هنالك حكايات متنوعة عن اصل هذه السيدة الجليلة ، لكنها عموما تتفق تقريبا حول الامور التالية:
يبدو انه حت اسمها لا تتفق الحكايات عليه، فقد تنوعت أسماء السيدة (نرجس) وتعدَّدت حسب تنوع الحكايات، فكان من أسمائها : مريم ، حكيمة ، صقيل ،سبيكة ، سوسن ، حديثة ، ريحانة ، خمط ، ويعتقد ان اسمها الحقيقي هو : ((مليكة))!! وهذا لا يدل على انها رومية، بل هذا اسم مسيحي شامي! ولعل هذا يدلل، كما يضن البعض، بأنها في الحقيقة ليست من بيزنطة، وان صفة(رومي) يطلق على طائفة(الروم) المسيحية الشامية التي مازالت موجودة حتى الآن .
الحكاية الرسمية تقول بأنها ابنة(يشوعاً بن قيصر) ، إمبراطور الروم(الدولة البيزنطية) ، وتنتمي من جهة الأم إلى (شمعون) أي سمعان او السميع، وصي السيدالمسيح ( ع) واحد حواريه.
قيل انها وُلدت في(القسطنطينية) عاصمة الأمبراطوريةوذلك قبل عام ( 240هـ.(نهاية القرن التاسع الميلادي). وتتنوع الحكايات في التفاصيل، بعضها يقول بأنها وهي في بلادها حلمت بالسيد المسيح (ع) يبشرها بأنها ستتزوج بالامام الحسن العسكري(ع) لتنجب منه الامام المهدي(ع)، لهذا فأنها هاجرت متنكرة مع عدد من وصائفها متجهة الى العراق بحثا عن زوجها الامام الموعود، لكنها تعرضت للأسر.
ثم حكاية اخرى تقول، ان (نرجس) وقعت في أسر المسلمين بعد معركة جرت بين المسلمين وبين قومها الروم في مدينة تدعى (عمورية)، انتهت المعركة بانتصار كبير للمسلمين، ووقع عدد كبير من الروم أسرى جيء بهم إلى بغداد. بينما هنالك حكاية اخرى قريبة، تذكر أنها رأت في المنام محمدأ (ص) نبي المسلمين يخطبها من المسيح (ع) ووصيه شمعون (رض) لولده الإمام الحسن العسكري (ع) ووافق شمعون ووافقت هي . وقد تعلق قلبها بالإمام (ع) بعد هذا المنام وهي ببلاد الروم ، وهو (ع) في سامراء ، إلى أن شاء الله تعالى أن يوجه أبوها جيشاً إلى العراق لمحاربة المسلمين ، وأن تكون هي في ذلك الجيش متنكرة فيه بزي الخدم ، وأن تقع في الأسر. هكذا إذن اصبحت غنيمة تابعة ل شيخ من المسلمين عرضها للبيع ، ولكنها كانت تمتنع عن الظهور لتُعرض للبيع ، وترفض أن يلمسها أو يمسها أحد من الراغبين في الشراء ، رغم كثرة الراغبين لشراءها لِما رأوا فيها من العفة والحياء. وسبب امتناعها يعود الى معرفتها بأن مبعوث زوجها الموعود الذي حلمت به لا بد ان يأتي يوما ليشتريها ويعتقها من هذه العبودية.
وتقول الحكايات انه في هذه الاثناء وجه الإمام الهادي (ع) ، أحد خاصته من سامراء إلى بغداد مع رسالة منه (ع) باللغة الرومية(اليونانية) ، وأوصاه بتسليم هذه الرسالة الى فتاة اسيرة جليلة في سوق النخاسة، وقد وصف له بالتفاصيل طبيعة المكان وشكل الفتاة. بعد أن وصف للرسول المكان والشيخ البائع والأسيرة الجليلة ، وحمّله مائتين وعشرين ديناراً ، ليدفعها ثمناً لمالكها . هنالك في بغدا في سوق العبيد ناول المبعوث كتاب الامام الهادي(ع) الى الفتاة التي كانت ترفض بأباء ان يقترب منها أي احد. حينها قرأت ارسالة انخرطت بالبكاء وراحت تصرخ مهددة بالانتحار إن لم يوافق النخاس على بيعها الى ذلك المبعوث. فساوم الرسول الشيخ البائع ، حتى توقف عند الثمن الذي أرسله الإمام الهادي (ع) فدفعه إليه ، ونقلها بتجليل واحترام إلى سامراء . فلما دخلت على الإمام الهادي (ع) رحب بها كثيراً ، ثم بشرها بولد يولد لها من ابنه (ابي محمد العسكري) (ع) يملك الدنيا شرقاً وغرباً ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً . ثم بعد ذلك أودعها عند أخته " حكيمه " بنت الإمام الجواد (ع) لتُعلمها الفرائض والأحكام ، فبقيت عندها أياماً. بعدها وهبها الإمام الهادي (ع) ابنه الإمام الحسن العسكري (ع) فتزوجها الإمام (ع)، وهي في مقتبل العمر وربيعالشباب.
كانت هذه العائلة العلوية المقدسة تعيش في ظروف قاسية بسبب الخلافات مع ابناء عمومتهم من السلالة العباسية العراقية الحاكمة. لهذا كانت هذه العائلة تعيش في عاصمة الخلافة (سامراء) بصورة اجبارية لكي تبقى تحت رقابة عيون الخليفة. وحسب الحكايات كان قادة السلطة يعرفون بأن هنالك طفل سيولد من هذه العائلة المنفية وسيكون هو(المهدي المنتظر)، وانه سيشكل خطرا جسيما عليهم. لهذا كانت هذه السلطة تحاول ان تمنع ولادة مثل هذا الطفل.
وتقول الحكايات بأن السيدة نرجس(رض) حين حملت بالمهدي (ع)، خفي حملها على أكثر النساء اللواتي كن قريبات منها. شاء الله لها أن تكون أماً لأكرم مولود، حارت به الظنون وضلّت به العقول. حلت ليلة النصف من شهر شعبان سنة 255 للهجرة، فطلب الإمام الحسن العسكري من عمته السيدة حكيمة أن تلازم «نرجس» في تلك الليلة ولا تفارقها. فقد شاءت العناية الإلهية أن تكون هذه الليلة المباركة، ليلة الخامس عشر من شعبان، هي الليلة الموعودة، لولادة المنتظر الموعود، ووضعت « نرجس» وليدها المبارك، تحيطه العناية برعايتها، وتحفّ الملائكة بمهده. وأسماه أبوه - إنفاذ لمشيئة الله - محمداً المهدي. وطبقاً للحديث القدسي عن رسول الله (ص):
«لا تذهب الدنيا حتى يلي أمتي رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي». (أي يماثل اسمه اسمي).
ومعنى كلمة «المهدي» هو كل من تلبس بالهدى والصلاح، ودعا إلى الحق والخير والصراط المستقيم. وأصبح هذا الاسم علماً على الإمام الثاني عشر ع. ويعني إضافة إلى ذلك أنّه سيقود الثورة على الظالمين والجائرين، ويحارب الطغاة والجبابرة، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجورا.
هكذا إذن ولدت الإمام المهدي المنتظر ( ع) في تلك الظروف الشديدة السرية . لكن قد أُلقِيَ القبض عليها ، فوُضِعَت تحت الرقابة الصارمة لفترات طويلة خوفاًمن أن تلد الإمام المنتظر ( ع). لكنها بعون الله تمكنت من ولادة الطفل المقدس ( ع ) في مدينة سامراء في سَحَرِ ( 15 ) شعبان ، وذلك عام ( 255 هـ ).
تَميَّزت السيدة نرجس بصفات متعددة ، منها : الشجاعة ، والحكمة ، والصمود ، والكتمان ، والمثالية . توفيت السيدة نرجس (رض) في سامراؤ ودفنت هناك مع زوجها الإمام العسكري ( ع ) ، ولم يُحدِّد لناالتاريخ الزمن الدقيق لوفاتها. مع العلم أن الإمام الحسن العسكري ( ع ) قد توفي مقتولاً بالسُّمفي سنة ( 260 هـ . الإمام محمد المهدي (ع)
وفاة الزوج
توفي زوجها الإمام الحسن العسكري( ع) متأثراً بالسم، سنة 260 للهجرة. وكانت سن الابن الذي هو الامام المهدي (ع) خمس سنوات. ولم يكن يظهر إلاّ للخاصّة المقربين من أنصار أبيه، وذلك حرصاً على حياته، لأنّ السلطة العباسية كانت جادة في البحث عنه بتحريض من عمه ( اخ الامام حسن العسكري) والمسمى (جعفر الكذّاب) الذي باع نفسه للسلطة الحاكمة. علما بأن هذه السلطة حاولت اخفاء خبر ولادة المهدي(ع) لكي لا تثير البلبلة في صفوف الرعية. كانت السلطات تدرك مقدار كذبتها، وتأمل بالعثور على الطفل والتخلص منه؛ كي يخلو الجو إلى صنيعتهم عمه جعفرٍ. وقف جعفر يتلقى التعزية بأخيه الإمام (ع)، وحين همّ بالصلاة عليه وتهيأ للتكبير . . ظهر غلام أسمر اللون، وتقدم منه قائلاً:
«تأخّر يا عم، أنا أحق منك بالصلاة على أبي».
بهت جعفر واصفرّ لونه، لكنّه لم يملك إلاّ أن يتنحّى مفسحاً المكان لابن أخيه، الذي صلّى على أبيه، ثم خرج من المكان دون أن يستطيع أحد الإمساك به. وأسقط في يد جعفر، هذا الرجل الخائن الذي تخلى عن منهج آبائه واختار طريق التواطئ، وصدقت فيه كلمة أبيه الإمام الهادي (ع ) إذ قال:
((تجنبوا ولدي جعفراً، فإنّه مني بمنزلة ابن نوح، الذي قال الله فيه: {يا نوح إنّه ليس من أهلك، إنّه عمل غير صالح))!!
حكاية السرداب
تصف الحكايات الامام المهدي(ع) بأنه ممتلئ الجثة ، طويل القامة ، وجهه كأنه كوكب دري ، أقنى الأنف ، ضخم العينين ، كثب اللحية ، على خده الأيمن خال أسود ، وعلى يده خال . كان خلال الفترة الأولى من حياته يعيش في بيت أبيه الإمام العسكري (ع)، وكان يتستر عن عيون الحكام وجواسيسهم، ويلجأ أحياناً إلى مخبأ في البيت وهو ((السرداب»، كما يسمونه في العراق.
فإذا اشتدّ الطلب عليه، أو حوصر بيته، كان يخرج من البيت محاطاً بعناية الله ورعايته، ويغيب مدة يحضر فيها المواسم الدينية. أو يزور مجالس أصحابه الأوفياء، يحل مشاكلهم ويقضي حوائجهم؛ من حيث لا يعرفه إلاّ الصفوة المخلصون منهم.
وحين بدأت غيبته الكبرى (ع)، خرج من بيت أبيه في سامراء، إلى أرض الله الواسعة. يرفض الشيعة بعض التقولات الخاطئة التي تتعتقد بأن زيارات المؤمنين لمرقد الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام، في سامراء، يعني بأن بأن الامام المهدي (عج) كان بالحقيقة قد دخل السرداب وما زال فيه. وحسب المعتقد الديني المقدس فأن الامام المهدي(ع) لم يمت حتىالآن بل هو حي يرزق يعيش مع الناس، ويعاين ما يقاسون، ويحضر مواسم الحج وغيرها من المناسبات، دون أن يعرفه أحد، بقدرة الباري عز وجل. وهذا الأمر هو سر من سر الله وغيب من غيبه