موقع النهضة الحسينية في روايات أهل البيت
ان نهضة الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه تعتبر منعطفا مهما في المسيرة الإسلامية، ومنها تتضح المعالم الأساسية لمنهج أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، خصوصا بعد تركيزهم الواسع على هذه القضية، وتأكيدهم على ضرورة التفاعل معها، وهذا التركيز بدأ قبل قيام هذه النهضة المباركة من قبل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وذلك منذ ولادة سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه بالطرق المتواترة عند الشيعة والسنة، ومن ثم استمر من قِبَلِ أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم، عليها بما لا يخفى على من نظر في كتب الحديث، والروايات بشأن ذلك عن الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم بالمضامين المتعددة في غاية الكثرة
لعل من أهم العبارات التي تحدد موقع ودور النهضة الحسينية المباركة في مدرسة أهل البيت عليهم السلام، بعض مقاطع عبارات زيارات سيد الشهداء عليه الصلاة والسلام،
ومنها ما في عدة من الزيارات:
((السلام عليك يا قتيل الله وابن قتيله، السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره، السلام عليك يا وتر الله الموتور في السماوات والأرض، أشهد أن دمك سكن في الخلد واقشعرت له أظلة العرش))
إلى أن يُقال في الزيارة:
(( أشهد أنك حجة الله وابن حجته، وأشهد أنك قتيل الله وابن قتيله، وأشهد أنك ثار الله في الأرض وابن ثاره، وأشهد أنك وتر الله الموتور في السماوات والأرض
وعبارة (( ثار الله وابن ثاره والوتر الموتور)) التي وردت في عدةٍ من زيارات سيد الشهداء عليه السلام، تشير إلى أن عاشوراء يشكل بداية المنعطف في حركة التغيير، إذ من الواضح أنّ عمق الصراع إنما يبدأ مع الثأر، ومن هنا فإن عاشوراء كان عبارة عن البداية، والنهاية تتمثل في دولة بقية الله الأعظم أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.
والثأر الذي يعتبر الأساس لاستمرار القضية مرتبط مباشرة بالله عز وجل، يعني أنّ الذي وتر بقتل سيد الشهداء عليه الصلاة والسلام هو الدين، فلم تكن قضية الطف قضية ضيقة مؤطرة بالأطر المحدودة القبلية ونحوها الذي سرعان ما تنتهي مقوماتها، وإنما تتصل مباشرة بالدين وأهدافه، حيث أن إعراض الأمة عن الإمامة الهادية، وتصدي اليزيديين، وسيطرة النهج اليزيدي هو الذي أدى التجاوز وقتل حجة الله على خلقه، وسيد شباب أهل الجنة وهذا في الحقيقة يمثل حالة التجاوز على الدين، ولهذا فُقد المظاهر والشعائر الإسلامية محتواها التوحيدي الواقعي، وآل أمرها إلى المظاهر الخاوية الجوفاء، ولذا جاء في بعض الروايات التي تحكي زيارة سيد الشهداء:
((لقد قتلوا بقتلك الإسلام وعطلوا الصلاة والصيام، ونقضوا السنن والأحكام وهدموا قواعد الإيمان ))
إلى أن تصل الرواية إلى هذا المقطع:
(( لقد أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أجلك موتورا، وعاد كتاب الله مهجورا، وغودر الحق إذ قهرت مقهورا، وفقدوا بفقدك التكبير والتهليل...))
ومن هنا فالمنهاج التي تحدد مدرسة أهل البيت عليهم السلام تجاه هذه القضية العامة هو الأخذ بهذا الثأر، حتى لا يبقى الدين موتورا، ولتمحى جميع مظاهر الضلال والانحراف.
وبعبارة مختصرة يمكن القول بأن كثيرا من المظاهر الإسلامية فقدت بذلك مضمونها وحقيقتها، وصارت مظاهر فارغة لا تتعارض مع مظاهر الضلال، والأخذ بهذا الثأر هو السبيل الوحيد لإعادة هذا المحتوى الحقيقي إلى واقع الأمة.
وتأكيد أهل البيت عليهم الصلاة والسلام على هذا المعنى في الروايات بمستوى من التواتر لا يقبل التردد والغموض.
وعلى سبيل المثال، فلو نظرنا إلى الحج الذي أقيم سنة مقتل سيد الشهداء عليه الصلاة والسلام وبعده إلا في النادر فهل يجسد الحج الإبراهيمي الذي هو يمثل روح الحج وحقيقته.
وهذا ما يحتاج توضيحه إلى أن نتعرف بصورة مختصرة على حج إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام، حيث يمكن أن يتضح بالرجوع إلى عدة شواهد ومنها قول إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه وآله:
{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}
وهذه الآية الكريمة يتضح منها أن وجود إبراهيم وإسكانه ذريته عند البيت الحرام إنما هو لأجل أن تكون حياتهم إيمانية تتحقق بها الغايات الإلهية، فالهدف من ذهابهم إلى أرض ليس فيها زرع هو إقامة الصلاة، وعندما طلب من الله تعالى أن يجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم فإنما هو من أجل إقامة الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر ولأجل أن يكون ذلك منشأ لشكر أنعم الله تبارك وتعالى.
ومن هنا يتضح الربط التام بين العقيدة والحياة بكل أبعادها في نهج إبراهيم الخليل صلى الله عليه وآله وعلى نبينا وآله.
ولكن محتوى الحج حوّله كثير من الطغاة إلى محتوى صوري مع السعي إلى القضاء على محتواه الواقعي الذي سيكون له تأثيره الواضح على واقع الأمة الإسلامية.
ومما يوضح هذا المعنى قوله تعالى:
{وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}
وهذه العبارة ليست مجرد شعار، فلا يوجد في الإسلام شعارات فارغة، وإنما هو لتجسيد هذا المفهوم في واقع الأمة الإسلامية، ولكن مع ذلك وبسبب تفريغ الشعائر من محتواها الحقيقي والذي لا يتم إلا بدلالة ولي الله والاقتصار على مظاهرها الصورية لم تتعارض هذه المظاهر في الواقع العملي مع الفساد والانحراف ولم تجسد في حقيقتها روح البراءة من المشركين وآثار الشرك والضلال.
بل يمكن القول بأن قبول الأمة لمظاهر الإنحراف والتمحور حول رؤوس الشرك، حيث أننا لو تتبعنا سيرة المسلمين لوجدنا الكثير من الذين اعتبروا خلفاء لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أكثر الناس ضلالا وابتعادا عن تعاليم الإسلام، فهذا يزيد بن معاوية شارب الخمور، وغيره ممن كانت بيوتهم سكنا لأهل الفواحش والمنكرات بما لا يخفى على من له أدنى نظرة في تاريخ الإسلام، وهذا هو ما دفع سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه إلى القيام بثورته الدامية، هذه المظاهر تمثل خلاف التوحيد الواقعي لله عز وجل، لأن هؤلاء ليس لهم صلاحية أن يكونوا امتدادا لنهج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأن تكون ولايتهم في طول الولاية الإلهية، بل يشكلون وجودا للانحراف وهو ما يكون في عرض التعاليم الإلهية، وهذا مظهر واضح للشرك، وحينئذ يتحقق تفريغ المظاهر من المحتوى الواقعي.
وبعبارة أخرى، الحج الإبراهيمي هو الحج الذي يحمل في محتواه الانقياد لله عز وجل، ومواجهة الشيطان في مختلف مواقع المواجهة، وهذا باشتمال مضمونه على البراءة، وما الرجم والسعي والطواف وغيرها إلا للتعبير عن هذه الحقيقة، فالحج الذي لا يدفع الأمة نحو هذه المضامين ليس هو حج إبراهيم الخليل عليه السلام، وإنما هو حج وعاظ السلاطين .
ومن هنا يتضح وجه الارتباط بين نهضة سيد الشهداء وثورة المهدي أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، وأن الثورة الحسينية هي أساس الانطلاق لدولة بقية الله الأعظم عجل الله تعالى فرجه،
حيث أن القضية هي قضية الانحراف الذي لا يمكن القضاء عليه إلا بولاية أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، حيث أنهم الامتداد الصحيح والطبيعي لحركة الأنبياء.
ومن الأمور المناسب نقلها في هذا المقام والتي تعتبر أيضا من الشواهد ما في رواية مالك الجهني التي يروي فيها زيارة عاشوراء،
حيث يسأل مالك الجهني من الإمام الباقر عليه الصلاة والسلام عن كيفية التعزية يوم عاشوراء، حيث يقول
: فكيف يعزي بعضهم بعضا؟
قال: يقولون:
عظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام وجعلنا وإياكم من الطالبين بثاره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وانا اقول لكم اخوتي
عظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام وجعلنا وإياكم من الطالبين بثاره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.