بسم الله الرحمن الرحيم
اداب الطريق
عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "دخل عبد الجنة بغصن من شوك كان على طريق المسلمين فأماطه عنه"
تمهيد
إن للطرقات التي يسير عليها الإنسان آداباً كثيرة اهتم الإسلام ببيانها وحثّ على الإلتزام بها في العديد من النصوص الشرعية، لاعتبارات عديدة..
فالذي يراعي آداب الطريق هو في الحقيقة يبتعد عن الأنانية وحب الذات ليعيش في رحاب حب المجتمع كله وإرادة الخير لكل عابر يعبر الطريق، وهو في نفس الوقت يقدم صورة جميلة عن المجتمع الذي يعيش فيه..
فالذي يدخل في مجتمع ما، فإن أول ما يراه هو الشارع بنظافته وترتيبه وسلوك العابرين فيه، فإن ذلك كله سيكشف له عن طبيعة هذا المجتمع وحضارة أهله، من هنا نفهم تأكيد الإسلام على كل هذه المفردات التفصيلية، فإن الطرق هي النافذة التي ينظر المراقبون منها إلى مظاهر حياة المسلمين العامة ويأخذون من خلالها انطباعا عن طريقة عيشهم، ويستكشفون منها ثقافتهم إذ التصرفات التي تصدر من الشخص إنما تنم عن ثقافته التي يحملها...
فما هي تلك الآداب التي أكد الإسلام على رعايتها؟
هناك العديد من الآداب التي وردت، نذكر جملة منها
1- المحافظة على نظافة الطريق
لقد اهتم الإسلام بالنظافة اهتماماً بالغا وجعل من الآداب الإسلامية الحفاظ على النظافة في سائر ما يرتبط بالحياة التي يعيشها الإنسان المؤمن، سواء بما يتعلق بنفسه، أو فيما يتعلق بلباسه، أو بيته وطريقه.
ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "بئس العبد القاذورة"1.
وفي الحديث عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "هلك المتقذرون"2.
والهلاك كما يكون على المستوى المادي حيث يجلب الأمراض والحياة الرديئة، فإنه كذلك يؤثر على الجانب المعنوي للإنسان.
روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة"3.
فالنظافة لا تنحصر آثارها بالجانب المادي بل تتعدى ذلك وتصبح سبباً من اسباب الحب الإلهي.
وقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام: "من أخلاق الأنبياء التنظف"4.
وهذه الرواية تدل على أمرين: فهي تشير إلى أن النظافة كانت على الدوام منهجاً ينتهجه الأنبياء عليهم السلام وسيرة عرفهم الناس بها، وتشير كذلك إلى أن النظافة هي مفردة من المفردات الأخلاقية، فالنظافة تعدت الظاهر لتصل إلى الباطن في آثارها.
فأيها المؤمن العزيز، إن كنت تسير على نهج الأنبياء وترغب بمكارم الأخلاق فاعلم بأن النظافة والحفاظ عليها هي نهج الأنبياء ومفردة من مفردات الأخلاق فالتزم بها.
2- إفساح الطريق
إن الطريق في الأساس وضعت للاستفادة منها في المرور، وهي حق عام للمارّة جميعاً لا تخص شخصاً دون الآخر، وتضييق الطريق عليهم هو سلب لحقهم هذا، لذلك ينبغي إفساح الطريق أمامهم فلا يقف في الطريق بشكل يضيقها.
وعن أمير المؤمنين في وصيته للإمام الحسن عليهما السلام: "إياك والجلوس في الطرقات"5.
ومع ازدحام السيارات أصبحنا كثيراً ما نبتلى بمسائل الطريق وتضييقها على الناس، خصوصاً في المدن المزدحمة فعليك أن تحذر وتتجنب وضع سيارتك في مكان مزدحم فيضيق الطريق على الناس! ولا تحترم حقهم بالمرور بحرية، وحاول أن لا تفتح حديثاً عبر نافذة سيارتك مع شخص آخر وقد توقفت في منتصف الشارع، وحاول كذلك أن لا تنزل بضاعة تخصك على الرصيف الذي أعد لسلوك المارة... وغيرها من العوائق الكثيرة التي تضيق الطريق وتزاحم المارّة، وقد أمرنا بإزالتها.
وكذلك لا تضع ما يعيق حركة المرور، بل من اللازم رفع أي شيء يؤدي إلى أذية المارة وتعثرهم، وقد أعد الله (عز وجل) لمن يتحلى بهذا الأدب ويسهل عبور المارة أجرا عظيما كما جاء في الأحاديث الشريفة.
فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "دخل عبد الجنة بغصن من شوك كان على طريق المسلمين فأماطه 6 عنه"7.
وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إن على كل مسلم في كل يوم صدقه".
قيل من يطيق ذلك؟ قال عليه السلام:"إماطتك الأذى عن الطريق صدقة"8.
بل أمرنا أن نصلح الطريق، وإصلاحها جزاؤه رفع العذاب كما جاء في بعض الأحاديث الشريفة.
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"مرَّ عيسى بن مريم عليه السلام بقبرٍ يعذب صاحبه ثم مر به من قابل فإذا هو ليس يعذب فقال يا رب مررت بهذا القبر عام أول وهو يعذب ومررت به العام وليس يعذب؟ فأوحى الله جل جلاله إليه: يا روح الله قد أدرك له ولد صالح فأصلح طريقا وآوى يتيما فغفرت له بما عمل ابنه"9.
فلاحظ قيمة هذا العمل الذي تعدت بركته الابن لتصل إلى الأب المتوفي وكانت سبباً في رفع الذاب عنه!
ومن خلال ما تقدم نعرف أن المؤمن يحمل هم الناس حتى الحجر من طريقهم والزجاج من طريق صغارهم...
3- اجتناب ما ينافي المروءة
هناك أمور لا تتناسب مع الشخصية المتزنة عرفا، والله تعالى يريد للمؤمن أن يكون متزنا في سلوكه واجتماعياته، ومن هنا أكد الشرع المقدس على جملة أمور ينبغي على المؤمن وضعها في محلها واجتنابها في الأماكن العامة سيما في الطرقات، حيث يعتبر فعلها في الطرقات منافياً للاتزان.
من هذه الأمور
• تناول الطعام: حيث ورد كراهيته في الشارع.
فعن الإمام الكاظم لما سئل عن السفلة، قال عليه السلام: "الذي يأكل في الأسواق".
• مضغ اللبان (العلك): لما فيه من استخفاف.
ففي الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام: ".. والخذف بالحصى ومضغ الكندر في المجالس وعلى ظهر الطريق من عمل قوم لوط"10.
• القهقهة والضحك بصوت عالٍ: وقد وصفها أهل البيت عليهم السلام أنها من عمل الشيطان.
ففي الحديث عن أبي عبد الله عليه السلام: "القهقهة من الشيطان"11.
وإنما ينبغي تركها حفظا لماء الوجه وبهاء المؤمن.
ففي الحديث الآخر عنه عليه السلام: "كثرة الضحك تذهب بماء الوجه"12.
4- خدمة المسافرين
لقد أكد الإسلام على خدمة الناس وقضاء حوائج المؤمنين، والإنسان في السفر تكثر حاجاته المادية والمعنوية، نتيجة الإرهاق الجسدي الذي يعانيه في السفر والإرهاق المعنوي الذي قد يتعرض له خصوصاً مع وجود صحبة غير ملائمة في السفر، لذا يعتبر السفر من الحالات الاستثنائية التي يحتاج فيها الإنسان ليد تأخذ بيده وتمسح عناء الطريق عن جبينه، من هنا نجد الروايات تلفت أنظارنا نحو هؤلاء الناس وتحثنا على إعانتهم بما يمكن قربة لله تعالى سيما في الأسفار الطويلة وقد رتب الله سبحانه وتعالى على هذا العمل أجرا عظيما فوق ما يتصوره الإنسان.
فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من بنى على ظهر طريق مأوى عابر سبيل بعثه الله يوم القيامة على نجيب من در وجوهر ووجهه يضيء لأهل الجمع نورا حتى يزاحم إبراهيم الخليل في قبته، فيقول أهل الجمع: هذا ملك من الملائكة لم نر مثله قط، ودخل في شفاعته من أهل الجنة أربعون ألف ألف رجل، ومن حفر بئرا للماء حتى استنبط ماءها فبذلها للمسلمين كان له كأجر من توضأ منها وصلى وكان له بعدد كل شعرة لمن شرب منها من إنسان أو بهيمة أو سبع أو طير عتق ألف رقبة وورد حوض القدس يوم القيامة ودخل في شفاعته عدد النجوم".
فقيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما حوض القدس؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم:"حوضي حوضي ثلاثاً"13.
وفي الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم:"من حفر بئرا أو حوضا في صحراء صلّت عليه ملائكة السماء، وكان له بكل من شرب منه من إنسان أو طير أو بهيمة ألف ألف حسنة متقبلة وألف رقبة من ولد إسماعيل وألف بدنة وكان حقا على الله أن يسكنه حظيرة القدس"14.