مع الذكرى العروج ... تذكّرتُ يوم لامست قدماي شواطئ سُفن النّجاة ، وقررتُ حطّ الرحال بحماهم.. هبتهم والحروف .. ولكن عاهدت النفس منّي بأن أدوس على كلّ القواعد واللغة حين أحاكيهم وأناجيهم وأنا من على ظهر مطيّة المعشوق العيّ الألكن الجهول ..وفي قاموس أهل العشق ينتفي المحظور ...
يا خميني الولاء ..
.. أبصرتُ يوم رأيتكَ .. وعرفت بطلعتك القدسيّة دفئ الشمس ..
وقد أشرقت عند خواطري بعد غروب وانحل من نور سناها سحرُ الكهانة ، وأزيح من على كاهل المحرومين ثقل الجليد ..فالتمسوا من مفاوزي إبائك جياد عدوٍ .. تحطّم سرايا المشانق بسنابكٍ لمجدٍ تليد ..
ثمّ رأيتك ..الحسين .. والخيام التي أحرقوها حيث ينتفض رمادها من فيض حجاك .. يوم وطئت قدماك " جنّة الزهراء " لتعاهد الأهل فيها عن الوفاء للأنشودة الخلود ..
إيه ذاك الجمال منك والعمامة السواد أزمعت كقضيب من نور .. بأن تكون نبع حياء ، ويا حبيبا ينهلّ من "جمران " على شغاف العاشقين بالأنداء ..
وكنتَ للملايين موردا وكنت فجرا ليومنا فوق ركام الحروف ، وقد أجلبوا عن حماك بخيل البغاة واستنفروا جحافل الصليب .. ليدوس خلالها عُشب الربيع وقمح الحقول وكفّ الشهيد من أرض اللهوف ..
فما كان منك إلاّ الترس والفرندُ ، والحزم والعزم .. وخصال تضيق عليها قوالب الحروف ..
فكنت يومها كالغسق يطارد فلول الخفافيش .. ولم تأبه لكثرتهم ، ولم تستوحش من جلبتهم وغوغائهم .. أيكون لهم ذلك ..؟ وأنت الوليّ الفقيه .. حيث ركيزة المنارة ، والوهج المنبلج الذي لن تئدهُ أماني البعث البغيض ..
روح الإله عشقتك مذ رأيتك وهامتك السحاب .. وحسدت اليد التي توكّأت عليها وأنت تنزل من مطيّة الغربة بحضن الأحبّة وأهل الولاء .. بل كيف أرشف ذاك الجمال من حلاوته ..؟ وقد إنعكست حلاوته بذاك العذب من الكلام .. كما عشقت منك الظاهر والباطن والفكر والتفكّر.. واتخذت من وهج عينيك دربا للعروج والإسراء ..
ومسالك العشق في الله نكهة وشميمة من عطر عباءتك مخضب بعطاء ..
ولم أكن أعلم من قبل كنه آيات الإنذار ولا أهل الكساء.. فسرت على خطاك هرولة عسى أن ألتحق بركب السائرين على هدى دربك الوضّاء ..
فأنت عليّنا في زمن العتاب .. وأنت حسيننا في زمن الضراب ، وسيفا يرسم كلّ حروف الخطاب ..
ويوم إستأذنت في النزول من صهوة جوادك بعد أن أعيته الأهداف والغايات .. وقررت الرحيل ، أبت شمسنا أفق الشروق ، وكان يوما بطول السنين .. سنين الجهالة ووقع الخطوب .. وعجبت لسكوت قلب ، نبضت فيه قلوب الملايين ، وكيف ينكفئ النور عن عينيك ..؟ وقد إستعار النور منهما بهائه ..؟ وتوقفت مع رهبة الصمت قلب الحبيب ..
وكان يومك مصابك عيد لذاكرة أهل الفجور.. حيث تغنت على نخب صرعتك كلّ العواهر.. وأهل المجون .. وظنوا بميتتك نهاية لنهج الحسين وغيبة لخُلق المسيح ودولة المولى الموعود .. ونسوا بأن لك أشبال من حيدرة قد إنتزعت فجرها من براثم ليلٍ أراد له أبناء البغاة أن يطول .. قد أنِسوا لطباع من طيب سجاياك وبأس من زبر الحديد ..
وتمام معنى لرجالات من عاشوراء .. حيث كانت الفاجعة وهلة الموقظ من الغفلة ، وواقع الحياة عدّة للحياة ..
فرسموا بها صولات عزّ من على خطاك رسمنا بها سفاح الجنوب وأرض الطفوف ..
قد تكون فيها لروحك القدسية سلوى ، ولهم في إنتظار يومكم عزاء ..
فنم قرير عين وبال .. فنحن على العهد حتّى اللقاء .. نبكيك ما بكينا حسينا .. يا أبا المستضعفين وإمام المحرومين وكهف المحتاجين لعطفك يوم الرجاء ..
والوعد كان منكم : .. كلّ مع من أحبّ .. ها قد أحببناك حدّ الهيام ، وشربنا من كأس ولاءك حتّى الثمالة .. وعهدنا منك صدقا في القول ، مع كرم وفاء .. أو يكون منك الجفاء وأنت بين آبائك من آل الكساء ..؟ فقد عرفناك يا ابن البتول .. ولم يكن لنا من الزاد إلاّ الولاء .. وقد إبتلينَ في حبّك من كيد الحسود وحقد الجهول وبغي الظلوم .. وعند لقاك لن نرتضي منك غير الجزاء ...
فسلام الله عليه يوم مولده ويوم وفاته ويوم يُبعث حيّـــــــــــا ..