العنوان : فاطمة عليها السلام ولية الأمر
المحاضِر : الشيخ محمّد السّند
التاريخ : الأربعاء 12 / جمادى الأولى / 1433
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء وأشرف المرسلين محمد وآله الأوصياء الخلفاء .
عظم الله أجورنا وأجوركم بشهادة الصديقة فاطمة الزهراء بضعة المصطفى وريحانة الرسول وبهجته ومهجته .
وهي الحجّة من حجج الله الأربعة عشر ، هناك الكثير من المؤمنين بل ربّما من أهل الفضل والفضيلة في غفلة عميقة جداً من منظومة العقائد الإيمانيّة ، والكثير من أهل الفضل ربّما يتخيّل أن يقتنص عقائده من كتاب ـ مثلاً ـ الباب الحادي عشر للعلامة الحلّي ، أو من كتاب التجريد للخواجه وشرح العلامة ، أو من كتاب آخر لآخر ، وهذا الانزواء أو العكوف على مصدر أو مصدرين لا ريب أنه يوجب للإنسان غفلة بعيدة عن الحقائق التي يتقوَّم بها الإيمان ، لأنّ ما كتبه العلماء الأعلام ، واحد منهم أو ثانٍ منهم أو ثالث منهم ليس بالضرورة أن يكون كامل البناء .
مراراً ذكرنا سلسلة عقائدية مجموعة بقلم الصدوق رحمة الله عليه ـ مثلاً ـ ، أو بقلم الكليني رحمة الله عليه ، أو بقلم بقيّة الأعلام ، أقلام عديدة ، في الحقيقة الذي يمثّل حتّى المسار الرسمي لمذهب علماء الإمامية لا يمكن أن نحصره في كتاب واحد لعالم واحد ، بل ولا في مجموعة كتب لعالم واحد ، بل ولا في مجموعة كتب لطبقة واحدة في قرن واحد لعلماء الإمامية ، فلا يمكن أن نستوفي أو نصل إلى مجموعة عقائد الإماميّة عبر هذا المقدار وهذا المقطع ، أبدا لا يمكنني أن أصل إلى المنظومة الكاملة لعقائد الإمامية من خلال عالم واحد ، أو عالمين أو مجموعة من جيل أو جيلين ، بل مجموع أجيال علماء الإمامية ، منذ عهد الأئمة إلى يومنا هذا ، المجموع بما هو مجموع جسر واصل بيننا وبين أئمة أهل البيت عليهم السلام .
لذا لا يمكن أبداً أن يُخلّص ويُختصر المذهب في شخصية واحدة من علماء الإمامية ، يُخطئ مَنْ يتوهّم ذلك ، ويتوهّم ويكون بعيدا عن الحقيقة مَنْ يتخيّل ذلك ، في الحقيقة مذهب الإمامية إنما يمكن أن يتمثّل بمجموع علماء الإمامية ، بل وأزيد شيئاً إضافياً ، وهو ليس فقط علماء الإمامية ، بل سيرة أتباع أهل البيت عليهم السلام مجموعها عبر الأجيال المختلفة بما فيهم علماء الإمامية ، فمجموع كل ذلك يمثّل جسراً واصلاً بيننا وبين أئمة أهل البيت عليهم السلام .
هذا منهج يجب أن لا نغفل عنه أبداً ، وللأسف كثير من أهل الفضل وأهل التحقيق وأهل التحصيل يريد أن يلخّص لي معلم مذهب أهل البيت من خلال عالم أو عالمين أو ثلاثة ، لا يمكن يا أخي ، أئمة أهل البيت ومدرسة أهل البيت بحر طمطام ، لا يستوعب كلّ بحره عالم أو عالمين أو ثلاثة أو أربعة ، هذه حقيقة وليست عاطفة ندغدغ بها أحاسيسنا ، لذلك في علم الرجال ذكرت أنه لا يمكن أن نحصر تراث أهل البيت والقيّم على تراث أهل البيت شخصية باسم النجاشي ، لا يمكن أبداً أو شخصية متكوّنة من خمسة أو ستّة أشخاص ، تراث أهل البيت العظيم لا يمكن أن تكون القيّمية عليه خمسة أشخاص من علماء الإمامية ، أبداً لا يُمكن ، هذا منهج خاطئ في علم الرجال ، وهو منهج منكوس في علم الرجال ، تراث أهل البيت كل مجموع علماء الإماميّة مؤمّنون عليه ، لا أنه مجموعة خمسة أو ستة أو سبعة أشخاص ، هذا يعيش في ضيق أفق ، في منهج لا علمي ، وليس في منهج علمي ، مَنْ يحصر تصحيح أو غربلة أو تقييم هذا التراث الواصل لنا عبر خمسة أو ستة أو سبعة أو عشرة من علماء الإمامية ، أبداً لا يكون تراث أهل البيت حكر على عشرة أو عشرين ، وليس لهم أيّ صفة وصاية رسمية لا منهجية ولا منطقيّة ، كل علماء الإمامية بمجموعتهم وسيرة أجيالهم نعم جسر واصل ، لذلك أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح هم أيضاً لهم دور ، لا يمكننا أن نشطّبهم ، نقول : قاعدة الإجماع في الرجال غير صحيحة ، النجاشي هو الأول والأخير ، هذا في الحقيقة ضعيف ليس علمي ، بعيد عن العلمية الكثير ، المنهج العلمي أن يكون الكل له مشاركة ، وهذا ليس بحث ـ كما نقول ـ استهواء ، بل هو منهج علمي منقّح ، معادلة .
فضروري جداً ـ مرارا وكرارا ـ ننبّه أنفسنا والأخوة جميعاً أنه لا يمكنني أن أستقي كل معالم أهل البيت من خلال فتوى أو رأي أحد العلماء أو اثنين أو مجموعة أو طبقة ، وذكروا هذا في علم الأصول ، فلا يمكنني الاقتصار في الإجماع على طبقة دون طبقة ، فهذا غير منطقي ، وليس إجماعاً ، فأنت استقصيت لي الأولين والآخرين ، فيأتيني أحدهم فيقول : لم أجد في كتب علم الكلام الكتاب الكذائي والكتاب الكذائي لم أجد فيه ذكراً لفاطمة ، وإنما فقط ذكر سيد الأنبياء للنبوّة ، وذكر الأئمة الاثني عشر .
الجواب : قبل أن يكون مصدرنا كتب البشر ، فمصدرنا الكتاب والسنة ، كتاب الله وسنّة المعصومين ، كتاب الله أعظم من كتب البشر بلا شك ، وهو المصدر الأول ، ثم ـ
ولو أتينا إلى الدرجة اللاحقة وهي كتب العلماء ـ مَنْ قال لك أن كتاب فلان وفلان ، بل مجموع كتب الإمامية ، أنت انظر إلى كتب المحدّثين المختصّة بالعقائد ، انظر كيف موقعيّة فاطمة سلام الله عليها ، فاطمة وليّة الأمر ، فمن العقائد الأساسية في مدرسة أهل البيت أن فاطمة من ولاة الأمر ، نعم الإمامة شيء آخر ، ولكن ولاية الأمر بين وبين مقام الإمامة عموم من وجه ، ومقامات المعصومين ليست تقتصر على نبوة وإمامة ، من باب المثال المختصر أذكره : القرآن الكريم عندما يعرّف لنا مقامات سيد الأنبياء والمناصب الإلهية التي حباها الله لسيد الأنبياء ، أول مقام يبيّنه القرآن هي الشهادة وليست النذارة أو البشارة ، حيث قال : { إنا أرسلناك شاهداً ومبشِّراً ونذيرا وداعيا إلى الله } وغيرها من المقامات عديدة ، الآن كتب المتكلّمين لم تستوعب كل هذه الحقائق الوحيانية ، أصلاً العقائد ليست محلّ تقليد ، فضلاً عن أنْ يكون البحث في مقام التحقيق مبني على التقليد ، أو مقام الاجتهاد والتحقيق مبني على التقليد ، كراراً مرّ بنا هذا البحث ، أن الزيارة الواحدة ، الزيارات للمعصومين عبارة عن دورة لمنظومة عقائدية لأهل البيت عليهم السلام ، قالها كُبَّار علماء الإمامية جيلاً بعد جيل ، هل تريد منظومة عقائدية تحفظها بالكامل ، زيارة عاشوراء ، زيارة وارث ، زيارة أمين الله ، منظومة عقائدية كاملة متكاملة ، أما تأتينا بما ألَّفه العالِم الفلاني قدس الله سرّه وشكر الله سعيه ، فهو إنما اغترف بقدر وسعه ، { وأنزلنا من السماء ماءاً بأودية فسالت بقدرها } كل وادي بقدره ، ولكن السيل الوحياني النازل له أودية عديدة ، وليس وادياً واحداً ، تأتي لأحدهم بنصٍّ قرآني ، فيقول : ولكن الكتاب الفلاني للعالم الفلاني ليس فيه ، أقول وليكن يا أخي ، فالبحث مقام تقليد أو تحقيق ؟ أصلاً في العقائد غير جائز ، التعلُّم والتحقيق هو الواجب المبرئ للذمّة ، لذا مجموع علماء الإمامية ومجموع الأجيال من محدِّثين وأصوليين وإخباريين ومفسِّرين ومتكلِّمين وفلاسفة وعُرفاء ، لعلمك لا يقتصر على المتكلِّمين بل يشمل العُرفاء أيضاً من ذوي الاستقامة ، ويشمل الفلاسفة من ذوي الاستقامة أيضاً ، أصلاً معارف أهل البيت ليس حكراً على مشرب ، بل مجموع المشارب ، لا يوجد واحد أحد لا شريك له ، بل مجموع هذه المشارب ، إيَّانا أن يستغفلنا مشرب من المشارب فيقول : أنا الوحيد لأهل البيت ، أبداً ، بل مجموع مشارب عديدة بأدلّة موزونة ، فالغثُّ والجفاء يذهب جفاءاً والصحيح هو الصح ، هذا لا بُدَّ من الالتفات إليه .
فكونها عليها السلام ولية أمر ، أمرٌ مبدَّه ، هي تُذكر في زيارات أهل البيت بعد أمير المؤمنين وقبل الحسن والحسين وقبل الأئمة ، تُذكر يعني كمقام وذات شأن وحجيّة ، وهذا معنىً مستفيض في روايات أهل البيت عليهم السلام بأنّ أئمة أهل البيت أحد مصادر علم الحسن والحسين والأئمة التسعة ، فأحد مصادرهم اللدنيّة مصحفُ فاطمة ، فهي معلِّمة ـ ليس لي ولك ولعموم أوصاف البشر ، لا ، بل لفوق ذلك ، عندما يقول الإمام الصادق وغيره من أئمة أهل البيت أن أحد مصادر علومنا مصحف فاطمة ، وليس رواية أو روايتين أو ثلاث ، فتراث الشيعة لا يقتصر على كتاب واحد ، فليس صحيحاً أن أراجع بشأن مصحف فاطمة كتاب الكافي فقط ، نعم أن الكافي عظيم ولكنه لا يمثّل كل تراث أهل البيت ، الكتب الأربعة عظيمة ولكنّها لا تمثّل كل تراثهم ، يُخطئ مَنْ يتوهَّم أن تراث أهل البيت ينحصر في أربعة كتب أو خمسة أو ستة كتب ، تراث أهل البيت عميق ، نعم يحتاج إلى تدقيق وتنقيط وتنقيب وموازين ، طبعاً وبلا شك ، ولكن أن نحصر المصدر لا ، والتتبع لا الكسل سيّد الموقف ، مصحف فاطمة تكون هي عليها السلام مصدر من مصادر علم أهل البيت عليهم السلام ، ماذا يعني ؟ معلّمة لأهل البيت ماذا يعني ؟
هذا هو عين معنى أنها حجّة على الأئمة ، لأنّها هي الوسيط بين الغيب وبين الأئمة ، يعني الحجّة
نعم بصريح الكلمة ، هذا المصحف لفاطمة لم تتلقاه فاطمة من شفتي النبي المبارك ، هل هناك شيء يتلقّاه أحد من غير النبي حجّة ؟ لا ، فلا بُدَّ من وساطة سيّد الأنبياء ، لأنّه هو النبي بين الله وبين خلقه ، فأول واسطة وأعظم واسطة هو سيّد الأنبياء ، في كل نصوصنا أن فاطمة لم تتلقَّ هذا المصحف ـ يعني كتاب وليس قرآناً بل هو كتاب فيه علم لدنّي إلهي ـ من شفتي النبي صلى الله عليه وآله ، ولكنّها تلقّته من نور النبي ، علي وفاطمة والحسن والحسين وأئمة أهل البيت عليهم السلام ليسوا كبقيّة الناس مصدر علومهم فقط شفتي النبي المباركتين ، فأحد مصادر علومهم نورُ النبي ، هم على اتّصال دائم بنور النبي ، كيف بدن النبي ونفس النبي النازلة على اتّصال ـ كالانترنت ـ بنور النبي ، كذلك علي وفاطمة والحسن والحسين وأئمة أهل البيت عليهم السلام يتّصلون بنور النبي ، وهذا يُشير إليه نصوص كثيرة قرآنية وروائيّة بين الفريقين ، فأحدها ـ من باب التنبيه وإلاّ فالأدلة أكثر فأكثر ـ : سورة براءة نزل جبرئيل بحديث قدسي من الله للنبي مفاده : ( يا محمّد لا يبلِّغ عنك إلاّ أنت أو رجل منك ) ، وبعضها ( أو علي ) ، ولكن كيف الإنسان يتصوّر الإنسان المعنى ؟ يُبلِّغ الرسول عن الرسول ؟ يبلِّغ النبي عن النبي ، شخص يبلّغ عن نفسه ؟ كيف ذلك ؟ وهل يوجد اثنان حتّى يبلّغ أحدهما عن الآخر ؟ فهو هو ، يعني مقام الرسول النوري لا يبلِّغ عنه إلاّ بدن النبي أو بدن علي ، أو بدن فاطمة ، أو بدن الحسنين ، أو أبدان الأئمة عليهم السلام .
( لا يبلّغ عنك ) أي عن مقامك النوري ، لأن الضمير يعني نورك الذي يتلقّى من الله الغيب ـ ( إلاّ أنت ) يعني بدنك ونفسك النازلة ( أو رجل منك ) فبدن علي ونفس علي ونور علي من نور النبي ، و ( فاطمة بضعة منّي ) ، فـ ( منّي ) ليس حناناً أبوياً عاطفيّاً ، بل بياناً نوريّاً ، وبياناً دينيّاً أديانيّاً ، ( فاطمة بضعة منّي ) قراءة أديانيّة لهذا الحديث الشريف نقرؤها ، وليس قراءة أبوية عاطفيّة نازلة هابطة ، لا النبي بما هو نبي يقول ( فاطمة بضعة مني ) ، والله يقول ( لا يبلِّغ عنك إلا أنت ) وهي معادلة ناخرة في عقائد المسلمين ، رواها الفريقان ( أو رجل منك ) أي إنسان منك ، فليس المراد برجل أي الرجولة ، فهناك فرق في اللغة بين الرجولة وبين الذكورة ، { رجال لا تلهيهم .. } بمعنى الصلابة { رجال صدقوا } ليس المقصود الذكور فقط ، بل المقصود الصلابة ، على أي حال هذا بحث آخر الفرق بين الذكورة والرجولة .
( لا يبلِّغ عنك إلا أنت أو رجل منك ) يعني ( فاطمة بضعة منّي ) يعني إذا بلّغت عنّي فتبلِّغ عن مقام النور للنبي ، وبين النبي وأئمة أهل البيت الأحد عشر لا بُدّ من وساطة فاطمة عليها السلام ، مصحف فاطمة ، علم فاطمة وساطة حجيّة ، أنا عندما أتلقّى الدين ومعارف الدين ، وأحكام الدين عن أئمة الدين ، يقول لي أئمة الدين ، قد تلقّينا ذلك من جدّتنا فاطمة ، أليست أنت تتبعهم ، نعم ، تدين الله بالإئتمام بهم ، ها هم يصرّحون أنّا قد أخذنا ذلك من جدّتنا فاطمة ، كيف النبي يقول : قد أخذته عن جبرئيل ؟ هم أئمة الدين يقولون أنّنا أخذناها عن جدّتنا فاطمة ، وهي تلقّته عن أبيها رسول الله ، فهي منه ، فهي معلِّمة لأئمة الدين ، حجة على أئمة الدين ، وليس فقط الروايات حول مصحفها ، الآن سنأتي لنصوص القرآن الكريم ، ومِنْ ثَمَّ هي وليّة الأمر ، أمر عالم الأمر ، { له الخلق وله الأمر } يعني عالم الإبداع ، { إنّما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون } فعالم الأمر يعني عالم الإبداع { يسألونك عن الروح فقل الروح من أمر ربّي } وليّة الأمر يعني تلي عالم الأمر ، وصاحبة عالم الأمر ، وليّة الأمر ليس هنا إلاّ البُعد السياسي والقيادة السياسيّة فقط ، الأئمة أولياء الأمر { أطيعوا لله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } ليس المُراد منهم مقتصراً على الحاكمية السياسية فقط ، فهذا بُعدٌ نازل جداً من معنى ولاية الأمر ، أصل ولي الأمر هو الأمر الملكوتي ، الاتّصال بالملكوت الأعلى ، مَنْ وليّه ، ومَنْ صاحبُه بعد النبي ؟ علي وفاطمة ثم الحسن والحسين .
فكونها عليها السلام وليّة الأمر لمن الأسس المتجذِّرة في العقائد والمعارف في مدرسة مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، كيف اعتقادنا بجبرائيل ، لماذا يُلزِمُنا القرآن الكريم ـ مثلاً ـ بأن جبرائيل أمين الله على وحيه ـ كما في سورة التكوير وغيرها من السورة ـ كقوله { إنّه ـ القرآن ، وهو مصدر عظيم عندكم يصفه القرآن ـ لقول رسول كريم ـ يعني جبرائيل ـ ذي قوّة عند ذي العرش مكين } أنت أيها المسلم وأيها المؤمن ، رغم أنه كلام الله ، فهو قول جبرائيل عن الله تعالى ، أمانة جبرائيل يجب أن نعتقد بها أو لا ؟ طبعاً ، وإلاّ لتزعزع عقائدنا ، لِمَ ؟ لأن الواسطة في القرآن هو جبرائيل ، جبرائيل ملك وليس بشراً ولا يتعاطى مع الناس ، لماذا نؤمن بحجيّته ؟ طبعاً للضرورة ، لأن جبرائيل واسطة بين المقام النازل لسيّد الأنبياء عليه السلام وعرش الرحمن ، النبي لم تتنزّل عليه الشياطين ولا يستطيعون ، فالذي تنزّل عليه وأحد مصادر وحي النبي جبرائيل ، صحيح أنّنا نحن البشر الآن لسنا في تماس مباشر مع جبرائيل ، ولكن جبرائيل واسطة لوحي الله وبين سيّد الأنبياء ـ يعني المقام النازل لسيد الأنبياء ، لأن لذات النبي مقامات وطبقات وجودية ، فالواسطة بين الطبقة الوجودية النازلة وعرش الرحمن هو جبرائيل ـ فهل من اللازم الاعتقاد بحجيّة وأمانة جبرائيل ؟ نعم ، يجب أن تعتقد ، وإلاّ لتزلزل اعتقادك بنبوّة نبي الله ، لأن أحد مصادر وحي سيّد الأنبياء وساطة جبرائيل .
إذاً : الاعتقاد بأنَّ جبرائيل أمين وحي الله عقيدة ، ولا يستتم لدى أي مسلم الشهادة لرسول الله بالرسالة إلا وتتقوَّم تلك الشهادة بأن جبرائيل أمين الله ، وأمين وحيه ، وإنْ كان جبرائيل ليس إماماً ، وإن لم يكن نبيّاً ، وإن لم يكن قائداً بشريّاً ، فمع ذلك فلا بُدَّ للبشر أن يعتقدوا بأنّه حجّة الله وأمينه على وحيه ، وإلاّ لتزلزل اعتقادهم بنبوّة سيّد الأنبياء .
وهذا تمثيل ذكرته لموقعيّة فاطمة عليها السلام ، فاطمة عندما تكون وسيط علمي بين نور النبي وأئمة أهل البيت ، يعني أنت لا تستطيع أيها المؤمن أن تعتقد بإمامة أهل البيت إلا وتقرّ لفاطمة بالحجيّة ، الحجيّة الإلهيّة وبالعصمة وبالاخبار بالغيب ، وبأنها وليّة الأمر ، وصاحبة الملكوت الأعلى ، لماذا ؟ لأن أحد مصادر علم أهل البيت هو مصحف فاطمة وعلم فاطمة ، وإن لم تكن إماماً ، وإن لم تكن قائداً عسكرياً ـ كما أن جبرائيل ليس إماماً ولا قائداً عسكريا ، ولكن من الواجب الاعتقاد بأن جبرائيل أمين الله على وحيه ، وهذا أمين ليس كخبر الراوي العادل ، فأين خبر الراوي العادل من البشر الغير معصوم وبين كون جبرائيل أمين الله ، هنا أمانة على الوحي ، أمانة من سنخ عالم النور اللدنيّة ، ليس من الضروري في الحجج أن يكون هناك تماس مباشر بين الحجج وبين أولئك الحجج ، فبعض الحجج ممن لهم مقامات عظيمة هم لهم إدارة في مجموعة في مجموعة الحجج ، لهم إدارة وإشراف في ظل طاقم الحجج ، فاطمة عليها السلام ـ كما يبيّن لنا القرآن كما سنبيّن جملة من الشواهد ـ وليّة الأمر مفترضة الطاعة على أئمة أهل البيت عليهم السلام ، بدءً من الحسن والحسين والتسعة من ولد الحسين ، مفترضة الطاعة عليهم ، فضلاً عن بقيّة الأنبياء والمرسلين ، هذا ليس شطط من الكلام نريد أن نقفز إليه بقدر ما هي قوالب ونصوص قرآنيّة ، الآن سنبيّنها بشكل بيّن في القرآن الكريم ، فليس من الضروري في الحجج أن يكون هناك ارتباط مباشر بين البشر وبين أولئك الحجج ، هذا يجب أن نلتفت إليه ، فكثيراً ما يكون الحجّة من الحجج لعلوِّ مقامه ارتباطه بالبشر ليس مباشراً بل عبر حجج معصوميّة أخرى ، وأمثلته كثيرة ، فلاحظوا مثلاً : سيد الأنبياء عليه السلام ارتباطه بالأمم السابقة ، قوم نوح وقوم إبراهيم وموسى وعيسى ، عبر مَنْ ؟ هل ارتبط سيد الأنبياء بتلك الأمم مباشرة ؟ لا ، فمَنْ كان مبلِّغاً عنه لتلك الأمم ؟ بنصِّ القرآن الكريم في آية 81 من سورة آل عمران تبيّن أن الواسطة هم الأنبياء ، فهم أنبياء لنبي الله { وإذ أخذ الله من النبيين ميثاقهم لمّا آتيتكم من كتاب وحكمة ثمّ جاءكم رسول مصدّق لِمَا معكم } وأكرر : { ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم } ، وأكرر مرة ثالثة : { ثم جاءكم رسول مصدِّق لما معكم } يُخاطب الله الأنبياء { لتؤمنون به ولتنصرنّه } أنتم تابعون له ، المقصود أن هذه آية عظيمة في شأن سيّد الأنبياء فكان رسل سيد الأنبياء للأمم السابقة هم الرسل السابقين ، فحجيّة رسول الله على تلك الأمم مفروغة ، ولكنّها ليست بالمباشرة ، بل بواسطة ، لأنَّ العقيدة من الدين وليست من الشريعة ، فالشهادة الأولى والشهادة الثانية والشهادة الثالثة كاعتقادات ليست خاصّة وليست من شريعة الإسلام ، بل هي من دين الإسلام ، فالدين واحد لدى كل الأنبياء { إن الدين عند الله الإسلام } دين آدم ودين نوح ودين إبراهيم وموسى وعيسى واحد ، فإذا كان الترتيب في دين الإسلام أول عقيدة التوحيد ، ثم نبوة سيد الأنبياء ثم ولاية أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسن والحسين ، فهذا الترتيب ليس خاصّ ببعثة سيّد الأنبياء ، هذا الترتيب في نظام الدين التي بعث فيها آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وسليمان وداود ويحيى وشيث وإسماعيل وإلياس وغيرهم ، أول اعتقاد هو التوحيد وثانيه هو سيد الأنبياء وثالثه هو سيد الأوصياء وفاطمة الزهراء ، أليست هي سيدة نساء أهل الجنّة ، ولم يقل سيّدة زمانها فقط ، سؤددها على مريم مأخوذ في دين الله ، سؤددها على حواء مأخوذ في دين الله ، وسؤددها على سارة ـ أم إسحاق أم يعقوب أم الأنبياء ـ مأخوذ في دين الله .
تواتر الحديث عند المسلمين ( سيدة نساء أهل الجنّة ) سؤددها على أم موسى ، وسؤددها على خديجة ، وسؤددة على جميع نساء أهل الجنّة ، أهل جهنّم لا يعنينها أمرهم ، بل يعنينها نساء أهل الجنّة ، كل مَنْ يكون من أهل الجنة فسؤددهم لفاطمة دون غيرها ، فإذا كان القرآن الكريم يقول : مريم ، ثم يأتي القرآن ليقول : سيّدة مريم ، فكيف إذاً بمقام فاطمة ؟ لذلك القرآن الكريم يقول إنما مريم مثلٌ ضربتُه لكم أيها البشر لفاطمة ، وهو قوله { إنَّ في قصصهم عبرة } يعني عبور ، لا تقف عند مريم ، اعبر ، اعتبر ، مثل لذي مثل ، عبرة عبور تعبر من مريم ـ كما يقول سيد الأنبياء ( اعبر منها لمريم الكبرى ) ـ لأن مريم اسم علم ، ولكنّه أُخِذَ للوصف ، بمعنى الطاهرة والبتول ، فإن كانت مريم طاهرة متبدتلة فهناك مَنْ هي أطهر من مريم بنصِّ القرآن ، أنّ فاطمة أطهر من مريم ، فاطمة أكثر اصطفاءً من صفاء مريم ، لأن الله لم يشارك في طهارة سيد الأنبياء امرأة غير فاطمة وعلي والحسن والحسين في آية التطهير ، طهارة سيد الأنبياء لا يشاكلها ولا يجانسها ولا يمثالها ولا يكيّفها ولا يشبهها طهارة نبي من الأنبياء ، لكن الله عزّ وجل شاركَ وماثلَ ، فطهارة فاطمة وعلي والحسن والحسين تبعاً لطهارة سيد الأنبياء ، { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } لفظة جمع ، وليست لفظة انفراد لسيّد الأنبياء ، أولهم ـ لضروة الدين وشهادة القرآن ـ سيد الأنبياء ، فأول أهل البيت النبي من أهل البيت ، بيت النبوة ، لذا يُنادي القرآن صفاء واصطفاء فاطمة أعظم من اصطفاء وصفاء مريم ، لم يشارك القرآن بين اصطفاء مريم واصطفاء محمد صلى الله عليه وآله ، أصلاً القرآن لم يشابه ولم يشاكل بين اصطفاء وصفاء نوح وإبراهيم وموسى وعيسى مع سيد الأنبياء ، جعل لسيد الأنبياء طبقة من الطهارة لا يشاركه فيها الأنبياء أولي العزم ، فقط يُشاركه فيها أهل بيته ـ فاطمة وعلي والحسن والحسين ثم التسعة من ولد الحسين ـ ، نور النبي لم يُشاركه فيه ـ حسب نصّ القرآن ـ بقيّة الأنبياء في طبقته ، وقد شارك القرآن نور الأربعة مع النبي في سورة النور { مثل نوره كمشكاة } خمسة أنوار ، وبعد ذلك تسعة أنوار { نور على نور } نور إثر نور ، متعاقب الأنوار التسعة ، بنصِّ روايات الفريقين .
المقصود أنّ هناك مقامات خصّصها القرآن بخاصّة مخصّصة متميّزة لسيد الأنبياء لم يشاركه فيها غير فاطمة وعلي والحسن والحسين دون إبراهيم وموسى وعيسى ومريم وآدم ، هذه معادلات قرآنية ، هذه حقائق قرآنية ، هذا ليس شعراً وليس نثراً ، وليس كلام بشر ، بل كلام وحقائق الوحي من ربّ العزّة { كل شيء خلقناه بقدر } وليس فيه تمييع ، إنّما هو حقّ الحقيقة .
ولية الأمر في سورة الحشر الولاية بالفيء { ما أفاء الله على رسوله من أهل القُرى فلله وللرسول ولذي القربى } فليس أول القربى عيسى ولا إبراهيم ولا أولي العزم ، بل فاطمة ، أول قربى النبي فاطمة ، هي همزة الوصل بين النبي وعلي ، وبين النبي والحسنين ، وبين النبي والأئمة المعصومين ، ( هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها ) لاحظ { أولي القربى } ، { المودة في القربى } قربى سيد الأنبياء ، وأولهم فاطمة .
وصلى الله عليها ورزقنا الله ولايتها وشفاعتها وحبها والانقياد لها .
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .
تقرير : علي الفاروق
تاريخ التقرير : الأربعاء 15 / جمادى الأولى / 1434 هـ
اللهم صل على محمد وآل محمد
اللهم صل على نور الانوار وسر الاسرار وام الائمة الاطهار فاطمة الزهراء
احسنتم كثيرا اخي الجليل ووفقكم ربي على النقل المبارك
وحفظ الله الشيخ السند ...
حقيقة كلام منطقي يدخل اللب والقلب من اوسع الابواب وله شواهد كثيرة على مصداقية ماطرحة
فهي حجة الله على الائمة الاطهار وهي ولية الامر الامر الالهي الملكوتي
وتذكر لي محاورة مع احد السلفية قبل ايام في غرفة منهاج الجهلة ؟
قال كم امام عندكم ؟
قلت 12 عشر امام ..
قال هل رايتم يا سنة الروافض لايعترفون بالنبي !
وان كنت اعلم جوابه ذلك لغياءه ..
فقال واين تضع فاطمة عليها السلام ؟
قلت المعصومين 14 عشر ... والائمة 12 عشر فهؤلاء يقابلون الصحابة في نقل دينكم وشرعكم
اما فاطمة فهي ليست بامام ولكنها حجة والحجة يكون فعله وتقريره ملزم بالاخذ به ( ولية ) فافهم ذلك ..