هذه مقاله للامام المصلح الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء
يصف فيها الصالح والاصلح للعراق
وكأنه يعيش معنا هذه الايام
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد
ما هو الصالح أو الأصلح للعراق
سئلني غير واحد غير مرة – هذا السؤال وكنت اتجافى عن الجواب بكل انواعه – لان الكلام قولاً وكتباً اصبح لا قيمة له والنصح لا فائدة فيه، وإذا لم يكن للسامعين قبول فأن كلام الناصحين فضول.
كيف لا – وان الداء عياء والمرض مزمن، والعلة قديمة وقد كلّت الأقلام، وسفهت الأحلام، وملّت المهارق، وتلاشت الحقائق، وبّحت الأصوات، وتفطرت مرائر المخلصين، والشعب سادر في غلوائه متماد في جهله لا ينهض من هوّة الا ويقع في اخرى، ولا يقوم من كبوة إلاّ ويسقط في أدهى، نكبة على نكبة ومحنة فوق محنه، ومما يثير الغصة في هذه القصة، ويهيج موجعات الأسف – ان من شأن النكبات ان تكون عبراً ودروساً وتفيد علماً وخبُره الاّ نكبات العراق على أهله فانها تزيدهم غباوة وجهلاً، وتقتل مواهبهم قتلاً – نعم بلية الشعب انه (ينسى) وكل حادثة تمرّ عليه فكأنّها الاولى من نوعها لم يسبق لها نظير، ولم يكن لها شأن خطير، فيؤخذون منها على غرة، وتتدافع بهم الغمرات غمرة بعد غمرة، ولا تزال المشكلات التي يقعون فيها – محناً تدع الحليم سفيهاً والعاقل حيراناً فينجرف في تيارهم ويخوض معهم في أمواج المهالك على علم منه بجهلهم فيكون مثله واياّهم نحو ما يحكى ان ملكاً سار بجنده إلى بلاد نائية ومعه حكيمٌ ماهرٌ عارفٌ بما في الأراضي والنباتات من خواص وعناصر وكان يختبر كل ارض ينزلونها بامتحان مائها ونباتها وتحليل عناصر هذا وذاك – فنزلوا ذات يوم في ارض معشبة فقال الحكيم للملك بعد امتحان تلك البقول ان من خاصة هذه تأثير الطيش وخفة العقل فنادى مناديه في منع من معه من استعمال شيء منها منعاً باتاً، ولما كان من جبلة الإنسان الحرص على ما منع منه – شنشنة سرت الينا من ابينا الأول حيث أكل من الشجرة بعد المنع الشديد عنها، لذلك تهافت الجيش على خضم تلك البقول تهافت القطيع بعد السغب على المرعى الخصيب فطاشتْ عقولهم وسفهت احلامهم، ولم يبق على صحة من عقله سوى الملك والحكيم فحصل التنافر والبون البعيد بينهما وبين الجيش حتى لم يعد في الامكان ان يتعاشر الفريقان، فطلب الملك من حكيمه معالجة القضية وحلّ المشكلة فقال الرأي ان نستعمل نحن ايضاً قليلاً من هذا النبات بمقدار ما نقرب من افقهم ونتشاكل معهم ونحتفظ ببقية من الشعور نستطيع بها ان نسايرهم ونسيّرهم حتى نخرجهم من هذه الارض الموبوئة الى ساحل السلامة نعم اذا تسممتْ افكار العامة فقد تضطر الخاصة الى مجاراتهم ريثما تهدأ الفورة، وتنجلي الغبرة.
وهل القائد السائد إلاّ من يداري ويجاري، ويمري ولا يمارى الذي يداريهم ليداويهم، ويريد برءهم فيباريهم.
يسئلونني عن العراق الصالح أو الاصلح له وقدبرح الخفاء وانكشف الغطاء وانصاحت الارض واصحتْ السماء، تحلّبٌ ايها السائل ضروع التاريخ واخلاف الحقب الماضية والقرون الخالية، واضرب الغابر مثلاً للحاضر واقتبس من تلك الجذوات نوراً.
بلغت الامة العربية عصر الجاهلية من تفسخ الاخلاق وضيق الخُناق والانغماس في كل انواع الرذيلة الى حد يفوت الوصف وتتقاصر عن استشرافه اعناق البيان مهما كان ثم في غمرات تلك الظلمات بعث الله(جل جلاله) محمداً صلى الله عليه وآله رحمة للعالمين عامة وتاج عز وكرامة للعرب خاصة.
فـأبدلهم بالذل عزاً وبالضيق سعة، وبالمهانة كرامه (وبأجمل بيان) انه سلام الله عليه – اخرجهم من الظلمات الى النور وكوّن من شتاتهم المتضارب بعضه ببعض – وحدةً ضرب بها العالم الفاسد فاصلحه، والامم المعوّجة فاقامها حتى سيطرتْ تلك الامة الهزيلة على اضخم الدول يوم ذاك.
وتملكت –عروش كسرى وكنوز قيصر.
وما مضى إلاّ اقل من قرن حتى وقفوا على سواحل المحيط وجمعوا بين قرني الشمس شرقها وغربها.
أتدري ايها السائل لو انصرفنا عن العلل الخفيه والمصادر الروحية وطلبنا العلل والاسباب من غيرها لهذا الامر الجلل والحادث الغريب، لم نجد له سبباً إلاّ ان تلك الامة لما آمنت بمبعوثها وباعث حياتها الجديدة اذعنت وسلمت اليه قيادها وما انفكت تسير على ضوء تعاليمه فنفخ فيها روح الاقدام والعزيمة حتى بلغت الاوج المنيع.
ثم دارت الادوار وتنكرت الاطوار، فانحلت تلك الطلاسم ووهتْ تلك العزائم، وتعثرتْ القاده وتبعثرتْ القياده حتى تقهقرت تلك الامة وعادت الى شبه حالتها الاولى قبل الاسلام.
الشعب الجاهل ايها السائل من خواصه وضرايبه انه في الغالب يصدّق سمعه ويكذّب بصره، ينخدع بالاباطيل والاقاويل ويدع ما رآه بعينه وعلمه بوجدانه.
وماندري ماذا خبأت لنا الاقدار في حقائبها من خير او شر ونحن اليوم في مهب زوابع واعصارات لا ندري ما سيكون مصيرها.فاردنا ان نفهمك وغيرك صورة من صور الواقع ونروّحك بنفحة من نفحات الحق حتى ان تكون بذرة فتجد تربة طيبة تثمر ثمارا جنياً ينفع الامة عند حاجتها اليه وتكون كتمهيد للطوارئ واستعداد لمفاجئة الحوادث المرتقبة.وقانا الله شرها، وعسى ان لا تكرر على رأس الشعب العراقي مواس تلك المأسي بعد الذي جرى عليه غير مرة من تنازع البقاءعلى الكراسي .
ولا حول ولا قوة إلاّ بالله وحسبنا الله لا اله الا هو عليه توكلنا واليه انبنا واليه المصير.
رحم الله من يذكره بالفاتحه