|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 82198
|
الإنتساب : Aug 2015
|
المشاركات : 850
|
بمعدل : 0.25 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
الامام الصادق يحمي الدين بسلاح العقل
بتاريخ : 12-10-2022 الساعة : 08:31 AM
"العقل ما عُبد به الرحمن، أما في المشركين فهي النكراء، وهي شبيهة بالعقل وليست العقل". الإمام جعفر الصادق، عليه السلام ظن المتربصون أن اعتمادهم العقل في أمر العقيدة بما يخدم مشروعهم السلطوي، سيجعلهم آمنون خلف أقنعة الدين والعناوين والمظاهر الاسلامية، ولن يكونوا ملزمين او مدانين بعدم الرجوع الى ما أوصاهم به نبيهم بالتمسك بالثقلين؛ كتاب الله وعترته أهل بيته، فقالوا: أن كل انسان بإمكانه ان يكون مصدر إلهام لنفسه؛ يستنبط الاحكام، ويفسر كتاب الله وفق تصوراته الذهنية الخاصة وظروفه ومصالحه.
من أبرز مهام الامام الصادق، عليه السلام، ونحن نعيش هذه الايام ذكرى مولده العطِر، متزامناً مع ذكرى مولد جدّه المصطفى، صلى الله عليه وآله، أنه حافظ على معالم الدين وأحكامه وقوانينه ونظمه من خلال ما في أيدي الخصم، وهو؛ العقل، فبيّن أن هذا العقل الذي هو أحد المخلوقات، يعد أحد أركان المعرفة والإيمان، وليس كل شيء، كما انه يقع تحت تأثيرات النفس والشهوات احياناً، ويغيب عن البعض احياناً أخرى لأسباب كثيرة.
تكتيك فلسفي
تكالبت على الأمة في عهد الامام الصادق، الافكار الدخيلة من بلاد الروم والفرس، مع انطلاق حركة الترجمة الى اللغة العربية لتسهل عملية نقل هذه الافكار الى افراد الأمة، فظهر دعاة الإلحاد والتشكيك بالدين، وتحديداً بمفهوم الغيب، وراحوا يتعكزون على العقل والحواس، منكرين كل شيء دونهما، بما فيه الخالق، والرسالات والمعاد وكل قيم الدين.
هذا التجديف في الدين لم يكن وليد يومه، بل تعود جذوره الى الحكم الأموي عندما نشروا ثقافة اللامسؤولية في الامة انطلاقاً من فكرة "القدرية"، او ما يطلق عليه اليوم بالحتمية، فقد ألقى الحكام الأمويون، ومن بعدهم العباسيون في اذهان الناس أن ما يعيشونه من واقع سياسي واجتماعي انما هو أمر محتوم ومقدّر من الله –حاشاه-، فهم سمحوا بالحديث عن التوحيد، وأغلقوا أبواب الحديث عن الشرك بالله، فراح الناس يعلقون كل ما يتجرعونه من ظلم وتمييز وطبقية على الدين لدفع الناس الى التشكيك بعدالة الله، فكيف يهب الحكم و"الخلافة" لأناس لا يبارحون الخمور والفجور والعبث بأموال المسلمين؟! وقد قالها معاوية في إحدى رسائله بأن "الله رأى الأفضلية لابني يزيد بالخلافة على الحسين"!
وهذا ما تسبب بإبعاد الناس عن كل ما يتصل بالغيب من مفاهيم الرحمة واللطف والخوف والرجاء، و راحوا يتوسلون بالمادة ليفهموا ما يجري حولهم، فصاحب الاموال والثراء والزلفى عند الحكام هو الذي يعيش الحياة السعيدة، وليس المؤمن بالله –تعالى- ويلتزم أحكامه وتعاليمه، وإن كلفه ذلك شيئاً من مرارة العيش اذا لزم الأمر مواجهة الحاكم الجائر، او نصرة المظلوم.
فمن أجل إزالة هذا اللبس العقدي عن قلوب الناس رسم الامام الصادق طريقاً جديداً يهدي الناس طريق الصواب بالاعتماد على العقل ليكون وسيلة للوصول الى الإيمان بالله –تعالى- فقال، عليه السلام: "حجة الله على العباد النبي، والحجة فيما بين العباد وبين الله العقل"، فقد حدد دور العقل في المنظومة المعرفية، كما أنه كشف عن دوره الايجابي والمحوري في الكشف عن الحقائق، وأنه ليس كما فهمه الآخرون طيلة قرون من الزمن، حتى راح البعض يتسائل: " هل الذين لا يعرفون الله او لايعبدونه لا يملكون عقلا"؟! فجاء الامام الصادق، وفصل خصائص العقل: بأن "دعامة الانسان العقل، ومن العقل الفطنة، والفهم، والعلم والحفظ، فاذا كان تأييد عقله من النور كان عالماً حافظاً فطناً فهماً، وبالعقل يكمل وهو دليله ومبصّره ومفتاح امره".
وبذلك أغلق الامام الصادق الباب بوجه دعاة العقل الواهمين بأنه مصدر العلم والمعرفة يغني الانسان عما جاء به الله –تعالى- بل كانت المحاولات –وما تزال- أن البشر ليسوا بحاجة –في بعض او كل الاحيان- الى الموعظة والتذكير والإرشاد والنصحية، وكل اشكال الحجج الظاهرية في الواقع الخارجي ما دام يمتلك عقلاً وقدرة على التفكير، فهو قادر على أن يدبّر أمره بنفسه! ولكن الامام الصادق بشّر المسلمين بأن لهم عقلاً وهبهم الله –تعالى- ليستفادوا منه في إضاءة الطريق نحو الحقائق ونحو الخير والحق، محذراً إياهم من الانحراف بالعقل صوب الدهاء والدجل والتضليل، او الإيهام بالسيطرة على الآخرين من خلال التضليل والخداع كما يتصور البعض.
الملاحدة في قصور الحكام
اذا كان معاوية بن أبي سفيان أول من رسم طريق الانحراف الفكري في الأمة من خلال الترويج للقدرية، فان الحكام الآخرين وضعوا الأسس العلمية للفكر التجديفي ليكون أكثر تنظيماً وانتشاراً، حتى "أفكار الألحاد ظلت تنفث سمومها في المجتمع الاسلامي دون أن تلقى عقاباً رادعاً، بل كانت تدخل قصور العباسيين، وتناقش الأئمة والفقهاء بدعم من الحكام، وترفض المناقشة بالقرآن والنبوة، وإن ذكر الامام الصادق اسم الجلالة في مناظراتهم قالوا: ذكرت الله فأحلت على الغائب"!
وفي مقال سابق تطرقنا الى محاولات المأمون العباسي في نفس الطريق لإبعاد الناس عن الدين والخالق والالتزام بالاحكام والقيم السماوية عندما تبنى مذهب الاعتزال رغم ادعاءاته بالتقرب الى أئمة أهل البيت، وتحديداً الامام الرضا، عليه السلام، بيد أن منهجه الفكري كان في خط آخر مغاير لخط الامام الرضا، وسائر الأئمة المعصومين، ومنها؛ دفاعه الشرس عن فكرة خلق القرآن، وأن لا وجود لشيء اسمه "كلام الله" الى البشر، وقد أوعز الى الولاة في الامصار الاسلامية تخيير الناس بين الايمان بخلق القرآن أو السيف.
الامام الصادق لم يترك الزنادقة والملاحدة وشأنهم في الامة، فقد عقد المناظرات المطولة والعديدة معهم معتمداً منطق العقل الذي يدعون الاستناد عليه، ومنها؛ الادعاء بأزلية الاشياء وأنها ليست حادثة، بما يعني إبعاد مسألة الخلق عنها، ومن ثم إبعاد وجود الخالق من الاذهان، وكان لهذه المناظرات الأثر الكبير في تقويم عملية التفكير لدى ابناء الأمة، وتقريبهم الى كتابهم السماوي وسيرة نبيهم الكريم.
ذات مرة سأل أبو شاكر الديصاني، أحد رموز الزندقة والإلحاد، الامام الصادق: ما الدليل على حدوث العالم؟
أجاب الامام الصادق بأن أخذ بيضة و وضعها براحته ثم قال: هذا حصن ملموم، باطنه غرقي رقيق يطيف به كالفضة السائلة، والذهبة المائعة، أتشك في ذلك؟
قال الديصاني: لاشك فيه.
فقال الإمام الصادق: ثم انه ينفلق من صورة كالطاووس، هل دخله شيء غير ما عرفت؟
قال: لا.
قال له الإمام: فهذا الدليل على حدوث العالم، فقال له الديصاني: دللت يا أباعبدالله فأوضحت دوران الفلك، وتعاقب الازمنة، واختلاف الوقت، وموت الاشياء؛ النبات، الحيوان، الانسان، وتبدّل طبائع الاشياء؛ الحلو يصير حامضاً، والعذب يصير مراً، والجديد بالياً.
هذه الطريقة العقلية في الاستدلال تؤكد أن الاشياء كلها حادثة، والأزلي هو الخالق وحده.
وبذلك تمكن الامام الصادق من إصابة هدفين بسهم واحد؛ إحباط محاولات الحكام في ترويج الافكار الدخيلة على الاسلام، وايضاً؛ وضع المشككين في الدين أمام الحقائق العلمية الدامغة بما يعجزهم عن الرد والدفاع عن افكارهم المستوردة من الخارج.
المصدر: سيرة أهل البيت تجليات للإنسانية- الدكتور حسن عباس
|
|
|
|
|