والصلاة... طريق الهدى، والباعثة للحياة، وسبب تحرّر الإنسان من الضّياع، والسّير على سنن الأنبياء عليهم السلام.
ومـن هنـا إنطـلاقة هـذا العـمل الذي يجـمع أموراً عديدة عن الصـلاة، و يتناول فصلين؛ الأول يشمل تعريفاً بالصلاة وفضلها وآدابها، والثاني يشمل أفعال الصلاة وأسرارها، بالإضافة إلى الأسرار الطبية لحركات الصلاة.
أخيراً، أرجـو مـن اللـه العليّ القدير أن يُوفّقني في إتمام هذا العمل، مع الشكر الجزيل لمدير الدورة الأخ الأستاذ غسان همداني لإتاحة الفرصة لي من أجل البحث في هذا الموضوع.
الفصل الأوّل: الصّلاة
أوّلاً: تعريف الصلاة
لغةً: الدّعاء.
شرعاً: هي أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم بشرائط مخصوصة، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام فريضة على كل مؤمن ومؤمنة. قال تعالى:
(فأَقيموا الصّلاة *إنّ الصّلاة كانَت على المُؤمِنينَ كتاباً مَوقوتاً) سورة النساء آية 103
إن الصلاة في المُنجد جمعها صلوات، والصلاة من الله الرحمة، والثناء على العبادة. وفي تعريفات الجرجاني، الصلاة أذكار معلومة بشرائط محصورة في أوقات مقدرة. وسميت بذلك من الإستقامة، صليت العود على النار إذا قوّمتَه، والصلاة تقيم العبد على طاعة الله وخدمته وتنهاه عن خلافه، وهي صلة بين العبد وربه. قال تعالى:
(إنّ الصّلاة تَنهى عن الفحشاءِ والمُنكَر). (1)
تعتبر الصلاة من أهم العبادات الجامعة للفوائد الكثيرة فهي أفضل الأعمال بعد التوحيد، ففي الحديث: (ما إفترض الله على خلقه بعد التوحيد شيئاً أحب إليه من الصلاة، ولو كان شيء أحب إليه من الصلاة تعبَّد به ملائكته، فمنهم راكع وساجد وقائم وقاعد).
والصلاة أول ما ينظر فيه عمل إبن آدم، وأول ما يحاسب به، إن قبلت قبل ما سواها، وإن رُدّت رُدّ ما سواها.
إن قبلت تقبل بها الأعمال وإن تُردّ ردّ كل ما عمل
الصلاة جامعة للدعاء والركوع والسجود وتلاوة القرآن، ولذلك صارت من الأعمال التي تقرب الإنسان إلى ربه، ومن خلالها يعرج إلى عالم الملكوت والطهارة والكمال. (2)
(1) نزهة الأفكارفي روض الأحاديث و الأخبار، الشيخ محمود الصالح، ص 77. ]بتصرف[.
(2) في رحاب الله جل جلاله، السيد حسين نجيب محمد، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1429هـ ـ 2008م، ص 417.
هي التوجه إلى الله، والمواجهة مع الله، والتحدث مع الله، والطلب من الله، والخشوع إلى الله. هي مصدر الإيحاء والقوة وإتخاذ الكمال من الصحبة مع الله لها تأثير كبير في الدين حتى جعلت الصلاة عامود الدين. (1)
إن الصلاة إحدى الدعائم التي بُني عليها الإسلام، وهي أصل الإسلام وعمود الدين ووجهه، وهي آخر وصية النبي (ص) ووصايا الأنبياء عليهم السلام.(2)
(1) من روائع أقوال الإمام الصدر، غسان همداني، ص 175.
(2) منهاج الصالحين (العبادات)، فتاوى الشيخ محمد سعيد الطباطبائي الكحيم، مؤسسة المنار، الطبعة الثانية، 1418هـ ـ 1997م، ص 165.
ثانياً: فضل الصلاة
شرّع الله لهذه الأُمة من الشّرائع أيسرها عملاً، وأسهلها فعلاً، وأعظمها ثواباً، وأعملها خيراً، ومن أجلّ هذه الفرائض فريضة الصلاة التي فرضت من فوق سبع سماوات خمسين صلاة، ثم خففت فضلاً من الله ونعمة وتيسيراً ورحمةً إلى خمس صلوات في اليوم والليلة: صلاة الفجر، صلاة الظهر، صلاة العصر، صلاة المغرب، وصلاة العشاء. هي خمس في العدد وخمسون في الأجر.
إن الله تعالى يمحو الخطايا بالصلوات الخمس، وهي نور في الدنيا والآخرة، مُنزلة للرحمة وجالبة للرزق، وسبب لتكفير السيئات وزيادة الحسنات ورفع الدرجات.
قال تعالى: (وإستَعينوا بالصّبرِ والصّلاةِ وإنّها لكبيرةٌ إلا على الخاشِعين) سورة البقرة آية 45.
المراد بالصبر الصوم، وفائدة الإستعانة به أنه يذهب بالشّره وهوى النفس. وفائدة الإستعانة بالصلاة، ما فيها من تلاوة للقرآن والتدبر لمعانيه والإتعاظ بمواعظه والإئتمار بأوامره والإنزجار عن نواهيه. وكان النبي(ص) إذا أحزنه أمر إستعان بالصلاة والصوم. وخص الله الصلاة بالذكرفي الآية الكريمة بـ " كبيرة " لقربها منه, ولأنها الأهم والأفضل. (1)
الصلاة غذاء للروح، كلما أردنا أن نقوي الروح بمعنى أن نسمو بإنسانيتنا علينا أن نهتم بجميع الواجبات وبالأخص الصلاة. فالإنسان حين يتوضأ ويقف أمام الله خاشعاً خاضعاً، يناجي الله سبحانه وتعالى داعياً وراجياً آملاً ومتفائلاً برحمته تعالى. وحين يفعل هذا يشعر براحة نفسية وطمأنيننة داخلية لأنه وضع آلامه في يد الرحمن الرحيم، وتحدث مع الله الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير.
وكان النبي(ص) أذا أتعبه وأحزنه أمر كان يأمر بلال بأن يؤذن للصلاة، ويقول(ص): " قم يابلال فأرحنا بالصلاة "، وقال (ص): " حُبّب لي من دنياكم ثلاث، الطّيب والنساء وجُعلت قرة عيني الصلاة ".
الصلاة وإن كانت عبادة دينية وروحية إلا أنها أيضاً رياضة بدنية من أول النية إلى ختامها، نجد فيها حركات رياضية متعددة بعضها يفيد الذراعين وبعضها يفيد القدمين، وبعضها يفيد الجذع والعمود الفقري، وبعضها يفيد عضلات الرقبة. فتتحرك كل أعضاء الجسم وأجهزته الظاهر منها والداخلي، وعندئذ يستفيد كل جسم من هذه الرياضة ومن الحركة وتتجدد حيويته. (1)
إن الصلاة تغسل صاحبها من الذنوب، وفيها سكينة للنفس وراحة للبال. (2)
(1) الأسرار الطبية لصلاة الليل، د. مصطفى سلمان محمد الخلف، دار الصفوة، بيروت ـ لبنان، ص 29 حتى52.
(2) الآيات العلمية في القرآن الكريم، على محمد على دخيل، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1424هـ ـ 2003م، ص 186.
ثالثاً: آداب الصلاة
1ـ الخشوع وحضور القلب:
وهي من أهم الأمور التي يجب مراعاتها فلا يحاول المصلي أن يعمل أي عمل يشغله عن صلاته، قال تعالىقد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون) سورة المؤمنون، الآيتان 2 و3 . " أفلح " من قوله تعالى أي دخل في الفلاح، أما "خاشعون" فتعني خاضعون متواضعون متذللون لايرفعون أبصارهم عن مواضع سجودهم، ولا يلتفتون يميناً ولا شمالاً.
قال الصادق عليه السلام: (إذا إستقبلت القبلة فإنس الدنيا وما فيها، والخلق وما هم فيه، إستفرغ قلبك عن كل شاغل يشغلك عن الله، وعاين بسرّك عظمة الله، وأذكر وقوفك بين يديه يوم تبلو كل نفس ما أسلفت ورُدّوا إلى الله مولاهم الحق، وقف على قدم الخوف والرجاء).
قال أمير المؤمنين عليه السلام: (إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليصلّ صلاة مودّع). وقال عليه السلام: (سئل بعض العلماء من آل محمد صلى الله عليه وآله فقيل له، ما أدب الصلاة؟ قال: حضور القلب، وإفراغ الجوارح، وذلّ المقام بين يدي الله تبارك وتعالى، ويجعل الجنة عن يمينه، والنار عن يساره، والصراط بين يديه، والله أمامه). (1)
2ـ الصلاة جماعة:
يستحب للمؤمن المحافظة والحضور في صلاة الجماعة، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله: (صلاة الرجل في جماعة خير من صلاته في بيته أربعين سنة، قيل يا رسول الله صلاة اليوم؟ فقال (ص) صلاة واحدة، ثم قال: إذا كان العبد خلف الإمام كتب له مائة ألف عشرين درجة).
3ـ الصلاة في المسجد:
وهي من الأمور التي حثّت عليها الشريعة الإسلامية، فعن الإمام الصادق عليه السلام:
(عليكم بإتيان المساجد فإنها بيوت الله في الأرض، من أتاها متطهراً طهّره الله من ذنوبه وكتب من زواره). وعنه عليه السلامإن الصلاة في المسجد فرداً بأربع وعشرين صلاة).
(1) بحار الأنوار، الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، تاليف العلاّمة الشيخ محمد باقر المجلسي " قدس الله سرّه " ، الوفاء بيروت ـ لبنان ، الجزء 81، ص 226 حتى 236
4ـ قراءة سورة القدر في الفرائض:
عن الإمام الصادق عليه السلام: (من قرأ "إنا أنزلناه" في فريضة من الفرائض، ناد منادٍ: ياعبد الله قد غفرتُ لك ما مضى فاستأنف العمل).(1)
5ـ تنظيف الأسنان بالسّواك وفرشاة الأسنان:
قال الباقر والصادق عليهما السلامصلاة ركعتين بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك). (2)
يجب في أفعال الصلاة: النّية، تكبيرة الإحرام، القيام، القراءة والذكر، الركوع، السجود، التشهد، التسليم، الترتيب، الموالاة.
1ـ النّية:
الصلاة من العبادات التي تجب فيها النّية، ولا بد فيها من الإتيان بالأفعال نقصد كونها صلاة قربة إلى الله تعالى. (1) هي من أعمال القلب لا اللسان، ولذلك ليس لها لفظ محدد ما دام محلها القلب.
2ـ تكبيرة الإحرام:
بها يكون الدخول إلى الصلاة، وهي ركن تبطل الصلاة بنقصها عمداً أو سهواً، كما تبطل بزيادتها عمداً. صورتها " الله أكبر ".
3ـ القيام:
يشترط في الصلاة الواجبة مع القدرة ، القيام حال تكبيرة الإحرام، وحال القراءة أو الذكر بدلاً عنها وقبل الركوع وبعده. يجب مع الإمكان الإعتدال في القيام، فإذا إنحنى بظهره أو مال إلى أحد الجانبين بطل، وكذا إذا فرّج بين رجليه كثيراً أو قوسهما بثني الركبتين إلى الأمام. (1)
4ـ القراءة والذكر:
وهي قراءة سورة الفاتحة (الحمد) وسورة كاملة أخرى بعدها في الركعتين الأولى والثانية، قراءة صحيحة دون أي خطأ مع قراءة البسملة قبل كل سورة، عدا سورة التوبة. وفي الركعتين الثالثة والرابعة "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر". (2)
5ـ الركوع:
وهو واجب في كل ركعة مرة، فريضة كانت أو نافلة، وهو الإنحناء إلى الأمام بمقدار تصل معه أطراف الأصابع إلى الركبتين لو كان الساقان مستقيمين ولم ينثنيا إلى الأمام. ويجزئ فيه "سبحان ربي العظيم وبحمده" أو "سبحان الله" ثلاثاُ.
هو وضع الجبهة على الأرض بقصد الخضوع. والواجب منه في كل ركعة سجدتان. وهو على سبعة أعضاء: الجبهة والكفين والركبتين وإبهامي الرجلين، ويستحب إضافة الأنف إليها. ويقال فيه "سبحان ربي الأعلى وبحمده".
7ـ التشهد:
هو واجب في الثنائية مرة بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة من الركعة الثانية، ويجب أن يضيف إليها في الثلاثية والرباعية مرة أخرى بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة من الركعة الأخيرة. يجزئ في التشهد قول "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلّ على محمد وآل محمد".
8ـ التسليم:
هو واجب في كل صلاة، وهو آخر أجزائها، والمحلل لها. (1) يقال فيه "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته". ( 2)
9ـ الترتيب:
يجب الإتيان بأفعال الصلاة على النحو المتقدم بأن يفتتح الصلاة بالتكبير، ويُقدّم القراءة أو الذكر في كل ركعة على الركوع، الركوع على السجود، والسجود على التشهد، والتشهد على التسليم. ( 1)
10ـ الموالاة:
هي عدم الفصل الزمني بين أجزاء الصلاة على وجه يوجب محو صورة الصلاة، فعندما ينتهي جزء من أجزاء الصلاة يبدأ اللاحق بها مباشرة وهكذا.
(1) منهاج الصالحين (العبادات)، مرجع سابق، ص 228 حتى 239.
(2) الصلاة عمود الدين، دار المحجة البيضاء، الطبعة الثالثة 1425هـ ـ 2004م، ص 72.
ثانياً: أسرار أفعال الصلاة
لابدّ للمكلّف المُتيقّظ من التّفكر في أسرار الصلاة والتّأدب بآدابها، وإلا كانت بمنزلة الجسد من غير روح، والشجرة من غير ثمرة، والعمل من غير غاية.
1ـ النية:
النية هي العزم على إجابة الله تعالى في إمتثال أمره بالصلاة وإتمامها، رجاء ثوابه وطلب القربة منه. قال الصادق عليه السلام: (صاحب النية الصادقة، صاحب القلب السليم)، وقال الله تعالى: (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) سورة الشعراء الآيتان 88 ـ 89. إن صاحب النية الخالصة، نفسه، وهواه معه مقهوران تحت سلطان الله والحياء منه.
2ـ تكبيرة الإحرام:
إن الله سبحانه وتعالى أكبر من كل شيئ أو أكبر من يوصف أو من أن يدرك بالحواس، أو يقاس بالناس. قال الصادق عليه السلامإذا كبّرت فإستصغر ما بين السموات العلى والثرى دون كبريائه). إن تكبيرة الإحرام تبعث في النفس بهجة وفي القلب سروراً بمناجاة الله تعالى؛ وذلك لمن صدق في تكبيره لله، وإلا فقد عرف سلب لذة المناجاة وحرمان حلاوة العبادة.
3ـ القيام:
دوام القيام تنبه على إدامة القلب مع الله تعالى على نعت واحد من الحضور، قال النبي (ص)إن الله مقبل على العبد ما لم يلتفت). قال تعالىالذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين) سورة الشعراء الآية 219.
4ـ القراءة والذكر:
إن كلام الله المُشتمل على الأساليب العجيبة والأوضاع الغريبة، والأسرار الدقيقة، والحكم الأنيقة، ليس المقصود منها محرد حركة اللسان، بل المقصود معانيها وتدبّرها، ليستفيد منها حكمة وحقائق، وأسراراً، وأمراً ونهياً، وذكر أنبيائه ونعمه. أن كل ما يُشغل عن فهم معاني القراءة فهو وسواس، لذا يجب قول "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" لأنه مترصد لصرف القلب عن الله تعالى حسداُ على مناجاته.
5ـ الركوع:
في الركوع ذكر لكبرياء الله تعالى وعظمته، وذُلاُ وتواضُعاً له. و تكرار ذكر "سبحان الله العظيم وبحمده" زيادة في الخضوع والرّفعة عند الله تعالى. قال الصادق عليه السلام: (لا يركع عبد لله تعالى ركوعاً على الحقيقة إلاّ زينه الله تعالى بنور بهائه وأظلّه في ظلال كبريائه وكَساه كُسوة أصفيائه). في الركوع أدب وفي السجود قرب ومن لا يُحسن الأدب لا يَصلح للقرب. إن الله تعالى يرفع عباده بقدر تواضعهم له، ويهديهم إلى أصول التواضع والخضوع والخشوع بقدر إطّلاع عظمته على سرائرهم.
6ـ السجود:
هو أعظم مراتب الخضوع وأحسن درجات الخشوع، وأعلى مراتب الإستكانة، وأحق المراتب بإستيجاب القرب إلى الله تعالى، وتَلقّي أنوار رحمته. وقد جعل اله تعال معنى السجود سبب التقرب إليه بالقلب والسرّ والروح، فمن قرُب منه بَعُد عن غيره. قال الصادق عليه السلام: (ما خَسر والله قَطْ من أتى بحقيقة السجود، ولوكان في العمر مرة واحدة). إن تكرار ذكر "سبحان ربّي الأعلى وبحمده" تجديد لعظمة الله وعلوّه في كل مرة، أما حركات السجود تذكير للعبد بالموت والبعث. قال تعالىمنها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى) أي أنه من التراب خُلقَ، وإليه يُردّ، ثم يُخرجُ منه مرةُ أخرى.
7ـ التشهد:
قال الصادق عليه السلام: (التشهد ثناء على الله تعالى فكن عبداً له في السرّ خاضعاً له في الفعل)، لذا يجب أن يرافق التشهد شعور بالرهبة والحياء والوجل من الله تعالى. إن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله والمقرونة بالصلاة على النبي وآله تأسيس لمراتب السعادة والفضيلة. قال صلى الله عليه وآلهمنْ صلّى عليّ صلاةً واحدةً صلّى اللهُ عليهِ عشراً).
8ـ التسليم:
وهو قول "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" وأصل السلام مُشترك بين التحية الخاصة وبين الإسم المقدّس من أسماء الله تعالى، ومن قوله تعالىهو الله الذي لا إله إلا هو * الملك القدّوس المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عمّ يشركون). سورة الحشر الآية 23. قال الصادق عليه السلام: (معنى السلام في دبر كل صلاة الأمان) أي من أدّى أمر الله وسنة نبيه (ص) خاضعاً له خاشعاً منه قلبه، فله الأمان من بلاء الدنيا والبراءة من عذاب الآخرة. ومن لا يضع السلام بمواضعه، فلا سلام ولا تسليم، وكان كاذباُ في سلامه وإن أفشاه في الخلق.
(1) أسرار الصلاة، العلاّمة زين الدين بن علي العاملي، الدّار الإسلامية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى 1410هـ ـ 1989م، ص 116 حتى 145
ثالثاً: الأسرارالطبية لحركات الصلاة
يمكن إبراز أسرار حركات الصلاة ودورها في صحة جسم الإنسان ووقايته من أمراض عديدة، إستناداً إلى معلومات ومقالات وأبحاث قام بها مجموعة من الأطباء والباحثين.
* جاء في مقال للدكتور محمد الصباحي وهو أستاذ العلوم العصبية والعلاج الطبيعي بجامعة تكساس بهيوستن:
إن حركات الصلاة الإسلامية خير تمرين لعضلات ومفاصل الظهر والرجلين وخير وقاية من إصابات العمود الفقري، فمجرد عمل حركات الصلاة من ركوع وسجود وإعادة ذلك عدة مرات وكذلك جلوس التشهد فإن الإنسان يشعر بحرية الحركة بعد الصلاة.
ويقول "أثناء الصلاة عليك بمراعاة إسترخاء ظهرك تماماً أثناء الركوع وعدم ثني الركبتين فهذا مدعاة لشد أربطة وألياف وعضلات أسفل الظهر وزيادة مرونتها. وعند السجود عليك بمراعة إسترخاء منكبيك ورقبتك وإلقاء وزن جسمك على الجبهة والأنف مما يؤدي إلى تخفيف أية آلام في منطقة الرقبة وأعلى المنطقة الصدرية".
* ويقول الدكتور مصطفى الحفار، الأخصائي في أمراض الجهاز الهضمي والأستاذ بكلية الطب الفرنسية:
إن الركوع يعمل على تقوية عضلات جدار البطن، ثم أنه يساعد المعدة على تقلصها، ومن ثم على قيامها بوظيفتها الهضمية.. كما يسهل على الأمعاء أن تدفع بالفضلات الهضمية بصورة طبيعية.
إن وضع الجلوس للتشهد؛ والذي يتكرر 9 مرات يومياً على الأقل، من أفضل أنواع التمرينات الوقائية لحالات جلطة أوردة وشرايين الساقين. فأثناء إتخاذ هذا الوضع نلاحظ الإنثناء الكامل لمفصلي الركبيتين مع ضغط ثقل الجسم كله فوق المقعدة التي يضغط بدورها على جميع عضلات الساقين، حيث يتم تفريغ الدم الزائد من أوردة وشرايين الساقين مما يؤدي إلى التخلص من حلات الإحتقان الدموي.
* يقول الدكتورحامد أحمد حامد، إستشاري أمراض باطنية:
إن حركة التكبير هي بمثابة جرعة تنشيط للدورة الدموية في الأطراف العلوية من آن إلى آخر. أما أثناء السجود فإن إنبساط وإنقباض عضلات الساق الأمامية، تعمل على تدليك الأوعية الدموية في الساقين. بالإضافة إلى ذلك، تنشط الدورة الدموية في العنق مع إنخفاض وإرتفاع الرأس أثناء الركوع والسجود الذي يتكرر 6 مرات بكل ركعة.
*ويقول أحمد مرزوق، إخصائي التربية البدنية من جامعات ألمانيا والسويد:
إن ثني الركبتين لآخرهما يفيد من منع تصلب مفصلي الركبتين، أما ثني الجذع ووضع الجبهة على الأرض تعتبر من أهم الحركات في عمل نوع من التدليك الذاتي للمعدة والجهاز الهضمي مما يساعد على عملية الهضم ويمنع الإمساك. إن وضع السجود، مفيد للسيدات، لأنه يبقي الرحم في مكانه الطبيعي ويمنع حدوث إلتواءات أو إعوجاج فيه. (1)
* وقال كل من الدكتور دياب والدكتور قرقوز:
إن للسجود أثراً حسناً على الأوعية الدماغية، وعلى وظائف الدماغ من تفكير وإبداع، فكلما كانت حالة الأوعية الدماغية جيدة كان وارد الدماغ اليها من الغذاء والأكسجين مع الدم جيداً.
* وقال البرفسور العالمي (الكسيس كاريل):
لعل الصلاة هي أعظم طاقة مولده للنشاط عرفت ليومنا هذا، ولقد رأيت بوصفي طبيباً كثيراً من المرضى فشلت العقاقير في علاجهم، فلما رفع الطب يده عجزاً أو تسليماً تدخلت الصلاة فأبرأتهم من عللهم.
(1) الأسرار الطبية لصلاة الليل، مرجع سابق، ص 39 حتى 45 .
*وقال (فيلفرد مراد هوفمان):
إن صلاة المسلم لها أثر إيجابي في صحته، لأنه بإتباعها أوقاتاً محدّدة منتظمة تخفف من حدّة الإجهاد والروتين في العمل، بينما تعجز صلاة يوم الأحد في الكنيسة عن بلوغ مثل هذا الهدف.
*وفي الأبحاث التي أجراها علماء الطّب في كل أنحاء العالم:
أُشير إلى أن للصلاة تأثير مباشر على الجهاز العصبي حيث أنها تزيل توتره وتهدّئ ثورته، وتشفي من إضطراباته، بل وتعتبر أفضل علاج للأرق الناتج عن الإضطراب العصبي. بالإضافة إلى تعميق الإيمان واليقين بالله تعالى في النفس البشرية، ولها دور مؤثر في تناقض جهاز المناعة ضد مواجهة الأمراض. (1)
(1) الآيات العلمية في القرآن الكريم، علي محمد علي دخيل، دار الهادي، الطبعة الأولى 2003م، بيروت ـ لبنان، ص183 حتى 187.
الخاتمة
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، وأصحابه المتقين..
لقد عالج هذا البحث أموراً عديدة حول أفضل العبادات وهي "الصلاة" بما فيها من فضل وآداب وأسرار، وفوائد نفسية وروحية وجسدية، وهي مفتاح قبول الأعمال. وذلك إستناداً إلى بعض الكتب والكتيبات وبرامج الكمبيوتر والمواقع الإلكترونية.
وقد كان في جمع المعلومات حول موضوع البحث شيء من الصعوبة، في محاولة لشمل أكبر عدد من الأفكار في سطور قليلة وبأسلوب مبسّط قدرالإمكان، في وقت يتسع البحث في موضوع الصلاة إلى كتب ومجلّدات.
أسأل الله تعالى أن يعصمني من الذّلل في القول والفعل، ويجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم ولا يحرمني أجره، وأن ينفع به إخواني المؤمنين، ويرزقني مودّتهم ودعائهم.
وأسأله جلّ شأنه لي ولهم خير العاجلة، وثواب الآجلة، إنه أرحم الراحمين، وهو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.
المراجع والمصادر
1ـ القرآن الكريم.
2-الصلاة عمود الدين، دار المحجّة البيضاء، الطبعة الثالثة 1425هـ 2004م.
3ـ منهاج الصالحين (العبادات)، فتاوى السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم، مؤسسة المنار، الطبعة الثانية 1418هـ ـ 1997م.
4ـ في رحاب الله جل جلاله، السيد حسين نجيب محمد، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1429هـ ـ 2008م.
5ـ نزهة الأفكار في روض الأحاديث و الأخبار، الشيخ محمود الصالح.
6- بحار الأنوار، الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، تاليف العلاّمة الشيخ محمد باقر المجلسي " قدس الله سرّه " ، الوفاء، بيروت ـ لبنان ، الجزء 81.
7ـ الأسرار الطبية لصلاة الليل، د. مصطفى سلمان محمد الخلف، دار الصفوة، بيروت ـ لبنان.
8ـ الآيات العلمية في القرآن الكريم، على محمد على دخيل، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1424هـ 2003م.
9ـ من روائع أقوال الإمام الصدر، غسان همداني.
10- أسرار الصلاة، العلاّمة زين الدين بن على العاملي، الدار الإسلامية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى 1410هـ ـ 1989م.