يقول أحد تلامذة العلامة الطباطبائي رحمه الله:
كان المرحوم السيد علي القاضي – استاذ العلامة الطباطبائي في العرفان – من الناحية العملية آية عجيبة .. ويعرف أهل النجف وخصوصاً أهل العلم الكثير من قصصه.. كان في منتهى الفقر، وكانت عائلته كبيرة، وكان في منتهى التسليم والتفويض والتوحيد، بحيث لم تخرجه هذه العائلة درة عن مساره.
حدثني أحد أصدقائي في النجف، وهو فعلاً من أعلامها فقال: ذهبت ذات يوم إلى دكان بائع الخضار، رأيت المرحوم علي القاضي منحنياً ينتقي الخس إلا أنه على عكس المتعارف، كان يختار الخس الذابل ذا الأوراق الخشنة.
وقفت أتأمله بدقة إلى أن نهض من الانتقاء، وقدم الخس لصاحب الدكان ليزنه.. ووضعه السيد تحت عباءته ومضى، وكنت عندها طالباً شاباً، وكان المرحوم القاضي رجلاً مسناً.. فتبعته وقلت له: مولاي!.. لدي سؤال.. لماذا اخترت بعكس الجميع الخس غير المرغوب فيه؟..
قال: عزيزي، هذا الرجل بائع فقير، وأنا أساعده أحياناً، ولا أريد أن أعطيه شيئاً بلا عوض لأحفظ له عزته وماء وجهه أولاً، ولا يعتاد على "الأخذ" مجاناً فيتكاسل في الكسب ثانياً.
وبالنسبة لنا لا فرق بين الخس الطري والناعم أو هذا الخس، وأنا أعلم أن هذا الخس لن يشتريه منه أحد، وعندما يقف دكانه ظهراً سوف يلقي بها بعيداً، ومنعاً لتضرره وخسارته فقد اشتريت هذا منه... مهرتابان/20
وقد شاهدت شبيه ذلك من أحد أساتذة الحوزة العلمية في قم، وهو من تلامذة المرحوم القاضي بالواسطة، وعجبت من إيثار ذلك الرجل وعظمته.
(لم يمت من دأبه جميل الفعال، بل استراح وأودع الله روحه)