولم يتوفّق لها قرشي من قبل، فحسدته قريش وراموا أن يشاركوه في هذه الكرامة والسقاية منها، فأبى عليهم، وطلبوا محاكمته عند كاهنة هذيل في الشام، وعندما رأوا منه الكرامات في طريقهم إلى الشام عدلوا عن محاكمته، وتركوا له زمزماً وسقاية الحاج.
وهو الذي أنذر أبرهة - قائد الأحباش والأمير على اليمن من قبل النجاشي ملك الحبشة - حين جاء من اليمن بجيش كثيف قاصداً هدم البيت ليتحوَّل العرب عن الحجّ إليه، ولم يخرج عبد المطّلب من البيت كما خرجت قريش هاربة من سطوة الأحباش، فكان آخر أمر الأحباش الدمار، كما أفصح عن ذلك الكتاب المجيد(10) فجاء الحال وفقاً لما أنذرهم به سيّد الأبطح.
فكانت قريش تحسده لهذه المفاخر، وصاحب الفضيلة محسود، وما اكتفى أميُة بما لقيه من منافرة هاشم حتّى حاول منافسة عبد المطّلب، فحمل أميُة عبد المطّلب على المسابقة، فسبقه عبد المطّلب واستعبده عشر سنين.
وكان حرب بن أميُة أيضاً يُفاخر عبد المطّلب بوفره وبأهله، تجاهلاً منه بأن الشرف إنّما هو بالفضيلة، والأعمال الجليلة، حتى طلب منافرة عبد المطّلب، وتلك جرأة كبرى يدفعه إليها الحسد والغرور، وإن علم يقيناً أنه لا يشقّ غبار شيخ قريش، غير أنّا نحسبه انّه كان يعتقد أن المنافرة وحدها تجعل له المكانة العالية وإن نفره عبد المطّلب، ولقد تعجّب النافر من طمع حرب في منافرة شيخ البطحاء، والأعمال وجدها كافلة بخسران حرب، فقال النافر لحرب:
أبوك معاهر وأبوه عفّ******وذاد الفيل عن بلد حرام
وهذا شاهد على ما كان عليه عبد المطّلب وأهله، وحرب وآباؤه من خلّتين شهيرتين دعت وجوه الناس على الحكم لهاشم وولده في كلّ منافرة ومنافسة.
ولا تنس حلف الفضول الذي هو خير حلف عقدته قريش بل العرب كلّها، لردّ عادية الظلم، والانتصار للمظلوم، قد دخل فيه الرسول - عليه وعلى آله السلام - وذلك قبل الإسلام، وقال فيه بعد ذلك: «لو دُعيت إلى مثله لأجبت». ذلك حلف هدّد بالهتاف به الحسين (عليه السلام) معاوية بن أبي سفيان، ووقف للطغاة الغاصبين بالمرصاد. فكم ردَّ من مال نُهب، وعرض غصب، وكان السبب فيه الزبير بن عبد المطّلب، ولم يدخل فيه النوفليّون والعبشميّون، ويحقّ للسائل أن يسأل عن سبب امتناعهم عن الدخول فيه، ألأنّ سببه الهاشميّون ؟ أم لأنه فضيلة سامية ؟ أم لماذا ؟
هذه حال أميُة لو استطردت بعضها قبل بزوغ شمس الإسلام. وأمّا لو نظرت إلى مواقفهم بعد بزوغ تلك الشمس النيّرة، لأيقنت كيف كانت هذه الشجرة جديرة بنزول ذلك الكتاب الكريم، لا لأنّ الإيمان لم يدخل أعماق قلوبهم فحسب، لأنهم لم يتركوا ذريعة لستر ذلك النور الساطع إلا توسّلوا بها، ولا معولاً لهدم بنائه الشامخ إلا حملوه، سوى ما كان منهم من أعمال يأباها العدل والمروءة ويمقتها الشرف والفضيلة.
وهل ينسى أحد ما قام به أبو سفيان من إيذاء الرسول قبل الهجرة، وما ألَّبه عليه بعدها، هذه اُحد والأحزاب والحديبيّة وما سواها من أعمال خلّدها التاريخ تنبئك عن حاله، ومن صاحب العِير وصاحب النفير غيره وغير بني أبيه العبشميّين، وكيف ينسى ابن الإسلام تلك الوقائع والتاريخ يذكره بها كلّ حين، وما دخل أبو سفيان وابنه معاوية في الإسلام إلا حين أخذ الإسلام منهما بالخناق، ولم يجدا مفرّاً منه، وقد ألفهما النبيّ الحكيم بعد الفتح بالعطاء الوفر من غنائم حُنين، فأعان الطمع الخوف على ذلك التظاهر والقلوب منطوية على وثنيّتها القديمة وعلى الحسد والحقد وانتهاز الفرصة للوثبة وأخذ تراث الأبناء والأخوال والأجداد، الذين فَرت أوداجهم سيوف الإسلام الصارمة.
ولم يطلق أبو سفيان أن يكتم تلك الضغائن النفسية، فكانت تطفح على فلتات لسانه، وكان أكثرها أيام عثمان(11) لأمانه من المؤاخذة على كلامه، ومن أمِن العقوبة أساء الأدب، وكيف لا يأمن والأمر بأيدي صبيانهم على حدّ تعبيره حين ركل قبر حمزة بن عبد المطّلب برجله.
وأما ابنه معاوية(12) فانه عندما رأى الإسلام قد ضرب بجرانه الأرض، ووشجت أُصوله، وبسقت فروعه، تذرع به إلى اقتلاع جذوره وقد ملك معاوية ناصية البلاد والإسلام غضّ جديد، فخالف كلّ شريعة من شرائعه، وناصب كلّ حكم من أحكامه، سوى أنّه لم يخلع عند الظاهر ربقة الإسلام، وكيف يخلعها وهي الوسيلة لنيله ذلك المُلك الفسيح الأرجاء، المُلك الذي ما كان يحلم به صخر بن حرب بل ولا أميُة من قبل، وما كان يضرّه من تلك الظاهرة إذا كانت الذريعة لاقتناص مآربه الواسعة، ولتحطيم قواعد الإسلام الرفيعة.
وكفى من حربه لسيّد الرسل حربه لأمير المؤمنين (عليه السلام) وقد قال فيه الرسول (صلّى اللّه عليه وآله): «سلمك سلمي وحربك حربي»(13) وقال فيه: «تحارب من بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين»(14) ولو كان القصد من حربه لأبي الحسن (عليه السلام) الطلب بقتلة عثمان لما أغضى عنهم حين انتهى الأمر إليه، ولا أدري كيف كان معاوية وليّ عثمان والمرتضى هو أمير المؤمنين ووليّهم.
لعمر الحق ما كان شأن معاوية خافياً لندلّل ونأتي بالشواهد عليه، ولو لم يكن حرباً للإسلام ولرسوله لما سنَّ الشفرة للقضاء على آل الرسول، والقرآن يهتف باحترامهم ومودّتهم، والرسول يدعو إلى ولائهم والتمسك بهم، وما ذنبهم لدى معاوية إلا أنّهم عترة الرسول ورهطه، ورعاة الدين ودعاته، ولو صافحهم أو صفح عنهم لم ينل مأربه من الزعامة، ومقصده من حرب الرسول وشريعته(15).
ولم يهلك معاوية مستوفياً لأمانيه من محاربة الرسول والرسالة حتى أرجأ ذلك إلى دعيّه يزيد، غير أن يزيد لم يكن لديه دهاء أبيه معاوية فيدسّ السمّ بالدسم لكيد الإسلام، فمن ثمَّ برزت نواياه على صفحات أعماله واضحة من دون غشاء ولا غطاء، فما أصبح إلا وأوقع بالحسين سبط الرسول وريحانته وسيّد شباب أهل الجنّة، وبرهطه صفوة الناس في الصلاح والفضيلة، وما أمسى إلا وتحكّم ما يشاء في دار الهجرة وبقايا الصحابة، من دون أن يحول عن العبث بها دين أو مروّة أو عفاف، وما عتم إلا وهو محاصر للبيت ترميه حجارته وتفتك بأهليه ورمايته.
يتبع
|
|
|
|
|