من فضل السجود....
السجود في القرآن الكريم : هذا وقد ورد في القرآن الكريم ما يشير إلى ضربين من السجود وهما :
- سجود اختيار : وهو خاص بالانسان وبه يستحق الثواب نحو قوله تعالى : ( فاسجدوا لله واعبدوا ) أي تذللوا له
سجود تسخير : وهو للانسان والحيوان والنبات والجماد وعلى ذلك قوله تعالى : ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها )
وقوله تعالى : ( والنجم والشجر يسجدان ) ولم يرد الباري عز وجل أن المذكور في هذه الآية الشريفة يسجد سجود البشر في صلاته ، وإنما أراد تعالى أن تلك الأشياء غير ممتنعة من فعله تعالى فهي كالمطيع له سبحانه ، وهذا ما عبر عنه بالساجد
. وقد ورد في القرآن الكريم ما يؤيد كلا النوعين بآيات كثيرة ، ومن الآيات ما اشتمل على كلا النوعين من السجود ( التسخير والاختيار )
، كقوله تعالى : ( ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون )
. ثانيا : العبادة في السجود : لا شك أن السجود في ذاته عبادة إذ إنه يمثل غاية الخضوع ، بل هو أبلغ صور التذلل لله سبحانه وتعالى ، لأنه يربط بين الصورة الحسية والدلالة المعنوية للعبادة في ذلة العبد ، وعظمة الرب ، وافتقار العبد لخالقه . ولا يكون الانسان عبدا لله تعالى إلا بهذا التذلل وبهذه العبودية . ومن هنا يظهر سر اختصاص السجود بالقرب من الله تعالى ،
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد.
كما ان كثرة السجود تحت الذنوب : إن كثرة السجود تدلل على استمرار تذلل العبد لربه العظيم وطلب المغفرة وتطهيره من الذنوب لما في السجود من تجسيد حقيقة العبودية بعد نفي التكبر والتمرد والعصيان . جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله ، كثرت ذنوبي وضعف عملي ، فقال له صلى الله عليه وآله وسلم : أكثر من السجود ، فإنه يحت الذنوب كما تحت الريح ورق الشجر
.
_طول السجود وكثرته طريق إلى الجنة :
جاء في الحديث التأكيد على ضرورة إطالة السجود لمن أراد أن تكون له الجنة هي المأوى .
فقد روى ثقة الاسلام الكليني رضي الله عنه بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : مر بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل وهو يعالج بعض حجراته فقال : يا رسول الله ألا أكفيك ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : شأنك ، فلما فرغ قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : حاجتك ؟ قال : الجنة ، فأطرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال : نعم ، فلما ولى قال له : يا عبد الله أعنا بطول السجود
وفي خبر آخر ، أن قوما أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا : يا رسول الله ، اضمن لنا على ربك الجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : على أن تعينوني بطول السجود
وعن ربيعة بن كعب أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله بأن يدعو له بالجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أعني بكثرة السجود
طول السجود طريق للحشر مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
ومن الفوائد المترتبة على طول السجود ، توفيق الله تعالى لان يحشر حليف السجدة الطويلة مع النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام ، وذلك هو الفوز العظيم .
أورد الديلمي عن الامام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : علمني عملا يحبني الله ، ويحبني المخلوقون ، ويثري الله مالي ، ويصح بدني ، ويطيل عمري ، ويحشرني معك . قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : هذه ست خصال تحتاج إلى ست خصال ، إذا أردت أن يحبك الله فخفه واتقه ، وإذا أردت أن يحبك المخلوقون فأحسن إليهم وارفض ما في أيديهم ، وإذا أردت أن يثري الله مالك فزكه ، وإذا أردت أن يصح الله بدنك فأكثر من الصدقة ، وإذا أردت أن يطيل الله عمرك فصل ذوي أرحامك ، وإذا أردت أن يحشرك الله معي فأطل السجود بين يدي الله الواحد القهار
السجود يحقق الشفاعة في الآخرة :
المستفاد من النصوص الواردة في السجود ، أن لطوله وكثرته سهما في نيل الشفاعة والوصول إلى الرضوان الإلهي وهو الجنة بدرجاتها والتخلص من النار وآثارها ، ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وآله للرجل - كما في الحديث المتقدم : : أعني بكثرة السجود فإنه يعني أن الشفاعة تحتاج إلى مقدمات أهمها الاستعانة بالصلاة وتفهم أجزائها والتعايش مع أبعادها التربوية
قال تعالى : ( استعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين )
وهذه الاستعانة تكون لأمور شتى ، منها الوصول إلى الشفاعة ، ومن أهم أجزاء الصلاة التي يستعان بها هو السجود ، فمن صلى وأطال سجوده فقد توصل إلى الشفاعة بالصلاة والسجود
السجود من سنن الأوابين :
إن الأوابين هم أولئك الذين صفت نفوسهم وارتفعت إلى مدارج الكمال بحيث سمت نفوسهم التقية فوق مستوى المادة ، فهم على صلة مع الله عز وجل في كل حين كما هو واضح من معنى الأواب أي الكثير الرجوع إلى الله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة . لذا كان من الطبيعي جدا أن يكون سجودهم له طعمه الخاص ولونه الخاص في صفته وطوله ومن هنا جاء في حديث الإمام الصادق عليه السلام ما يؤكد على أن طول السجود من سنن الأوابين . فقد جاء في وصيته لأبي بصير قوله عليه السلام :
يا أبا محمد عليك بطول السجود ، فإن ذلك من سنن الأوابين
مواضع السجود لا تأكلها النار :
ومن فضل السجود عند الله عز وجل أنه يثيب عليه حتى من غلبت سيئاته حسناته فدخل النار ، وذلك بتكريم مواضع السجود لله في حياته فلا تأكلها النار ، وقد ورد في الحديث ما يؤيد ذلك ، ففي المروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
قال : . . . إن النار تأكل كل شئ من ابن آدم إلا موضع السجود فيصب عليهم من ماء الجنة فينبتون كما نبت الحبة في حميل السيل
وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في وصف أهوال يوم القيامة : . . . حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله الملائكة ان يخرجوا من كان يعبد الله فيخرجونهم ، ويعرفونهم بآثار السجود ، وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود ، فيخرجون من النار ، فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود
شهادة الأرض للساجد عليها يوم القيامة :
ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام استحباب تغيير مكان الصلاة باستمرار وخصوصا في الأماكن المقدسة ، وذلك لان الأرض تشهد للمصلي عند الله تبارك وتعالى ، ولا سيما البقعة التي يضع عليها جبهته سجودا لله جل وعلا ، عن أبي ذر الغفاري رحمه الله في حديث وصية النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : يا أبا ذر ، ما من رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له بها يوم القيامة . . يا أبا ذر ما من صباح ولا رواح إلا وبقاع الأرض ينادي بعضها بعضا : يا جارة ، هل مر بك اليوم ذاكر لله عز وجل ، أو عبد وضع جبهته عليك ساجدا لله تعالى ؟ فمن قائلة لا ، ومن قائلة نعم ، فإذا قالت نعم ، اهتزت وانشرحت وترى أن لها فضلا على جارتها
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : صلوا في المساجد في بقاع مختلفة فإن كل بقعة تشهد للمصلي عليها يوم القيامة
استجابة الدعاء في السجود
: يعتبر السجود من أهم مواضع استجابة الدعاء ، لذا قال تعالى
: ( فاسجد واقترب )
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء فالنبي صلى الله عليه وآله يؤكد هنا على أن العبد أقرب ما يكون من رحمة ربه وفضله العميم في حال سجوده لذا جاء الحث على الدعاء في السجود . روى جميل بن دراج ،
عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال : أقرب ما يكون العبد من ربه إذا دعا ربه وهو ساجد ، فأي شئ تقول ؟ قلت : علمني - جعلت فداك - ما أقول ؟ قال عليه السلام :
قل ، يا رب الأرباب ، ويا ملك الملوك ، ويا سيد السادات ، ويا جبار الجبابرة ، ويا إله الآلهة ، صل على محمد وآل محمد وافعل بي كذا وكذا
- يعني أذكر حاجتك - ثم قل : فإني عبدك ، ناصيتي في قبضتك ، ثم ادع بما شئت واسأله فإنه جواد لا يتعاظمه شئ
فالساجد إذن ما دام في موضع القرب والزلفى يمكنه أن يطلب من ذخائر الرحمة وأبواب المغفرة ما يشاء .
عن عبد الله بن هلال قال : شكوت إلى أبي عبد الله عليه السلام تفرق أموالنا وما دخل علينا ، فقال عليه السلام : عليك بالدعاء وأنت ساجد ، فإن أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد . قال : قلت : فأدعو في الفريضة ، واسمي حاجتي ؟ فقال عليه السلام : نعم ، قد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدعا على قوم بأسمائهم وأسماء آبائهم ، وفعله علي عليه السلام بعده وعن عبد الرحمن بن سيابة قال : قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام : أدعو وأنا ساجد ؟ فقال عليه السلام : نعم ، فادع للدنيا والآخرة ، فإنه رب الدنيا والآخرة وعن زياد القندي قال : كتبت إلى أبي الحسن الأول عليه السلام : علمني دعاء ، فإني قد بليت بشئ - وكان قد حبس ببغداد حيث أتهم بأموالهم - فكتب إليه عليه السلام : إذا صليت فأطل السجود
ثم قل : ( يا أحد من لا أحد له ) حتى ينقطع النفس ، ثم قل : ( يا من لا يزيده كثرة الدعاء إلا جودا وكرما ) حتى تنقطع نفسك ، ثم قل ( يا رب الأرباب أنت أنت أنت الذي انقطع الرجاء إلا منك ، يا علي يا عظيم ) قال زياد : فدعوت به ففرج الله عني وخلي سبيلي
وروى زيد الشحام عن الإمام الباقر عليه السلام قال : ادع في طلب الرزق في المكتوبة وأنت ساجد : يا خير المسؤولين ، ويا خير المعطين ، ارزقني وارزق عيالي من فضلك ، فإنك ذو الفضل العظيم
نعم إن استجابة الدعاء تستلزم توفر شروطها ، وأبرز هذه الشروط الصدق في الدعاء ، وهو يستدعي إظهار حالة الفقر الحقيقي إلى الله الغني القادر على قضاء حاجته ، ثم العزم على التقيد بما تفرضه عبوديته لله الخالق العظيم وعدم مخالفته في شئ صغيرا كان أو كبيرا .
واب السجود المقترن بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآله عليهم السلام :
عن عبد الله بن سليمان قال : سألت أبا عبد الله الصادق عليه السلام عن الرجل يذكر النبي صلى الله عليه وآله وهو في الصلاة المكتوبة ، إما راكعا وإما ساجدا فيصلي عليه وهو على تلك الحال ؟ فقال عليه السلام : نعم إن الصلاة على نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم كهيئة التكبير والتسبيح ، وهي عشر حسنات يبتدرها ثمانية عشر ملكا أيهم يبلغها إياه
. وقال أبو حمزة الثمالي : قال الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام : من قال في ركوعه وسجوده وقيامه صلى الله على محمد وآل محمد )
كتب الله له بمثل الركوع والسجود والقيام