وروى الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف : أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : أبو بكر في الجنة . وعمر في الجنة . وعلي في الجنة . وعثمان في الجنة . وطلحة في الجنة . والزبير بن العوام في الجنة . وعبد الرحمن بن عوف في الجنة . وسعد بن زيد في الجنة . وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة . أنظر الترمذي ( ج 4 / 334 )
إن أول ما يدفع للشك في هذه الروايات ويدفع لليقين أنها إنما اخترعت لتضخيم خصوم الإمام وآل البيت الحقائق التالية :
- إن القوم يتخبطون في تحديد من هم العشرة فتارة يدخلون سعد بن أبي وقاص وتارة يضعون مكانه سعد بن مالك .
- إن الرواية الأولى لم تذكر الإمام عليا ولا ابن الجراح وبهذا يكون المبشرون بالجنة سبعة فقط بعد إخراج الرسول من هذه
الحسبة بالطبع . .
- إن وضعهم النبي من ضمن المبشرين بالجنة أمر يؤكد الوضع والاختلاق . .
- إن سيرة هؤلاء العشرة - إن كانوا عشرة - لا توجب لهم هذا الفضل . .
- أن راوي الحديث هو أحد المبشرين بالجنة وهو هكذا يبشر نفسه . .
- أن البخاري ومسلم لم يذكرا شيئا في باب الفضائل والمناقب عن سعد بن زيد وعبد الرحمن بن عوف . .
- أن العشرة الذين اتفق أهل السنة على تعظيمهم وتكريمهم ليس فيهم سعد بن مالك . .
- أن الرواية الثانية ذكرت تسعة فقط واستثنت سعد بن أبي وقاص . .
ومما يدل على هذا التخبط والاختلاق وأن الأمر تفوح منه رائحة السياسة رواية البخاري التي تحدد أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بشر ثلاثة بالجنة هم أبو بكر وعمر وعثمان . .
تقول الرواية : إن أبا موسى الأشعري قال : لأكونن بواب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اليوم فجاء أبو بكر فدفع الباب . . فقلت : من هذا ؟ . . فقال : أبو بكر . .
فقلت : على رسلك . ثم ذهبت فقلت يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن . . فقال : أئذن له وبشره بالجنة . . فأقبلت حتى قلت لأبي بكر : أدخل ورسول الله يبشرك بالجنة . . ثم رجعت فإذا إنسان يحرك الباب فقلت من هذا ؟ فقال : عمر بن الخطاب
. . فقلت على رسلك . ثم جئت إلى رسول الله فسلمت عليه فقلت هذا عمر بن الخطاب يستأذن . . فقال : أئذن له وبشره بالجنة . . فجئت فقلت أدخل وبشرك رسول الله بالجنة . . ثم رجعت فجلست فقلت : إن يرد الله بفلان خيرا يأت به . فجاء
إنسان يحرك الباب . . فقلت : من هذا ؟ . . فقال : عثمان بن عفان . . فقلت : على رسلك . فجئت رسول الله فأخبرته . . فقال : أئذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه . . فجئته فقلت له : أدخل وبشرك رسول الله بالجنة على بلوى تصيبك . أنظر البخاري ومسلم كتاب فضائل الصحابة . باب فضل أبي بكر ومناقب عمر وعثمان .
ومثل هذه الرواية إنما تؤكد أن عليا ليس من المبشرين بالجنة وأن وضعه ضمن العشرة من باب الخطأ . . إن إقدام القوم على إهانة الإمام علي إلى هذا الحد والعمل على التقليل من شأنه لا يشكل أدنى حرج عند القوم .
فما داموا قد تجاسروا على الرسول وأهانوه فمن السهل أن يتجاسروا على أهل بيته . . وما دام قد توطن في ذهن المسلم أمر مهانة الرسول ولم يجد حرجا في نسبة ما نسب إليه عن طريق الروايات فإنه بالتالي سوف يتقبل ما يمكن أن يقال وينسب لآل بيته . وبالتالي تكون النتيجة هي الاستسلام المطلق للخط الآخر . . وما دام هذا هو حال الرسول وأل البيت فكيف يكون حال شيعتهم من الصحابة ؟ . . ومما يؤكد تناقض القوم وأن الهدف من وراء مثل هذه الروايات هو تضخيم أناس لا وزن لهم.
رواية مسلم التي تقول : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة . قالوا : ولا أنت يا رسول الله . قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة . أنظر مسلم كتاب صفة القيامة والجنة والنار . باب لن يدخل أحد الجنة بعمله
وفي رواية أخرى : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : قاربوا وسددوا واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله . قالوا يا رسول الله ولا أنت . قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل . أنظر مسلم كتاب صفة القيامة والجنة والنار . باب لن يدخل أحد الجنة بعمله .
وفي رواية : لا يدخل أحد منكم عمله الجنة ولا يجيره من النار ولا أنا إلا برحمة من الله . أنظر مسلم كتاب صفة القيامة والجنة والنار . باب لن يدخل أحد الجنة بعمله .
فإذا كان رسول الله يشك في دخوله الجنة فكيف يوقن هؤلاء بدخولها ؟ . .
ويروي البخاري أن عمر لما طعن كان يقول : والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه . أنظر البخاري . كتاب فضائل الصحابة . باب مناقب عمر .
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : لماذا يقول عمر هذا الكلام وهو من المبشرين بالجنة ؟
ويروي مسلم أن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قام خطيبا فقال : يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا ، كما بدأنا أول خلق نعيده وحدا علينا إنا كنا فاعلين . ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم ( عليه السلام ) ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي . فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك . فأقول كما قال العبد الصالح . قال فيقال لي أنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ أن فارقتهم . أنظر البخاري .كتاب الفتن وكتاب الرقاق .
فهؤلاء الذين ارتدوا بعد وفاة الرسول كيف يكونون عدولا . وكيف يدخلون الجنة ؟ . .
وهذا أبو بكر أيضا يشك في دخوله الجنة . .
ويروي البخاري حديث أبواب الجنة : باب الصلاة وباب الجهاد وباب الصدقة وباب الصيام . فقال أبو بكر للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : وهل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله ؟ قال نعم وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر . أنظر البخاري . كتاب فضائل الصحابة . باب فضل أبي بكر .
قال ابن حجر نقلا عن الفقهاء : الرجاء من الله ومن نبيه واقع . وبهذا التقرير يدخل الحديث في فضائل أبي بكر . أنظر فتح الباري ( ج 7 / 29 ) .
إن فقهاء القوم يحاولون لي عنق النص وتفسير الرجاء بمعنى اليقين حتى ينفوا عن أبي بكر شبهة عدم دخوله الجنة . وإذا كانت مكانة أبي بكر عند الرسول كما يصفون فلما ذا لم يقل الرسول : نعم وأنت منهم يا أبا بكر . حتى ينفي الشك من صدور السامعين . . وينبغي لنا هنا أن نعرض لمناقب العشرة المذكورين حتى يتبين لنا كيف تتم عملية التضخيم على حساب الآخرين . ثم نقارن هذه الفضائل والمناقب بمناقب وفضائل من لم يذكروا ضمن العشرة وذلك من أجل وضوح الرؤيا . .
يروي البخاري قول الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إن أحسن الناس على في صحبته وما له أبو بكر . ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته .لا يبقين في المسجد باب إلا سد . إلا باب أبي بكر . أنظر البخاري باب فضل أبي بكر .
ومثل هذه المنقبة التي جاء بها البخاري لأبي بكر محل جدل كبير بين فقهاء القوم . إذ أن أكثر الفقهاء يشك في أن أبا بكر كان له دار مجاورة لمسجد الرسول . بل الثابت أن بيته كان بالسنح على أطراف المدينة . وهذا دفع ببعضهم إلى تفسير الحديث على الوجه المجازي . وادعاء أن المقصود بالباب الخلافة والأمر بالسد كناية عن طلبها . والمقصود بهذا التأويل هو دفع الشك عن متن الحديث أولا . وقطع الطريق على خصوم أبي بكر ثانيا . . وينقل ابن حجر قول ابن حبان عن هذا الحديث : في هذا دليل على أنه الخليفة بعد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأنه حسم بقوله : سدوا عني كل خوخة في المسجد . أطماع الناس كلهم عن أن يكونوا خلفاء بعده وقال ابن حجر معلقا وقوى بعضهم ذلك بأن منزل أبي بكر كان بالسنح من عوالي المدينة .
وهذا الإسناد ضعيف لأنه لا يلزم من كون منزله كان بالسنح أن لا يكون له دار مجاورة للمسجد . أنظر فتح الباري ( ج 7 / 29 ) .
ومن حيث السند فهذا الحديث فيه شك إذ أن البخاري رواه من طريقين : طريق فليج ابن سليمان عن أبي سعيد الخدري . أنظر فتح الباري ( ج 7 / 29 ) .
وطريق عكرمة عن ابن عباس . أنظر فتح الباري ( ج 7 / 29 ) .
وكلاهما فليج وعكرمة من الخوارج المكفرين للمسلمين المعادين لجميع الصحابة . وقد ذمهم فقهاء القوم ورجال الحديث . قال ابن معين في فليج : ليس بثقة . وقال أحمد : كان يرى رأي الصفرية من الخوارج . أما عكرمة فقد كذبه ابن عمر وابن المسيب ويحيى بن سعيد وابن سيرين . انظر كتب علم الرجال .
إلا أن الشك في هذه الرواية سوف يزداد إذا ما تبين لنا أن هناك روايات صحيحة بشهادة القوم تنص على أن الرسول أمر بسد جميع الأبواب إلا باب علي . أنظر الترمذي كتاب المناقب . ومسند أحمد ( ج 1 / 175 و / 330 ) .
ومن هذه الروايات يتبين لنا أن الهدف من صنع هذه الفضيلة لأبي بكر هو التمويه على الإمام علي ومعارضة فضائله بفضائل مصطنعة . .
ويروي البخاري عن عمرو بن العاص قوله للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة فقلت من الرجال ؟ قال : أبوها . قلت ثم من ؟ قال : عمر . فعد رجالا . أنظر البخاري . باب فضل أبي بكر .
ويكفي للرد على هذه الرواية أن راويها عمرو بن العاص حليف معاوية ومدبر أمره في الصراع مع الإمام علي وصاحب فكرة رفع المصاحف على أسنة الرماح في وقعة صفين . أنظر كتابنا السيف والسياسة في الإسلام . وانظر ترجمة عمرو بن العاص في كتب التراجم .
وهل يعقل أن يسأل الرسول عن أحب الناس إليه فيقول زوجتي ؟
إن هذه الإجابة إنما تضع الرسول بين أمرين أما أن يكون غير متفهم للسؤال . أو أن يكون شغوفا بعائشة إلى الدرجة التي ينشغل بها خياله . . والمعنى الثاني هو ما يريد القوم توكيده من خلال الرواية إذ أن هذا الحب والشغف سوف ينعكس على أبيها . وهو المقصود . ثم ما هي الحكمة من محاولة القوم انتزاع الأفضلية على لسان الرسول بهذا الترتيب الذي يجعل من أبي بكر في المقدمة دائما سوى التقليل من شأن الإمام وتصغيره ؟
أن المتأمل في روايات الفضائل الخاصة بأبي بكر وعمر وعثمان سوف يصعب عليه أن يهضمها وأن يستوعبها عقله وتستريح لها نفسه . إلا أن القوم لما حرموا على المسلمين الخوض في المسند خاصة ما يروى في البخاري ومسلم . سدوا طريق التأمل أمام العقل . .
يروي البخاري عن أبي هريرة قوله : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : بينما راع في غنمه عدا عليها الذئب فأخذ منها شاة . فطلبه الراعي فالتفت إليه الذئب فقال : من لها يوم السبع يوم ليس لها راع غيري ؟ وبينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها فالتفتت إليه فكلمته فقالت : أني لم أخلق لهذا ولكن خلقت للحرث . فقال الناس : سبحان الله . قال النبي : فإني أؤمن بذلك وأبو بكر وعمر . أنظر البخاري . باب فضل أبي بكر .
وإن العقل ليحتار في مثل هذه الرواية إلى أي شئ تهدف ؟ . .
وما هي فضيلة أبي بكر في هذه الحكاية ؟ . .
هل هي إيمانه بنطق الذئب والبقرة ؟ . .
ولماذا يحصر الرسول الإيمان بهذه الحكاية في دائرته مع أبي بكر وعمر ؟ . .
هل هذا يعني أن الآخرين كفروا بها ؟ . .
إن القوم يحاولون استخلاص فضيلة لأبي بكر من خلال هذه الرواية فكانت النتيجة أن حكموا على المستمعين بتكذيب رواية الرسول ورفضها ما عدا أبو بكر وعمر . . وبالطبع من بين المكذبين الذين رفضوا هذه الحكاية الإمام علي . . والعجيب أنه في رواية مسلم لم يكن أبو بكر وعمر موجودان أثناء رواية هذه الحكاية . أنظر مسلم . كتاب فضائل الصحابة . باب من فضائل أبي بكر .
ويروي البخاري أنه نشب خلاف بين أبي بكر وعمر فأقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته . فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أما صاحبكم فقد غامر . فسلم وقال يا رسول الله إني كان بيني وبين ابن الخطاب شئ فأسرعت إليه ثم ندمت . فسألته أن يغفر لي فأبى علي . فأقبلت إليك . فقال : يغفر الله لك يا أبا بكر ( ثلاثا ) . ثم إن عمر ندم . فأتى منزل أبي بكر فسأل : أثم أبو بكر ؟ فقالوا : لا . فأتى النبي . فجعل وجه النبي يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه - أي
عمر - فقال : يا رسول الله . والله أنا كنت أظلم ( مرتين ) . فقال النبي : إن الله بعثني إليكم فقلتم : كذبت . وقال أبو بكر : صدق . وواساني بماله ونفسه . فهل أنتم تاركون لي صاحبي ( مرتين ) فما أوذي بعدها . البخاري . باب فضل أبي بكر .
ومثل هذه الرواية إنما تذم أبا بكر وعمر لا تمدحهما . إذ أن الأمر على ما يبدو كان صداما ولم يكن مجرد مشادة كلامية . . وبالطبع لم يخبرنا الرواة حقيقة ما حدث بينهما ولم يشر القوم إلى حقيقة الأمر في تفسيراتهم لهذه الرواية .
إلا أن ظاهر الرواية يكشف لنا أن أبا بكر وقع في عمر وعمر وقع في أبي بكر وهذا الأمر في حد ذاته يعد نقصا فيهما . . وعلى ما يبدو من الرواية فإن الرسول كان منحازا لأبي بكر وقاسيا على عمر وهذا الانحياز ليس له ما يبرره سوى أن القوم يريدون رفع مكانة أبي بكر . ولكن الرفع هذه المرة جاء على حساب عمر . .
وايضا فكيف يكونان طلحة والزبير من العشرة والامام علي حاربهم بالجمل وقتلا ضده وهم خارجان على امام زمانهم الامام علي اذن كيف نحل هذه المعادلات الصعبة ومن يبرهن غير هذا الكلام واذا عارضنا فهو ناصبي خبيث لايريد الحق .
اللهم العن الجبت والطاغوت