والإجابة هي أن هذا الإسلام الأموي قد قام على ثلاثة ركائز أساسية :
الركيزة الأولى :
__ مصحف عثمان __
أحدث عثمان فتنة كبيرة بإحراقه المصاحف وإلزامه الأمة بمصحف محدد بهدف خدمة الخط السائد وضرب خط آل البيت والتعتيم على الإسلام النبوي . ...، وسوف يتضح للقارئ الكريم حقيقة أنه لولا حــــــــرق عثمان للمصاحف لما قامت قائمة لدولة بني الطلقاء بني أمـــــــــــيـة .....!!
ولقد مهد عثمان بعمله هذا لبروز الإسلام الأموي ودعم أطروحته إذ أن المصاحف الأخرى كانت بين يدي صحابة من شيعة علي بن ابي طالب الملتزمين بالإسلام النبوي . .
كان هناك مصحف ابن مسعود . . ومصحف أبي بن كعب . . ومصحف ابن عباس . . ثم مصحف الإمام علي . . وهؤلاء الأربعة تلقوا القرآن من الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة فمن ثم هم قاوموا عثمان ورفضوا قراره هذا مما اضطره إلى البطش بالرافضين . .
ووجه الخلاف بين مصحف عثمان وبين مصحف الإمام علي ومصاحف الصحابة ينحصر في أمرين :
- أنه مرتب ترتيبا خاصا . .
- أنه مجرد من الحواشي والتفسيرات التي كانت بالمصاحف الأخرى . .
وبالنسبة لأمر الترتيب فقد اعتمد فيه عثمان على عدد من الصحابة الذين ليس لهم سابقة في كتابة القرآن أو حفظه .....
ومن وجهة أخرى هو اعتمد مصحف حفصة من دون بقية المصاحف التي كانت موجودة . ومصحف حفصة هو المصحف الذي جمعه أبو بكر وعمر : فكأنه بهذا لا يريد للمسلمين أن يخرجوا عن حدود القرآن الذي جمعه أبو بكر ولا يريد أن يلتزم المسلمون بمصحف الإمام علي أو ابن مسعود أو أبي أو ابن عباس لأن هؤلاء من شيعة على ومصاحفهم لا تخدم الخط القبلي وخط بن أمية الذي يقوم بالتمهيد له .
( أنظر كتب تاريخ القرآن . والبخاري كتاب فضل القرآن وفتح الباري ج13) .
إن عثمان بإلزامه الأمة بمصحف حفصة إنما يريد أن يلزمها بالخط القبلي وأن يقضي على أية بادرة تنحرف بالأمة عن هذا الخط . .
وما دامت المصاحف كانت موجودة بين الصحابة فلم يكن هناك من دافع قوي يدفع بعثمان إلى فعله هذا سوى ضرب الإسلام النبوي ومحاصرة الإمام علي الذي بدأ نجمه في البروز نتيجة لكثرة المظالم والانحرافات في عهده . .
وإذا كانت مسألة القراءات هي الدافع لعمل عثمان هذا كما يصور المؤرخون وفقهاء القوم فــقد كان ممن الممكن لعثمان أن يلزم الأمة بقراءة واحدة دون أن يحرق المصاحف .
( أنظر كتب تاريخ القرآن . والبخاري كتاب فضل القرآن وفتح الباري ج13 ، ومقدمات كتب التفسير وليس المقصود بالقراءات هنا الأحرف السبعة وإنما قراءة الآيات بتفسيراتها التي أخذت عن الرسول ، مثل قراءة ابن عباس لقوله تعالى ( فما استمتعتم به منهن - إلى أجل مسمى - فآتوهن أجورهن ) سورة النساء . . وفقهاء القوم يهاجمون هذه القراءة ويعتبرونها شاذة سيرا مع الخط القبلي .. ) .
فلو كانت المسألة مسألة قراءات ما تصدى له الصحابة ولا اصطدم به ابن مسعود . . ومن المعروف تأريخيا أن مصحف الإمام علي كان مرتبا ترتيبا زمنيا ولا شك أن مثل هذا الترتيب من شأنه أن يسهم في فهم مدلولات النص القرآني ....‘ وللعلم فقط فقد اصطدم ابن مسعود وهو من حملة القرآن بعثمان ورفض الاعتراف بمصحفه حتى مات . وهذا الموقت يشير إلى أن المسألة لم تكن مسألة قراءات . وإذا كان هذا موقف ابن مسعود وهو تلميذ الإمام علي فكيف يكون موقف الإمام ؟ إن كتب التاريخ قد عتمت على هذا الموقف ولم تهتم به كثيراً ....!
( أنظر كتب تاريخ القرآن . والبخاري كتاب فضل القرآن وفتح الباري ج13 ، ومقدمات كتب التفسير ) .
وعندما تكون هناك آيات مدنية في سورة مكية وآيات مكية في سورة مدنية فإن هذا سوف يخلخل مضمون السورة . والهدف من الترتيب العثماني هو التمويه على نصوص القرآن الخاصة بآل البيت والتي ترمي إلى معان محددة لا تخدم الخط السائد بوضعها في وسط آيات تموه على معناها الحقيقي وتذهب بها مذهبا آخر . .
ومن أمثلة ذلك وضع قوله تعالى في سورة الأحزاب : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) في وسط آيات خاصة بنساء النبي حتى يتوطن في ذهن المسلم أن نساء النبي صلى الله عليه وآله من أهل البيت وبالتالي يضيع المفهوم الحقيقي لأهل البيت والخاص بالإمام علي وفاطمة وذريتهما ويتشتت بين نساء النبي وذرية علي .
وبالنسبة للأمر الثاني فإن تجريد المصحف من المعاني والتفسيرات التي تلقاها الصحابة عن الرسول صلى الله عليه وآله يعني حرمان المسلمين من الوسيلة الشرعية لفهم القرآن التي تحسم الخلاف الذي من الممكن أن يقع حول تفسيره .
وقد وقع هذا الخلاف . . ويعني من جهة أخرى الحيلولة دون فهم القرآن على نهج النبي صلى الله عليه وآله ودفع المسلمين إلى تلقي هذا الفهم من جهة محددة هي الجهة التي سوف يفرضها الحكم . .
ومن أمثلة ذلك ما كان في مصحف ابن عباس فقد كان يقرأ قوله تعالى في سورة النساء : ( فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن ) كان يقرأها : فما استمتعتم به منهن - إلى أجل مسمى - فآتوهن أجورهن .
( أنظر مسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضل آل البيت . وانظر لنا عقائد السنة وعقائد الشيعة لصالح الورداني ) .
ولا شك أن مصحف كهذا سوف يخدم خط بني أمية ويسهم في دعم نموذج الإسلام الذي فرضوه على الأمة . فهو مصحف قابل للتأويل ويمكن استثمار نصوصه بهذا الشكل لصالحهم . . فلاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
_______________________________________
_________________________
أنتهى الجزء الثالث ....
تابعونا
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله الا أنت، أستغفرك وأتوب إليك
الَلَّهٌمَّ صَلَِ عَلَىَ مٌحَمَّدْ وَآلِ مُحّمَّدْ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وَالْعَنْ أَعْدَائَهُمْ
_( حيــــــــــــــدرة )_