أبلغني أحد الإخوة الكرام عن مَوْرِدَيْن في صحيح البخاري وطَلَبَ مني نشرهما، وقال هذا الأخ الباحث أنه اطَّلع على أكثر من طبعةٍ فوجد الخطأ متكرِّراً في جميع الطبعات، فراجعتُ المَوْرِدَيْن للتأكد بنفسي فوجدتُ الأمر كما قاله هذا الأخ العزيز، وقد راجعتُ الطبعات التالية :
1- طبعة بولاق، وهي التي تُعرَف بالسلطانية، والأميرية، وهي الطبعة صدرت مصوَّرة عن دار المنهاج ودار طوق النجاة باعتناء محمد زهير بن ناصر الناصر.
2- طبعة المكتبة السلفية، القاهرة، الطبعة الأولى 1400هـ.
3- طبعة الرسالة العالمية، أشرف على تحقيقه شعيب الأرنؤوط وعادل مرشد، الطبعة الأولى 1432هـ - 2011م.
المورد الأول : قال البخاري في صحيحه (كتاب الجنائز) :
"باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يُعَذَّبُ المَيِّتُ ببكاء أهله عليه إذا كان النَّوحُ مِنْ سُنَّتِهِ لقولِ الله تعالى : قُوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقال النبي صلى الله عليه وسلم : كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رَعِيَّتِهِ فإذا لم يكن مِنْ سُنَّتِهِ فهو كما قالت عائشة رضي الله عنها : لا تزر وازرةٌ وزر أخرى وهو كقولِه : وإنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ ذُنُوباً إلى حملها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شيءٌ وما يُرَخَّصُ مِنَ البُكَاءِ في غَيْرِ نَوْحٍ...".
وقد وقع الخطأ في الآية 18 من سورة فاطر.
ففي القرآن جاءت الآية هكذا : (وإن تَدعُ مُثقلةٌ إلى حَملها لا يُحمل منه شيء).
وجاءت في صحيح البخاري هكذا : (وإن تَدعُ مُثقلةٌ ذُنُوباً إلى حَملها لا يُحمل منه شيء).
نعم، وردَ في هامش الطبعة السلطانية (ج2 ص79) هذا القول : "ذُنُوباً قال القسطلاني ليست ذنوباً من التلاوة وإنما هو في تفسير مجاهد فنقله المصنف منه اهـ".
وهو تبريرٌ غير مقبول ، لأن البخاري صَدَّر ذِكْرَهُ للآية بقوله (وهو كقوله) أي وهو كقول الله تعالى، ثم ذكر الآية، وليس فيها ما يدلُّ على أنه كان ناقلاً من تفسير مجاهد.
ولنا أن نسأل : هل تُنقلُ الآية من القرآن الكريم أمْ من تفسير مجاهد؟
المورد الثاني : أخرج البخاري في صحيحه (كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، ح7362) :
حدَّثني محمد بن بشَّار، حدَّثنا عثمان بن عُمَر، أخبرنا عليُّ بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سَلَمَة، عن أبي هريرة، قال: كان أهلُ الكتاب يَقرَؤون التَّوراةَ بالعِبْرانيَّةِ، ويُفَسِّرونَها بالعربيَّةِ لأهلِ الإسلامِ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُصَدِّقُوا أهلَ الكتاب، ولا تُكَذِّبُوهم، وقولوا: آمَنّا بالله وما أُنزِلَ إلينا وما أُنزِلَ إليكم" الآية.
إذاً فالمقصود بما نُسِبَ إلى النبي صلى الله عليه وآله آيةٌ قرآنيةٌ، ولذلك قيل في آخرها (الآية).
ولا توجد آية بهذا اللفظ في القرآن الكريم.
وقد قال المحققون لطبعة الرسالة العالمية التي أشرف على تحقيقها شعيب الأرنؤوط (ج5 ص227-228) :
"قوله: الآية، لعله يريد الآية التي في سورة البقرة وهي قوله تعالى: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل...) الآية (136) وليست فيها لفظة "إليكم" وإنما وردت هذه اللفظة في آية العنكبوت: (وقولوا آمنا بالذي أُنزِلَ إلينا وأُنزِلَ إليكم ...) الآية (46)، فوقع اللَّبْس بين الآيتين، ولعلَّ هذا خطأ من النساخ".
وهذا رابط لمراجعة الرواية، وهي على هذا الرابط برقم (7449).
أقول في الختام : لم نقصد التشنيع على غيرنا بما ذكرناه ، ولكن سنسأل من يخالفوننا سؤالاً واحداً : ما هو موقفكم لو وقع هذا الذي نقلناه في كتب الشيعة كالكافي مثلاً؟؟؟