اللهم صلي على مُحمد وآل مُحمد وعجل فرجهم واهلك عدوهم من الجن والإنس من الأولين والآخرين
اللهم صلي على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر العظيم المستودع فيها عدد ما أحاط به علمك
لمّا قُبضَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، افتجع له الصغير والكبير ، والرجال والنساء ، وكثر عليه العويل والبكاء ، فصارت المدينة ضجّة واحدة تذري الدموع عليه بالأسجام (1) ، ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج إذا أهلّوا بالإحرام ، فلم يكن إلاّ باكٍ وباكية ، ونادبٍ ونادبة ، وعظم رزؤه على أهل بيته الطيّبين ، سيّما عليّ ابن عمّه وأخيه أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فنزل به من وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما لم يكن يظنّ الجبال لو حملته كانت تنهض به ، وكان أهل بيته ما بين جازعٍ لا يملك جزعه ، ولا يضبط نفسه ، ولا يقوى على حمل فادح ما نزل به ؛ قد اذهب الجزع صبره ، وأذهل عقله ، وحال بينه وبين الفهم والإفهام والقول والاستماع .
وساير الناس ـ من غير بني عبد المطلب ـ بين معزٍّ يأمر بالصبر ، وبين مساعدٍ باكٍ لبكائهم ، جازعٍ لجزعهم ، ولم يكن بين الجميع أشدّ حزناً من مولاتنا فاطمة الزّهراء (صلوات الله عليها) ، فقد دخل عليها من الحزن ما لا يعلمه إلاّ الله عزّ وجلّ ، وكان حزنها يتجدّد وبكاؤها يشتد ، فلا يهدأ لها أنين ، ولا يسكن منها الحنين ، وكلّ يوم جاء كان بكاؤها أكثر من اليوم الأوّل .
قال الراوي : فجلسَتْ سبعة أيام ، فلمّا كان اليوم الثامن ، خرجت لزيارة قبر أبيها ، فأقبلت نادبةً وهي تتعثّر في أذيالها ، وهي لا تبصر شيئاً من عبرتها ومن تواتر دمعتها ، حتّى دنت من القبر الشريف فأُغمي عليها ، فتبادرت النسوان إليها فنضحن الماء عليها حتّى أفاقت ، فلمّا أفاقت من غشيتها ؛ قالت : رفعت قوَّتي ، وخانني جلدي ، وشمت بي عدوّي ، والكمد قاتلي ، يا أبتاه ، بقيت والهةً وحيدة ، وحيرانةً فريدة ، فقد انخمد صوتي وانقطع ظهري ، وتنغّص عيشي وتكدَّر دهري ، فما أجد يا أبتاه بعدك أنيساً لوحشتي ، ولا رادّاً لدمعتي ، ثم نادت : يا أبتاه :
إنّ حزني عليكَ حزنٌ جديد = وفؤادي والله صبٌّ عنيدُ
كلّ يومٍ يزيد فيه شجوني = واكتئابي عليك ليس يبيدُ
يا أبتاه مَن للأرامل والمساكين ، ومَن للأمة إلى يوم الدين ، يا أبتاه أمسينا بعدك من المستضعفين ، يا أبتاه أصبحت الناس عنّا معرضين ، فأيّ دمعة لفراقك لا تنهمل ، وأيّ حزن بعدك لا يتّصل ، وأيّ جفنٍ بعدك بالنوم يكتحل ، رميت يا أبتاه بالخطب الجليل ، ولم تكن الرزيّة بالقليل ، فمنبرك بعدك مستوحش ، ومحرابك خالٍ من مناجاتك ، وقبرك فرح بمواراتك ، فوا أسفاه عليك إلى أن أقدم عليك . ثمّ زفرت زفرة وأنّت أنّة كادت روحها أن تخرج ، ثم قالت :
قلّ صبري وبان عنّي عزائي = بعد فقدي لخاتمِ الأنبياءِ
عين يا عين اسكبي الدمع سحّاً = وَيْكِ لا تبخلي بفيض الدماءِ
يا رسول الإله يا خيرة الله = وكهف الأيتام والضعفاءِ
لو ترى المنبر الذي كنت تعلو = ه علاه الظلام بعد الضياءِ
يا إلهي عجّل وفاتي سريعاً = قد تنغّصت الحياة يا مولائي