عاشوراء . عيد وثني يحتفل به أهل السنّة.
مصطفى الهادي.
(عاشوراء) يومٌ استقبلهُ البعض فرحا واعتبروه عيدا، واستقبله الآخر بالحزن والنحيب ولبس السواد.
الذين اعتبروه عيدا حجتهم في ذلك بأنهُ اليوم الذي نجّى الله فيه موسى واليهود من بطش فرعون. والذين حزنوا فيه حجتهم في ذلك أنهُ اليوم الذي قتل فيه ابن بنت رسول الله (ص) بطريقة إجرامية مروّعة لازال صداها يُجدد الحزن كل عام.
قال تعالى لموسى : (وذكّرهم بأيام الله).(1) وقول الله تعالى لموسى (وذكرهم بأيام الله) يقصد بذلك بني إسرائيل، وفي حقيقة هذا النص توبيخ من الله لهم، لا كما يذهب البعض من أنه من أهم أيام بني إسرائيل وهو عيدهم الأكبر حيث أنجاهم الله من فرعون. نعم من بعض الجوانب صحيح، ولكن بني إسرائيل افسدوا هذا اليوم بطريقة حلّ فيها غضب الله عليهم ولم يغفر الله لهم إلا بعد أن قتل بعضهم البعض، فأصبح هذا اليوم يوم نقمة عليهم. كما سوف يتبين لنا من توراتهم وما ذكره القرآن مؤيدا.
في مصادر أهل السنة ورد أن أيام عاشوراء هي أيام فرح وسرور وأنهُ من أعياد الله الكبرى التي انعم فيها على بني إسرائيل بالنجاة من فرعون.
عن ابن عباس قال : (قدم النبي المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا ؟ قالوا : هذا يوم صالح، هذا يوم نجّا الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه).(2)
وقال العجلوني : (من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم ترمد عينه).(3) ارتعب بعض علماء السنة من هذا الحديث وقالوا عنه موضوع وانكروه بالكلية لأنهُ لو ثبُتت صحته لترتبت عليه أمور جدا خطيرة، لأن أصل الاكتحال بالعيد هو تيمنا وتأسيا بفعل يزيد وشلّته بدم الحسين (ع) كما سيأتي.(4) ومع رفضهم لهذا الحديث ظاهرا، إلا أننا نرى العديد من فقهاء أهل السنة يكتحلون بيوم عاشوراء وما زالت فتاواهم في مصادرهم الفقهية تأمر بالكحل وطبخ الحبوب ولبس الجديد وإظهار السرور.
أما حديث الاكتحال يوم عاشوراء فيذكر العلامة صاحب جمع التعاليق فقال : أن يزيد وابن زياد اكتحلا بدم الحسين هذا اليوم، وقيل اكتحلا بالإثمد، لتقر عينهما بفعله. فالاكتحال هو مفردة من مفردات العيد الأموي الذي بقى في فقه أهل السنّة ومعهُ صيام يوم عاشوراء مع كل مفردات العيد من لبس الحلي ، والتوسعة على العيال، والشكر على نجاة اليهود. والاكتحال علامة في الجاهلية لمن يأخذ ثأره.
باختصار نقول : روى أهل السنة أن النبي نهى عن تقليد او التشبّه بالكفار اليهود والنصارى ، فكيف يتّبع النبي سننهم ويحتفل بأعيادهم ويصوم اصوامهم. فلماذا لم يأمر النبي مثلا بأن يحتفل المسلمون بنجاته من كفار قريش في أول هجرته، ليلة مبيت الامام علي (ع) في فراشه. بدلا من الاحتفال بنجاة موسى واليهود. أليس الأولى أن نفرح بنجاة نبينا أكثر من نجاة موسى؟ لا يحتفلون بذلك ،لأنهم لو فعلوا ذلك لتبين مدى تضحية الإمام علي (ع) بنفسه من أجل أن يُهاجر النبي سرا. وإذا ثبُت ذلك فهذا يعني أن بقاء الدين حيّا كان بمبيت علي (ع) في فراش النبي (ص).إضافة إلى أن بداية هجرة النبي ستكون من تلك الليلة وليس من دخول النبي المدينة.
فما هي حقيقة عيد يوم عاشوراء وصيامه، من كتب اليهود انفسهم.
ان يوم الاحتفال بنجاة موسى واليهود ليس يوم احتفال وفرح وسرور وصيام واكتحال كما يُشيع أهل السنة في أحاديثهم، بل هو لعنة وعذاب وغضب على بني إسرائيل. هذا اليوم، يومٌ كارثي وقع على رؤوس بني إسرائيل حيثُ قتل منهم في هذا اليوم أكثر من ثلاث آلاف يهودي قتل بعضهم البعض تكفيرا عن ذنبهم في هذا اليوم الذي عبدوا فيه العجل . وذلك أن بني إسرائيل بعد أن أنجاهم الله من فرعون بتلك المعجزات الباهرات، بمجرد ان خرجوا من البحر طلبوا من موسى أن يصنع لهم تماثيل آلهة : (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون).(5)وهذا ما تخبرنا به التوراة بأن بني إسرائيل قبل ان تجف أقدامهم بعد عبورهم البحر ، صنع لهم زمري بن صالوا (السامري).(6) العجل (فصنع عجلا مسبوكا وقال هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من مصر).(7) ويعني أن تمثال العجل هو إلهكم الذي فلق لكم البحر وأنقذكم من فرعون وجنوده. فهل هذا اليوم الذي رجع فيه موسى غضبان أسفا وكسر الواح الشريعة وأخذ برأس أخيه هارون يجره ،ووصف بني إسرائيل فيه بالجهل ، وأن عملهم يتبرأ منه الله تعالى وهو عمل باطل وصف فيه بني إسرائيل بالزوغان والكفر، هذا اليوم هل هو يوم فرح وسرور يا أهل السنّة؟. وهل هو فعلا يوم عيد ؟ إذا أنتم لا تُريدون أن تقرئوا لتعرفوا الحقيقة، تعالوا لنقرأ التوراة نحن بدلا عنكم فنرى من الذي جعل هذا اليوم عيد وما هي المناسبة.
في سفر الخروج ، تصف التوراة بداية خروج بني إسرائيل من البحر الأحمر وماذا صنعوا قبل أن تجف أقدامهم حيث استغلوا غياب موسى فقالوا لهارون : (قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا).(8) وهنا كان زمري بن صالوا ــ السامري ــ مستعدا فقال لهم : (انزعوا أقراط الذهب من نسائكم وبناتكم وأتوني بها. فنزع كل الشعب أقراط الذهب. فأخذ ذلك وصورهُ بالإزميل عجلا مسبوكا. فقالوا : هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر. ثم نادى : غدا عيد للرب، فاصعدوا محرقات وقدموا ذبائح وجلس الشعب للأكل والشرب واللعب. فقال الرب لموسى : قد فسد شعبك زاغوا سريعا عن الطريق. صنعوا لهم عجلا، وسجدوا له وذبحوا فحمى غضب موسى وطرح اللوحين وكسرهما ثم أخذ العجل وأحرقه بالنار، وطحنهُ وذراهُ في البحر).(9)
إذن يتبين من خلال كتب أهل الشأن ــ التوراة ــ بأن الاحتفال بيوم عاشوراء لا كما يزعم أهل السنّة بنجات اليهود من فرعون، بل عبادة عجل رقصوا له وفرحوا واكلوا وشربوا واكتحلوا ،وكان يوم فساد وزوغان اليهود وكفرهم. فلم نجد في النص أي نوع من أنواع الصيام. فمن أين أتيتم يا أهل السنة بهذا الصيام؟ . وقد اتفق القرآن والتوراة على أن ما حصل كان فتنة (فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري(.(10) وهذا ما يقوله نص الكتاب المقدس : (زمري وفتنته التي فتنها(.(11) :
وماذا بعد؟
أراد الله تعالى أن يهلك بني إسرائيل كلهم لأنهُ حمى غضبه عليهم. فقال الله تعالى لموسى : (فالآن اتركني ليحمي غضبي عليهم وأفنيهم).(12) ولكن موسى طلب من الله تعالى أن لا يفنيهم بل يُعاقبهم أي عقوبة أخرى. فأمر الله تعالى اليهود أن يضرب بعضهم بعضا بالسيوف فيموت كل من عبد العجل ويبقى من لم يعبد العجل ، فجمع موسى اليهود وقال لهم : (أنتم قد أخطأتم خطية عظيمة. هكذا قال الرب : ضعوا كل واحد سيفه على فخذه، وارجعوا من باب إلى باب واقتلوا كل واحد أخاه وابنه وصاحبه وقريبه. فوقع من الشعب في ذلك اليوم ثلاث آلاف رجل).(13) وهذا ما جسّدهُ القرآن حرفيا فقال : (يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم).(14)
لماذا لا يزال أهل السنة يفرحون بهذا اليوم ؟ نعود إلى السامري وعجله.
منذ حادثة السامري الأولى واليهود لازالوا يتعلقون بالبقرة أو العجل الأحمر (واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم). وفرحهم هذا ليس بالعجل بل بمن سيظهر مع العجل (السامري) الدجال الذي أرجأه الله تعالى.
وردت قصة البقرة الحمراء في كلا المشناه، المكون الشفوي للتوراة. والتوراة المكتوبة، والعجل هو رمز دولتهم الكبرى التي سيقوم بتأسيسها السامري أو الدجال الذي أرجأهُ الله تعالى فلم يُعاقبه في الدنيا وأبقاه حيا لأن لهُ يوما سوف ينال جزائه فيه هو وأتباعه وهو الفتنة الكبرى التي ستفتتن بها الأمم ولهذا أرجأه الله تعالى. القرآن يقول : (فما خطبك يا سامري ... اذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وأن لك موعدا لن تخلفهُ).(15) التوراة من جانبها حاولت إبهام مصير السامري حفاظا عليه ، وهم يعدون العدة لاستقباله، ولذلك تقوم بالتمويه والخداع لإخفائه عن العيون. فمما تذكره التوراة اليوم أن خبر السامري أو (زمري) مذكور في سفر الملوك فيقول (زمري وفتنته التي فتنها، أما هي مكتوبة في سفر أخبار الأيام لملوك إسرائيل؟).(16) ولكن بالرجوع إلى سفر الملوك الأول والثاني وكل التوراة لم نجد لهذا النص أي أثر، لقد اختفى النص بكامله تسترا على هذه الشخصية الخطيرة التي ينتظرون ظهورها.
ومن أجل إخفاء شخصية السامري الدجال أكثر ، تذكر التوراة قصص مختلفة لمصيره فتقول أنهم قتلوه بعد أن ضبطوه مع امرأة مديانية في وضع مشين : (وكان اسم الرجل الإسرائيلي الذي قُتل مع المديانية، زمري بن سالو).(17) ولكن في نص آخر يقول أنهُ انتحر بإحراق نفسه: (زمري دخل إلى قصر بيت الملك وأحرق على نفسه بالنار، فمات).(18) هذا التستر من قبل اليهود نابع من اعتقادهم بان زمري صانع العجول سوف يظهر مع بقرته الحمراء ليُعيد مجد إسرائيل وهو المسيّا العسكري او المسيح الدجال المخرّب في عرف المسيحية ،او الدجال كما يطلق عليه المسلمون.(19) وهذا ما يقوله كبار حاخامات اليهود مثل موسى بن ميمون الذي يقول في ملخصه عن القانون اليهودي ، مشناه توراه قوانين العجل الأحمر ، 3: 4 : (أن البقرة الحمراء القادمة سيحضرها المسيح).(20)
أن زمن موسى كان زمن السحر بلا منازع، ولذلك فإن السامري أو الدجال أحد أهم أسلحته هو السحر ولربما يكون سحرا ماديا أو علميا أو أثيريا. وبعيدا عن روايات أهل السنة فأن الدجال في رواياتنا يهودي يقوم بحركة مضادة للإمام المهدي (عليه السلام) بعد ظهوره وإقامته للدولة العالمية ونزول عيسى (عليه السلام) واتباع الدجال اليهود والنواصب. ويظهر من خلال الروايات انه يستفيد من تطور العلوم والرخاء الذي يحققه الامام(عج) فيستعمل الدجل والشعوذة والسحر ويدعي الربوبية.ويفرح به أتباعه من السنة والنواصب وينضوون تحت لوائه.
المصادر:
1- سورة إبراهيم : 5.وذكّرهم بأيام الله. في قواميس اللغة : أيام الله هي إيام العذاب وأيام النعم. فنجاة نبي الله إبراهيم (ع) من النار من أيام الله . وهلاك قوم لوط بالنار وقوم نوح بالطوفان أيضا من أيام الله المشهودة. ومن هنا قال تعالى : (وتلك الأيام نداولها بين الناس).لأنها تارة هلاك، وأخرى نِعم.
2- صحيح البخاري كتاب الصوم باب صيام يوم عاشوراء. حديث رقم : 1900.طبعا الرواية كاذبة من أساسها، لأن ابن عباس يوم دخول النبي المدينة مهاجرا كان عمره سنتان فقط.
3- كشف الخفاء العجلوني ج2 ص: 243. رقم الحديث: 2410.
4- انظر كتاب الامام ا لكاظم سيد بغداد للشيخ الكوراني ج1 ص : 22.
5- الأعراف : 138.
6- السامري هو (زمري) فيقول في قاموس الكتاب المقدس دائرة المعارف الكتابية المسيحية شرح كلمة زِمْرِي ابن سالو فيقول: (زمري اسم عبري هو ابن سالو ، رئيس في سبط شمعون يطلق عليه المسلمون السامري).
7- سفر الخروج 32 :4.
8- سفر الخروج 32 : 1.
9- سفر الخروج 32 : 19.
10- سورة طه: 85.
11- سفر الملوك الأول 16 : 20.
12- سفر الخروج 3 : 10.
13- سفر الخروج : 32.
14- سورة البقرة آية : 54.
15- سورة طه : 95 ــ 97.
16- سفر: الأول 16: 20.
17- سفر العدد 25 : 14.
18- سفر الملوك الأول 16 : 20.
19- والدجال كما كان من ألد أعداء موسى وأخيه هارون ، سيكون من ألد أعداء المهدي (عج). واتباع الدجال هم أعداء اهل البيت فعن حذيفة بن أسيد قال :رأيت أبا ذر (رضي الله عنه ) متعلقا بحلقة باب الكعبة فسمعته يقول :أنا جندب لمن عرفني ومن لم يعرفني فانا ابو ذر سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: من قاتلني في الأولى وقاتل اهل بيتي في الثانية فهو من شيعة الدجال).() الامالي للطوسي ص 459 .
20- الهيكل المزعوم وبقرة المسيح الدجال، من تكساس إلى إسرائيل. صحيفة جيروزاليم بوست ، عدد : 25.9.2022.