بسم الله الرحمن الرحيم
الَلهّمّ صَلّ عَلَىَ محمد وآل مُحَّمدْ الَطَيبيِن الطَاهرين الأشْرَافْ وَعجَّل فَرَجَهُم ياكريم.
قال الشهيد الثاني قدس سره في كتابه الجليل منية المريد:
روى شيخنا المتقدّم محمّد بن يعقوب الكلينيّ قدّس الله روحه بإسناده إلى الحسين بن علوان قال: كنّا في مجلس نطلب فيه العلم, وقد نفدت نفقتي في بعض الأسفار, فقال لي بعض أصحابنا: من تؤمّل لما قد نزل بك؟ فقلت: فلاناً, فقال: إذن والله لا تسعف حاجتك, ولا يبلغك أملك, ولا تنجح طلبتك. قلت: وما علمك رحمك الله؟ قال: إنّ أبا عبد الله عليه السلام حدّثني أنّه قرأ في بعض الكتب: أنّ الله تبارك وتعالى يقول: وعزّتي وجلالي ومجدي وارتفاعي على عرشي لأقطعنّ أمل كلّ مؤمّل غيري باليأس, ولأكسونّه ثوب المذلّة عند الناس, ولأنّحينّه من قربي, ولأبعدنّه من وصلي, أيؤمّل غيري في الشدائد, والشدائد بيدي, ويرجو غيري ويقرع بالفكر باب غيري وبيدي مفاتيح الأبواب وهي مغلقه, وبابي مفتوح لمن دعاني؟ فمن الّذي أمّلني لنوائبه فقطعته دونها؟! ومن الّذي رجاني لعظيمة فقطت رجاءه مني؟ جعلت آمال عبادي عندي محفوظة, فلم يرضوا بحفظي, وملأت سماواتي ممّن لا يملّ من تسبيحي, وأمرتهم أن لا يغلقوا الأبواب بيني وبين عبادي, فلم يثقوا بقولي, ألم يعلم من طرقته نائبة من نوائبي أنّه لا يملك كشفها أحد غيري, إلّا من بعد إذني, فما لي أراه لاهياً عنّي؟! أعطيته بجودي ما لم يسألني, ثمّ انتزعته عنه, فلم يسألني ردّه, وسأل غيري! أفيراني أبدأ بالعطاء قبل المسألة, ثمّ أسأل فلا أجيب سائلي؟! أبخيل أنا فيبخلني عبدي؟! أوَليس الجود والكرم لي؟ أوَليس العفو والرحمة بيدي؟ أوَليس أنا محل الآمال؟ فمن يقطعها دوني؟ أفلا يخشى المؤمّلون أن يومّلوا غيري؟ فلو أنّ أهل سماواتي وأهل أرضي أملوا جميعاً, ثمّ أعطيت كلّ واحد منهم مثل ما أمل الجميع ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرّة, وكيف ينقص ملك أنا قيّمه؟ فيا بؤساً للقانطين من رحمتي, ويا بؤساً لمن عصاني ولم يراقبني(1).
----------------
1- منية المريد، الشهيد الثاني، ص 159.