محـــــاور عقائدي
|
رقم العضوية : 20228
|
الإنتساب : Jul 2008
|
المشاركات : 3,427
|
بمعدل : 0.57 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
كربلائية حسينية
المنتدى :
منتدى الشبهات والردود
بتاريخ : 12-10-2013 الساعة : 04:13 AM
اليك أيها القارئ الفاضل الرواية كاملة و فيها فضيحة ما بعدها فضيحة لخلفاء السوء فبهذه الرواية يتكلم أمير المؤمنين عن مظلوميته و كيف اغتصبوا منه الخلافة و أعلنوا الحرب عليه .... تابعوا الرواية كاملة ...
الخصال الشيخ الصدوق ص 364
حدثنا أبي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن الحسين بن سعيد قال: حدثني جعفر بن محمد النوفلي, عن يعقوب بن يزيد قال: قال أبو عبد الله جعفر بن أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن علي ابن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: حدثنا يعقوب بن عبد الله الكوفي قال: حدثنا موسى بن عبيدة, عن عمرو بن أبي المقدام, عن أبي إسحاق, عن الحارث, عن محمد بن - الحنفية رضي الله عنه, وعمرو بن أبي المقدام, عن جابر الجعفي, عن أبي جعفر قال: أتى رأس اليهود علي بن أبي طالب عليه السلام عند منصرفه عن وقعة النهروان وهو جالس في مسجد الكوفة فقال: يا أمير المؤمنين إني أريد أن أسألك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي أو وصي نبي قال: سل عما بدا لك يا أخا اليهود؟ قال: إنا نجد في الكتاب أن الله عز وجل إذا بعث نبيا أوحى إليه أن يتخذ من أهل بيته من يقوم بأمر أمته من بعده وأن يعهد إليهم فيه عهدا يحتذي عليه ويعمل به في أمته من بعده وأن الله عز وجل يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء ويمتحنهم بعد وفاتهم فأخبرني كم يمتحن الله الأوصياء في حياة الأنبياء؟ وكم يمتحنهم بعد وفاتهم من مرة؟ وإلى ما يصير آخر أمر الأوصياء إذا رضي محنتهم؟ . فقال له علي عليه السلام: والله الذي لا إله غيره, الذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى عليه السلام لئن أخبرتك بحق عما تسأل عنه لتقرن به؟ قال: نعم قال: والذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى عليه السلام لئن أجبتك لتسلمن؟ قال: نعم, فقال له علي عليه السلام: إن الله عز وجل يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء في سبعة مواطن ليبتلي طاعتهم, فإذا رضي طاعتهم ومحنتهم أمر الأنبياء أن يتخذوهم أولياء في حياتهم وأوصياء بعد وفاتهم ويصير طاعة الأوصياء في أعناق الأمم ممن يقول بطاعة الأنبياء, ثم يمتحن الأوصياء بعد وفاة الأنبياء عليهم السلام في سبعة مواطن ليبلو صبرهم, فإذا رضي محنتهم ختم لهم بالسعادة ليلحقهم بالأنبياء, وقد أكمل لهم السعادة . قال له رأس اليهود: صدقت يا أمير المؤمنين فأخبرني كم امتحنك الله في حياة محمد من مرة؟ وكم امتحنك بعد وفاته من مرة؟ وإلى ما يصير أخر أمرك؟ فأخذ علي عليه السلام بيده وقال: انهض بنا أنبئك بذلك فقام إليه جماعة من أصحابه فقالوا: يا أمير المؤمنين أنبئنا بذلك معه, فقال: إني أخاف أن لا تحتمله قلوبكم, قالوا: ولم ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: لأمور بدت لي من كثير منكم, فقام إليه الأشتر فقال: يا أمير المؤمنين أنبئنا بذلك, فوالله إنا لنعلم أنه ما على ظهر الأرض وصي نبي سواك, وإنا لنعلم أن الله لا يبعث بعد نبينا صلى الله عليه وآله نبيا سواه وأن طاعتك لفي أعناقنا موصولة بطاعة نبينا, فجلس علي عليه السلام وأقبل على اليهودي فقال:
يا أخا اليهود إن الله عز وجل امتحنني في حياة نبينا محمد صلى الله عليه وآله في سبعة مواطن فوجدني فيهن - من غير تزكية لنفسي - بنعمة الله له مطيعا قال: وفيم وفيم يا أمير المؤمنين؟ قال أما أولهن فإن الله عز وجل أوحى إلى نبينا صلى الله عليه وآله وحمله الرسالة وأنا أحدث أهل بيتي سنا, أخدمه في بيته وأسعى في قضاء بين يديه في أمره, فدعا صغير بني عبد المطلب وكبيرهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله فامتنعوا من ذلك وأنكروه عليه وهجروه, ونابذوه واعتزلوه واجتنبوه وسائر الناس مقصين له ومخالفين عليه, قد استعظموا ما أورده عليهم مما لم تحتمله قلوبهم وتدركه عقولهم, فأجبت رسول الله صلى الله عليه وآله وحدي إلى ما دعا إليه مسرعا مطيعا موقنا, لم يتخالجني في ذلك شك, فمكثنا بذلك ثلاث حجج وما على وجه الأرض خلق يصلي أو يشهد لرسول الله صلى الله عليه وآله بما آتاه الله غيري وغير ابنة خويلد رحمها الله وقد فعل.
ثم أقبل عليه السلام على أصحابه فقال: أليس كذلك قالوا: بلى يا أمير المؤمنين فقال عليه السلام:
وأما الثانية يا أخا اليهود فإن قريشا لم تزل تخيل الآراء وتعمل الحيل في قتل النبي صلى الله عليه وآله حتى كان آخر ما اجتمعت في ذلك يوم الدار - دار الندوة - وإبليس الملعون حاضر في صورة أعور ثقيف, فلم تزل تضرب أمرها ظهر البطن حتى اجتمعت آراؤها على أن ينتدب من كل فخذ من قريش رجل, ثم يأخذ كل رجل منهم سيفه ثم يأتي النبي صلى الله عليه وآله وهو نائم على فراشه فيضربونه جميعا بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه, وإذا قتلوه منعت قريش رجالها ولم تسلمها فيمضي دمه هدرا, فهبط جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله فأنبأه بذلك وأخبره بالليلة التي يجتمعون فيها والساعة التي يأتون فراشه فيها, وأمره بالخروج في الوقت الذي خرج فيه إلى الغار, فأخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله بالخبر, وأمرني أن أضطجع في مضجعه وأقيه بنفسي, فأسرعت إلى ذلك مطيعا له مسرورا لنفسي بأن اقتل دونه, فمضى عليه السلام لوجهه واضطجعت في مضجعه وأقبلت رجالات قريش موقنة في أنفسها أن تقتل النبي صلى الله عليه وآله فلما استوى بي وبهم البيت الذي أنا فيه ناهضتهم بسيفي فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الله والناس.
ثم أقبل عليه السلام على أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين, فقال عليه السلام:
وأما الثالثة يا أخا اليهود فإن ابني ربيعة وابن عتبة كانوا فرسان قريش دعوا إلى البراز يوم بدر فلم يبرز لهم خلق من قريش فأنهضني رسول الله صلى الله عليه وآله مع صاحبي - رضي الله عنهما - وقد فعل وأنا أحدث أصحابي سنا وأقلهم للحرب تجربة, فقتل الله عز وجل بيدي وليدا وشيبة, سوى من قتلت من جحاجحة قريش في ذلك اليوم, وسوى من أسرت, وكان مني أكثر مما كان من أصحابي واستشهد ابن عمي في ذلك رحمة الله عليه.
ثم التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك قالوا: بلى يا أمير المؤمنين, فقال علي عليه السلام:
وأما الرابعة يا أخا اليهود فإن أهل مكة أقبلوا إلينا على بكرة أبيهم قد استحاشوا من يليهم من قبايل العرب وقريش طالبين بثأر مشركي قريش في يوم بدر, فهبط جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله فأنبأه بذلك, فذهب النبي صلى الله عليه وآله وعسكر بأصحابه في سد أحد, وأقبل المشركون إلينا فحملوا إلينا حملة رجل واحد, واستشهد من المسلمين من استشهد, وكان ممن بقي من الهزيمة, وبقيت مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومضى المهاجرون والأنصار إلى منازلهم من المدينة كل يقول: قتل النبي صلى الله عليه وآله وقتل أصحابه ثم ضرب الله عز وجل وجوه المشركين وقد جرحت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله نيفا وسبعين جرحة منها هذه وهذه - ثم ألقى عليه السلام رداءه وأمر يده على جراحاته - وكان مني في ذلك ما على الله عز وجل ثوابه إن شاء الله.
ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين, فقال عليه السلام:
وأما الخامسة يا أخا اليهود فإن قريشا والعرب تجمعت وعقدت بينها عقدا وميثاقا لا ترجع من وجهها حتى تقتل رسول الله وتقتلنا معه معاشر بني عبد المطلب, ثم أقبلت بحدها وحديدها حتى أناخت علينا بالمدينة, واثقة بأنفسها فيما توجهت له فهبط جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله فأنبأه بذلك فخندق على نفسه ومن معه من المهاجرين والأنصار, فقدمت قريش فأقامت على الخندق محاصرة لنا, ترى في أنفسها القوة وفينا الضعف ترعد وتبرق ورسول الله صلى الله عليه وآله يدعوها إلى الله عز وجل ويناشدها بالقرابة والرحم فتأبى, ولا يزيدها ذلك إلا عتوا, وفارسها وفارس العرب يومئذ عمرو بن عبد ود, يهدر كالبعير المغتلم يدعو إلى البراز ويرتجز ويخطر برمحه مرة وبسيفه مرة لا يقدم عليه مقدم, ولا يطمع فيه طامع, ولا حمية تهيجه ولا بصيرة تشجعه, فأنهضني إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وعممني بيده وأعطاني سيفه هذا, وضرب بيده إلى ذي الفقار, فخرجت إليه ونساء أهل المدينة بواك إشفاقا علي من ابن عبد ود, فقتله الله عز وجل بيدي, والعرب لا تعدلها فارسا غيره, وضربني هذه الضربة - وأومأ بيده إلى هامته - فهزم الله قريشا والعرب بذلك وبما كان مني فيهم من النكاية.
ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين, فقال عليه السلام:
وأما السادسة يا أخا اليهود فإنا وردنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله مدينة أصحابك خيبر على رجال من اليهود وفرسانها من قريش وغيرها, فتلقونا بأمثال الجبال من الخيل والرجال والسلاح, وهم في أمنع دار وأكثر عدد, كل ينادي ويدعو ويبادر إلى القتال فلم يبرز إليهم من أصحابي أحد إلا قتلوه حتى إذا احمرت الحدق, ودعيت إلى النزال وأهمت كل امرئ نفسه . والتفت بعض أصحابي إلي بعض وكل يقول: يا أبا الحسن انهض, فأنهضني رسول الله صلى الله عليه وآله إلى دارهم فلم يبرز إلي منهم أحد إلا قتلته, ولا يثبت لي فارس إلا طحنته ثم شددت عليهم شدة الليث على فريسته, حتى أدخلتهم جوف مدينتهم مسددا عليهم, فاقتلعت باب حصنهم بيدي حتى دخلت عليهم مدينتهم وحدي أقتل من يظهر فيها من رجالها, وأسبي من أجد من نسائها حتى أفتتحها وحدي, ولم يكن لي فيها معاون إلا الله وحده.
ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين, فقال عليه السلام:
وأما السابعة يا أخا اليهود فإن رسول لله صلى الله عليه وآله لما توجه لفتح مكة أحب أن يعذر إليهم ويدعوهم إلى الله عز وجل آخرا كما دعاهم أولا فكتب إليهم كتابا يحذرهم فيه وينذرهم عذاب الله ويعدهم الصفح ويمنيهم مغفرة ربهم, ونسخ لهم في آخره سورة براءة ليقرأها عليهم, ثم عرض على جميع أصحابه المضي به فكلهم يرى التثاقل فيه, فلما رأى ذلك ندب منهم رجلا فوجهه به فأتاه جبرئيل فقال: يا محمد لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك فأنبأني رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك ووجهني بكتابه ورسالته إلى أهل مكة فأتيت مكة وأهلها من قد عرفتم ليس منهم أحد إلا ولو قدر أن يضع على كل جبل مني إربا لفعل, ولو أن يبذل في ذلك نفسه وأهله وولده وماله, فبلغتهم رسالة النبي صلى الله عليه وآله وقرأت عليهم كتابه, فكلهم يلقاني بالتهدد والوعيد ويبدى لي البغضاء, ويظهر الشحناء من رجالهم ونسائهم, فكان مني في ذلك ما قد رأيتم.
ثم التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين . فقال عليه السلام:
يا أخا اليهود هذه المواطن التي امتحنني فيه ربي عز وجل مع نبيه صلى الله عليه وآله فوجدني فيها كلها بمنه مطيعا, ليس لأحد فيها مثل الذي لي ولو شئت لوصفت ذلك ولكن الله عز وجل نهى عن التزكية . فقالوا: يا أمير المؤمنين: صدقت والله ولقد أعطاك الله عز وجل الفضيلة بالقرابة من نبينا صلى الله عليه وآله وسلم, وأسعدك بأن جعلك أخاه, تنزل منه بمنزلة هارون من موسى, وفضلك بالمواقف التي باشرتها, والأهوال التي ركبتها, وذخر لك الذي ذكرت وأكثر منه مما لم تذكره, ومما ليس لأحد من المسلمين مثله, يقول ذلك من شهدك منا مع نبينا صلى الله عليه وآله ومن شهدك بعده, فأخبرنا يا أمير المؤمنين ما امتحنك الله عز وجل به بعد نبينا صلى الله عليه وآله فاحتملته وصبرت, فلو شئنا أن نصف ذلك لوصفناه علما منا به وظهورا منا عليه, إلا أنا نحب أن نسمع منك ذلك كما سمعنا منك ما امتحنك الله به في حياته فأطعته فيه . فقال عليه السلام: يا أخا اليهود إن الله عز وجل امتحنني بعد وفاة نبيه صلى الله عليه وآله في سبعة مواطن فوجدني فيهن - من غير تزكية لنفسي - منه ونعمته صبورا .
واما أولهن يا أخا اليهود فإنه لم يكن لي خاصة دون المسلمين عامة أحد آنس به أو أعتمد عليه أو أستنيم إليه أو أتقرب به غير رسول الله صلى الله علية وآله, هو رباني صغيرا وبوأني كبيرا, وكفاني العيلة, وجبرني من اليتم, وأغناني عن الطلب, ووقاني المكسب . وعال لي النفس والولد والاهل هذا في تصاريف أمر الدنيا مع ما خصني به من الدرجات التي قادتني إلى معالي الحق عند الله عز وجل فنزل بي من وفاة رسول - الله صلى الله عليه وآله ما لم أكن أظن الجبال لو حملته عنوة كانت تنهض به فرأيت الناس من أهل بيتي ما بين جازع لا يملك جزعه, ولا يضبط نفسه, ولا يقوي على حمل فادح ما نزل به قد أذهب الجزع صبره, وأذهل عقله, وحال بينه وبين الفهم والافهام والقول والاسماع, وسائر الناس من غير بني عبد المطلب بين معز يأمر بالصبر, وبين مساعد باك لبكائهم, جازع لجزعهم, وحملت نفسي على الصبر عند وفاته بلزوم الصمت والاشتغال بما أمرني به من تجهيزه, وتغسيله وتحنيطه وتكفينه, والصلاة عليه, ووضعه في حفرته, وجمع كتاب الله وعهده إلى خلقه, لا يشغلني عن ذلك بادر دمعة ولا هائج زفرة ولا لاذع حرقة ولا جزيل مصيبة حتى أديت في ذلك الحق الواجب لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وآله علي, وبلغت منه الذي أمرني به, واحتملته صابرا محتسبا.
ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين . فقال عليه السلام:
وأما الثانية يا أخا اليهود, فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرني في حياته على جميع أمته وأخذ على جميع من حضره منهم البيعة والسمع والطاعة لامري, وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب ذلك, فكنت المؤدى إليهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله أمره إذا حضرته والأمير على من حضرني منهم إذا فارقته, لا تختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي في شئ من الامر في حياة النبي صلى الله عليه وآله ولا بعد وفاته, ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بتوجيه الجيش الذي وجهه مع أسامة بن زيد عند الذي أحدث الله به من المرض الذي توفاه فيه, فلم يدع النبي أحدا من أفناء العرب ولا من الأوس والخزرج وغيرهم من سائر الناس ممن يخاف على نقضه ومنازعته ولا أحدا ممن يراني بعين البغضاء ممن قد وترته بقتل أبيه أو أخيه أو حميمه إلا وجهه في ذلك الجيش, ولا من المهاجرين والأنصار والمسلمين وغيرهم والمؤلفة قلوبهم والمنافقين, لتصفو قلوب من يبقى معي بحضرته, ولئلا يقول قائل شيئا مما أكرهه, ولا يدفعني دافع من الولاية والقيام بأمر رعيته من بعده, ثم كان آخر ما تكلم به في شئ من أمر أمته أن يمضي جيش أسامة ولا يتخلف عنه أحد ممن أنهض معه, وتقدم في ذلك أشد التقدم وأوعز فيه أبلغ الإيعاز وأكد فيه أكثر التأكيد فلم أشعر بعد أن قبض النبي صلى الله عليه وآله إلا برجال من بعث أسامة بن زيد وأهل عسكره قد تركوا مراكزهم, وأخلوا مواضعهم, وخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله فيما أنهضهم له وأمرهم به وتقدم إليهم من ملازمة أميرهم والسير معه تحت لوائه حتى ينفذ لوجهه الذي أنفذه إليه, فخلفوا أميرهم مقيما في عسكره, وأقبلوا يتبادرون على الخيل ركضا إلى حل عقدة عقدها الله عز وجل لي ولرسوله صلى الله عليه وآله في أعناقهم فحلوها, وعهد عاهدوا الله ورسوله فنكثوه, وعقدوا لأنفسهم عقدا ضجت به أصواتهم واختصت به آراؤهم من غير مناظرة لاحد منا بني عبد المطلب أو مشاركة في رأي أو استقالة لما في أعناقهم من بيعتي, فعلو ذلك وأنا برسول الله صلى الله عليه وآله مشغول وبتجهيزه عن سائر الأشياء مصدود فإنه كان أهمها وأحق ما بدئ به منها, فكان هذا يا أخا اليهود أقرح ما ورد على قلبي مع الذي أنا فيه من عظيم الرزية, وفاجع المصيبة, وفقد من لا خلف منه إلا الله تبارك وتعالى, فصبرت عليها إذا أتت بعد أختها على تقاربها وسرعة اتصالها.
ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين, فقال عليه السلام:
وأما الثالثة يا أخا اليهود فإن القائم بعد النبي صلى الله عليه وآله كان يلقاني معتذرا في كل أيامه ويلوم غيره ما ارتكبه من أخذ حقي ونقض بيعتي وسألني تحليله, فكنت أقول: تنقضي أيامه, ثم يرجع إلي حقي الذي جعله الله لي عفوا هنيئا من غير أن أحدث في الاسلام مع حدوثه وقرب عهده بالجاهلية حدثا في طلب حقي بمنازعة لعل فلانا يقول فيها: نعم وفلانا يقول: لا, فيؤول ذلك من القول إلى الفعل, وجماعة من خواص أصحاب محمد صلى الله عليه وآله أعرفهم بالنصح لله ولرسوله ولكتابه ودينه الاسلام يأتوني عودا وبدءا وعلانية وسرا فيدعوني إلى أخذ حقي, ويبذلون أنفسهم في نصرتي ليؤدوا إلى بذلك بيعتي في أعناقهم, فأقول رويدا وصبرا لعل الله يأتيني بذلك عفوا بلا منازعة ولا إراقة الدماء, فقد ارتاب كثير من الناس بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله, وطمع في الامر بعده من ليس له بأهل, فقال كل قوم: منا أمير, وما طمع القائلون في ذلك إلا لتناول غيري الامر, فلما دنت وفاة القائم وانقضت أيامه صير الامر بعده لصاحبه, فكانت هذه أخت أختها, ومحلها مني مثل محلها وأخذا مني ما جعله الله لي, فاجتمع إلى من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله ممن مضى وممن بقي ممن أخره الله من اجتمع فقالوا لي فيها مثل الذي قالوا في أختها, فلم يعد قولي الثاني قولي الأول صبرا واحتسابا ويقينا وإشفاقا من أن تفنى عصبة تألفهم رسول الله صلى الله عليه وآله باللين مرة وبالشدة أخرى, وبالنذر مرة وبالسيف أخرى حتى لقد كان من تألفه لهم أن كان الناس في الكر والفرار والشبع والري, واللباس والوطاء والدثار ونحن أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله لا سقوف لبيوتنا, ولا أبواب ولا ستور إلا الجرائد, وما أشبهها ولا وطاء لنا ولا دثار علينا, يتداول الثوب الواحد في الصلاة أكثرنا, ونطوي الليالي والأيام عامتنا, وربما أتانا الشئ مما أفاءه الله علينا وصيره لنا خاصة دون غيرنا ونحن على ما وصفت من حالنا فيؤثر به رسول الله صلى الله عليه وآله أرباب النعم والأموال تألفا منه لهم, فكنت أحق من لم يفرق هذه العصبة التي ألفها رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يحملها على الخطة التي لاخلاص لها منها دون بلوغها أو فناء آجالها لأني لو نصبت نفسي فدعوتهم إلى نصرتي كانوا منى وفي أمري على إحدى منزلتين إما متبع مقاتل, وإما مقتول إن لم يتبع الجميع, وإما خاذل يكفر بخذلانه إن قصر في نصرتي أو أمسك عن طاعتي, وقد علم الله أني منه بمنزلة هارون من موسى, يحل به في مخالفتي والامساك عن نصرتي ما أحل قوم موسى بأنفسهم في مخالفة هارون وترك طاعته ورأيت تجرع الغصص ورد أنفاس الصعداء ولزوم الصبر حتى يفتح الله أو يقضى بما أحب أزيد لي في حظي وأرفق بالعصابة التي وصفت أمرهم " وكان أمر الله قدرا مقدورا " ولو لم أتق هذه الحالة - يا أخا اليهود - ثم طلبت حقي لكنت أولى ممن طلبه لعلم من مضى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ومن بحضرتك منه بأني كنت أكثر عددا وأعز عشيرة وأمنع رجالا وأطوع أمرا وأوضح حجة وأكثر في هذا الدين مناقب وآثارا لسوابقي وقرابتي ووراثتي فضلا عن استحقاقي ذلك بالوصية التي لا مخرج للعباد منها والبيعة المتقدمة في أعناقهم ممن تناولها, وقد قبض محمد صلى الله عليه وآله وإن ولاية الأمة في يده وفي بيته, لا في يد الأولى تناولوها ولا في بيوتهم, ولأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا أولى بالامر من بعده من غيرهم في جميع الخصال.
ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ فقالوا: بلى يا أمير المؤمنين فقال عليه السلام:
وأما الرابعة يا أخا اليهود فإن القائم بعد صاحبه كان يشاورني في موارد الأمور فيصدرها عن أمري ويناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأيي, لا أعلم أحدا ولا يعلمه أصحابي يناظره في ذلك غيري, ولا يطمع في الامر بعده سواي, فلما ( أن ) أتته منيته على فجأة بلا مرض كان قبله ولا أمر كان أمضاه في صحة من بدنه لم أشك أني قد استرجعت حقي في عافية بالمنزلة التي كنت أطلبها, والعاقبة التي كنت التمسها وإن الله سيأتي بذلك على أحسن ما رجوت, وأفضل ما أملت, وكان من فعله أن ختم أمره بأن سمى قوما أنا سادسهم, ولم يستوني بواحد منهم, ولا ذكر لي حالا في وراثة الرسول ولا قرابة ولا صهر ولا نسب, ولا لواحد منهم مثل سابقة من سوابقي ولا أثر من آثاري, وصيرها شورى بيننا وصير ابنه فيها حاكما علينا وأمره أن يضرب أعناق النفر الستة الذين صير الامر فيهم إن لم ينفذوا أمره, وكفى بالصبر على هذا - يا أخا اليهود - صبرا فمكث القوم أيامهم كلها كل يخطب لنفسه وأنا ممسك عن أن سألوني عن أمري فناظرتهم في أيامي وأيامهم وآثاري وآثارهم, وأوضحت لهم ما لم يجهلوه من وجوه استحقاقي لها دونهم وذكرتهم عهد رسول الله صلى الله عليه وآله إليهم وتأكيد ما أكده من البيعة لي في أعناقهم, دعاهم حب الامارة وبسط الأيدي والألسن في الأمر والنهي والركون إلى الدنيا والاقتداء بالماضين قبلهم إلى تناول ما لم يجعل الله لهم, فإذا خلوت بالواحد ذكرته أيام الله وحذرته ما هو قادم عليه وصائر إليه, التمس مني شرطا أن أصيرها له بعدي فلما لم يجدوا عندي إلا المحجة البيضاء, والحمل على كتاب الله عز وجل ووصية الرسول وإعطاء كل امرئ منهم ما جعله الله له, ومنعه ما لم يجعل الله له أزالها عني إلى ابن عفان طمعا في الشحيح معه فيها, وابن عفان رجل لم يستوبه (؟ ) وبواحد ممن حضره حال قط فضلا عمن دونهم لاببدر التي هي سنام فخرهم ولا غيرها من المآثر التي أكرم الله بها رسوله ومن اختصه معه من أهل بيته عليه السلام ثم لم أعلم القوم أمسوا من يومهم ذلك حتى ظهرت ندامتهم ونكصوا على أعقابهم وأحال بعضهم على بعض, كل يلوم نفسه ويلوم أصحابه, ثم لم تطل الأيام بالمستبد بالامر ابن عفان حتى أكفروه وتبرؤوا منه ومشى إلى أصحابه خاصة وسائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله عامة يستقيلهم من بيعته ويتوب إلى الله من فلتته, فكانت هذه - يا أخا اليهود - أكبر من أختها وأفظع وأحرى أن لا يصبر عليها, فنالني منها الذي لا يبلغ وصفه ولا يحد وقته, ولم يكن عندي فيها إلا الصبر على ما أمض وأبلغ منها, ولقد أتاني الباقون من الستة من يومهم كل راجع عما كان ركب مني يسألني خلع ابن عفان والوثوب عليه وأخذ حقي ويؤتيني صفقته وبيعته على الموت تحت رايتي أو يرد الله عز وجل على حقي, فوالله - يا أخا اليهود - ما منعني منا إلا الذي منعني من أختيها قبلها, ورأيت الابقاء على من بقي من الطائفة أبهج لي وآنس لقلبي من فنائها, وعلمت أني إن حملتها على دعوة الموت ركبته, فأما نفسي فقد علم من حضر ممن ترى ومن غاب من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله أن الموت عندي بمنزلة الشربة الباردة في اليوم الشديد الحر من ذي العطش الصدى, ولقد كنت عاهدت الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله أنا وعمي حمزة وأخي جعفر, وابن عمي عبيدة على أمر وفينا به لله عز وجل ولرسوله, فتقدمني أصحابي وتخلفت بعدهم لما أراد الله عز وجل فأنزل الله فينا " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " حمزة وجعفر وعبيدة وأنا والله والمنتظر - يا أخ اليهود - وما بدلت تبديلا, وما سكتني عن ابن عفان وحثني على الامساك عنه إلا أني عرفت من أخلاقه فيما اختبرت منه بما لن يدعه حتى يستدعي الأباعد إلى قتله وخلعه فضلا عن الأقارب وأنا في عزلة, فصبرت حتى كان ذلك, لم أنطق فيه بحرف من " لا ", ولا " نعم " ثم أتاني القوم وأنا - علم الله - كاره لمعرفتي بما تطاعموا به من اعتقال الأمول والمرح في الأرض وعلمهم بأن تلك ليست لهم عندي وشديد عادة منتزعة فلما لم يجدوا عندي تعللوا الأعاليل.
ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ فقالوا: بلى يا أمير المؤمنين فقال عليه السلام:
وأما الخامسة يا أخا اليهود فإن المتابعين لي لما لم يطمعوا في تلك مني وثبوا بالمرأة علي وأنا ولي أمرها, والوصي عليها, فحملوها على الجمل وشدوها على الرحال, وأقبلوا بها تخبط الفيافي وتقطع البراري وتنبح عليها كلاب الحوأب, وتظهر لهم علامات الندم في كل ساعة وعند كل حال في عصبة قد بايعوني ثانية بعد بيعتهم الأولى في حياة النبي صلى الله عليه وآله حتى أتت أهل بلدة قصيرة أيديهم, طويلة لحاهم, قليلة عقولهم عازبة آراؤهم, وهم جيران بدو ووراد بحر, فأخرجتهم يخبطون بسيوفهم من غير علم, ويرمون بسهامهم بغير فهم, فوقفت من أمرهم على اثنتين كلتاهما في محلة المكروه ممن إن كففت لم يرجع ولم يعقل, وإن أقمت كنت قد صرت إلى التي كرهت فقدمت الحجة بالأعذار والانذار, ودعوت المرأة إلى الرجوع إلى بيتها, والقوم الذين حملوها على الوفاء ببيعتهم لي, والترك لنقضهم عهد الله عز وجل في, وأعطيتهم من نفسي كل الذي قدرت عليه, وناظرت بعضهم فرجع وذكرت فذكر, ثم أقبلت على الناس بمثل ذلك فلم يزدادوا إلا جهلا وتماديا وغيا, فلما أبوا إلا هي, ركبتها منه فكانت عليهم الدبرة, وبهم الهزيمة, ولهم الحسرة, وفيهم الفناء والقتل, وحملت نفسي على التي لم أجد منها بدا, ولم يسعني إذ فعلت ذلك وأظهرته آخرا مثل الذي وسعني منه أولا من الاغضاء والامساك ورأيتني إن أمسكت كنت معينا لهم علي بامساكي على ما صاروا إليه وطمعوا فيه من تناول الأطراف, وسفك الدماء وقتل الرعية وتحكيم النساء النواقص العقول والحظوظ على كل حال, كعادة بنى الأصفر ومن مضى من ملوك سبأ والأمم الخالية, فأصير إلى ما كرهت أولا وآخرا, وقد أهملت المرأة وجندها يفعلون ما وصفت بين الفريقين من الناس, ولم أهجم على الامر إلا بعدما قدمت وأخرت, وتأنيت وراجعت, وأرسلت وسافرت, وأعذرت وأنذرت وأعطيت القوم كل شئ يلتمسوه بعد أن عرضت عليهم كل شئ لم يلتمسوه, فلما أبوا إلا تلك, أقدمت عليها, فبلغ الله بي وبهم ما أراد, وكان لي عليهم بما كان مني إليهم شهيدا.
ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين, فقال عليه السلام:
وأما السادسة يا أخا اليهود فتحكيمهم [الحكمين] ومحاربة ابن آكلة الأكباد وهو طليق معاند لله عز وجل ولرسوله والمؤمنين منذ بعث الله محمدا إلى أن فتح الله عليه مكة عنوة فأخذت بيعته وبيعة أبيه لي معه في ذلك اليوم وفي ثلاثة مواطن بعده, وأبوه بالأمس أول من سلم علي بإمرة المؤمنين, وجعل يحثني على النهوض في أخذ حقي من الماضين قبلي, ويجدد لي بيعته كلما أتاني, وأعجب العجب أنه لما رأى ربي تبارك وتعالى قد رد إلي حقي وأقر في معدنه, وانقطع طمعه أن يصير في دين الله رابعا وفي أمانة حملناها حاكما, كر على العاصي بن العاص فاستماله فمال إليه, ثم أقبل به بعد أن أطعمه مصر, وحرام عليه أن يأخذ من الفيئ دون قسمه درهما, وحرام على الراعي إيصال درهم إليه فوق حقه, فأقيل يخبط البلاد بالظلم ويطأها بالغشم, فمن بايعه أرضاه, ومن خالفه ناواه, ثم توجه إلي ناكثا علينا مغيرا في البلاد شرقا وغربا ويمينا وشمالا, والأنباء تأتيني والاخبار ترد علي بذلك, فأتاني أعور ثقيف فأشار علي أن أوليه البلاد التي هو بها لاداريه بما أوليه منها وفي الذي أشار به الرأي في أمر الدنيا لو وجدت عند الله عز وجل في توليته لي مخرجا, وأصبت لنفسي في ذلك عذرا, فأعلمت الرأي في ذلك, وشاورت من أثق بنصيحته لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وآله ولي وللمؤمنين فان رأيه في ابن آكلة الأكباد كرأيي, ينهاني عن توليته ويحذرني أن ادخل في أمر المسلمين يده, ولم يكن الله ليراني أتخذ المضلين عضدا, فوجهت إليه أخا بجيلة مرة وأخا الأشعريين مرة كلاهما ركن إلى الدنيا وتابع هواه فيما أرضاه, فلما لم أراه [ أن ] يزداد فيما انتهك من محارم الله إلا تماديا شاورت من معي من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله البدريين والذين ارتضى الله عز وجل أمرهم ورضي عنهم بعد بيعتهم, وغيرهم من صلحاء المسلمين والتابعين فكل يوافق رأيه رأيي في غزوه ومحاربته ومنعه مما نالت يده, وإني نهضت إليه بأصحابي, أنفذ إليه من كل موضع كتبي وأوجه إليه رسلي أدعوه إلى الرجوع عما هو فيه, والدخول فيما فيه الناس معي, فكتب يتحكم علي ويتمنى علي الأماني ويشترط علي شروطا لا يرضاها الله عز وجل ورسوله ولا المسلمون, ويشترط في بعضها أن أدفع إليه أقواما من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله أبرارا, فيهم عمار بن ياسر, وأين مثل عمار؟ والله لقد رأيتنا مع النبي صلى الله عليه وآله وما يعد منا خمسة إلا كان سادسهم, ولا أربعة إلا كان خامسهم, اشترط دفعهم إليه ليقتلهم ويصلبهم وانتحل دم عثمان, ولعمر والله ما ألب على عثمان ولا جمع الناس على قتله إلا هو وأشباهه من أهل بيته أغصان الشجرة الملعونة في القرآن, فلما لم أجب إلى ما اشترط من ذلك كر مستعليا في نفسه بطغيانه وبغيه بحمير لا عقول لهم ولا بصائر, فموه لهم أمرا فاتبعوه, وأعطاهم من الدنيا ما أمالهم به إليه, فناجزناهم وحاكمناهم إلى الله عز وجل بعد الاعذار والانذار فلما لم يزده ذلك إلا تماديا وبغيا لقيناه بعادة الله التي عودناه من النصر على أعدائه وعدونا, وراية رسول الله صلى الله عليه وآله بأيدينا, لم يزل الله تبارك وتعالى يفل حزب الشيطان بها حتى يقضي الموت عليه, وهو معلم رايات أبيه التي لم أزل أقاتلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله في كل المواطن, فلم يجد من الموت منجى إلا الهرب فركب فرسه وقلب رايته, لا يدري كيف يحتال فاستعان برأي ابن العاص فأشار عليه بإظهار المصاحف ورفعها علي الاعلام والدعاء إلى ما فيها وقال: إن ابن أبي طالب وحزبه أهل بصائر ورحمة وتقيا وقد دعوك إلى كتاب الله أولا وهم مجيبوك إليه آخرا فأطاعه فيما أشار به عليه إذ رأى أنه لا منجى له من القتل أو الهرب غيره, فرفع المصاحف يدعو إلى ما فيها بزعمه, فمالت إلى المصاحف قلوب ومن بقي من أصحابي بعد فناء أخيارهم وجهدهم في جهاد أعداء الله وأعدائهم على بصائرهم وظنوا أن ابن آكلة الأكباد له الوفاء بما دعا إليه, فأصغوا إلى دعوته وأقبلوا بأجمعهم في إجابته فأعلمتهم أن ذلك منه مكر ومن ابن العاص معه وأنهما إلى النكث أقرب منهما إلى الوفاء, فلم يقبلوا قولي ولم يطيعوا أمري, وأبوا إلا إجابته كرهت أم هويت, شئت أو أبيت حي أخذ بعضهم يقول لبعض: إن لم يفعل فألحقوه بان عفان أو ادفعوه إلى ابن هند برمته . فجهدت - علم الله جهدي - ولم أدع غلة في نفسي إلا بلغتها في أن يخلوني ورأيي فلم يفعلوا, وراودتهم على الصبر على مقدار فواق الناقة أو ركضة الفرس فلم يجيبوا ما خلا هذا الشيخ - وأومأ بيده إلى الأشتر - وعصبة من أهل بيتي, فوالله ما منعني أن أمضي على بصيرتي إلا مخافة أن يقتل هذان - وأومأ بيده إلى الحسن والحسين عليه السلام - فينقطع نسل رسول الله صلى الله عليه وآله وذريته من أمته ومخافة أن يقتل هذا وهذا - وأومأ بيده إلى عبد الله بن جعفر ومحمد بن الحنفية رضي الله عنهما - فإني أعلم لولا مكاني لم يقفا ذلك الموقف فلذلك صبر على ما أراد القوم مع ما سبق فيه من علم الله عز وجل فلما رفعنا عن القوم سيوفنا تحكموا في الأمور وتخيروا الاحكام والآراء وتركوا المصاحف وما دعوا إليه من حكم القرآن, وما كنت أحكم في دين الله أحدا إذ كان التحكيم في ذلك الخطأ الذي لا شك فيه ولا امتراء, فلما أبوا إلا ذلك أردت أن احكم رجلا من أهل بيتي أو رجلا ممن أرضي رأيه وعقله وأثق بنصيحته ومودته ودينه . وأقبلت لا اسمي أحدا إلا امتنع منه ابن هند ولا أدعوه إلى شئ من الحق إلا أدبر عنه, وأقبل ابن هند يسومنا عسفا, وما ذاك إلا باتباع أصحابي له على ذلك فلما أبوا إلا غلبتي على التحكم تبرأت إلى الله عز وجل منهم وفوضت ذلك إليهم فقلدوه امرءا فخدعه ابن العاص خديعة ظهرت في شرق الأرض وغربها, وأظهر المخدوع عليها ندما.
ثم أقبل عليه السلام على أصحابه فقال: أليس كذلك قالوا: بلى يا أمير المؤمنين فقال عليه السلام :
وأما السابعة يا أخا اليهود فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان عهد إلي أن أقاتل في آخر الزمان من أيامي قوما من أصحابي يصومون النهار ويقومون الليل ويتلون الكتاب, يمرقون بخلافهم علي ومحاربتهم إياي من الدين مروق السهم من الرمية, فيهم ذو الثدية يختم لي بقتلهم بالسعادة فلما انصرفت إلى موضعي هذا يعني بعد الحكمين أقبل بعض القوم على بعض باللائمة فيما صاروا إليه من تحكيم الحكمين, فلم يجدوا لأنفسهم من ذلك مخرجا إلا أن قالوا: كان ينبغي لأميرنا أن لا يبايع من أخطأ وأن يقضى بحقيقة رأيه على قتل نفسه وقتل من خالفه منا فقد كفر بمتابعته إيانا وطاعته لنا في الخطأ, وأحل لنا بذلك قتله وسفك دمه, فتجمعوا على ذلك وخرجوا راكبين رؤوسهم ينادون بأعلى أصواتهم: لا حكم إلا لله, ثم تفرقوا فرقة بالنخيلة وأخرى بحروراء وأخرى راكبة رأسها تخبط الأرض شرقا حتى عبرت دجلة, فلم تمر بمسلم إلا امتحنته, فمن تابعها استحيته, ومن خالفها قتلته, فخرجت إلى الأوليين واحدة بعد أخرى أدعوهم إلى طاعة الله عز وجل والرجوع إليه فأبيا إلا السيف لا يقنعهما غير ذلك, فلما أعيت الحيلة فيهما حاكمتهما إلى الله عز وجل فقتل الله هذه وهذه وكانوا - يا أخا اليهود - لولا ما فعلوا لكانوا ركنا قويا وسدا منيعا, فأبى الله إلا ما صاروا إليه, ثم كتبت إلى الفرقة الثالثة ووجهت رسلي تترى وكانوا من جلة أصحابي وأهل التعبد منهم والزهد في الدنيا فأبت إلا اتباع أختيها والاحتذاء على مثالهما وأسرعت في قتل من خالفها من المسلمين وتتابعت إلي الاخبار بفعلهم, فخرجت حتى قطعت إليهم دجلة, أوجه السفراء والنصحاء وأطلب العتبي بجهدي بهذا مرة وبهذا مرة - أومأ بيده إلى الأشتر, والأحنف بن قيس, وسعيد بن قيس الأرحبي والأشعث بن قيس الكندي - فلما أبوا إلا تلك ركبتها منهم فقتلهم الله - يا أخا اليهود - عن آخرهم, وهم أربعة آلاف أو يزيدون حتى لم يفلت منهم مخبر, فاستخرجت ذا الثدية من قتلاهم بحضرة من ترى, له ثدي كثدي المرأة ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال, أليس كذلك؟ قالوا, بلى يا أمير المؤمنين, فقال عليه السلام: قد وفيت سبعا وسبعا يا أخا اليهود, وبقيت الأخرى وأوشك بها فكان قد .
فبكى أصحاب علي عليه السلام وبكى رأس اليهود وقالوا: يا أمير المؤمنين أخبرنا بالأخرى فقال: الأخرى أن تخضب هذه - وأومأ بيده إلى لحيته - من هذه - أومأ بيده إلى هامته, قال: وارتفعت أصوات الناس في المسجد الجامع بالضجة والبكاء حتى لم يبق بالكوفة دار إلا خرج أهلها فزعا, وأسلم رأس اليهود على يدي علي عليه السلام من ساعته ولم يزل مقيما حتى قتل أمير المؤمنين عليه السلام وأخذ ابن ملجم - لعنه الله - فأقبل رأس اليهود حتى وقف على الحسن عليه السلام والناس حوله وابن ملجم - لعنه الله - بين يديه فقال له: يا أبا محمد اقتله قتله الله, فإني رأيت في الكتب التي أنزلت على موسى عليه السلام أن هذا أعظم عند الله عز وجل جرما من ابن آدم قاتل أخيه ومن القدار عاقر ناقة ثمود .
|