|
عضو متواجد
|
رقم العضوية : 71939
|
الإنتساب : Apr 2012
|
المشاركات : 140
|
بمعدل : 0.03 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الشيخ مرتضى الحسون
المنتدى :
المنتدى العقائدي
بتاريخ : 08-02-2013 الساعة : 02:09 PM
تابع..
9 - وفي كنز العمال ج 11 ص 296 ( مسند عمر ، عن صبيغ بن عسل قال :
جئت عمر بن الخطاب زمان الهدنة وعلي غديرتان وقلنسوة فقال عمر : إني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يخرج من المشرق حلقان الرؤوس يقرأون
القرآن لا يجاوز حناجرهم ، طوبى لمن قتلوه وطوبى لمن قتلهم ! ثم أمر عمر أن لا
أداوى ولا أجالس - كر ) .
10 - وفي الدر المنثور ج 2 ص 7 ( وأخرج الدارمي في مسنده ونصر المقدسي في
الحجة عن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له صبيغ قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه
القرآن ، فأرسل إليه عمر وقد أعد له عراجين النخل . . . - وأخرج الدارمي عن نافع
أن صبيغا العراقي . . . الخ .
11 - وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن أنس أن عمر بن الخطاب جلد صبيغا
الكوفي في مسألة عن حرف من القرآن حتى اطردت الدماء في ظهره .
12 - وأخرج ابن الأنباري في المصاحف ونصر المقدسي في الحجة وابن عساكر ،
عن السائب بن يزيد أن رجلا قال قال لعمر إني مررت برجل يسأل عن تفسير
مشكل القرآن ! فقال عمر : اللهم أمكني منه ، فدخل الرجل يوما على عمر فسأله ،
فقام عمر فحسر عن ذراعيه وجعل يجلده ثم قال ألبسوه تبانا واحملوه على قتب وأبلغوا
به حيه ، ثم ليقم خطيب فليقل إن صبيغا طلب العلم فأخطأه ، فلم يزل وضيعا في قومه
بعد أن كان سيدا فيهم .
13 - وأخرج نصر المقدسي في الحجة وابن عساكر عن أبي عثمان النهدي أن عمر
كتب إلى أهل البصرة أن لا يجالسوا صبيغا ، قال فلو جاء ونحن مائة لتفرقنا .
14 - وأخرج ابن عساكر عن محمد بن سيرين قال : كتب عمر بن الخطاب إلى
أبي موسى الأشعري أن لا يجالس صبيغا ، وأن يحرمه عطاءه ورزقه .
15 - وأخرج نصر في الحجة وابن عساكر عن زرعة قال : رأيت صبيغ بن عسل
بالبصرة كأنه بعير أجرب يجئ إلى الحلقة ويجلس وهم لا يعرفونه ، فتناديهم الحلقة
الأخرى عزمة أمير المؤمنين عمر ، فيقومون ويدعونه .
16 - وأخرج نصر في الحجة عن أبي إسحق أن عمر كتب إلى أبي موسى
الأشعري : أما بعد فإن الأصبغ تكلف ما خفي وضيع ما ولي ، فإذا جاءك كتابي هذا
فلا تبايعوه ، وإن مرض فلا تعودوه ، وإن مات فلا تشهدوه .
17 - وأخرج الهروي في ذم الكلام عن الأم للشافعي رضي الله عنه قال : حكمي
في أهل الكلام حكم عمر في صبيغ أن يضربوا بالجريد ويحملوا على الإبل ويطاف بهم
في العشائر والقبائل ، وينادى عليهم : هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة ، وأقبل على
علم الكلام ! !
18 - وفي الدر المنثور ج 3 ص 161 ( وأخرج مالك وابن أبي شيبة وأبو عبيد
وعبد بن حميد وابن جرير والنحاس وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه
عن القاسم بن محمد قال : سمعت رجلا يسأل ابن عباس عن الأنفال فقال الفرس من
النفل والسلب من النفل ، فأعاد المسألة فقال ابن عباس ذلك أيضا ، قال الرجل الأنفال
التي قال الله في كتابه ما هي ؟ فلم يزل يسأله حتى كاد يحرجه ، فقال ابن عباس : هذا
مثل صبيغ الذي ضربه عمر ، وفي لفظ فقال : ما أحوجك إلى من يضربك كما فعل
عمر بصبيغ العراقي ، وكان عمر ضربه حتى سالت الدماء على عقبيه ! ) .
19 - وفي الدر المنثور ج 6 ص 111 ( وأخرج البزار والدارقطني في الإفراد وابن
مردويه وابن عساكر عن سعيد بن المسيب قال : جاء صبيغ التميمي إلى عمر بن
الخطاب رضي الله عنه فقال أخبرني عن الذاريات ذروا . . . الخ .
20 - وأخرج الفريابي عن الحسن قال سأل صبيغ التميمي عمر بن الخطاب رضي
الله عنه عن الذاريات ذروا وعن المرسلات عرفا وعن النازعات غرقا ؟ فقال عمر رضي
الله عنها : إكشف رأسك فإذا له ضفيرتان ، فقال : والله لو وجدتك محلوقا لضربت
عنقك ! ثم كتب إلى أبي موسى الأشعري أن لا يجالسه مسلم ولا يكلمه ! ) .
21 - وفي إكمال الكمال ج 5 ص 221 ( وأما صبيغ بالصاد المهملة وغين معجمة
فهو صبيغ بن عسل الذي كان يسأل عمر عن غريب القرآن .
22 - وفي إكمال الكمال ج 6 ص 206 ( وعسل بن عبد الله بن عسل التميمي
، حدث عن عمه صبيغ بن عسل قال : جئت
22 - وفي إكمال الكمال ج 6 ص 206 ( وعسل بن عبد الله بن عسل التميمي
، حدث عن عمه صبيغ بن عسل قال : جئت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه -
‹ صفحة 214 ›
وهو الذي كان يتتبع مشكل القرآن فأمر عمر رضي الله تعالى عنه أن لا يجالس ، وقال
يحيى بن معين : هو صبيغ ابن شريك من بني عمرو بن يربوع ، روى خالد بن نزار عن
عمر بن قيس عن عسل . وقال في هامشه : في الأصل ( كتب ، وفي الإصابة ) روى
الخطيب من طريق عسل بن عبد الله بن عسيل ( كذا ) التميمي عن عطاء بن أبي رباح
عن عمه صبيغ بن عسل قال جئت عمر فذكر قصة ثم قال : الضمير في قوله عن عمه
يعود على عسل . وربيعة بن عسل أحد بني عمرو بن يربوع بن حنظلة - ذكره ابن
الكلبي في جمهرة بني تميم . وأما عسل بفتح العين والسين فهو عسل بن ذكوان ،
أخباري ) انتهى . والأخباري في ذلك الوقت هو المؤرخ في عصرنا .
23 - وفي معجم البلدان ج 4 ص 124 ( عسل : بكسر أوله ، وسكون ثانيه ،
وآخره لام ، يقال : رجل عسل مال كقولك ذو مال ، وهذا عسل هذا وعسنه أي
مثله ، وقصر عسل : بالبصرة بقرب خطة بني ضبة ، وعسل : هو رجل من بني تميم من
ولده صبيغ بن عسل الذي كان يتتبع مشكلات القرآن فضربه عمر بن الخطاب ، رضي
الله عنه ، وأمر أن لا يجالس ) .
الصيغة القضائية لقضية صبيغ
المتهم : صبيغ التميمي رئيس عشيرة صغيرة من مراد من تميم تسكن في البصرة ،
وكان يقرأ ويكتب وعنده بعض الكتب ، أي كان متعلما أو مثقفا ، وكان جده أو
أبوه مؤرخا .
التهمة : ثبت عند الخليفة أن المتهم سأل عن أمور محدثة ، يعني أسئلة دينية جديدة لم
يسأل أحد عنها سابقا ، كما في الوثيقة رقم 2 ، أو عن متشابه القرآن أو مشكل
القرآن أو غريب القرآن ، كما في الوثيقة رقم 1 و 3 و 12 و 22 و 23 أو عن حرف
من القرآن كما في الوثيقة رقم 11 أو عن معنى الذاريات كما في الوثيقة رقم 3 و 5
و 8 و 19 أو عن معنى النازعات كما في الوثيقة رقم 5 و 7 و 20 أو عن معنى الجواري
الكنس كما في الوثيقة رقم 4 . . وقد ذكرت المصادر أنه طرح هذه الأسئلة على بعض
الناس عندما كان مجندا في مصر كما في الوثيقة رقم 2 وأنه جاء إلى عاصمة الخلافة
‹ صفحة 215 ›
ليسأل الخليفة عن ذلك كما في الوثيقة رقم 1 و 7 و 8 و 9 و 19 و 22 ، ولم تذكر أنه
طرح أي أفكار مخالفة للعقيدة أو أنه أثر على أحد من الناس .
الحكم : حيث أن المتهم سأل عن أمور محدثة سكت عنها القرآن ، كما في الوثيقة
رقم 2 ، وقد ثبت ذلك عليه جهارا نهارا في محضر الخليفة وتحت سمعه وبصره ! وحيث
أنه بذلك اعتدى على الخليفة وعلى حدود الله تعالى ، وتكلف البحث فيما تركه الله
وما خفي من أمور الدين !
وحيث أنه بذلك ضيع ما ولي وما وجب عليه من أداء واجباته الدينية كما في الوثيقة
رقم 3 و 7 و 12 و 16 !
لذلك حكم عليه الخليفة بما هو آت :
أولا : القبض على المتهم صبيغ التميمي بكل وسيلة وإحضاره إلى العاصمة ، وإن
هرب من يد الرسول الذي أحضره فعليه العقوبة لتقصيره في تسليمه ، كما في الوثيقة
رقم 2 .
ثانيا : تعد له حزمة من عراجين النخل الرطبة قبل حضوره كما في الوثيقة رقم 1
و 2 و 10 و 12 ، فيضرب بها على رأسه المكشوف وبدنه حتى يسيل الدم على رأسه
كما في الوثيقة رقم 1 وحتى يجري دمه على ظهره كما في الوثيقة رقم 2 و 11 ويسيل
على عقبيه كما في الوثيقة رقم 18 وحتى يصير ظهره مثخنا بجراح العراجين كما في
الوثيقة رقم 2 ، ثم يرسل إلى السجن حتى تبرأ جراحه ، ثم يعاد ضربه بنفس الطريقة مرة
ثانية ، كما
ثانية ، كما في الوثيقة رقم 2 و 8 . .
ثالثا : وحيث أن المتهم قد يسبب بعمله أن يفتح في الإسلام باب الأسئلة المحرمة ،
ولكي تكون العقوبة رادعة لأمثاله من المجرمين . . فقد أصدر الخليفة عليه حكمه بأن
يلبس تبانا ( لباس مثل الكيس ) ويحمل على جمل إلى عشيرته ويطاف به فيها وفي
القبائل الأخرى ويشهر به وينادى عليه كما في الوثيقة رقم 3 و 12 ثم يقوم خطيب
ويقول إن صبيغا ابتغى العلم فأخطأه كما في الوثيقة رقم 3 و 12 وتكلف ما كفي وما
خفي رقم 7 و 16 وأن يحرم رزقه وعطاءه من بيت المال كما في الوثيقة رقم 6 و 14
‹ صفحة 216 ›
وأن لا يجالسه أحد ، كما في أكثر الوثائق ، وأن لا يبايعه ، أحد وإن مرض فلا يعوده
أحد وإن مات فلا يشهد أحد جنازته ، كما في الوثيقة رقم 16 وغيرها .
رابعا : أما إذا تاب صبيغ وأناب ، فينتظر به سنة كما ذكر الفقهاء المدافعون عن
الخليفة ، حتى يطمأن بأن توبته صادقة وأنه ترك الأسئلة المحرمة ، فإن ثبت للخليفة
حسن توبته ، يطلب من المسلمين الذين أساء إليهم المجرم صبيغ بأسئلته ، أن يعفوا عنه
ويقبلوا من أخيهم توبته كما في الوثيقة رقم 7 ! !
تحليل قضية صبيغ
إن قصة صبيغ التميمي تثير التعجب والتساؤل عن ذنب الرجل ؟ وهل السؤال عن
معنى آيات القرآن حرام ؟ وإذا كان حراما ، فهل جزاؤه الشرعي هذا الجزاء القاسي ؟ !
أم أن في الأمر شيئا آخر ؟
حاولت أن أجد في حيثيات الحكم الذي أصدره الخليفة ما يبرره . . فلم أجد !
وبحثت عن وجود تهمة غير السؤال على صبيغ ، فقد يكون زنديقا ، أو جاسوسا ، أو
مبتدعا في الدين له شخص واحد يتبعه . . فما وجدت إلا أنه كان يتساءل عن
مشكلات القرآن ، حتى أتى إلى الخليفة يسأله ! !
ظاهر المسألة أنها دينية صرفة وأن صبيغا من أهل البحث والجدل ، فأراد الخليفة أن
يسد باب البحث والجدل ويحذر المسلمين من ذلك ، فقد كان يتبنى خط تحريم البحث
في معاني القرآن وموضوعاته ، وحتى في تفسير ألفاظه ومفرداته ، كما نرى في روايات
أخرى !
وحسب الأصول القضائية والشرعية لا بد أن نبقى متمسكين بدلالة ظاهر النص حتى
نجد قرائن توجب الاطمئنان بخلافه . وقد فهم الإمام الشافعي قضية صبيغ على ظاهرها
هذا كما رأيت في الوثيقة رقم 17 ، وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 10 ص 29 :
( الزعفراني وغيره : سمعنا الشافعي يقول : حكمي في أهل الكلام أن يضربوا
بالجريد ، ويحملوا على الإبل ، ويطاف بهم في العشائر ، ينادى عليهم : هذا جزاء من
ترك الكتاب والسنة ، وأقبل على الكلام .
‹ صفحة 217 ›
وقال أبو عبد الرحمن الأشعري صاحب الشافعي : قال الشافعي : مذهبي في أهل
الكلام تقنيع رؤوسهم بالسياط ، وتشريدهم في البلاد . قلت : لعل هذا متواتر عن
الإمام ) انتهى .
ولكن كيف يحكم الشافعي على صبيغ بأنه ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام ؟ !
فأسئلته لا تدل على ذلك ؟ وحيثيات حكم الخليفة لا تتضمن شيئا من ذلك ؟ ! على أن
الشافعي دافع عن ضرب الخليفة لصبيغ فقط ، لكن تبقى فتوى الخليفة بقتله لو كان
حلق رأسه ، وفتواه بعدم قبول توبته إلا بعد سنة . . وستعرف أن الشافعي خالف فيهما
الخليفة ، فلا يجوز قتال الخوارج عنده ما لم يشهروا السلاح ضد الدولة ، كما أن التوبة
تقبل عنده رأسا !
محاولة جعل صبيغ من الخوارج
حاول محبوا الخليفة في بعض مصادر الفقه والتراجم أن يتهموا صبيغا بأنه كان
خارجيا ، ولكن الخوارج بدأ وجودهم في زمن الإمام علي عليه السلام بعد زمان
الخليفة عمر وعثمان ، فكيف يكون صبيغ خارجيا قبل الخوارج ؟ ! وحتى لو كان
للخوارج وجود فكري في ذلك الوقت فهو بدايات أفكار ومفاهيم تكونت لديهم بحكم
أنهم قراء للقرآن لم تزد عن كونها أسئلة ، ولنفرض أن أسئلة صبيغ منها ، وأن أسئلة
الوفد المصري منها . . فهل يستحقون هذه العقوبة . . وهل معالجة ظاهرتهم تكون بما
فعله الخليفة ؟ !
قال ابن حجر في لسان الميزان ج 3 ص 439 ( قال أبو سعيد بن يونس في تاريخ
مصر : عبد الرحمن بن ملجم المرادي أحد بني مدرك ، أي حي من مراد ، شهد فتح
مصر واختط بها - بني بها دارا - يقال إن عمرو بن العاص أمره بالنزول بالقرب منه
لأنه كان من قراء القرآن وكان فارس قومه المعدود فيهم بمصر ، وكان قرأ على معاذ
بن جبل وكان من العباد . ويقال إنه كان أرسل صبيغ بن عسل إلى عمر يسأل عن
مشكل القرآن . وقيل إن عمر كتب إلى عمرو أن قرب دار عبد الرحمن بن ملجم من
‹ صفحة 218 ›
المسجد ليعلم الناس القرآن والفقه ، فوسع له فكان داره إلى جنب دار ابن عديس .
وهو الذي قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ) .
وقال السمعاني في الأنساب ج 1 ص 451 ( التدؤلي : بفتح التاء المنقوطة باثنتين
من فوقها وسكون الدال المهملة وهمزة الواو المضمومة في آخرها اللام ، هذه النسبة إلى
تدؤل وهو بطن من مراد من جملتهم عبد الرحمن بن ملجم المرادي التدؤلي أحد بني
تدؤل شهد فتح مصر واختط بها وخطته بالراية مع الأشراف ، وله خطة أيضا مع قومه
بمراد ، وله مسجد هنالك معروف ، يقال إن عمرو بن العاص أمره بالنزول بالقرب منه
لأنه كان من قراء القرآن وأهل الفقه ، وكان فارس تدؤل المعدود فيهم بمصر وكان قرأ
القرآن على معاذ بن جبل ، وكان من العباد ، ويقال هو الذي كان أرسل صبيغ بن
عسل التميمي إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسأله عما سأله من معجم القرآن ،
وقيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عمرو بن العاص أن قرب دار
عبد الرحمن بن ملجم من المسجد ليعلم الناس القرآن والفقه فوسع له مكان داره التي في
الراية في الزيارتين إلى جانب دار ابن عديس البلوي قاتل عثمان رضي الله عنه ،
وعبد الرحمن بن ملجم هو الذي قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقتل ابن ملجم
لعنه الله بالكوفة سنة أربعين وكان من شيعة علي رضي الله عنه ، وخرج إليه إلى
الكوفة ليبايعه ويكون معه وشهد صفين معه ، وروي أن علي بن أبي طالب رضي الله
عنه دعا الناس إلى البيعة فجاء ابن ملجم فرده ، ثم جاء فرده ، ثم جاء فبايعه ، ثم قال
علي رضي الله عنه : ما يحبس أشقاها ؟ ما يحبس أشقاها ؟ أما والذي نفسي بيده
لتخضبن هذه وأخذ بلحيته من هذا وأخذ برأسه ثم تمثل :
أشدد حيازيمك للموت فإن الموت آتيكا
ولا تجزع من الموت إذا حل بواديكا ) انتهى .
وهذان الخبران لا يفيدان تهمة لصبيغ ولا يثبتان غرضا سياسيا لأسئلته حتى لو كان
قاصدا من مصر لطرحها على الخليفة . بل لو كان أرسله عبد الرحمن بن ملجم لكان
احترمه الخليفة وما هجم عليه هذه الهجمة المنكرة ، لأن ابن ملجم يومذاك كان مقربا
عند الخليفة وقد أمر عمرا بن العاص أن يجعله معلما ومفقها للمسلمين في مصر . .
‹ صفحة 219 ›
ولعل هذا السبب في أن السمعاني روى دعوى إرسال ابن ملجم لصبيغ بلفظ
( قيل ) وكذلك ابن حجر .
ثم لو كان صبيغ خارجيا لانضم إليهم عندما ظهروا ، ولما روى عن الخليفة ذم
الخوارج ووجوب قتلهم كما في الوثيقة رقم 10 .
ومع ذلك فهناك مؤشرات تفتح باب الاحتمال لأن تكون قضية صبيغ شخصية أو
سياسية . فبعض روايات الحادثة تذكر أن الخليفة عرف صبيغا من سؤاله عن الذاريات
كما في الوثيقة رقم 3 ( حتى إذا فرغ قال يا أمير المؤمنين والذاريات ذروا فالحاملات وقرا
فقال عمر أنت هو ، فقام إليه وحسر عن ذراعيه فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته ،
فقال : والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقا لضربت رأسك ، ألبسوه ثيابا ( تبانا )
واحملوه على قتب . . . ) وأنه كان أعد له العراجين أي عروق سعف النخل مسبقا كما
في الوثيقة 1 و 11 ، فقد يكون صبيغ جاء إلى المدينة سابقا وسأل الخليفة عن الذاريات
فلم يعرف الخليفة جوابها ، فذهب إلى مصر يشهر بالخليفة بأنه لا يفهم القرآن ، فكتب
له ابن العاص بالخبر وأن جماعة من قراء القرآن في مصر يغتابون الخليفة ويتهمونه بأنه
لا يعرف تفسير القرآن ، ولا يطبق كثيرا من آياته ! فأمر ابن العاص أن يحضره وعرفه
من سؤاله . .
ويؤيد هذا الاحتمال ما رواه السيوطي في الدر المنثور ج 2 ص 145 والهندي في
كنز العمال ج 2 ص 330 ( عن الحسن أن ناسا لقوا عبد الله بن عمرو بمصر ، فقالوا
نرى أشياء من كتاب الله أمر أن يعمل بها لا يعمل بها ، فأردنا أن نلقى أمير المؤمنين
في ذلك فقدم وقدموا معه فلقي عمر ، فقال : يا أمير المؤمنين أن ناسا لقوني بمصر ،
فقالوا إنا نرى أشياء من كتاب الله أمر أن يعمل بها لا يعمل بها ، فأحبوا أن يلقوك في
ذلك ، فقال أجمعهم لي فجمعهم له ، فأخذ أدناهم رجلا فقال : أنشدك بالله وبحق
الإسلام عليك أقرأت القرآن كله ؟ فقال : نعم : قال فهل أحصيته في نفسك ؟ قال لا ،
قال فهل أحصيته في بصرك ؟ قال لا ، قال فهل أحصيته في لفظك ؟ هل أحصيته في
أثرك ؟ ثم تتبعهم حتى أتى على آخرهم ، قال : ثكلت عمر أمه ، أتكلفونه أن يقيم
الناس على كتاب الله ؟ قد علم ربنا أنه سيكون لنا سيئات وتلا إن تجتنبوا كبائر ما تنهون
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تدوين القرآن - الشيخ علي الكوراني العاملي - ص 220 - 224
عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ) هل علم أهل المدينة فيم قدمتم ؟ قالوا لا .
قال لو علموا لوعظت بكم ! ! - ابن جرير ) .
وقال في هامشه : لوعظت بكم أي خفقهم بالدرة أو غيرها حيث أن سؤالهم يترتب عليه بعض الشبهات
في العقيدة الإيمانية ) انتهى .
فهذه القصة تشبه قصة صبيغ في أن هؤلاء المصريين جاؤوا من مصر ليسألوا الخليفة
عن آيات من القرآن فيها أوامر إلهية لا يرون تطبيقها في دولة الخليفة . . فكانت
أسئلتهم إدارية سياسية ، وقد أجابهم الخليفة بأن القرآن بحر لا يمكن إحصاؤه كله في
الحفظ أو الفهم أو النظر إلى صفحات كتابه في آن واحد ! فكيف يمكن لخليفة مثلي
تطبيقه كله ! فارضوا بما ترون من تطبيقي وتطبيق عمالي منه ولا تثيروا علينا المشاكل ،
ولا تذكروا إشكالاتكم هذه أمام أحد ، وإلا فالدرة وعراجين النخل حاضرة !
فقد أمر الخليفة بإغلاق باب البحث والسؤال عن تطبيق الدولة للقرآن تحت تهديد
العقوبة . . وقول المعلق على كتاب كنز العمال إن أسئلة المصريين تستحق الضرب لأنها
يترتب عليها بعض الشبهات في العقيدة الإيمانية ، قول لا دليل عليه إلا التبرع بالدفاع عن
عمر !
على أي حال ، من المحتمل أن يكون صبيغا التميمي من نوع هؤلاء المصريين ،
ولكن لو صح هذا الاحتمال فهل يستحق تلك العقوبة ؟ ألم يكن تهديد الخليفة كافيا له
كزملائه ؟ ! أم أن ذنب صبيغ أنه ليس مصريا ، ولو كان مصريا لنجا بجلده ؟ !
ومن المحتمل أيضا أن السؤال عن الذاريات كانت له قصة في ذلك الوقت وكان
مرتبطا بأسئلة أخرى ، قال الصديق المغربي في كتابه فتح الملك العلي ص 75 ( قال
الحاكم في المستدرك . . . ثنا أبو الطفيل قال : رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
رضي الله عنه قام على المنبر فقال : سلوني قبل أن تفقدوني ولن تسألوا بعدي مثلي ،
قال فقام ابن الكوا فقال : يا أمير المؤمنين ما الذاريات ذروا ؟ قال : الرياح ، قال : فما
الحاملات ؟ وقرا ، قال : السحاب ، قال : فما الجاريات يسرا ؟ قال : السفن ، قال :
فما المقسمات أمرا ؟ قال : الملائكة ، قال : فمن الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا
قومهم دار البوار جهنم ؟ قال : منافقوا قريش ، صححه الحاكم ) انتهى .
‹ صفحة 221 ›
ولكن لو صح هذا الاحتمال أيضا وكان مع أسئلتهم عن الذاريات أسئلة أخرى
محرجة عن انحراف الأمة . . فهي لا تستحق العقوبة التي نزلت بصبيغ ! !
تحير الفقهاء في عقوبة صبيغ
وقد تحير الفقهاء في توجيه حكم الخليفة على صبيغ ، فحاولوا أن يثبتوا لسؤاله بعدا
عقائديا سياسيا ، قال ابن قدامة في المغني ج 1 ص 73 :
( فصل : واختلفت الرواية عن أحمد في حلق الرأس فعنه أنه مكروه لما روي عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الخوارج ( سيماهم التحليق ) فجعله علامة لهم
وقال عمر لصبيغ : لو وجدتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك بالسيف ) انتهى .
وقال في ج 10 ص 58 ( فصل ، وإذا أظهر قوم رأي الخوارج مثل تكفير من
ارتكب كبيرة وترك الجماعة واستحلال دماء المسلمين وأموالهم إلا أنهم لم يخرجوا عن
قبضة الإمام ولم يسفكوا الدم الحرام ، فحكي القاضي عن أبي بكر أنه لا يحل بذلك
قتلهم ولا قتالهم ، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وجمهور أهل الفقه . . . وأما من رأى
تكفيرهم فمقتضى قوله أنهم يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا لكفرهم كما يقتل المرتد ،
وحجتهم قول النبي صلى الله عليه وسلم ( فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ) . . . وقول عمر
لصبيغ لو وجدتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك بالسيف ، يعني لقتلتك ، وإنما يقتله
لكونه من الخوارج ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال سيماهم التسبيد يعني حلق
رؤوسهم ) انتهى .
يقصد ابن قدامة أن الخليفة كان يفتي بقتل من حلق رأسه لأن ذلك شعار الخوارج !
وهو توجيه غريب لحكم الخليفة على صبيغ ، فأين كان الخوارج في زمن الخليفة عمر ؟
ومن روى هذا الحديث ؟ ومن صححه ؟ وكيف يمكن توجيه ما قاله وما فعله الخليفة
عمر بحدث تاريخي بدأ بعد وفاته بربع قرن ! .
وينبغي الالتفات هنا إلى أن من عادة العرب عند العزم على شئ والإستماتة في سبيله
أن يحلقوا رؤوسهم علامة على ذلك . . وقد ورد أن جماعة من الأنصار والمهاجرين
جاؤوا إلى علي عليه السلام بعد فراغه من مراسم جنازة النبي صلى الله عليه وآله
‹ صفحة 222 ›
واعترضوا بشدة على عدم دعوته إلى السقيفة وبيعة أبي بكر ، وقالوا للإمام نحن معك
وفي عنقنا لك بيعة أخذها النبي من الجميع يوم غدير خم ، فقال لهم الإمام : إن كنتم
صادقين فاغدوا إلي محلقين . . فجاءه منهم في الغد سبعة فقط أو ثلاثة ، فأخبرهم أن
النبي صلى الله عليه وآله أوصاه أن لا يتحرك إلا إذا اجتمع له أربعون رجلا !
فالخوارج لم ينشؤوا عادة حلق الرؤوس من عندهم ، بل استفادوا من عرف عربي
موجود استفاد منه قبلهم علي عليه السلام ، فقد يكون الخليفة مثلا أراد أن يعرف هل
أن صبيغا عضو في حركة حلقوا رؤوسهم وتعاهدوا على معارضة الخليفة ، فيكون ذلك
مؤشرا احتماليا آخر على أن قضية صبيغ سياسية .
وهناك مؤشر ثالث وهو أن الشاكي صاحب التقرير على صبيغ هو عمرو بن العاص
الذي كان فكره وعمله الأمور السياسية والتخطيط ضد هذا وذاك ، ولم يعهد عنه
اهتمام بالأمور الفكرية والعقائدية كالسؤال عن القرآن ! بل قد يكون هو الذي أرسل
المصريين المعترضين إلى الخليفة مع ولده عبد الله ليلاقوا جزاءهم !
هذا ، ولكنها تبقى احتمالات ، ويبقى الحكم على قضية صبيغ حسب ظاهرها
كما فهمها الفقهاء وأنها قضية بحث وجدل في القرآن ، أو قضية شخصية ، أقوى من الحكم عليها بأنها
سياسية ، خاصة عندما نرى حياة صبيغ العادية غير السياسية . . فقد عاش بعد الخليفة
ولم يظهر منه شئ مخالف لخط الخليفة !
وتحير الفقهاء في توبة صبيغ
عن أي شئ كانت توبة صبيغ التميمي ؟ الظاهر أنها توبة عن السؤال فقط وفقط ! !
وقد تاب وهو تحت عراجين النخل وقال للخليفة : اعفني ، سامحني ، فقد كان
في رأسي أسئلة أو تساؤلات ، وذهب الذي كان في رأسي ، وإني تائب إلى الله
وإليك . . ولكن الخليفة لم يعفه ولم يقبل توبته إلا بعد أن دمر شخصيته وجعله ميتا في
الأحياء ! فلماذا اشترط الخليفة مضي سنة من إعلان توبة صبيغ حتى يثبت صدقها ، مع
أن التوبة إما أن لا تقبل ، وإما تقبل رأسا ؟ ! هذا ما حير فقهاء المذاهب الأربعة !
‹ صفحة 223 ›
قال ابن قدامة في المغني ج 12 ص 80 :
( فصل : ظاهر كلام أحمد والخرقي أنه لا يعتبر في ثبوت أحكام التوبة من قبول
الشهادة وصحة ولايته في النكاح إصلاح العمل ، وهو أحد القولين للشافعي ، وفي
القول الآخر يعتبر إصلاح العمل . . . ولأن عمر رضي الله عنه لما ضرب صبيغا أمر
بهجرانه حتى بلغته توبته ، فأمر أن لا يكلم إلا بعد سنة . ولنا : قوله عليه السلام :
التوبة تجب ما قبلها ، وقوله : التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، ولأن المغفرة تحصل
بمجرد التوبة فكذلك الأحكام ، ولأن التوبة من الشرك بالإسلام لا تحتاج إلى اعتبار ما
بعده وهو أعظم الذنوب كلها ، فما دونه أولى ! فأما الآية فيحتمل أن يكون الإصلاح
هو التوبة وعطفه عليها لاختلاف اللفظين ، ودليل ذلك قول عمر لأبي بكرة : تب أقبل
شهادتك ، ولم يعتبر أمرا آخر ، ولأن من كان غاصبا فرد ما في يديه أو مانعا الزكاة
فأداها وتاب إلى الله تعالى قد حصل منه الإصلاح ، وعلم نزوعه من معصيته بأداء ما
عليه ، ولو لم يرد التوبة ما أدى ما في يديه . ولأن تقييده بالسنة تحكم لم يرد الشرع
به ، والتقدير إنما يثبت بالتوقيف ) انتهى .
إلى هنا تلاحظ أن كلام ابن قدامة كلام فقهي قوي . . ثم أخذ ينقض مبانيه التي
أثبتها للتوبة فقال :
( وما ورد عن عمر في حق صبيغ إنما كان لأنه تائب من بدعة وكانت توبته بسبب
الضرب والهجران فيحتمل أنه أظهر التوبة تسترا بخلاف مسألتنا . وقد ذكر القاضي أن
التائب من البدعة يعتبر له مضي سنة لحديث صبيغ رواه أحمد في الورع قال : ومن
علامة توبته أن يجتنب من كان يواليه من أهل البدع ، ويوالي من كان يعاديه من أهل
السنة . والصحيح أن التوبة من البدعة كغيرها إلا أن تكون التوبة بفعل يشبه الإكراه
كتوبة صبيغ فيعتبر له مدة تظهر أن توبته عن إخلاص لا عن إكراه . وللحاكم أن يقول
للمتظاهر بالمعصية تب أقبل شهادتك قال مالك لا أعرف هذا ، قال الشافعي وكيف لا
يعرفه وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتوبة ، وقاله عمر لأبي بكرة ! ! ) انتهى .
|
|
|
|
|