إعلام المنبر
=======
بقلمي جعفر ملا عبد المندلاوي
5 رجب 1444هـ - 27- 1-2023م .
(( موضوع للنقاش))
كان المنبر عبر العصور ولا زال قناةً فاعلة وصوت مهم في التبليغ والتوجيه ونشر الوعي بين أفراد المجتمع ، وله دور فاعل في تنمية المجتمع وإصلاح الفكر وتصحيح المسار، سواء على مستوى الفرد أم المجتمع ؛ لذلك فهو يؤثّر ويدل ويرشد الناس الى الإيمان والهداية والصواب، بشكل يكون مؤثرا في حياتهم .
ومن جهة أُخرى فان وظيفة المنبر لا يقتصر على السرد التاريخي والعاطفي للاحداث وتهييج المشاعر ولا يكفي أن يكون المنبر وسيلة لإيصال الحكم الشرعي والأخلاقي والمعلومة التاريخية ، وانما عليه أن يكون مؤثرا في حسم الكثير من المواقف والأحداث ، لذلك كان المنبر دائما مصدر قلق للحكام الظالمين ، بسبب شجاعته وجرأته في طرح الموضوعات التي تلامس حياة الناس ومصالحهم وتطلعاتهم .
فيجب على الخطيب لكي يكون مؤثرا أن يمتلك لغة سليمة وثقافة عالية وفكر معرفي رصين وملمٌّ بالموضوعات العامة وما يتعلق بحياة الناس ، وعليه فالخطابة هي فن التجاوب والنزول مع الناس وينبغي أن تكون مرآة عاكسة لرؤى الناس وطموحاتهم . وبعكس ذلك سيكون المنبر سببا في تنافر الناس منه وعدم الاستجابة وضعف التفاعل معه .
فلا خير في منبر ينغلق على نفسه ولا يطلع أو ينشر هموم الناس ، ولا خير في منبر يتكلم عن القرآن ولا يطبق ما فيه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا خير في منبر يتكلم عن الواجبات والمحرمات وينسى مشكلات المجتمع وقساوة العيش وصعوبة الحصول على لقمة العيش ، ولا خير في منبر يتكلم بحديث مكرر ومعاد ويترك الحديث عن الصحة والتعليم والطفولة ، ولا خير في منبر يداهن ويغظ الطرف عن غلاء المعيشة وصعوبة الحياة واحتكار السلع والازمات الاجتماعية الأخرى التي تعصف في حياة المواطن ، ولا خير فيمن يتحدث عن رموز العدالة والهداية في الاسلام ولا يتخلق باخلاقهم في محاربة الفساد والافساد والسكوت عن الحق .
فعلى المنبر أن يكون صوت الناس في نشر الثقافات بكل ميادينها الاخلاقية والدينية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، ويرتقي بالانسان الذي كرمه الله تعالى، وأن يواكب متطلبات العصر ويكون عنصرا فاعلا في التنمية والتوعية والمساهمة في خلق الشخصية العلمية والعملية والواعية ، والوقوف مع الناس بوجه الظلم والفساد ، وتشخيص السلبيات ووضع المعالجات لها ، وتصحيح المسار بقدر الامكان تطبيقا للقانون الذي وضعه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ( من راى منكم منكراً ...) ، ومن لم يستطع ان يكون شجاعا بما يكفي فعليه ان يترك المنبر .
وربما من المعالجات التي قد تضع الامور في نصابها الآتي:
1- وجود جهة دينية مركزية عليا ومؤسسة ذات مرجعية دينية رصينة تشرف على تخريج واعداد الخطباء في معاهد ومدارس خاصة وشهادة تأهيلية لمن يجتازها بعد اختبار وتأييد الجهة المانحة للشهادة .
2- عدم السماح لأي انسان ان يرتقي المنبر دون ان يمتلك إجازة شرعية وثقافة رصينة تؤهله لأن يؤدي دوره التوعوي المطلوب .
3- أن يحمل الخطيب ثقافة معرفية وعقائدية رصينة ومعلومات عقائدية وتاريخية صحيحة ومؤهلات كافية كي يمثل الحوزة العلمية بكل معانيها .
4- ان إرتباط المنبر بالمرجعية ضمانة لعلميته وامتيازه بمقومات النجاح كون المرجعية لها رؤية علمية وعملية بعيدة المدى ولها القدرة على التكييف والاستجابة للاحداث ، مع وجود جهة رقابية لتشخيص السلبيات وممعالجتها.
5- الخروج من نمطية الطرح السائد والاسلوب التقليدي الى التعرض لمشكلات المجتمع وهمومه والتواصل والتفاعل معها .
6- على الخطيب اتقان اللغة العربية التي هي الاداة الفاعلة لكل خطيب ، وايضا اتقان قراءة القرآن الكريم ودقة سرد الروايات او الحديث الشريف ، وعدم ذكر الاخبار الضعيفة وغير الصحيحة والقصص الخيالية بل التأكيد على الحديث الصحيح المحقق .
7- اختيار الموضوعات والمحاضرات التي تمس وتهم حياة الناس ، بحيث يجعلهم يتفاعلون مع المنبر وطرح الافكار التي تلامس هموم الناس ومعايشهم ، وترك المكرر منها التي تجعل المستمع يمل منها ويبتعد عنها ويتنافر منها.
8- على الخطيب أن يكون عصريا مستوعبا لكل المتغيرات والتحولات والتحديات التي تواجه المجتمع والبلد . لا أن يركز فقط على الموضوعات الدينية والتاريخية .