الكاتبة الألمانية إيفا هيرمان ردود الأفعال صاخبة ساخنة ضد الكاتبة منذ إبريل 2006 عندما أفصحت عن أفكارها التي حملها الكتاب الصادر في سبتمبر 2006. والكاتبة هي "إيفا هيرمان"، من أشهر مقدمات برامج التلفاز في ألمانيا. والكتاب بعنوان "مبدأ حواء.. من أجل أنوثة جديدة"، وفيه ثورة على المبادئ التي قررتها ونشرتها الحركة النسوية الغربية. والأفكار ليست جديدة عموما على قراء العربية، ولكن من النادر طرحها في المجتمعات الغربية. ويبين محورَها ما سجله الناشر على الغلاف: "هل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية أقوى من الحنين إلى شعور الطمأنينة والتفاهم في العلاقة بين الجنسين، ومن سعادة الأمومة، وسرور المرأة بكونها امرأة؟.. إيفا هيرمان تبين طرقا للخروج من العوامل القاهرة في حياة تحكمها الغربة". كتاب موضوعي ونقد شخصيعنوان الكتاب بحد ذاته "مشكلة"، فقد اختارت المؤلفة "إيفا هيرمان" له عنوان "مبدأ إيفا"، ويمكن فهم ذلك لأول وهلة أنها تقصد اسمها الأول، ولكن "إيفا" بالألمانية، مثل "إيف" بالإنجليزية، تعني "حواء"، فيصبح العنوان "مبدأ حواء"، وهو ما يحبذه كاتب هذه السطور، فسيان ما هو مقصدها الحقيقي من اختيار العنوان، يبقى من المؤكد أن المضمون موجه إلى جنس حواء عموما، وفي ألمانيا أو الغرب تخصيصا، ولا تتحدث المؤلفة فيه عن نفسها إلا قليلا، حسبما يقتضيه سياق إيراد الأمثلة وشرح الأفكار التي تريد طرحها والدعوة إليها.ومع ذلك فمعظم الانتقادات الصادرة عن أنصار "المرأة الغربية المتحررة"، لا سيما من الأوساط الناشئة والمسيطرة اجتماعيا، عبر خمسين عاما مضت على اندلاع ما سمي "ثورة الطلبة" أو "الثورة الجنسية".. معظم تلك الانتقادات تركز على الكاتبة شخصيا، فهي التي تزوجت ثلاث مرات وطلقت لتتزوج للمرة الرابعة، وهي التي -حسب أقوالهم وكتاباتهم- تعبت من حياة التألق المهني، وتريد العودة إلى حياة الأسرة البيتية، ولا يمكن أن يسري كلامها على سواها، فهو -عندهم- كلام من العصر الحجري، والأجدى عدم الاهتمام به. ولكن الكتابات عن كلامها وعنها، كثرت من قبل صدور الكتاب بعدة شهور، أي منذ أن طرحت أفكاره الرئيسية في عدد من المقالات الصحفية والمقابلات الإعلامية، وهذا ما يكشف عن الاهتمام الكبير، بل عن الغيظ والغضب، والسبب الحقيقي كامن في أن الكاتبة مشهورة اجتماعيا، وكلامها يمكن أن يجد صدى واسعا لدى عامة الشابات من الجيل الجديد، فهي من أنجح مذيعات التلفاز ومقدمات البرامج والمشاركات في أشهر البرامج الإخبارية والتحليلية بألمانيا.ليس ما تنشر "إيفا هيرمان" في هذا الكتاب وليد نزوة طارئة، ولا هو ردة فعل على وضع شخصي، فالمحاور الرئيسية لكتبها السابقة تتحدث أيضا عن الأسرة والأمومة والأطفال والرضاعة، مما يشير إلى أن ما نشرته في كتابها الجديد هو حصيلة أفكار تتفاعل معها منذ زمن طويل، ويمثل حصيلة ما وصلت إليه، وربما شجعها على ذلك كتابٌ آخر، بقلم "فرانك شَرماخر"، رئيس تحرير "فرانكفورتر آلجيماينه"، كبرى الصحف اليومية الألمانية، وقد صدر مطلع هذا العام تحت عنوان "الحد الأدنى"، ويقصد العنوان حياةَ المجتمع على الحد الأدنى، وقد تناول كاتبه ظاهرة الانقراض السكانية، وعزا ذلك إلى انقراض "الأسرة التقليدية" مطالبا بالعمل من أجل العودة إليها.وفي صدور الكتابين -وسواهما- في فترة وجيزة نسبيا، إشارة إلى أن الموضوع المطروح في الكتاب أصبح موضوعا حيا ومثيرا في المجتمع الألماني حاليا، وربما الغربي عموما. والواقع أن الكتب والمقالات والبرامج الإعلامية التي تتناول قضية الأسرة، أصبحت منتشرة أضعاف ما كانت عليه في العقود الماضية، إذ أنهكت حركة تحرير المرأة، بالمعنى الغربي للكلمة، النساء الغربيات، وقضت على الأسر، ونشرت كثيرا من الأمراض الاجتماعية من عالم الجريمة والمخدرات والاعتداء الجنسي وغيرها على مستوى الأطفال والناشئة.وكان مما يلفت النظر أن عملية استطلاع للرأي أجرتْها مؤسسة "إيمنيد" الأشهر من سواها في ألمانيا، أسفرت عن موافقة 50% على أن "المهمة الكبرى للنساء هي الأطفال والأسرة والبيت السعيد المستقر" مقابل 47% عارضوا ذلك، ولكن الكتابات الناقدة تجاهلت جميعا مجرد ذكر هذا الاستطلاع، ناهيك عن تفنيد نتائجه، ولجأت إلى الاستشهاد باستطلاع آخر قامت به مؤسسة "فورزا" الأقل شهرة نسبيا، وأسفر عن اعتراض أكثر من 70% على أفكار "إيفا هيرمان" في كتابها الجديد.ثورة من داخل عالم التألق المهنيالكاتبة البالغة 48 عاما من عمرها، مثال نموذجي على "المرأة العصرية الغربية الناجحة مهنيا"، بدأت إنتاجها الإعلامي أثناء مرحلة التدريب في الإذاعة البافارية جنوب ألمانيا في مطلع الثمانينات من القرن الميلادي العشرين، وسرعان ما ارتقت مهنيا، بأسلوب القفز السريع، درجة بعد أخرى، حتى أصبحت منذ زمن بعيد "أشهر وأحب مقدمات البرامج التلفازية" وفق استطلاعات الرأي الألمانية.والكتاب الجديد الذي يضم 274 صفحة من القطع المتوسط، لم يظهر عند أفول نجمها المهني، بل على النقيض من ذلك، صدر وهي في أوج شهرتها ونجاحها. ويتميز بسلاسة العبارة، مما يعود إلى خبرة الكاتبة في البرامج الحوارية، فكتابتها مفهومة لعامة القراء، رغم أن المحتوى أقرب إلى البحث العلمي بما فيه من استشهادات وتحليلات، وقد عرضت أفكارها بوضوح وتسلسل منطقي، يدفع إلى الاقتناع بما توصلت إليه من نتائج، ويكاد يكفي لعرض الكتاب نقل عناوين فصوله الثمانية وفقراتها مع فقرات المقدمة، دون تعليق، وقد حمل كل فصل عنوانا رئيسيا مع سؤال يشير إلى المضمون. والبداية من المقدمة التي تذكر الكاتبة في مطلعها أنها تخوض في المحظور، فمعارضة الحركة النسوية أشبه بجريمة اجتماعية في الغرب، ولكن لا بد من خرق المحظور، "فالأمهات يعانين أكثر من سواهن، والمجتمع بات في قاع سحيق، ونحن نقضي على أنفسنا، وأطفالنا يعيشون المأساة".. حسب تعابير المؤلفة نفسها.الفصل الأول بعنوان: تحقيق الذات كذبة العمر.. علام نضحي بكل شيء؟..والثاني بعنوان: إنكار الفوارق.. علام تختلف حواء عن آدم؟..والثالث: مأساة الأطفال.. علام نعيش في مشاعر عصر جليدي؟..والرابع: مجتمع بلا روابط.. علام نفقد السند الاجتماعي؟..والخامس: أزمة العلاقات الجنسية.. علام نعبث بوجودنا الإنساني؟..والسادس: مطالب الحركة النسائية بالسيطرة.. علام نتجاهل أنوثتنا؟..والسابع: الحرب ضد الرجال.. علام لا نحتاج إليها "وينبغي أن نتجنبها"؟..والثامن: الطريق إلى المصالحة.. علام يمكن أن ينقذنا "مبدأ حواء"؟..قد لا يجد القارئ أو القارئة من الوسط العربي الإسلامي، أفكارا مفاجئة له أو جديدة عليه، فما تتحدث عنه إيفا هيرمان في كتابها، تتحدث عنه كتابات إسلامية منذ عقود وعقود، وبعضها يبالغ ويشتط في وصف واقع المرأة وواقع المجتمع الغربي، وبعضها الآخر متهم بفكر المؤامرة والتخلف وما شابه ذلك، عندما يحذر من الانزلاق إلى ضياع الأسرة والأطفال والناشئة، بل واستعباد المرأة تحت عنوان تحريرها. ولكن أن يصدر شبيه ذلك في الغرب بقلم امرأة غربية "تتمتع" بأهم ما تعتبره الحركة النسائية الغربية منجزات لصالح المرأة، يعطي محتويات الكتاب مستوى "الحدث" الاجتماعي والفكري في الأوساط الغربية."الحركة النسوية" حرمت النساء الكثير غلاف كتاب مبدأ حواء.. من أجل أنوثة جديدة قد يمل قراء العربية إذن من ذكر التفاصيل عبر سرد أفكار الكتاب غير الغريبة عليهم، فيكفي نموذجا في هذا العرض الموجز حول المحتويات بعضُ ما ورد في الفصل الثامن والأخير، ففيه زبدة ما تريد الكاتبة طرحه على مجتمعها. وتبدأ بمقدمة تبين -كمواضع سابقة- أنها لا "تتحدث" عاطفيا، أو بأسلوب التعميم، بل تستند إلى وقائع وأرقام. من ذلك مثلا الإشارة إلى تجربة مدرسية تضمنت سؤال الأطفال عن تمنياتهم للحياة المستقبلية، فتبين أنه لا يوجد أحد منهم يتصور أنه يمكن أن يعيش "منفردا"، ولكن الواقع الاجتماعي الراهن يؤكد توقعات مستقبلية أخرى لغالبيتهم، فقد انتشرت "الحياة الانفرادية" للذكور والإناث على نطاق واسع، وتورد الكاتبة عقب ذلك استطلاعا لمجلة معروفة، سألت عن واقع حياة أولئك الذين يعيشون على انفراد، وبدلا من الحصول -كما كان منتظرا أو كما يشاع عنهم- على أجوبة تصف الاستغراق في "الحياة الجنسية الثائرة دون قيود"، كانت النسبة العظمى من الأجوبة تشير إلى خيبات الأمل، والاضطرار إلى العزلة، وخاصة بين الإناث، ثم تدعم هذه الاستشهادات بأرقام المؤسسة الاتحادية للإحصاء، التي تشير إلى أن "عدد الوحدات المعيشية السكنية" -والمقصود من يعيش في مسكن قائم بذاته ماليا، منفردا أو في نطاق أسرة- قد ارتفع بنسبة 11% منذ عام 1991، فأصبح أكثر من 39 مليون وحدة سكنية، في بلد يقطنه 82 مليون نسمة، أي ما يعادل شخصين تقريبا للوحدة المعيشية السكنية، وهبط عدد الأطفال خلال الفترة نفسها من 32% إلى 23% من عدد السكان.من هنا تنتقل الكاتبة إلى إبراز أهمية الأسرة، وتؤكد أن المفتاح بيد المرأة، فهي الأقدر على إنشاء روابط أسرية مستقرة، وعلى تأكيد موقع الأسرة اجتماعيا، وتثبيت الإحساس بالدفء والحنان والاستقرار فيها، كما تؤكد ضرورة العودة بالعلاقة بين الأجيال إلى ضرورة احترام الأطفال للآباء والأمهات، بعد أن ضاع ذلك تحت عنوان "التربية الحرة"، والأسرة هي الأقدر على تحقيق التربية الاجتماعية القويمة للفرد في المجتمع.ثم تشير الكاتبة إلى ضرورة التحرر من القيود الفكرية، وتقصد بذلك تلك التي صنعتها الحركة النسوية الغربية، وتستشهد بمثال على ذلك عندما أعربت في مقابلة صحفية عن الرغبة والاستعداد أن تكون أما لخمسة أطفال وأن يعول الزوج الأسرة، أنها قرأت عدة احتجاجات لاذعة بأقلام عدد محدود من النساء الناجحات مهنيا، ولكن تعطيهن المكانة والهشرة مكانة اجتماعية على قلتهن، بينما تلقت في الوقت نفسه عددا كبيرا من الرسائل من عامة النساء، يؤيدن ما تقول، وما تقول يخترق المحرمات في الحركة النسوية.وتؤكد الكاتبة بإلحاح ضرورة وقف "الحرب المعلنة ضد مجتمع الرجال" وكذلك "حرب النساء ضد النساء" بعد أن أصبحت داعيات الحركة النسوية تمتهن حياة ربات البيوت والأمهات وتزدرينها. ولكن الكاتبة تنتقل سريعا إلى الدعوة إلى عدم خوض معركة مع "أولئك النساء اللواتي لا يعرفن معنى الأمومة، وعشن دون أطفال، ولا يقدرن قيمة ما حَرَمْن النساء منه".وتؤكد إيفا هيرمان أنه لا يكفي للخروج من الأزمة الاعتماد على نداءات باتت لا تنقطع في هذه الأثناء بشأن ضرورة الاهتمام بتكوين الأسرة، وبالأطفال، ودعم الأمهات العاملات ماديا، وما شابه ذلك، ما لم تقترن مثل هذه الدعوات بتغيير جذري على مستوى النساء أنفسهن، من خلال إدراكهن أن قيمة الحياة المعيشية لا تكمن في الحصول على ميزات مادية أكبر، ما لم يتحقق الحصول على المكاسب المعنوية، وتختتم المؤلفة الكتاب بقولها:"لقد تدمرت الأرض التي نعيش عليها، فلا مكان للمحبة والمسؤولية، ولا وجود للطفولة، وهذا ما يوجب على حواء أن تطرد الأفعى، وتعيد الأمور إلى نصابها، بتفاحة المصالحة".