قادمون من وراء النهر يعرضون بشاطئ الفرات بضاعتهم المقفاة
بقلم د. نضير الخزرجي
ربما يسهل على المرء إخفاء عجزه المالي أو الجسماني بما يغري الآخر بغنائه وقوته، ولكن من الصعب التستر على الأحاسيس والمشاعر التي يفور تنورها في أعماقه تجاه موقف يأخذ بالأنفس قبل اللباب، أو استحضار حدث تجدد معه الأحاسيس واللوعات وتقلب عليه المواجع والآهات، وربما كان الحدث بما يملي النفس سروراً وبهجة، فهي أحاسيس، بل وربما سميت المشاعر أحاسيس رغم عدم حسيتها المادية لكون المشاعر تظهر آثارها الحسية والمادية على الإنسان نفسه وأدواته الجسمانية فيبتسم أو يحزن أو يتجهم، فيثغر عن فاه فرحا أو يسبل حاجبيه أسفا أو يقطبهما غضبا، وقد يصفق جذلانا فرحا وقد يبكي حزنا أو تبيض عيناه من الحزن وهو كظيم على وجع متجدد، وقد يضرب بيده الطاولة أو الحائط من الغضب وهو غير حليم.
ولعل أجمل الأحاسيس عندما تتحول الى كلمات مسجَّعة نثرياً او مقفّاة نظميا، فتندفع من ضمير المتحدث او الناظم قطعة نثرية محكمة التشكيلة والأداء أو قصيدة شعرية مسبوكة النظم والإنشاء، وكلاهما الناثر والناظم إنما عبّرا عن الإحاسيس والمشاعر بكلمات حسية هي الأخرى تطير بجناحي المعاني والأحاسيس، فإما أن يعبران عما يجيش في صدورهما أو أن ينطقان بلسان الحال وبما يشاهدان أو يسمعان، وفي كلتا الحالتين أخرجا المشاعر من ضيق المعنى ومحبس النفس الى رحب المعنى وحرية الحس.
ومن أصدق الإنباء في عالم الأدب هو الكلام المقفى التي تمخر سفينته عباب البحور حتى يصل موانئ النفوس وتثبت في القلوب مرساتها، فتتفاعل النفوس فرحاً أو حزناً، وكلا القطبين المتضادين حسّاً والمتماثلين شعوراً يفضيان الى تسريع وتيرة الأداء لدى المتلقي، فيكون البيت أو المقطوعة أو القصيدة قد أتت أكلها في تحريك الناس نحو المرمى الذي قصده الشاعر، وهنا تظهر قوة النظم وتأثيره الفعال، ولذلك كان خطره عظيماً إذا ما جاء متعارضاً مع توجهات فئة معاندة أو سلطة غاشمة ترى في الكلمة رصاصة من العيار الثقيل وفي القصيدة سلاحاً محرَّما.
ولم تتوقف سفينة الشعر عند ميناء العرب وإن كانوا قد اشتهروا به، فقد طافت البلدان من مشرق الأرض ومغربها، لأن المشاعر فطرية تكوينية وشواطئها طويلة وخلجانها كثيرة وأخوارها لا حصر لها بتعدد البلدان والقبائل والشعوب والأمم، فكانت الشعوب الناطقة باللغة الفارسية من الأمم التي اشتهرت بروعة الأدب واقترابه من النفس الإنسانية، ومن ذلك النظم الذي وإن كان قوياً في معانيه لكنه تلمس شواطئ البحور متأخراً من بعد ما تلمسه الشعراء العرب واستخرج لئالئه الخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفى عام 150هـ.
ولأن الشعر وإن تعددت أغراضه أقرب ما يكون من النفوس في أوجاعها وآلامها، فإن واقعة الطف واستشهاد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب(ع) عام 61هـ بشاطئ الفرات من كربلاء استحضرها النظم الفارسي في دائرته الشعرية وإن جاء متأخراً بعض الشيء عن النظم العربي، هو ما يحاول المحقق الشيخ محمد صادق بن محمد الكرباسي بيانه في "ديوان الشعر الفارسي" في الجزء الأول، الصادر عن المركز الحسيني للدراسات بلندن، في طبعته الأولى عام 1433هـ (2012م) في 452 صفحة من القطع الوزيري، وهو أحد أجزاء دائرة المعارف الحسينية في أكثر من 700 مجلد صدر منها حتى اليوم 77 مجلداً، وكان سبق هذا الديوان مقدمة في الشعر الفارسي من جزئين أبانت الكثير من الحقائق عن الأدب الفارسي وتاريخه ونشأته وعلاقته باللغة العربية، وصلة الوصل بين الأدبين العربي والفارسي وحلقة الوصل التي مثّلتها مأساة كربلاء للشعراء الناطقين باللغة العربية واللغات الأخرى ومنها الفارسية على مائدة الإمام الحسين(ع).
وجهان لمأساة واحدة
لقد أبان الأديب الكرباسي في المدخل الى الشعر الفارسي عن مدى التأثير الكبير للغة العربية على اللغة الفارسية وانعكاس البحور الخليلية على الشعر الفارسي، وفي تقديره أنه: (إذا ما لوحظ القاموس الفارسي تجد أن نسبة عالية ربما فاقت 50% من المفردات عربية الأصول)، من هنا يعتقد الأديب الكرباسي أن: (الأدب الفارسي الحديث تمخض من الأدب العربي وأخذ قوته منه ولكنه لم ينس أدبياته الفارسية، وأما الشعر الفارسي فلاشك بأنه أخذ كل مقوماته من العروض العربية)، وهذه حقيقة ثابتة ولا غرابة فيها كما يذهب اليه المؤلف إذ: (لم تكن للغة الفارسية قبل الإسلام أبجدية خاصة بها، وأصبحت الأبجدية العربية أبجديتها، وبذلك أصبحت الكتابة للإيرانيين أسهل من ذي قبل. لقد تطورت اللغة الپهلوية- والتي كانت رائجة في عهد الساسانيين- بفعل التمازج مع اللغة العربية، وترعرع الأدب بفعل الإختلاط الثقافي بين الشعبين العربي والفارسي)، ويقطع المؤلف أن واقعة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين(ع) عام 61 للهجرة ودخول هذه الواقعة في ضمير الشعب الإيراني المسلم لها الدور الكبير في تأثير الأدب العربي على الأدب الفارسي من خلال المفردات أو الصور البلاغية.
ومن يقرأ أبيات الجزء الأول من الديوان التي توزعت على 170 بيت ومقطوعة وقصيدة خلال القرن الرابع الى التاسع الهجري، وعموم المتون النثرية والشعرية في الكتب ودواوين الشعر، يكتشف ظاهرة المفردات العربية التي تغزو الأدبيات الفارسية، ولعل في الإشارة إلى بعض النماذج يغنى عن التفصيل كما يقول المثل الفارسي "تو خود حديث مفصل بخوان از اين مجمل" أي: (إقرأ تفاصيل الحدث من هذا المجمل)، ومن ذلك مطلع قصيدة الشاعر أحمد بن قوس القوامي الخباز الرازي المتوفى قبل سنة 560هـ، وهي من بحر المضارع في 59 بيتاً في رثاء الإمام الحسين(ع):
روزِ دَهُمْ ماهْ مُحرَّمْ بِه كربلا ... ظُلمي صريحْ رفت بَرْ أولادِ مُصطفى
وترجمة البيت هو:
عاشر المحرم ما قد جرى في كربلا وُصِفا
بيِّن الظلم أهلكَ عترة المصطفى
فالبيت يتضمن 12 كلمة نصفها عربية.
ومن ذلك البيت الحادي عشر من قصيدة الشاعر محمد الفرغاني المتوفى سنة 749هـ وهي في رثاء الإمام الحسين(ع) في 18 بيتاً من بحر الهزج، وفيه يقول:
بَرْ دُنيايِ كَمْ بقا بخَنديد ... بَرْ عالَمِ پُرْ عنا بگرْييدْ
وترجمة البيت هي:
بالدنيا اهزأوا إنّها فانية
وعلى الكون المفعم بالشقا عينٌ باكية
فأربعة كلمات من البيت هي عربية الجذور، وترجمته الحرفية هي: إضحكوا على الدنيا قليلة البقاء وابكوا على العالم الملئ بالعناء، على أن البيت فيه حكمة عظيمة تدعو الإنسان إلى السخرية من الدنيا الفانية والبكاء على عالم الشقاء، أي دعوة إلى الإجتهاد في دار الأولى على طريق الخير والصلاح لنيل العزة والبقاء في دار الآخرة، وكأن الشاعر يضمن قوله تعالى: (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) سورة التوبة: 82.
ومن ذلك البيت الثلاثون من قصيدة الشاعر ابن حسام محمد بن حسن الخوسفي المتوفى سنة 875هـ في سيد الشهداء الحسين بن علي(ع) مستنجداً بالإمام المهدي الموعود للخروج لأن الظلم قد استفحل وصار الباطل هو الحاكم والحق هو المحكوم، والبيت من قصيدة في 33 بيتاً من بحر المضارع، يقول فيه:
حَقْ را بِه دَستْ ظُلمْ به نَهُفْتِه آنْدْ ... رَمزي زِ سِرِّ كاشف سِرُّ وَعَلَنْ بيارْ
وترجمته كالتالي:
لقد سلَّموا الحق ظلماً وباطلاً إلى يد الأشرار
إظهر أيها البشير المهدي يا رمز السرِّ وكاشف الأسرار
فنصف كلمات البيت هي عربية الجذور.
شبيه النوع وضده
من المعاني الإنسانية في الحياة اليومية أن يصار الى تشبيه الشيء بالشيء من إنسان وحيوان وجماد ونبات لتقريب معنى المشبه الى الأذهان لقرب المشبه به أصلا، فنشبِّه قسوة القلب بالجلمود لمعرفتنا بصلابة المشبَّه به، ونشبه بياض البشرة بالجليد لمعرفتنا بنصاعة بياض المشبَّه به، ونشبه جمال المرأة بالبدر لمعرفتنا بتمامية القمر وسطوعه وهو حالة البدر، ولذلك قيل التشبيه لغة هو التمثيل أي مثلت به وشبهت الشيء بالشيء، ومن حيث الإصطلاح قال ابن رشيق القيرواني في: العمدة في محاسن الشعر وآدابه: 1/94: "صفة الشيء بما قاربه وشاكله، ومن جهة واحدة أو جهات كثيرة لا من جميع جهاته، لأنه لو ناسبه مناسبة كلية لكان إياه، ألا ترى أن قولهم: "خد كالورد" إنما أرادوا حمرة أوراق الورد وطراوتها، لا ما سوى ذلك من صفرة وسطه وخضرة كمائمه، وكذلك قولهم: "فلان كالبحر، أو كالليث" إنما يريدون كالبحر سماحة وعلماً، وكالليث شجاعة وقرما، وليس يريدون ملوحة البحر وزعوقته، ولا شتامة الليث وزهوقته؛ فوقوع التشبيه إنما هو أبداً على الأعراض لا على الجواهر"، وقد يقع التشبيه في جزء من صفات المشبه به أو ككل، وفي الحالتين لا يرقى المشبه الى الحلول في المشبّه به وبخاصة في مجال التمثيل بين أبناء البشر، فمهما وصفنا كرم الإنسان بكرم حاتم الطائي فلا يحل محله، فقد تكون هناك صفات لدى المشبه غير متوفرة لدى المشبه به وبالعكس أي تبقى هناك مساحة من الفوارق لأن التشبيه أو التمثيل لا يعني الحلول ولا السنخية ولا التوافق الكلي، فالإنسان لا يمكن أن يصبح وردة وإن تشاكلا حمرة وتشابها، ولا يمكن أن يحل القلب محل الصخرة الصماء وإن تشابها قسوة، كذلك لا يتشاكل إنسان بآخر وإن تشاركا في صفة أو صفات.
ويكثر التشبيه في الكثير من القصائد والقطع والأبيات الواردة في ديوان الشعر الفارسي، إذ يعمد الشاعر وهو يتقرب بشعره إلى سلطان أو أمير أو حاكم أو وجيه بوصفه بالإمام الحسين في شهامته أو شجاعته أو كرمه، أو الطعن بغريمه وتشبيه بيزيد بن معاوية وظلمه، وقد يصف الشاعر نفسه بالإمام الحسين متظلماً أمام الحاكم يستعطفه لما حلّ به من حيف، وتتسع دائرة التشبيه إلى المعاني، فيشبه أحدهم الغم بيزيد فيدعوه إلى قتله كما قتل يزيد الحسين(ع)، ويشبه آخر المتكبر بيزيد ويدعوه الى الكف عن غلوائه وكبره ولا يكون حاله كحال الذي طغى وتكبر وأقدم على قتل سيد شباب أهل الجنة.
والأمثال في هذا الباب كثيرة، ومن ذلك قول الشاعر علي بن محمد الأنوري (الأبيوردي) المتوفى سنة 583هـ وهو يمدح الأمير أمجد الدين أبو الحسن علي بن محمد عمراني (السرخسي) المقتول سنة 545هـ، وهو من بحر الخفيف:
أي جهانْ را جمالُ وجاهْ تُو زينْ إسمُ ورَسمِ تو إسمُ ورَسمِ حسينْ
وترجمة البيت كالتالي:
أيها الذي زخرف الكونَ بسحره وعلوِّ تاجه
اسمُكَ وسيرتُك قبسٌ من اسم حسين ومنهاجه
ومن ذلك قول الشاعر جلال الدين محمد بن محمد المولوي البلخي المتوفى سنة 672هـ، وهو من بحر المضارع:
شَبْ مُرْدُ و زِنْدِهْ گشْتْ حياتَسْتْ بَعْدْ مَرْگْ ... إيْ غَمْ بِكُشْ مَرا كِهْ حُسَيْنَمْ تُويِ يَزيدْ
وترجمة البيت كالتالي:
هلك الليل ُ وبعد موتٍ له من الحياة مزيدُ
اقتُلني أيها الغمُّ حسينٌ أنا وأنت يزيدُ
فالشاعر وما اشتهر به شعره العرفاني يشبِّه الغم الذي استحوذ عليه بيزيد معاوية ويطلب منه الإجهاز عليه كما أجهزه جيشه من قبل على الإمام الحسين(ع) وأهل بيته وأنصاره.
ومن ذلك قول الشاعر نعمة الله بن محمد البناني الكرماني المتوفى سنة 832هـ، من بحر المنسرح:
قوْلِ حُسيني شنُو راه مُخالفْ نَرُو ... راسْتْ بُرُو تا حجازْ خَصْمِ عراقي مَشُو
وترجمة البيت كالتالي:
إستمع إلى قول الحسين واقتفه لا تنتهج خلاف الهدى
إلى الحجاز في نهجك استقم ولا تكن الكوفي الذي اعتدى
فالشاعر يدعو كل إنسان إلى أن يحكِّم ضميره وأن يستمع إلى الحق ويتبع الحقيقة، ولا يكون كأهل الكوفة الذين كاتبوا الإمام الحسين(ع) وقاتله أكثرهم في كربلاء ونقضوا أيمانهم وعهودهم، وهي دعوة قائمة في كل مصر وعصر، فالإمام الحسين يمثل منهج الحق ويقابله منهج الباطل، والغدر من شيم الرجال المتقلبة في أهوائها تهاب السيف والحتف في أول أمتحان على الولاء فتلقى العار في دار الدنيا وتتلقى النار في دار الآخرة، فالكثير يلهج بلسانه: "يا ليتنا كنّا معكم"، والعبرة عند الإمتحان حيث يُكرم المرء أو يُهان.
إنَّ التشبه بالإمام الحسين(ع) كنوع قيمي يحمل صفات الخير والمظلومية وما يقابله من نوع ضدي قائم على الشر والظلم، ونزع هذه الصفات على الحكام والأمراء والوجهاء في النوع وضده، لاحظه المحقق الكرباسي من خلال كثرة المقطوعات (27) والمستقطعات (134) في مقابل (9) قصائد، ولهذا: (نجد أن الشعر الحسيني باستثناء القصائد والمقطوعات جاءت على أطراف مدح السلاطين والأمراء .. مما يدلنا على أن المستقطعات من الرثاء والمدح الذي قام على الأعم الأغلب في أرباب الحكم من باب تشبيههم بالإمام الحسين(ع) وهذا لا يعد في الواقع من صميم الشعر الحسيني ولكننا ملزمون بإيراده حسب المنهجية التي اتخذناها).
غنيمة كبيرة ومأثرة عظيمة
يرى المحقق الكرباسي أن الشعر الوارد في هذا الديوان لم يكن من قوة الشعر العمودي لأنه اصلا لم يكن مألوفا لدى الناطقين بالفارسية، ولكن: (كلما تراكمت العقود والقرون أخذ الشعر يستقيم عوده ويقوى صلبه .. فلم ينظم الشعراء الفرس على جميع البحور البالغ عددها اثنين وأربعين بحراً في العروض الفارسي .. والسبب يعود إلى أن الشعر العمودي لم يستقر بشكله الماثل أمامنا في العصر الحاضر، ومن هنا نجد أن عشرة بحور منها قد ظهرت في هذا الديوان)، وهي: المضارع في 301 بيت، والرمل في 112 بيتاً، والمجتث في 80 بيتاً، والهزج في 58 بيتاً، والخفيف في 27 بيتاً، والمتقارب في 21 بيتاً، والرجز في 15 بيتاً، والمنسرح في 13 بيتاً، والسريع في 7 أبيات، والمتدارك في بيتين، وقد ورد اسم الشاعر ناصر بن خسرو القبادياني البلخي المتوفى عام 481هـ ثمانية عشر مرة في هذا الديوان في 32 بيتاً، لكن الشاعر محمد بن حسن الخوسفي المتوفى عام 875هـ استأثر بمائة وثمانية عشر بيتاً في ثلاث قصائد ومقطوعة واحدة.
ومع أن الشعر العمودي حديث على شعراء الفارسية نسبة للعربية لكن عدد الشعراء الذين ضمهم هذا الديوان هم 47 شاعراً من بلدان مختلفة يجمعهم عامل اللغة، ومع هذا فإن العدد قليل نسبة إلى ستة قرون من النظم في الإمام الحسين(ع)، كما أن الشعراء لم يكونوا من إيران فحسب مهد اللغة الفارسية كما يتبادر إلى الذهن، فهناك دول أخرى ناطقة بالفارسية كأفغانستان وطاجيكستان، على أن إيران القديمة ليست هي إيران الحديثة، ولذلك نجد من شعراء هذا الديوان من هو من وراء النهر ومن مدينة ترمذ في أوزبكستان كالشاعر صابر بن إسماعيل الترمذي المتوفى عام 542هـ، ومثله الشاعر عصمت بن مسعود البخاري من مدينة بخارى في أوزبكستان والمتوفى عام 840هـ، ومثلهما الشاعر أبو المؤيد محمد بن محمود الخوارزمي المتوفى عام 655هــ وهو من أهل السنة، أو الشاعر رشيد الوطواط محمد بن محمود العمري المتوفى عام 573هـ وهو من مدينة قونية في تركيا، والأسماء غير قليلة في هذا المضمار.
ويلاحظ التمايز في عدد الناظمين في الإمام الحسين(ع) مقارنة بكل قرن من الرابع حتى التاسع، ففي القرن الرابع شاعر واحد، وفي الخامس خمسة شعراء، وفي السادس ثمانية عشر شاعراً، وفي السابع خمسة شعراء، وفي الثامن اثنا عشر شاعراً وفي التاسع ستة شعراء، ومع قلتهم فهناك أسماء بارزة على صعيد الأدب الفارسي لهم شهرتهم ومكانتهم في العالم تركوا بصمات غائرة، من قبيل سعدي الشيرازي المتوفى عام 691هـ وجلال الدين المولوي المتوفى سنة 672هـ.
ولأن الأدب الفارسي هو محل هذا الديوان ومقامه فإن الدكتور لطيف پدرام النائب عن مدينة بدخشان في مجلس الشورى الوطني الأفغاني، عكف على قراءة الجزء الأول من "ديوان الشعر الفارسي" فخلص الى القول في محاور ثلاثة، أنه: (لم تكن معارضة الإمام الحسين(ع) ليزيد كشخص، وإنما هي معارضة لماهية سلطة يزيد وتشكيلتها القائمة على الفساد والظلم وتقمص الإسلام زورا، فلم تعد للقيم الإسلامية وزنها وقيمها.. وتعرض المجتمع الإسلامي الى الإنتقاص في أخلاقه وسياسته واقتصاده واجتماعه، ولذلك كانت دعوة الإمام الحسين(ع) الى الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من اجل استنهاض الأمة، ولم يكن غرضه من الدعوة الإصلاحية شخص يزيد وإنما الدعوة إلى تغيير المنهج الأموي الذي قلب الحق باطلا والباطل حقا.. وكانت شهادته في كربلاء وأهل بيته وأصحابه شهادة على المنهج الأموي الباطل وأهمية بذل التضحيات في الدفاع عن المقدسات).
وعبر الدكتور پدرام المولود عام 1963م في قرية مايمي عن قناعته: (إن كتابة موسوعة في الإمام الحسين(ع) من ستمائة مجلد- تعدت السبعمائة مجلد- في ستين باباً من قبل شخص واحد أمر غير قابل للتصديق، ولا يتحقق مثل هذا الأمر على صعوبته إلا بفعل العشق والإيمان بالإمام الحسين ونهجه في الحياة، فعشق الحسين هو الذي يطوي المصاعب والمشاق)، وبهذه القناعة يرى الدكتور پدرام خريج الأدب الفارسي من جامعة كابل وأستاذ الحقوق والعلوم السياسية في معهد غرجستان: (إن دائرة المعارف الحسينية واحدة من الغنائم الكبيرة والمآثر العظيمة في عصرنا، وهي ثمرة سنوات من العمل المضني والتحقيق المتواصل لجناب آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي، وكما قال الفقيه الكبير والعالم القدير الشيخ محمد صادق الكرباسي إن عشق الحسين وحبه هو الذي ذلل لديه الصعوبات في مشواره الطويل لكتابة الموسوعة الحسينية).
وخلص الدكتور لطيف پدرام، الطاجيكي الأصل والإسماعيلي المذهب، في مقدمته التي كتبها باللغة الفارسية أن الحسين(ع) ليس مشروعاً شيعيا أو عربياً، إذ: (من الواضح لدى الجميع أن النهضة الحسينية هي نموذج الشهامة والإيثار وهي حركة انسانية كبيرة غير مختصة بالمجتمع العربي، فهي محل الهام الحركات البشرية على وجه الأرض وأخذت مكانها من أدبيات المجتمعات البشرية ومنها الأدب الفارسي .. لقد صرف الكرباسي في ديوان الشعر الفارسي جهداً استثنائيا في تقصي الأبيات والقصائد المتعلقة بالإمام الحسين(ع) وترجمتها باسلوب عربي جميل وتحريكها وتسهيل عملية القراءة، وهذا الجهد بحد ذاته دليل على الجانب العلمي والتحقيقي في عمل الشيخ الكرباسي في كل أجزاء الموسوعة الحسينية)، وكلام النائب الأفغاني لا يدرك مغزاه إلا من تذوق حلاوة التحقيق وأدرك الصباح والناس بعد نيام، وقليل ما هم!
الرأي الآخر للدراسات- لندن