|
عضو جديد
|
رقم العضوية : 67368
|
الإنتساب : Aug 2011
|
المشاركات : 33
|
بمعدل : 0.01 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتدى العقائد والتواجد الشيعي
القرآن عند مدرسة اهل البيت
بتاريخ : 30-08-2011 الساعة : 12:38 PM
الوحي
تعريف الوحي: الوحي في اللغة: عرف اللغويون الوحي بقولهم:
«اصل الوحي:</SPAN>
الاشارة السريعة، ولتضمن السرعة قيل: امر وحي، وذلك يكون بالكلام، وعلى سبيل الرمز والتعريض،وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب، وباشارة بعض الجوارح وبالكتابة... ويقال للكلمة الالهية التي تلقى الى انبيائه واوليائه وحي . وذلك اضرب حسبما دل عليه قوله(وما كان لبشر ان يكلمه اللّه الا وحيا...) الى قوله (باذنه من يشاء).</SPAN>
وذلك اما برسول مشاهد ترى ذاته، ويسمع كلامه، كتبليغ جبريل(ع) للنبي في صورة معينة، واما بسماع كلام من غير معاينة كسماع موسى(ع) كلام اللّه، واما بالقاء في الروع، كما ذكر عليه الصلاة والسلام: ان روح القدس نفث في روعي، واما بتسخيرنحو قوله: (واوحى ربك الى النحل)، او بمنام كما قال عليه الصلاة والسلام: «انقطع الوحي وبقيت المبشرات، رؤيا المؤمن، فالالهام والتسخير والمنام...»((1)).</SPAN>
وعرف الشيخ المفيد الوحي فقال: (اصل الوحي هو الكلام الخفي، ثم قد يطلق على كل شيء قصد به الى افهام المخاطب على السر له عن غيره، والتخصيص له به دون من سواه، واذا اءضيف الى اللّه تعالى كان فيما يخص به الرسل(ص) خاصة دون من سواهم على عرف الاسلام وشريعة النبي...)((2)).</SPAN>
وتحدث المفسر الامامي الكبير الطبرسي عن الوحي فعرفه بقوله: (الايحاء: هو القاءالمعنى الى الغير على وجه يخفى، والايحاء الارسال الى الانبياء، نقول اوحى اللّه اليه، اي ارسل اليه ملكا. والايحاء الالهام، ومنه قوله تعالى: (واوحى ربك الى النحل).</SPAN>
وقوله: (بان ربك اوحى لها): معناه القى اليها معنى ما اراد منها، قال العجاج: اوحى اليها القرار فاستقرت. وشدها بالراسيات الثبت.</SPAN>
والايحاء: الايماء، قال: فاوحت الينا والانامل رسلها.</SPAN>
ومنه قوله تعالى: (فاوحى اليهم ان سبحوه بكرة وعشيا) اي اشار اليهم. والوحي الكتابة. قال رؤبة: لقدر كان وحاه الواحي.</SPAN>
وقال: في سور من ربنا موحية. والقلم الذي يكتب به. والقلم الذي يجال بين القوم)((3)).</SPAN>
وبهذا الاستعراض من اساطين العلم واللغة، نعرف ان معنى الوحي في اللغة، هو القاء المعنى الى الغير بطريقة السر والخفاء بين الملقي، والملقى اليه.</SPAN>
الوحي في الاصطلاح:</SPAN>
وكلمة الوحي هي مصطلح قرآني من اعرق واهم المصطلحات الاسلامية في مجال الفكر والعقيدة، ويشكل الايمان به القاعدة الاساسية للايمان بالانبياء والرسل(ع)، وقد استعملها القرآن بهذا المعنى في موارد عديدة، كما جاءت في السنة المطهرة وعلى السن العلماء الاسلاميين، وهو الوحي الى الانبياء والرسل.</SPAN>
وهو المعنى المتبادر الى ذهن الانسان المسلم من استعمال هذه الكلمة، كقوله تعالىولا تعجل بالقرآن من قبل ان يقضى اليك وحيه).</SPAN>
وكقوله تعالى: (واءوحي الي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ)((4)). وقد اوضح الشيخ المفيد الاستعمال الاصطلاحي لكلمة وحي بقوله: (اذا اضيف «الوحي» الى اللّه تعالى كان فيما يخص به الرسل صلى اللّه عليهم خاصة دون من سواهم على عرف الاسلام وشريعة النبي(ص))((5)).</SPAN>
وهذا الصنف من الوحي الالهي الى البشر قد انقطع بوفاة نبينا محمد(ص) ولتاكيد هذاالمعتقد الضروري في الاسلام قال الشيخ المفيد: (...والاتفاق على انه من زعم ان احدابعد نبينا محمد(ص) يوحى اليه فقد اخطا وكفر، ولحصول العلم بذلك من دين النبي(ص)...)((6)).</SPAN>
ثم يوضح المعنى الاصطلاحي للوحي، ويفصله عن غيره، رغم استعمال نفس اللفظ بقوله: (وقد يري اللّه سبحانه وتعالى في المنام خلقا كثيرا ما يصح تاويله، وتثبت حقيقته، لكنه لا يطلق بعد استقرار الشريعة عليه اسم الوحي، ولا يقال في هذا الوقت لمن طبعه اللّه على علم شيء انه يوحى اليه...)((7)). وقد جاء في توضيح المعنى الاصطلاحي ايضا:</SPAN>
(واما تفسير وحي النبوة والرسالة فهو: قوله تعالى: (انا اوحينا اليك كما اوحينا الى نوح والنبيين من بعده واوحينا الى ابراهيم واسماعيل((8))...)((9)).</SPAN>
وهكذا يتضح الاستعمال الاصطلاحي لكلمة وحي، ويفترق عن الاستعمالات الاخرى التي تنطبق على غير الانبياء، كما يتضح ذلك.</SPAN>
الوحي في القرآن:</SPAN>
لقد استعمل القرآن الكريم كلمة الوحي في معان عديدة، وهذه الاستعمالات هي:</SPAN>
1- استعمل القرآن الكريم كلمة وحي بمعناها الاصطلاحي كما اشرنا اليه آنفا.</SPAN>
2- استعمل القرآن الكريم كلمة وحي بمعنى الالقاء في نفوس بعض العباد من غيرالانبياء، كالقاء اللّه سبحانه ما اراد القاءه في نفس ام موسى والهامها.</SPAN>
قال تعالى: (واوحينا الى ام موسى ان ارضعيه فاذا خفت عليه فالقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني انا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين)((10)).</SPAN>
وقد نقل الشيخ المفيد تفسير هذا اللون من الوحي بقوله عند تفسير الاية الانفة الذكرفاتفق اهل الاسلام على ان الوحي كان رؤيا، او كلاما سمعته ام موسى في منامها على الاختصاص)((11)).</SPAN>
وكالقائه سبحانه في نفوس الحواريين ليؤمنوا بعيسى الذي صوره بقوله: (واذ اوحيت الى الحواريين ان آمنوا بي وبرسولي...)((12)).</SPAN>
ونقرا تفسيرا آخر لكلمة الوحي بمعنى الهام بعض الناس او توجيه بعض الخلائق،فقد نقل العلا مة المجلسي من تفسير النعماني مانصه:</SPAN>
«واما وحي الالهام فهو قوله عزوجل: (واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون). ومثله:</SPAN>
(واوحينا الى ام موسى ان ارضعيه فاذاخفت عليه فالقيه في اليم...)((13))». وقد اشار الشيخ المفيد الى ان هذا اللون من الالقاء يحصل لائمة اهل البيت الهداة(ع)لما اتصفوا به من طهارة الذات، وصفاء النفس، وكمال التقوى، والتوجه الى اللّهسبحانه، على ان هذا الالقاء كما يوضح الشيخ المفيد ليس هو القاء احكام او تشريع،فان ذلك منقطع بعد النبي(ص) ولا يصح القول به.</SPAN>
قال رحمه اللّه: (وعندنا ان اللّه يسمع الحجج بعد نبيه كلاما يلقيه اليهم في علم ما يكون،لكنه لا يطلق عليه اسم الوحي، لما قدمناه من اجماع المسلمين على انه لا وحي الى احد بعد نبينا، وانه لا يقال في شيء مما ذكرناه انه وحي الى احد)((14)). فهذا الصنف من الالقاء الذي اشار اليه الرسول(ص) واجمع المسلمون على حصوله لغير الانبياء يتحقق للاولياء في المنام والالهام والرؤيا، وغير ذلك من المبشرات التي ذكرها الحديث النبوي الشريف.</SPAN>
3- استعمل القرآن كلمة (الوحي) بمعنى الوسوسة والالقاء الخبيث في النفس، وقدجاء هذا الاستعمال في قوله تعالى:</SPAN>
(وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم...)((15)).</SPAN>
وبقوله: (يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا...).</SPAN>
4- واستعمل القرآن كلمة الوحي بمعنى الاشارة المفهمة افهاما خفيا للمراد.</SPAN>
فقد جاء هذا الاستعمال في وصفه تعالى لاشارة النبي يحيى(ع) الى اصحابه، قال تعالى: (فخرج على قومه من المحراب فاوحى اليهم...)((16)).
5- الايحاء بمعنى التسخير و وضع النظام التكويني من قبل اللّه تعالى لتسير وفقه عوالم الطبيعة والمادة والاحياء. ويوضح هذا المعنى قوله تعالى: (فقضاهن سبع سماوات في يومين واوحى في كل سماء امرها)((17)).</SPAN>
(واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر وممايعرشون)((18)).</SPAN>
صور الوحي الى الانبياء:</SPAN>
قال تعالى: (وما كان لبشر ان يكلمه اللّه الا وحيا او من وراء حجاب او يرسل رسولافيوحي باذنه ما يشاء انه علي حكيم # وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا...)((19)).</SPAN>
لقد تحدث القرآن الكريم عن حالات عديدة للالقاء الالهي وحالات الوحي الى الانبياء التي يتلقاها الانبياء بوعي ووضوح كامل لما يريد اللّه سبحانه ان يلقيه اليهم.</SPAN>
وهذه الحالات هي:</SPAN>
1- الوحي المباشر: لقد حظ ي بعض الانبياء بالحديث الالهي المباشر، والقاء الكلمة اليهم، واسماعهم من غير واسطة الملك(ع) وقد وصف الامام جعفر بن محمدالصادق(ع) هذا الصنف من الوحي الذي تلقاه نبينا محمد(ص) بقوله: «كان رسول اللّه(ص) اذا اتاه الوحي وبينهما جبرئيل(ع) يقول: هو ذا جبرئيل، وقال لي جبرئيل، واذا اتاه الوحي، وليس بينهما جبرئيل، تصيبه تلك السبتة((20))، ويغشاه منه ما يغشاه،لثقل الوحي عليه من اللّه عزوجل»((21)).</SPAN>
وروى زرارة قال: «قلت لابي عبد اللّه(ع) جعلت فداك الغشية التي كانت تصيب رسول اللّه(ص) اذا نزل عليه الوحي؟ قال:</SPAN>
فقال: ذلك اذا لم يكن بينه وبين اللّه احد،ذاك اذا تجلى اللّه له، قال: ثم قال: تلك النبوة يازرارة»((22)).</SPAN>
ويصف الشيخ المفيد هذه الحالة فيقول: (فاما الوحي من اللّه تعالى الى نبيه(ص) فقدكان تارة باسماعه الكلام من غير واسطة...)((23)) ومثاله ما كلم اللّه به النبي محمدا(ص) في معراجه المبارك عند سدرة المنتهى((24)).</SPAN>
وهذه المباشرة لا تعني زوال الحجاب الذي يكلم من ورائه البشر، كما ذكر اللّه سبحانه ذلك.</SPAN>
2- الوحي بواسطة الملك جبرئيل: وهذا اللون من الوحي هو الوحي المالوف في الرسالات، وبه نزلت الكتب والشرائع، فقد جعل اللّه جبرئيل(ع) وسيطا لايصال رسالاته الى الانبياء(ع).</SPAN>
قال اللّه تعالى: موضحا نزول القرآن على نبينا محمد(ص) بواسطة جبرئيل(ع)نزل به الروح الامين. على قلبك لتكون من المنذرين) ((25)).</SPAN>
وقال سبحانه: (قل من كان عدوا لجبريل فانه نزله على قلبك باذن اللّه...)((26)).</SPAN>
3- الوحي بواسطة الرؤيا: ومن صور الوحي للانبياء هو الرؤيا الصادقة التي يريها اللّهسبحانه لانبيائه ورسله(ع). وقد تحدث القرآن عن رؤيا ابراهيم ويوسف ومحمد(ص)، نذكر منها حديث القرآن عن الرؤيا التي اراها اللّه سبحانه لنبيه في دخول المسجد الحرام، وتحقيق النصر له.</SPAN>
قال تعالى: (لقد صدق اللّه رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام ان شاء اللّهآمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم مالم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاقريبا)((27)).</SPAN>
(واذ قلنا لك ان ربك احاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي اريناك الا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم الا طغيانا كبيرا)((28)).</SPAN>
وروى الامام جعفر بن محمد الصادق(ع) حين سئل: كم تتاخر الرؤيا؟ قال: «راى رسول اللّه(ص) في منامه كان كلبا ابقع يلغ في دمه فكان، اي ذلك الكلب الابقع شمرا،قاتل الحسين، وكان ابرص، فكان تاخير الرؤيا بعد خمسين سنة»((29)).</SPAN>
وورد عن الامام علي بن ابي طالب(ع) قوله: «رؤيا الانبياء وحي».</SPAN>
ويوضح الامام الصادق(ع) ان صنفا من الانبياء يتلقون وحيهم عن طريق الرؤيا، فقدروي عنه قوله في هذا الصنف من التلقي:</SPAN>
«...الرسول الذي ياتيه جبريل قبلا فيراه ويكلمه، فهذا الرسول.</SPAN>
واما النبي فهو الذي يرى في منامه. نحو رؤيا ابراهيم.</SPAN>
ونحوماكان راى رسول اللّه(ص) من اسباب النبوة قبل الوحي، حتى اتاه جبريل(ع) من عند اللّه بالرسالة»((30)).</SPAN>
وقد روي عن عائشة قولها: (اول ما بدئ به رسول اللّه(ص) من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم...)((31)).</SPAN>
4- النفث في الروع والالقاء في النفس: ومن صور الوحي والالقاء الالهي في نفوس الانبياء هو النفث في الروع. فقد روي عن النبي(ص) بيانه لهذه الصورة من صورالوحي، روى الامام جعفر بن محمد الصادق(ع) قول الرسول(ص): «ايها الناس اني لم اءدع شيئا يقربكم الى الجنة، ويباعدكم من النار، الا وقد نباتكم به، اءلا وان روح القدس (قد) نفث في روعي، واخبرني ان لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوااللّه عزوجل، واجملوا في الطلب»((32)).</SPAN>
وهكذا يوضح هذا الحديث طريقة النفث في الروع والالقاء في نفس النبي(ص)المقدسة.</SPAN>
وفيما يلي نقرا تلخيصا لصور الوحي في قوله تعالى: (ما كان لبشر) اي لايصح له(ان يكلمه اللّه الا وحيا) اي الهاما وقذفا في القلوب، او القاء في المنام، (او من وراءحجاب) اي يكلمه من وراء حجاب، كما كلم موسى بخلق الصوت في الطور، وكماكلم نبينا في المعراج، وهذا اما على سبيل الاستعارة والتشبيه، فان من يسمع الكلام،ولا يرى المتكلم، يشبه حاله بحال من يكلم من وراء حجاب، او المراد بالحجاب الحجاب المعنوي من كماله تعالى ونقص الممكنات، ونوريته تعالى وظلمانية غيره،كما سبق تحقيقه في كتاب التوحيد. (او يرسل رسولا) اي ملكا (فيوحي باذنه مايشاء).</SPAN>
فظهر ان وحيه تعالى منحصر في اقسام ثلاثة:</SPAN>
اما بالالهام((33)) والالقاء في المنام، او بخلق الصوت بحيث يسمعه الموحى اليه.</SPAN>
او بارسال ملك((34)).</SPAN>
بدء الوحي:</SPAN>
يشكل الوحي ابرز ظاهرة ربانية غيبية في عالم الانسان والشهادة. ولقد تحدث القرآن عن الوحي، واضاء ما لابد للانسان معرفته من هذه الظاهرة الغيبية.</SPAN>
وفي هذا الموضوع نحاول ان ندرس مسالة بدء الوحي الى النبي محمد(ص) فان تحديد بداية الوحي الى النبي(ص) توضح لنا مسائل عديدة، من ابرزها انهاءالتقولات التي وصف بها موقف النبي حين مخاطبة جبريل(ع) له في غار حراء.</SPAN>
فقد جاءت روايات مختلفة تصور لنا موقف النبي(ص) من تلقي البشارة بالبعثة الى البشرية يوم اراد اللّه سبحانه بعثه الى الناس كافة، تروي ان النبي(ص) لم يكن يعرف ما حدث له، فعاد الى اهله يملا قلبه الرعب والشك بنفسه، وهو يبحث عن تفسير لماراى وسمع، فكان فهم ذلك وتفسيره عند خديجة وورقة بن نوفل.</SPAN>
ولكي نقف على جانب من تلك الروايات فلنقرا:</SPAN>
اخرج البخاري عن عائشة: (اول ما بدئ به رسول اللّه(ص) من الوحي، الرؤياالصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا الا وجاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب اليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل ان ينزع الى اهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع الى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق، وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرا، قال:</SPAN>
(ما انا بقارئ). قال: (فاخذني فغطني((35))حتى بلغ مني الجهد، ثم ارسلني فقال: اقرا، قلت: ما انا بقارئ، فاءخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم ارسلني فقال: اقرا، فقلت: ما انا بقارئ، فاخذني فغطني الثالثة،ثم ارسلني فقال:</SPAN>
(اقرا باسم ربك الذي خلق # خلق الانسان من علق # اقرا وربك الاكرم). فرجع بها رسول اللّه(ص) يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد،رضي اللّه عنها، فقال: (زملوني زملوني). فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة،واخبرها الخبر: (لقد خشيت على نفسي). فقالت خديجة: كلا ، واللّه ما يخزيك اللّهابدا، انك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.</SPAN>
فانطلقت به خديجة حتى اتت به ورقة بن نوفل بن اسد بن عبد العزى، ابن عم خديجة، وكان امرءا تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الانجيل بالعبرانية ما شاء اللّه ان يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة:يابن عم، اسمع من ابن اخيك. فقال له ورقة: ياابن اخي ماذاترى؟ فاخبره رسول اللّه(ص) خبر ما راى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزله اللّه على موسى...)((36)).</SPAN>
ويتحدث الطبري في تاريخه المعروف بتاريخ الطبري عن بدء الوحي في غار حراءفيصور ذلك المشهد بالرواية التي رواها البخاري مضيفا: (...حتى فجاه الحق فاتاه،فقال: يامحمد انت رسول اللّه، قال رسول اللّه(ص) فجثوت لركبتي وانا قائم، ثم زحفت ترجف بوادري، ثم دخلت على خديجة، فقلت:</SPAN>
زملوني، زملوني حتى ذهب عني الروع، ثم اتاني فقال: يا محمد انت رسول اللّه، قال: فلقد هممت ان اطرح نفسي من حالق من جبل فتبدى لي حين هممت بذلك، فقال: يا محمد انا جبريل، وانت رسول اللّه...)((37)).</SPAN>
ويروي لنا الطبري حوادث بدء الوحي في رواية اخرى، فيقول بعد ان تحدث عن حوار جبريل مع النبي: (...فجاء الى خديجة فقال: يا خديجة ما اراني الا قد عرض لي،قالت: كلا ، واللّه ماكان ربك يفعل ذلك بك، ما اتيت فاحشة قط، قال: فاتت خديجة ورقة ابن نوفل فاخبرته الخبر، فقال: لئن كنت صادقة، ان زوجك لنبي...)((38)).</SPAN>
ثم يروي الطبري عن النبي(ص) انه قال: ان جبريل جاءه، وهو نائم في غار حراء ليلا،فقال له: اقرا، والنبي يقول: ماذا اقرا؟ ثم يكرر عليه، وهو يقول: ماذا اقرا؟ فقال له في المرة الثالثة: (اقرا باسم ربك الذي خلق) الى قوله (علم الانسان مالم يعلم).</SPAN>
ثم ينقل عن النبي(ص) قوله: «فقراته، ثم انتهى، ثم انصرف عني، وهببت من نومي، وكانما كتب في قلبي كتابا».</SPAN>
قال اي النبي(ص): «ولم يكن من خلق اللّه احد ابغض الي من شاعر او مجنون كنت لا اطيق ان انظر اليهما، قال: قلت ان الابعد يعني نفسه لشاعر او مجنون، لا تحدث بهاعني قريش ابدا، لاعمدن الى حالق من الجبل فلاطرحن نفسي منه، فلاقتلنهافلاستريحن.</SPAN>
قال(ص): فخرجت اريد ذلك، حتى اذا كنت في وسط من الجبل سمعت صوتا من السماء يقول: يا محمد انت رسول اللّه، وانا جبرئيل...) ((39)).</SPAN>
ثم يواصل الطبري نقله لهذه الرواية التي تنسب الى النبي(ص): (...وانصرفت راجعاالى اهلي حتى اتيت خديجة فجلست الى فخذها مضيفا، فقالت: يا ابا القاسم اين كنت؟ فواللّه لقد بعثت رسلي في طلبك، حتى بلغوا مكة، ورجعوا الي، قال:</SPAN>
قلت لها:ان الابعد لشاعر او مجنون، فقالت: اعيذك باللّه من ذلك يا ابا القاسم: ما كان اللّه ليصنع ذلك بك مع ما اعلم منك من صدق حديثك، وعظم امانتك، وحسن خلقك، وصلة رحمك، وذاك يا ابن عم ! لعلك رايت شيئا؟ قال: فقلت لها: نعم. ثم حدثتها بالذي رايت، فقالت: ابشر ياابن عم واثبت، فوالذي نفس خديجة بيده اني لارجو ان تكون نبي هذه الامة.</SPAN>
ثم قامت فجمعت عليها ثيابها، ثم انطلقت الى ورقة بن نوفل بن اسدوهو ابن عمها، وكان ورقة قد تنصر وقرا الكتب، وسمع من اهل التوراة والانجيل فاخبرته بما اخبرها به رسول اللّه(ص) انه راى وسمع، فقال ورقة: قدوس، قدوس!والذي نفس ورقة بيده، لئن كنت صدقتني يا خديجة، لقد جاءه الناموس الاكبر يعني بالناموس جبرئيل(ع) الذي كان ياتي موسى وانه لنبي هذه الامة، فقولي له فليثبت.فرجعت خديجة الى رسول اللّه(ص)، فاخبرته بقول ورقة فسهل ذلك عليه بعض ماهو فيه من الهم...)((40)).</SPAN>
وهكذا تصور هذه الروايات شخصية النبي الاكرم محمد(ص) وموقفه من تلقي الوحي بشكل يتناقض وما ورد عن ائمة اهل البيت وعلمائهم، وتبرز ثلاثة عناصراساسية حرية بان نناقشها، ونكشف ماحوت من طعن في شخص النبي الكريم(ص)وتوهين لموقفه، ومخالفة للعقل والمنطق. فهي تصور:</SPAN>
1- ان النبي كان يجهل ما سمع وراى، ولا يعرف له تفسيرا.</SPAN>
2- اتهم النبي(ص) نفسه بانه شاعر او مجنون. مما يكشف التلفيق الواضح، والدس الصريح الماخوذ من تهم الاعداء لشخص النبي(ص) بعد التعريف بنبوته.</SPAN>
3- لقد فقد النبي السيطرة على موقفه العصبي، وحاول ان يلقي بنفسه من اعلى الجبل ليقتلها.</SPAN>
4- ان خديجة وورقة بن نوفل قد اكتشفا ان الذي رآه النبي(ص) هو جبريل، وان ماحدث له ان هو الا تباشير النبوة.</SPAN>
فطماناه بذلك فعرف انه نبي مخاطب بالوحي منهما،وبذا اطمانت نفسه، وعرف تفسير ما راى. اما هو فلم يستطع معرفة ما راى وسمع.</SPAN>
5- ان ما رآه النبي(ص) هو رؤية منام، وليس يقظة كما اورد الطبري ذلك في احدى رواياته.</SPAN>
6- تتناقض هذه الروايات مع صدر الرواية التي رواها البخاري عن عائشة من ان الوحي الى النبي(ص) قد بدئ بالرؤية الصالحة، فكان لايرى رؤية الا جاءت كفلق الصبح.</SPAN>
واذا كانت هذه المجموعة من الروايات تتحدث بهذا الشكل المشوه والمفترى في بدءالوحي، وتلقي الرسول(ص) لهذا الفتح الغيبي الفريد في عالم الانسان، والتي تبناهاالمستشرقون والمشوهون لمبدا النبوة، فلنتناول مجموعة اخرى من الروايات والاراءالتي تتحدث عن بدء الوحي، وعن موقف الرسول(ص) وعلاقته باللّه سبحانه قبل ان يتفضل المولى عليه ببشارة البعثة في غار حراء، لنسجل التناقض بين المجموعتين،ونعرض الفهم السليم لشخص الرسول، ولنزول الوحي، وكيفية تلقيه(ص) لهذاالحدث العظيم.</SPAN>
فقد جاء عن ائمة اهل البيت(ع)، وعن عدد من علماء ينتسبون الى مدارس مذهبية متباينة؟. ان النبي لم يفاجا بالوحي، وان هناك مرحلة اعداد الهي، وتربية للنبي(ص) ليكون مؤهلا لتلقي الوحي، واستقبال المهمة الكبرى في عالم الانسان.</SPAN>
قال الاحول: سالت ابا جعفر عن الرسول والنبي والمحدث: قال:</SPAN>
(الرسول الذي ياتيه جبريل قبلا فيراه ويكلمه، فهذا الرسول.</SPAN>
واما النبي فهو الذي يرى في منامه نحو رؤياابراهيم(ع) ونحو ما كان راي رسول اللّه(ص) من اسباب النبوة قبل الوحي، حتى اتاه جبريل(ع) من عند اللّه بالرسالة، وكان محمد(ص) حين جمع له النبوة، وجاءته الرسالة من عند اللّه يجيئه بها جبريل(ع)، ويكلمه قبلا...)((41)).</SPAN>
وعن زرارة قال: قلت لابي عبد اللّه: كيف لم يخف رسول اللّه(ص) فيما ياتيه من قبل اللّه ان يكون ذلك مما ينزغ به الشيطان؟ قال: فقال: «ان اللّه اذا اتخذ عبدا رسولا انزل عليه السكينة والوقار فكان ياتيه من قبل اللّه، عزوجل، مثل الذي يراه بعينه»((42)). وتحدث الامام علي(ع) في الاعداد الالهي لشخص النبي الكريم وتاهيله للنبوة فقال:«لقد قرن اللّه به من لدن كان فطيما اعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم، ومحاسن اخلاق العالم، ليله ونهاره»((43)).</SPAN>
ونقل الماوردي عن الشعبي ما يساوق قول الامام علي(ع) فقد جاء فيه: (ان اللّه قرن اسرافيل(ع) بنبيه ثلاث سنين، يسمع حسه، ولا يرى شخصه، يعلمه الشيء بعدالشيء، ولا يذكر له القرآن، فكان في هذه المدة مبشرا بالنبوة، وامهله هذه المدة، ليتاهب لوحيه)((44)).</SPAN>
واخرج البخاري عن عائشة رض انها قالت: (اول ما بدئ به رسول اللّه من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح...).</SPAN>
وقال القاضي وغيره: (وانما ابتدئ رسول اللّه(ص) بالرؤيا لئلا يفجاه الملك الذي هوجبرئيل(ع) بالنبوة: اي الرسالة، فلا تتحملها القوى البشرية: اي لان القوى البشرية لاتتحمل رؤية الملك، وان لم يكن على صورته التي خلقه اللّه عليها، ولا على سماع صوته، ولاعلى ما يخبر به، لا سيما الرسالة، فكانت الرؤيا تانيسا له(ص) والمرادبالملك جبرئيل(ع))((45)).</SPAN>
ثم نقل الحلبي في سياق عرضه للاراء الواردة في بدئ الوحي فقال: وعن علقمة بن قيس: (اول ما يؤتى به الانبياء في النوم، اي ما يكون في المنام، حتى تهدا قلوبهم، ثم ينزل الوحي)((46)). ثم علق الحلبي على ذلك بقوله: اي في اليقظة((47))، لان رؤيا الانبياء وحي وصدق وحق، لا اضغاث احلام، ولا تخيل من الشيطان، اذ لا سبيل له عليهم، لان قلوبهم نورانية فما يرونه في المنام، له حكم اليقظة، فجميع ما ينطبع في عالم مثالهم لا يكون الا حقا، ومن ثم جاء: «نحن معاشر الانبياء تنام اعيننا ولا تنام قلوبنا»((48)).</SPAN>
ثم قال: (وذكر بعضهم ان مدة الرؤيا ستة اشهر، قال: فيكون ابتداء الرؤيا حصل في شهر ربيع الاول، وهو مولده(ص) ثم اوحى اللّه اليه في اليقظة، اي في رمضان، ذكره البيهقي وغيره)((49)). وتحدث العلا مة المجلسي بعد ان عرض جملة من الاخبار والروايات والتحليلات المتعلقة ببدء الوحي، قال: (فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الذي ظهر لي من الاخبارالمعتبرة، والاثار المستفيضة، هو انه كان قبل بعثته، مذ اكمل اللّه عقله في بدو سنه، نبيامؤيدا بروح القدس، يكلمه الملك، ويسمع الصوت، ويرى في المنام، ثم بعد اربعين سنة صار رسولا، وكلمه الملك معاينة، ونزل عليه القرآن، وامر بالتبليغ، وكان يعبد اللّهقبل ذلك بصنوف العبادات، اما موافقا لما امر به الناس بعد التبليغ، وهو اظهر، او على وجه آخر، اما مطابقا لشريعة ابراهيم(ع) او غيره ممن تقدمه من الانبياء(ع) لا على وجه كونه تابعا لهم، او عاملا بشريعتهم، بل ان ما اوحي اليه كان مطابقا لبعض شرائعهم، او على وجه آخر، نسخ بما نزل عليه بعد الارسال...)((50)).</SPAN>
ان هذه المجموعة من الروايات والاراء والتحليلات العلمية التي وردت عن ائمة اهل البيت وعلمائهم، وعدد من علماء المذاهب الاسلامية الاخرى. لتؤكد لنا حقيقة منطقية، وتكشف واقعا موضوعيا يتلخص في المبادئ الاتية:</SPAN>
1- ان اللّه اعد نبيه، وهياه لتحمل تلك المسؤولية الكبرى، ورعاه رعاية ربانية عن طريق ملك (روح القدس) مكلف بذلك قبل ان يكلف بحمل الرسالة الى البشرية في غارحراء.</SPAN>
2- ان بدء الوحي، هو الرؤية الصادقة في المنام التي كان يدرك حقيقتها، كما يدرك في عالم اليقظة.</SPAN>
3- انه نبئ فكان نبيا، مذ اكمل اللّه عقله في بدو سنه، يتلقى الوحي عن طريق المنام والالقاء في النفس وحديث الملك قبل ان يبعث الى الناس رسولا.</SPAN>
4- ان فترة الخلوة التي كان يخلوها في غار حراء كان فيها نبيا، فكان يخلو للتعبدوالتامل، منتظرا البعثة والرسالة. ولم يفاجا بشيء ابدا.</SPAN>
5 بعد ان كمل عمره الشريف اربعين سنة، نزل عليه جبريل(ع) بالقرآن، وبعثه اللّه الى الناس رسولا.
كيفية نزول القرآن
لقد تحدث القرآن عن زمن النزول وكيفيته، فاوضح ان القرآن نزل في ليلة القدر من شهر رمضان المبارك، جاء ذلك في قوله تعالى: (شهر رمضان الذي اءنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان...).</SPAN>
ثم بين الليلة التي نزل فيها القرآن، فقال: (انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين #فيها يفرق كل امر حكيم)((51)).</SPAN>
وبين هذه الليلة المباركة بقوله: (انا انزلناه في ليلة القدر).</SPAN>
وهكذا يوضح القرآن انه نزل ليلا في ليلة القدر على النبي الامين محمد(ص) في شهر رمضان المبارك. وفي موضع آخر تحدث عن كيفية نزول القرآن وتنزيله من قبل اللّه تعالى على النبي محمد(ص)، قال سبحانه: (ما كان لبشر ان يكلمه اللّه الا وحيا اومن وراء حجاب او يرسل رسولا فيوحي باذنه ما يشاء انه علي حكيم)((52)). وقال تعالى: (فاذا قراناه فاتبع قرآنه)((53))، وقال تعالى:</SPAN>
(وقرآنا فرقناه لتقراه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا)((54)). وقال تعالى: (وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا)((55)).</SPAN>
وحصيلة ما يستفاد من هذه الايات المباركة:</SPAN>
1- ان القرآن نزل وحيا من رب العزة، وبصورة قراءة، نزل به جبريل على النبي محمد(ص) وليس مكتوبا بصحف او الواح، كما نزلت الكتب الالهية الاخرى.</SPAN>
2- ان النزول بدا في ليلة القدر من شهر رمضان المبارك، كما نزلت الكتب الالهية التوراة والانجيل والزبور في هذا الشهر المبارك، كما تفيد الروايات ذلك.</SPAN>
3- ان القرآن نزل مفرقا على شكل آيات او سور احيانا، ولم ينزل بصورته الكاملة على النبي محمد(ص) دفعة واحدة، ويتضح ذلك من قوله تعالى: (لتقراه على الناس على مكث) و (ورتلناه ترتيلا) اي بيناه وفرقناه تفريقا، كما يتضح ذلك من رده على الكافرين بالاية 32 من سورة الفرقان، الذين طالبوا بانزاله جملة واحدة على النبي محمد(ص).</SPAN>
وما جاء في الفقرة الثالثة آنفا، هو ما يذهب اليه جمع من العلماء والمحققين، وبه قال الشيخ المفيد.</SPAN>
غير ان هناك من يذهب الى ان القرآن نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ الى السماءالدنيا، ثم انزله اللّه تعالى عن طريق جبرئيل على نبيه محمد(ص) مفرقا.</SPAN>
وقد اخرج الحاكم والبيهقي والنسائي وابن ابي شيبة وابن ابي حاتم والطبراني والبزاروابن مردويه عن ابن عباس بعدة طرق، اخرجوا ذلك((56)).</SPAN>
ومن علماء الشيعة يذهب الى هذا القول الشيخ الصدوق ايضا وهو من اعاظم علماءالشيعة الامامية، وقد رد الشيخ المفيد هذا الراي، وناقش الصدوق، ولكي يتضح الرايان فلنذكرهما معا:</SPAN>
قال الشيخ الصدوق: (ان القرآن نزل في شهر رمضان، في ليلة القدر جملة واحدة الى البيت المعمور، ثم انزل من البيت المعمور في مدة عشرين سنة)((57)).</SPAN>
وقد رد الشيخ المفيد على هذا الراي بقوله: ((الذي ذهب اليه ابو جعفر في هذا الباب اصله حديث واحد، لا يوجب علما ولا عملا ونزول القرآن على الاسباب الحادثة،حالا فحالا يدل على خلاف ماتضمنه الحديث. وذلك انه قد تضمن حكم ما حدث، وذكر ماجرى، وذلك لا يكون على الحقيقة الا لحدوثه عند السبب. ثم استشهد بيات كثيرة مثل: (قد سمع اللّه قول التي تجادلك في زوجها) وكثير من امثال ذلك، بالاضافة الى استعمال القرآن صيغة الماضي في وقوع الحوادث التي وقعت في عهد النزول على النبي(ص) بعد حدوثها، فكيف يستعمل صيغة الماضي قبل وقوع الحوادث التي وقعت في المدينة في حال التسليم بنزوله كاملا في مكة ليلة القدر؟.</SPAN>
ثم قال: وقد يجوز في الخبر الوارد بنزول القرآن جملة في ليلة القدر، انه نزل جملة منه في ليلة القدر، ثم تلاه ما نزل منه الى وفاة النبي(ص). فاما ان يكون نزل باسره وجميعه في ليلة القدر، فهو بعيد مما يقتضيه ظاهر القرآن، والمتواتر من الاخبار، واجماع العلماء على اختلافهم في الاراء((58)).</SPAN>
اول ما نزل من القرآن وآخر ما نزل منه:</SPAN>
ان اول ما نزل من القرآن هو قوله تعالى: (بسم اللّه الرحمن الرحيم # اقرا باسم ربك الذي خلق # خلق الانسان من علق # اقرا وربك الاكرم # الذي علم بالقلم # علم الانسان مالم يعلم) فهذه الايات الخمس بعد البسملة، هي اول ما نزل من القرآن على النبي(ص) في غار حراء. اما الايات الاخرى من سورة العلق فقد نزلت بعد فترة من الزمن ثم وضعت في موضعها الذي هي فيه من السورة، غير ان هناك آراء وروايات تتحدث عن ان اول ما نزل من القرآن هو سورة المدثر، واخرى تذهب الى ان اول مانزل من القرآن هو سورة الفاتحة. واختار الطوسي والطباطبائي في تفسيريهما: ان اول ما نزل من القرآن، هو الايات الخمس من سورة العلق.</SPAN>
وكما اختلف في اول ما نزل من القرآن، اختلف كذلك في آخر مانزل منه، فقيل هي سورة براءة، وقيل سورة: اذا جاء نصر اللّه والفتح، وقيل سورة المائدة، وقيل غيرذلك.</SPAN>
ويرجح علماء الشيعة الامامية ان آخر ما نزل من القرآن هو قوله تعالى: (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا).</SPAN>
لماذا نزل القرآن مفرقا:</SPAN>
اثار المشركون شبهة ملخصها: ان نزول القرآن مفرقا يعني ان النبي(ص) ليس مرسلابدين من اللّه سبحانه، اذ لو كان وحيا الهيا على زعمهم لنزل دينا كاملا مرة واحدة، ونزوله مفرقا يعني انه قول البشر يتامل نصوصه فياتي بها.</SPAN>
فرد عليهم القرآن، وبين الحكمة من النزول مفرقا، فقال تعالى:</SPAN>
(وقال الذين كفروا لولاانزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا)((59)).</SPAN>
ويمكن ان يكون سبب هذه الشبهة ما هو معروف من اخبار الديانات السابقة، ان الكتب انزلت مكتوبة جملة واحدة، وكيفية نزول القرآن تختلف عن كيفية نزول التوراة والانجيل والزبور، فالقرآن نزل قراءة ومفرقا، اما تلك الكتب فقد نزلت مكتوبة جملة واحدة وبصيغتها الكاملة. وقد ذكر القرآن ذلك، كما في قوله تعالى: (وكتبنا له في الالواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وامر قومك ياخذواباحسنها ساوريكم دار الفاسقين)((60)).</SPAN>
وقال تعالى: (ولما سكت عن موسى الغضب اخذ الالواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون)((61)).</SPAN>
وهكذا يوضح القرآن ان التوارة انزلت مكتوبة بشكلها الكامل في الالواح، وبهذه الصيغة تلقاها موسى(ع). وقد بين القرآن الحكمة من نزوله مفرقا في الاية (32) من سورة الفرقان، كما وبين ذلك في الاية (145) من سورة الاعراف.</SPAN>
وملخص الحكمة في الايتين هو:</SPAN>
1- لنثبت به فؤادك.</SPAN>
2- لتقراه على الناس على مكث.</SPAN>
فالحكمة اذن هي ان استمرار نزول الوحي، وتواصل نزول القرآن ومواصلة النبي بالقرآن، يثبت فؤاد النبي(ص) ويقوي موقفه الجهادي في مواجهة التحديات اولا، وثانيا ان الرسالة الاسلامية رسالة تغييرشامل، وتسعى لبناء مجتمع ودولة وحضارة، وتثبيت قانون ونظام. والتغيير والبناء يقتضي التدرج في التبليغ لمواصلة عملية الهدم والبناء، ولترسخ الدعوة في النفوس، وتستوعب العقيدة والاحكام والمفاهيم بشكل تدريجي، وليستقبل الناس التغيير على مراحل، وليتفاعلوا مع مبادئ القرآن، وتتهيا النفوس لتحمل التكاليف.</SPAN>
وهكذا يكون العامل الزمني والنزول التدريجي قضية ضرورية للنبي(ص) وللمجتمع كما يوضح القرآن ذلك.</SPAN>
ولعل البحث يدعونا الى ان نذكر ان الرسول(ص) كان نبيا قبل ان يبعث رسولا، اي قبل ان ينزل عليه القرآن في غار حراء، وهذا يعني ان النبي(ص) كان يتلقى تعاليم قرآنية بمعانيها ودلالاتها ليعد ويهيا لمهمة تلقي القرآن، وحمل الرسالة الكبرى.</SPAN>
وقد ذهبت بعض الاراء الى ان النبي(ص) تلقى وحيا الاركان الاساسية والخطوط الكبرى لامهات الكتاب جملة واحدة، ثم نزل القرآن باكمله مفرقا عبر سني التنزيل.
حفظ القرآن من التحريف
لم يحظ كتاب على وجه البسيطة بالعناية والاهتمام كما حظ ي القرآن الكريم، فمنذ بدا الوحي وتلقى النبي(ص) هذا الخطاب الالهي المقدس، كان اهتمامه(ص) به عظيما، وشغفه به فريدا، وحبه له منقطع النظير.</SPAN>
وقد خلد الوحي الالهي هذا الاهتمام النبوي بنص قوله:</SPAN>
(لاتحرك به لسانك لتعجل به # ان علينا جمعه وقرآنه # فاذا قراناه فاتبع قرآنه)((62)).</SPAN>
سجل المؤرخون وكتاب السير، والمهتمون بعلوم القرآن وتاريخه، ان النبي(ص)كان يدون كل ماينزل عليه من وحي، وان عددا من الصحابة كان يحفظ القرآن. كمادلت الروايات التاريخية ان عددا من الصحابة كانت لهم مصاحف يختلف ترتيب السور فيها من صحابي الى صحابي آخر، وعدوا مصحف الامام علي(ع)، ومصحف عبد اللّه بن مسعود، ومصحف ابي بن كعب(رضى اللّه)...الخ.</SPAN>
ولقد تلقى المسلمون القرآن الكريم جيلا بعد جيل بالحفظ والقراءة والتفسيروالمدارسة، وبشكل متواتر، لا يعط ي مجالا لاحد ان يخفي، او يسقط شيئا منه، كماليس بوسع احد ان يضيف اليه لنشوز المضاف، وتميزه عن كلام اللّه تعالى.</SPAN>
ولوجودالحفاظ والمصاحف المكتوبة.</SPAN>
ومما يؤكد هذه الحقيقة هو قول اللّه سبحانه: (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون)، وقوله: (لا تحرك به لسانك لتعجل به # ان علينا جمعه وقرآنه).</SPAN>
وبهاتين الايتين تعهد اللّه سبحانه بحفظ القرآن من التحريف والضياع، فقد تعهد بجمعه كاملا، وبحفظه من التحريف والضياع والاندراس.</SPAN>
وناقش العلماء المختصون ما رواه البعض من روايات ضعيفة وموضوعة عن بعض الرواة المتهمين، من المنتمين الى المذاهب السنية والشيعية، واسقطوها من الاعتبار، واجمعوا على سلامة القرآن وصيانته من التحريف وللّه الحمد.</SPAN>
وقد عبر اساطين العلماء من الشيعة الامامية عن سلامة القرآن وصيانته من التحريف.</SPAN>
ومن المفيد ان نورد بعضا منها.</SPAN>
قال الشيخ الطوسي مدافعا عن صيانة القرآن من التحريف ورده على ما يردده البعض:</SPAN>
(واما الكلام في زيادته ونقصانه، فمما لا يليق به ايضا، لان الزيادة فيه مجمع على بطلانها، والنقصان منه فالظاهر ايضا من مذهب المسلمين خلافه، وهو الاليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الذي نصره المرتضى(رضى اللّه) وهو الظاهر في الروايات. غير انه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن، ونقل شيء منه من موضع الى موضع، طريقها الاحاد التي لا توجب علما ولاعملا)((63)).</SPAN>
|
|
|
|
|