|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 10779
|
الإنتساب : Oct 2007
|
المشاركات : 649
|
بمعدل : 0.10 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتدى الجهاد الكفائي
الفيدرالـــــــــــــيه هل هي مؤامره ,أم تقسيم ومن المستفيد
بتاريخ : 24-08-2008 الساعة : 05:54 PM
يتغنى بعض ساسة العراق وأتباعهم بالفدرالية، ويدافعون عنها في كل حين وكأنها النظام السياسي الأمثل، بل البلسم الكفيل بحل كافة مشاكل العراق السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وعندما يتحمس فرد أو مجموعة لمبدأ ما يتوقع الآخرون منه تقديم الحجج والأدلة المقنعة على صحة اعتقاده، وترتبط شدة الحماس طردياً بقوة الاعتقاد، ولكننا لا نجد لدى المدافعين عن فدرالية العراق سوى دليل واحد واه وغير مقنع، ويتلخص في أن النظم السياسية المركزية التي تعاقبت على حكم العراق حتى الاحتلال الأمريكي تعسفت في تعاملها مع سكان المناطق، لأسباب إثنية أو طائفية أو سياسية، مما أدى إلى تعرضهم للإضطهاد والحرمان من الحقوق والمنافع، وهذا منطق أفلج، ويخلط ما بين مفهومين وممارستين إذ يساوي بين الدكتاتورية والمركزية من ناحية والديمقراطية أوالعدالة والفدرالية، فلا المركزية (أي نقيض الفدرالية) تؤدي بالضرورة إلى الدكتاتورية ولا الفدرالية ضمان كاف لتحقيق العدالة.
تقسيم العراق هاجس حاضر مقيم في أذهان العراقيين، أو معظمهم على الأقل، ومنذ قرار الكونجرس الأمريكي الداعي إلى تقسيم العراق إلى أقاليم شبه مستقلة ضمن نظام فدرالي مهلهل كثر الجدل حول الموضوع، فقد رأى فيه البعض مثل المجلس الأعلى الإسلامي العراقي وحلفائه الأكراد تطابقاً مع الفدرالية التي حرصوا على تضمينها الدستور العراقي، فيما رفضه آخرون لأنه يمهد تحت غلالة الفدرالية لتقسيم فعلي للعراق، وتخوف منه بعض العرب لما سيجره من نتائج سلبية على أوضاع المنطقة، ويبدوا بأن مناصري الفدرالية أو التقسيم هم الأقوى بفضل دعم الإحتلال الأمريكي ومطامع القادة الأكراد وبعض قادة الشيعة.
التقسيم حلم الحزبين الكرديين الذين يريدان استقلالاً فعلياً وعملياً ضمن كيان فدرالي ضعيف، بانتظار توفر الظروف العالمية والاقليمية المؤاتية للاستقلال الكامل لكردستان العراق، وفي الواقع فإن حكومة إقليم كردستان طبقت هذا النوع من الفدرالية قبل المصادقة عليه في الدستور، ولم يبق للحكومة المركزية من سيطرة على إقليم كردستان إلا بالاسم، فهل يجرأ أحد على الاعتراض على جيش أو مليشيا البشمركة أو يوقف عقود حكومة الإقليم مع شركات النفط أو يسائلها حول علاقاتها الخارجية أو ينهاها عما تثيره بدعمها للجماعات الكردية الأجنبية من توترات خطيرة مع الجارتين الإيرانية والتركية؟ وهذا النوع من الاستقلال هو بالضبط ما يسعى لبلوغه المجلس الأعلى الشيعي في وسط وجنوب العراق، ولا يزال المجلس يروج لهذا المشروع باعتباره الضمانة الوحيدة لمنع القتل الجماعي للشيعة على أيدي الجماعات الإرهابية، وإذا كانت قيادة المجلس حكر موروث على عائلة آل الحكيم، وهم عاكفون على التمهيد لانتقال رئاسته من السيد عبد العزيز لنجله عمار نستطيع الاستنتاج بأن هذا الإقليم سيكون إمارة خاصة بهم.
يريد أنصار الفدرالية في العراق النكوص بالتاريخ إلى الوراء، بل هم يدعون لشطب قرن كامل من تاريخ العراق الحديث، والذي تميز بجهود حثيثة للنظم السياسية الحاكمة في العراق للمحافظة على وحدة التراب العراقي وتغليب الهوية العراقية الوطنية ومحاربة النزعات الإنفصالية لإثنيات وطوائف دينية وقمع التمردات العشائرية التي هددت تماسك الكيان العراقي، ولعل أنجحها في بلوغ هذا الهدف النظام الملكي، الذي استعمل مزيجاً متوازناً من الأساليب السياسية والعنف إن تطلب الأمر لإفشال الحركات الإنفصالية وقمع التمردات العشائرية، وتبددت كل إنجازات العهد الملكي التوحيدية نتيجة التعسف المركزي الذي مارسه النظام البعثي الطاغوتي، مما أدى إلى إضعاف المشاعر الوطنية وتقوية النزعات الإنفصالية لدى مكونات رئيسة في المجتمع العراقي، وقد أوصلت جرائم وحماقات النظام البعثي البائد الكيان العراقي إلى حافة الهاوية، ومن المفارقات المفجعة أن يعمل معارضو النظام السابق في الحكومة الحالية لإكمال ما بدأه البعثيون بدفع العراق في هاوية التقسيم، وفي زمن نشوء الكيانات السياسية والاقتصادية المتجاوزة أو العابرة للحواجز الحدودية واللغوية والثقافية والقومية فإن التحول من النظام المركزي إلى الفدرالية إرضاءً لطموحات متسلطين هو منتهى التفريط بالمصالح الوطنية.
ما الفدرالية التي يدعون لها في العراق سوى تفخيم للإقطاعية العشائرية المقنعة بواجهات عرقية وطائفية متخلفة، وهي أشبه ما تكون باليهودية العنصرية التي أنتجت المسخ الصهيوني في فلسطين المحتلة، ولو أدرك العراقيون الأغراض الحقيقية للقادة الإثنيين والطائفيين من وراء نصرتهم للفدرالية لصوتوا برفض الدستور العراقي، فمن غير المعقول أن تصوت أكثرية العراقيين بقبول اقتسام، أو بالأحرى تقسيم، أرضهم، فأرض العراق كلها ملك للعراقيين كلهم، وللعربي الجنوبي حق باستيطان كركوك وأربيل والسليمانية والاستفادة من خيراتها كما يحق للكردي أو الكلداني السكن والتملك في البصرة أو العمارة أو كربلاء والانتفاع من ثرواتها، وعندما تستند القيادات الكردية في ادعائها بملكية كردستان على أساس حق متوارث وواقع استيطاني يؤكدون مبدأ انفراد الأكراد بملكية الأرض التي يقطنوها من العراق، وبأنها كانت وستبقى حكراً متوارثاً عليهم، وهم بذلك ينقضون حقاً أساسياً لكل مواطن عراقي، سواءً كان عربياً أم كردياً أو تركمانياً أو كلدانياً، في استيطان أي بقعة من أرض العراق، مع احترام حقوق الغير التي كفلها الدستور، ولا يمتلك البرلمان أو الحكومة العراقية سلطة نزع هذا الحق من العراقيين، وبالتالي فليس من الجائز هنا التحول من النظام السياسي المركزي والموحد إلى النظام الفدرالي التقسيمي.
ولو احتكمنا إلى التاريخ، لتأكد لنا بأن اعتماد النظام الفدرالي في العراق استثناء على القاعدة وشذوذ على الحالة الطبيعية، إذ من المعتاد تبني النظام الفدرالي عند اتفاق أقاليم متفرقة أو دول مستقلة على الاتحاد في كيان سياسي واحد، وهذا ما حدث عند تكوين الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والنمسا واستراليا وألمانيا وسويسرا والهند والمكسيك، وكما يستدل من اسمها فالولايات المتحدة الأمريكية هي كيان فدرالي ناتج عن الدخول الطوعي لهذه الولايات ضمن الفدرالية، وعندما حاولت الولايات الحنوبية الإنفصال عنها شنت عليها الحكومة الفدرالية حرباً ضروساً، خلفت مئات الآلآف من القتلى من الطرفين، وأجبرتها قسراً على الرضوخ لسلطتها، ودولة كندا هي الآخرى كيان وليد من إتفاق عدد من المستعمرات على تكوينها، ولم تفلح المحاولات المتكررة لمقاطعة كوبيك ذات الثقافة الفرنسية في الإنفصال من الدولة، إذ تهدد الحكومة المركزية باستخدام كل الوسائل المتاحة لها، بما في ذلك الضغوط السياسية والحصار الإقتصادي وحتى القوة العسكرية في إجهاض أي محاولة لإنفصال مقاطعة كوبيك، والنمسا كذلك دولة فدرالية لأنها ورثت التنوع العرقي لأمبراطورية الهابسبورج، ولدى حكومتها المركزية سلطات واسعة تمكنها من الهيمنة على الأقاليم، وتأسست فدرالية أستراليا من إتحاد ست مستعمرات، وتكونت ألمانيا الإتحادية من إتحاد 25 دويلة في 1871م، وسويسرا هي الآخرى فدرالية تكونت في البدء من إتحاد ثلاث كانتونات، ثم انضمت إليها مقاطعات أخرى، ومن اللافت للإنتباه تحول سويسرا من كونفدرالية إلى فدرالية، أي بإتجاه تقوية المركز على حساب الكانتونات، ولو تحرينا تاريخ الهند لتبين لنا بأنها تألفت من إتحاد 600 إمارة بالإضافة للأقاليم التي حكمتها بريطانيا مباشرة، ولا يوجد في دستور 1949م أي ذكر لمصطلح الفدرالية، بل يؤكد الدستور بأنها "إتحاد بين دول"، ونظامها السياسي أقرب ما يكون للحكم المركزي، والمكسيك دولة فدرالية مكونة من ولايات، وقد تسببت الفدرالية فيها كما في جارتها الشمالية، بحروب أهلية مدمرة، وكلفتها الفدرالية الضعيفة، كما هو الحال في العراق اليوم، خسارة ولاية تيكساس، والتي كانت جزءاً من المكسيك، ثم انفصلت عنها لتنضم لأمريكا، ولولا ذلك لكانت المكسيك دولة ثرية.
الفدرالية في العراق شذوذ فاحش على التجربة الإنسانية في الفدرالية، لأن في بقية الدول اختارت دول أو دويلات مستقلة الإتحاد الفدرالي بدلاً من الحفاظ على استقلالها، فالفدرالية في تاريخ هذه الدول هي تحرك نحو التوحد والمركزية، أو درجة عالية نسبياً من المركزية، أما في العراق، فالمشروع الفدرالي هو حراك بعكس إتجاه التاريخ، أي من المركزية نحو التفكك.
ذكرتني الفدرالية ببذور القمح المسمومة التي وزعتها وزارة الزراعة آبان الفترة الأولى من عهد البعث الطاغوتي على الفلاحين في جنوب العراق، ولم نستبعد آنذاك أن تكون عملية قتل جماعي مقصودة، لأن القاصي قبل الداني في الجنوب يعلم علم اليقين بأن الفلاح العراقي يضطره العوز لبيع أو استهلاك بعض البذور، وأدى تناول الخبز من طحين البذور الى التسمم الزئبقي لطائفة كبيرة من الفلاحين وغيرهم من سكان الجنوب الشيعة، فتوفي البعض منهم، فيما فقد آخرون البصر، وأصيب عدد بالشلل.
منذ سقوط النظام البعثي الطاغوتي وقادة الأكراد ينثرون السم في ارض العراق، هم أول الداعين والمتحمسين للمحاصصة الطائفية والإثنية، قبلوا بالمشاركة في العملية السياسية بشروطهم التعسفية، وأصروا على تضمين الدستور كافة مطالبهم غير المنصفة، وتعاونوا مع الإحتلال الأمريكي والقوى الغربية الآخرى لضمان مصالحهم الإثنية وعلى حساب المصالح العراقية الوطنية، وهم وقفوا متفرجين على العنف السني الطائفي ضد الشيعة، لكنهم تخوفوا من نتائجه على موازين القوى وإضراره بمصالحهم فتفاوضوا مع البعثيين والإرهابيين السنة، ونجحوا في إقناع المحتلين الأمريكان بالتفاهم مع الإرهابيين المحليين مقابل تحولهم إلى صحوات موالية للأمريكان، ودفع الشيعة ثمن مشاركة السنة بالعملية السياسية تنازلات جسيمة عن حقوقهم ضمن المحاصصة الطائفية والإثنية، وتجرع الشيعة سموم المصالحة مع الطائفيين وإلغاء قانون إجتثاث البعثيين والعفو العام عن الإرهابيين والتضحية بالصدريين، ويريد قادة الأكراد من حلفائهم الشيعة في الحكومة المصادقة على الإتفاقية الأمنية مع أمريكا لكي يصون النفوذ الأمريكي والقوات الأمريكية المكاسب التي جنوها على حساب العراق.
الأكراد هم أكبر الرابحين من العملية السياسية، فهم لم يكتفوا بالرئاسة الأولى وسلطة النقض، بل فرضوا على قادة الشيعة التنازل عن حقوق طائفتهم والقبول بما يعرف بـ"القيادة الجماعية"، ولم يقنعوا بما تكفله لهم الديمقراطية التعددية من تمثيل لأصواتهم ومطالبهم فأرغموا حلفائهم من قادة الشيعة على تبني بدعة "الديمقراطية التوافقية، والأكراد الذين كانوا قبل الإحتلال الأمريكي قانعون بحكم ذاتي يطالبون اليوم بثلث مساحة العراق المسكونة (أي 33.3 %) في حين لا تتجاوز نسبتهم إلى مجموع سكان العراق 17%، أي أنهم يريدون ضعف استحقاقهم من مساحة العراق، وقد شجعتهم سياسات الفئات الشيعية الممثلة في الحكومة على التمادي، فقد تبنت هذه الفئات المفرطة بحقوق الشيعة الفدرالية أيضاً، لتحقيق مصالح حزبية، أو بالأحرى الطموحات التسلطية لنخبها، وكما هو متوقع يطالب قادة الأكراد بضم محافظة كركوك الغنية بالنفط لإقليم كردستان، ومتى ما نجحوا بذلك يكونوا قد حققوا كل المتطلبات المحلية لإعلان استقلالهم، والمتبقي هو قبول القوى الإقليمية بذلك، وهم يعتمدون على حليفتهم أمريكا في الحصول على ذلك بالترغيب أو الترهيب.
يحصد العراقيون اليوم الثمار المرة لبذور الفدرالية المسممة، وهو الحصاد الهرفي كما يسميه الجنوبيون، والهرفي كلمة فصحى معناها المبكر، فقد أوهنت الفدرالية - وتؤامها السيامي المحاصصة الطائفية- الحكومة المركزية، وقيدت أيديها في مواجهة النزعات الإنفصالية والحركات الطائفية، وشجعت الإرهاب، ومهدت للحرب الطائفية الأهلية، وشوهت العملية السياسية، ومنعت الأكثرية من ممارسة حقوقها، وبررت استمرار الإحتلال الأمريكي، وما ينتظر العراق من نتائج كارثية للفدرالية أعظم بكثير، فالعراق أمام مفترق طرق مصيري، فأما التوحد من جديد حول نظام ديمقراطي مركزي مع ضمان حقوق الجميع أو الإنحدار السريع نحو التفكك واضمحلال الكيان العراقي، وأرجح اختيار أكثرية العراقيين لبقاء كيانهم الموحد واستبدال الحكومة الحالية بحكومة قوية مصممة على بسط سيطرتها على كافة أرجاء العراق، وسيفرض إصرار قادة الكرد على مواصلة نهجهم التحريضي والإبتزازي والتهديد بضم كركوك بالقوة والإنفصال وإعلان الاستقلال على الحكومة المركزية التصدي بكل الوسائل للنزعة الإستقلالية للقادة الأكراد، مما سيرجح حدوث نزاع مسلح واسع بين الحكومة والأكراد المسلحين، وبذلك يحصد العراقيون أفلي الفدرالية من الدماء المسفوحة والخراب وهدر الثروات، والمطلوب من كل العراقيين المخلصين التحرك الآن ومن دون تآخير للقضاء على الثالوث الشيطاني، الذي أحرق حاضرهم ويهدد بتدمير مستقبلهم، وهو: الفدرالية والطائفية والعشائرية السياسية.
منقــــــــــــول للنقاش .
|
|
|
|
|