لعل جوابه موجود في عهد امير المؤمنين عليه السلام لمالك الاشتر عليه السلام عندما بعثه لمصر :
( وإنما أنت أحد رجلين: إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق ففيم احتجابك من واجب حق تعطية، أو فعل كريم تسدية، أو مبتلى بالمنع، فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك، مع أن أكثر حاجات الناس إليك مما لا مؤونة فيه عليك، من شكاة مظلمة، أو طلب إنصاف في معاملة )
يعني اذا كنت كريم، فلماذا لا تعطي نعجتك؟
واذا كنت بخيل فمرة مرتين اجربك واعرف انته بخيل فلا أسألك مرة أخرى..
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي له تفسير لطيف.
هذا كله على طريق الإحتمال والا القول قول أهل البيت عليهم السلام
لعل جوابه موجود في عهد امير المؤمنين عليه السلام لمالك الاشتر عليه السلام عندما بعثه لمصر :
( وإنما أنت أحد رجلين: إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق ففيم احتجابك من واجب حق تعطية، أو فعل كريم تسدية، أو مبتلى بالمنع، فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك، مع أن أكثر حاجات الناس إليك مما لا مؤونة فيه عليك، من شكاة مظلمة، أو طلب إنصاف في معاملة )
يعني اذا كنت كريم، فلماذا لا تعطي نعجتك؟
واذا كنت بخيل فمرة مرتين اجربك واعرف انته بخيل فلا أسألك مرة أخرى..
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي له تفسير لطيف.
هذا كله على طريق الإحتمال والا القول قول أهل البيت عليهم السلام
جزاك الله خير الجزاء الاخ بني هاشم
حتى لوموهذا المعنى للسؤال
ايضا استفدت منك من خلال هذا الرد
بارك الله بك
اقول : وصفت الاية 17 اعلاه ان داوود ع بذا الايد ( ذَا الأَيْدِ ) وهذا دلالة على انه ذو قوة ( في ملكه وغيرها من الامور ) وانه ( أَوَّابٌ ) أي كثير الرجوع الى الله
وبينت بعدها الآية 20 أنّ الله شد ملكه ( وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ ) اي جعل فيه عناصر القوة ،،، وكذلك ( وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ) فالحكمة هي النبوة والعلم المتعلق بها بما يقتضي هداية الناس وبيان الشريعة على تمامها ، و فصل الخطاب هو تفصيل الكلام وايضاحه عند مخاطبة غيره وهذا بالطبع يتضمن تمييز الحق من الباطل كما في في شأن القضاء بين الناس .
وخلاصة ما سبق أن داوود ع كان نبيا رسولا حكيما وقاضيا بالحق ، وملكا قوي في ملكه وذاته ، اذا كان هذا واضحا فأن الله ادخله في اختبار يناسب مقامه ودوره وذكر هذه الحادثة في القرآن وقصها على الرسول الخاتم محمد ص .
المحراب مكان العبادة ، وتسور المحراب هو صعودهم عل حائطه للوصول لداخله ، ويظهر من هذا ان داوود ع كان في غير الوقت المخصص للرعية ودخول الخصماء بهذه الطريقة هو على غير المعتاد بل المريب الاقرب للخطأ وفق اخلاق الدين والشرع عموما .
ولكن لنقف ونفصل اكثر في هذه النقطة ، يجمع اكثر المفسرين على ان الخصماء في حقيقتهم ملائكة متلبسين في هيئة البشر وهم من سياق الايات وإن كانا خصمين ولكنهم اكثر من اثنين ، بمعنى طرفين احدهما مع صاحب النعجة الواحدة والآخر مع اخيه صاحب التسع وتسعون نعجة ، وحيث انه اختبار لشخص نبي رسول مثل داوود ع الذي سبق وصفه بالحكمة وفصل الخطاب وقوة الملك فانه يظهر من سلوك الملائكة إنها قاصدة أمر ما من كل فعل وقول تقوم به ، وان هناك اختبار متقن الاركان لمن يعلم اين وكيف يختبر .
بمعنى : كان الاختبار في صميم قابليته وعمله في القضاء والحكم بين الخصماء ، وتطلب الامر ان يخضع لتجربة دقيقة ومؤثرة في هذا الجانب لمعرفة قدرته على تجاوز المؤثر ، وحيث ان الانسان عموما في طبعه العاطفة والرحمة اذا وجد ضعف واحتياج ، والخوف والخشية اذا وجد مصدر ضرر ، فمن الطبيعي تأثره بما ينسجم وطبعه ، وبما ان القضاء مقتضاه العدل والفصل بالحق فلا يقبل إلا ما يوافق الحق وهذا كثيرا ما يخالف الهوى الذي قد ينجر اليه طبع الانسان من الرحمة والعطف والخوف وغيرهما من عوارض الطبائع ، فأفهم.
وعليه كان دخول الملائكة على داوود ع من خلال تسورهم للمحراب ، في غير الوقت المعتاد ، ولا من خلال الطريق المعتاد ، مقصود وداخل في عملية الاختبار وذلك لخلق حالة من الخوف في النفس ( صدمة الخوف ) ومن ثم ملاحظة اثر ذلك عليه وهذا ما حصل ،
بل ووفق هذا المبدأ يظهر لعله ان عدم مجيءالاخوين الخصمين بحالهما فقط بل جائوا بشكل جماعة منقسمين الى طرفي الخصمين فيه مبالغة وتأكيد اكثر لخلق مؤثر الخوف وإلا يكفي المقام بان يأتي الاخوين الخصمين من غير إحد غيرهما فتأمل ، وآلله اعلم .
وبالفعل ( تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ) وخلق هذا رد الفعل المقصود والمتوقع ( فَفَزِعَ مِنْهُمْ ) فاقتضى هذا تطمينه اولا للمضي في اكمال الاختبار ( قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ ) وكما تلاحظ كان الجواب بصيغة الجمع مما يدل على انهم كلهم او اكثر من اثنين جاوبه وهذا ابلغ في التطمين مما لو تصدى للجواب واحد فقط . وآلله اعلم
وبعد بيانهم سبب دخولهم باشروا بنقل الحديث الى مطلبهم الذي جائوا من اجله فقالوا ( فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ ) اي كونك نبي حكيم وعادل ، فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط اي لا تجر ( تجور / تظلم ) ، وحيث ان الحكم بالحق لمن هو في مثل داوود النبي الحكيم ع ثابت بامر وتسديد الله فلا يتصور منه الجور عن قصد او خطأ الا اذا غفل او تأثر بما هو ممكن له التأثير مما موجود في طبع النفس اذا غلبها الهوى . وهذا لعل فيه تنبيه مضمر لمن يتأمل وإلا عادتا لا يطلب خصم من قاض هو بمقام نبي حكيم اتاه الله فصل الخطاب مثل هذا الطلب بل يكتفي وفق الادب ان يحكم بينه وبين خصمه ، واهدنا سواء الصراط .
نتوقف قليلا ونتابع لاحقا
الباحث الطائي
التعديل الأخير تم بواسطة الباحث الطائي ; 02-06-2021 الساعة 02:17 PM.
النعجة هي انثى الضأن ( الشاة ) ، فقال المدعي ( صاحب النعجة الواحدة ) ان اخيه المدعى عليه ( صاحب التسع وتسعون نعجة ) قد سأله ان يكفله نعجته الواحدة الى نعاجه اي يجعلها تحت كفالته وسلطته ( وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ) ألح واصر عليه في طلبه .
وكما يظهر ويستشعر للمتلقي من مجمل توصيف المدعي انه ضعيف الحال مقابل اخيه الذي يظهر عليه اليسر ، فأذا صدر منه مثل هذا الطلب فهذا يظهر بالعموم الظلم ويستجلب العطف على اخيه الضعيف ، وهذا هو المطلوب بالدقة للاختبار .
وبالفعل أثرت هذه الدعوى أثرها المباشر في نفس داوود ع فتعجل بالقول اقرب منه بالحكم لانه استعطف المدعي بما وقع عليه من ظلم المدعى عليه رغم انه اخيه ، وهذا يضيف قسوة على المشهد مما لو كان صدر من غريب لان صلة الرحم اقرب للاحسان والرحمة في مثل هذا الحال .
وبالمباشر قال داوود ع ( لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ )
اي بمعنى ان اصراره عليك انت الفقير على ان تكفله نعجتك الوحيدة وهو الغني الى نعاجه التسع والتسعين هو ظلم .
واسترسل فقال ( وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ )
اي ان الكثير من الشركاء في الاموال يظلم بعظهم بعضا وهذا محتمل كثيرا حصوله او صدوره عن اخيك اذا كفل نعجتك لانه اصل طلبه وهو يعلم بحالك هذه كان ظلم لك ، وهذا يعني انه ليس ممن يتصف بالايمان والعمل الصالح الذين استثناهم من الوقوع في الظلم ، فتأمل .
إلى هنا ظاهر الحكم يناسب ظاهر الدعوى على فرض صحتها من المدعي ولا يوجد وجه يبررها من المدعى عليه ،
ولكن القضاء الحق اذا سار وفق سياق القضاء العادل يتطلب مثلا
1- أن يسأل المدعي (صاحب النعجة الواحدة ) البينة / الدليل على صدق مدعاه ( البينة على من ادعى )
2- أن يسأل المدعي عليه هل حقا فعل هذا ( الاقرار )
3- أن يطلب من المدعى عليه سبب فعله الذي فعل ، لانه يحتمل هناك مبرر يرتفع فيه وجه صدور الظلم منه
فأذا اجرى على الاقل كل هذه الامور يستطيع بعدها تقرير انه حصل ظلم ام لم يحصل ، ليتمكن بعدها من اصدار القضاء الحق العادل بين الناس.
إلا ان النبي داوود ع وصفه الله بالحكمة وانه عبد مطيع لربه أَوَّابٌ ، ليس من شأنه الظلم او الخروج عن سواء الصراط الحق ، وليس مثله غير خبير في صنعته (قضائه)
وقد آتاه الله فَصْلَ الْخِطَابِ ، فما حصل له غفلة مال فيها باستعطافه الاخ الضعيف على أثر ظلم اخيه فاستعجل بالحكم قبل تمام ثبوت التهمة .
وهنا وفي هذه اللحظة الدقيقة من الاختبار انتهى دور الملائكة ( ولعلها اختفت من عنده لانه لو بقي الخصمان لكان داوود ع بعد تنبهه لما وقع فيه من خطأ الاستعجال ان يعيد مجرى القضاء الى جادة الصواب ويكمل معهما حتى يتبين له الامر ، وحيث لم يحصل فهذا يرجح انتهاء دور الملائكة وانتهاء الاختبار ويعزز ذلك انه بالمباشر ودون فاصلة من قول او عمل اتصل قوله تعالى واصفا امر حدث عن داوود ع وهو ( وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ) اي تيقن أن الله اختبره بهذا وكان اختفائهم دليل عليه خاصتا لمن هو على اتصال بالسماء والملائكة .
وسواء تنبه النبي داوود ع على اثر اختفاء الملائكة كما احتملنا ، او هو تنبه لنفسه مما وقع فيه . فالنتيجة واحدة ، وحيث انه عبد أوآب ، استغفر ربه عن الظلم الذي وقع منه في الحكم ، وَخَرَّ رَاكِعًا اي انحنى لله خاضعا ، وَأَنَابَ اي رجع بالتوبة الى الله .
الباحث الطائي
يتبع لاحقا
التعديل الأخير تم بواسطة الباحث الطائي ; 02-06-2021 الساعة 03:56 PM.
بعد انتهاء الاختبار الإلهي لنبيه داوود ع وما حصل فيه من خطأ انتبه اليه وتداركه سريعا ، جاء الخطاب الإلهي مبينا له دوره ومنبها له عن اي زيغ قد يحرفه عن سبيل الله ، وإن شأت قل كان الاختبار عن طريق الملائكة هو من اجل اتمام تسديده وتثبيته على الصراط المستقيم ويكون عبرة لمن بعده .
فخاطبه الله ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ ) ، اي جعلناك خليفة الله في ارضه وهو سنة الله التكوينية التي اثبتها اول ما وجد الخلق حيث قال تعالى ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) ، وداوود ع احد خلفاء الله في ارضه ،
والخليفة هو من يخلف غيره في شؤونه ويمثله في تحقيق ارادته ، ولا شك ان الحكم العادل والقضاء الحق من مقتضيات عمل خليفة الله في ارضه ولذلك قال الله تعالى ( فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) فالهوى والحق قد يتقاطعان ، ولعل الهوى يصد عن الحق وهذا يؤدي الى أن يخرج الحكم عن الحق وبالتالي لا يؤدي الخليفة دوره فيما استخلف فيه .
ومن هنا نفهم اهمية ملكة العصمة التي يسدد الله بها انبيائه ورسله واصفيائه ممن جعلهم حجة على الناس . ولكن حيث ان العصمة لا تسلب الاختيار ولا تغير تكوين الطبع البشرية فلا بد من الاسترشاد بالحكمة والعقل والشرع في منهج الحياة والسير على الصراط المستقيم .
فأذا مال الانسان بهواه عن الحق ، فهذا يعني انحرافه عن الصراط المستقيم ، واستقامة الصراط المستقيم لا تكون إلا باتباع الحق ،
والصراط المستقيم في الدنيا متمثل بأمرين هما : 1- حجة الله في ارضه 2- وبالتشريع الإلهي الذي يحكم به
ولقد أمر الله خلقه بعبادته فقال ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) وجعل الله عبادته متحققة من خلال اتباعهم للصراط المستقيم فقال تعالى ( وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ / سورة يس )
فأذا مال عن الحق بأتباع الهوى من هو حجة الله على خلقه والذي هو احد اركان الصراط المستقيم ، انحرف هو ومن يتبعه ، وتخلف نظام الهداية عن غايته وبدل ان يصل بهم الى كمالهم ينحدر بهم الى خسرانهم وانهار بهم في نار جهنم ، لان السائر على غير هدى لا يزيده السير إلا بعدا ، ولذلك قال الله تعالى منبها وملخصا لهذه الحيثية الخطيرة في آخر خطابه مع عبده داوود ع ( إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ )
الى هنا ننتهي من بحث وتفصيل مطالب هذه الآيات المباركة اذا وفقنا الله وأصبنا الحق والله اعلم
الباحث الطائي
التعديل الأخير تم بواسطة الباحث الطائي ; 03-06-2021 الساعة 10:23 AM.