من أيد موت النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالسم
لقد أيدت كتب الحديث والسيرة موت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالسم ، وذكرت ذلك بأحاديث متواترة : قال ابن سعد : جاء في رواية : ومات مسموما وله ثلاث وستون سنة . هذا قول ابن عبدة.
وقال الشيخ المفيد : وقبض ( صلى الله عليه وآله ) بالمدينة مسموما يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من هجرته ، وهو ابن ثلاث وستين سنة. وذكر العلامة الحلي شهادة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالسم. وجاء في كتاب جامع الرواة : وقبض ( صلى الله عليه وآله ) بالمدينة مسموما . وقال الشيخ الطوسي : قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مسموما لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من الهجرة ( 1 ) . وقال المجلسي : سنة إحدى عشرة . ومن أدلة شهادته ( صلى الله عليه وآله ) : دخل في قبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) والفضل وأسامة فقال رجل من الأنصار يقال له ابن خولي : قد علمتم أني كنت أدخل قبور الشهداء ، ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أفضل الشهداء فأدخل معهم ؟
وقال البيهقي : أنبأنا الحاكم ، أنبأنا الأصم ، أنبأنا أحمد بن عبد الجبار عن أبي معن عن الأعمش عن عبد الله بن نمرة عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال : لئن أحلف تسعا أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قتل قتلا أحب إلي من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل ، وذلك إن الله اتخذه نبيا واتخذه شهيدا.
وأيد الحاكم في كتابه المستدرك على الصحيحين مقتل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ومقتل أبي بكر بالسم . إذ جاء : قال الشعبي : والله لقد سم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وسم أبو بكر الصديق وقتل عمر بن الخطاب صبرا وقتل عثمان بن عفان صبرا وقتل علي بن أبي طالب صبرا وسم الحسن بن علي وقتل الحسين.
لقد أقسم الشعبي بالله العظيم لإثبات اغتيال النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأبي بكر . وقسمه المذكور فيه معنى ! وقال الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : ما من نبي أو وصي إلا شهيد.
وقال ( صلى الله عليه وآله ) : ما منا إلا مسموم أو مقتول . وبعدما ثبت اغتيال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالسم بعد تعيينه عليا ( عليه السلام ) خليفة وتجنيده أفراد حزب قريش لحرب الروم حاولت السلطات ذر الرماد في العيون وإبعاد الأنظار عن مشاركتها في قتله ، وذلك بإرجاع سبب قتله إلى سم خيبر ! ولا يعتقد عاقل بهذه الحجة الواهية لأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قتل في سنة 11 هجرية وحادثة خيبر في سنة 7 هجرية .
من قتل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟
جاء في روايتي البخاري ومسلم عن عائشة : " لددنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في مرضه ، فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني . قلنا : كراهية المريض الدواء . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : لا يبقى في البيت أحد إلا لد ، وأنا أنظر إلا عمي العباس فإنه لم يشهدكم ".
وجاء عن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) : " لا يقتل الأنبياء وأولاد الأنبياء إلا أولاد الزنا ".
وجاء عن عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله ( الصادق ) ( عليه السلام ) قال : " تدرون مات النبي ( صلى الله عليه وآله ) أو قتل إن الله يقول : { أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } ( 3 ) . فسم قبل الموت إنهما سقتاه ". وتشير هذه الرواية إلى أن عائشة وحفصة سقتاه السم وقتلتاه . وجاء في رواية : عائشة وحفصة سقتاه ( سما ). وقال المجلسي : " يحتمل أن يكون كلا السمين دخيلين في شهادته " ( 6 ) . ويقصد المجلسي بالسمين سم خيبر والسم الثاني الذي سقوه في أواخر أيامه في الدنيا .
وقد ذكرنا بأن السم الثاني هو الذي قتله ، ولا أثر للسم الأول في ذلك لأن السم الأول كان في سنة 7 هجرية في فتح خيبر بينما قتل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في سنة 11 هجرية . وثانيا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عرف بمسمومية الطعام بواسطة جبريل فلم يأكله . وفي الحادثة الثانية جرعوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) السم كرها ، فدخل في جوفه وقتله ! وذكرت عائشة بعد سم النبي أنه ( صلى الله عليه وآله ) قال لها : " ويحها لو تستطيع ما فعلت " .
وهذا اعتراف من عائشة بارتكابها فعلا شنيعا بحق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بذلك . وجاء في رواية في البحار باجتماع الأربعة على سمه. عدة روايات في لد النبي ( صلى الله عليه وآله ) جاء عن عائشة : " لددنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في مرضه . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : لا تلدوني . فقلنا : كراهية المريض الدواء . فلما أفاق ( صلى الله عليه وآله ) قال : لا يبقى منكم أحد إلا لد غير العباس فإنه لم يشهدكم ".
وعن عائشة : قالت : " لددنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني . قلنا : كراهية المريض الدواء . فقال : لا يبقى أحد في البيت إلا لد ، وأنا أنظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم " .
قال البخاري : ورواه ابن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عن عائشة. وقال السندي في شرح البخاري : " معنى قوله : " لا يبقى في البيت أحد إلا لد " عقوبة لهم بتركهم امتثال نهيه عن ذلك " . وجاء : " فلدوه وهو مغمور ( 1 ) ، فلما أفاق ( صلى الله عليه وآله ) قال : من فعل بي هذا ، هذا من عمل نساء جئن من ها هنا ، وأشار بيده إلى أرض الحبشة ". وهذا اعتراف من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بأنه سقي سما بالطريقة التي تسقي بها نساء الحبشة رجالها . وسم الحبشة مشهور ومعروف . وكان البعض فيها مختص في السحر والشعوذة والسموم ، وانتقامهم من سفير قريش عمارة بن الوليد بن المغيرة الذي خان ملك الحبشة في زوجته يبين ذلك . إذ نفخوا في إحليله وتركوه هائما مع الحيوانات الوحشية هناك ( 3 ) .
وجاء : " إنا لنرى برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذات الجنب فهلموا فلنلده ، فلدوه . فأفاق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : من فعل هذا ؟ فقالوا : عمك العباس تخوف أن يكون بك ذات الجنب . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إنها من الشيطان ، وما كان الله ليسلطه علي ، لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه إلا عمي العباس ، فلد أهل البيت كلهم " .
أي أنكر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) اشتراك العباس في ذلك ، هذا أولا .
وثانيا : وصف ذلك الفعل بالشيطاني .
تحذير النبي ( صلى الله عليه وآله ) الحاضرين من لده لقد منع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الحاضرين في منزله من لده إذ روت عائشة عنه أنه ( صلى الله عليه وآله ) قال : " لا تلدوني " ( 1 ) . وكان أمره ( صلى الله عليه وآله ) بعدم لده قبل سقيهم له ثم قال ( صلى الله عليه وآله ) بعد ذلك لهم : ألم أنهكم أن لا تلدوني ( 2 ) . فالنهي النبوي بعدم سقيه دواء واضح لا لبس فيه ، ولأنه ( صلى الله عليه وآله ) عالم بأنهم يريدون أن يفعلوا فعلا ظالما وخطيرا . وبعدما سقوه ما أرادوا أن يسقوه ، رغما عليه ( صلى الله عليه وآله ) وبخهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على فعلهم . إن مخالفة الجماعة لأوامره ونواهيه ( صلى الله عليه وآله ) لا يختلف عليها اثنان ، فهم الذين خالفوا أوامره ونواهيه وخاصة في الأسبوعين الأخيرين من حياته ( صلى الله عليه وآله ) في هذه الدنيا .
وتجسدت معارضتهم له في مخالفتهم لأمره بانضمامهم في حملة أسامة بن زيد . وتجسد أيضا في مخالفتهم لأوامره ( صلى الله عليه وآله ) بالمجئ بصحيفة ودواة لكتابة وصيته الشريفة . وتثبت أيضا في اتهامهم له بأنه ( صلى الله عليه وآله ) يهجر . واغتصابهم للسلطة . ومجموع تلك المخالفات من قبل الحزب القرشي ومن اتبعهم يثبت إصرارهم وتخطيطهم لقتل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والاستحواذ على السلطة .
وقد وصل إلى هذه النتيجة العلماء والمحققون . كيف اغتيل النبي ( صلى الله عليه وآله ) هناك شواهد وأدلة تشير إلى أن الحاضرين قد لدوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) أثناء نومه ، إذ قالت عائشة : لددنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في مرضه ، فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني " ( 1 ) . وهناك رواية أخرى من طريق عائشة يشير إلى منعه ( صلى الله عليه وآله ) إياهم من سقيه بالإشارة ( 2 ) . أي أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منعهم من سقيه شرابا بالقول ( صلى الله عليه وآله ) ، ولما سقوه رغما عنه ، أعاد عليهم تكرار نهيه بالإشارة ( باليد ) ، لعدم تمكنه من النطق ؟ ! ولكن لم ينفع معهم ذلك ! والظاهر من رواية لدهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ونهيه عن ذلك بالإشارة ، أنهم لدوه أثناء نومه ، وبواسطة عصبة من الناس ، ولما استيقظ في أثناء ذلك - وكانوا قد سقوه الدواء - لم يتمكن من دفعهم . فاكتفى بالإشارة إلى ذلك كما جاء في الرواية . وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد منع من لده ، فسمع الحاضرون ذلك ، فامتنعوا من لده في يقظته انتظارا لنومه . ولما نام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سقوه ما أرادوا أثناء نومه رغما عنه إذ جاء : فلما أفاق ( صلى الله عليه وآله ) ( 1 ) . وجاء : فلدوه وهو مغمور ، فلما أفاق ( صلى الله عليه وآله ) قال : . . . ( 2 ) .
فهل كان رسول البشرية وخاتم الأنبياء لا يعرف فائدة الدواء ، وتلك المجموعة تعرف ذلك ؟ وهل كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لا يتحسس مصلحته والآخرون يتحسسون ذلك ؟ طبعا كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أدرك لمصلحته ومصلحة أمته من غيره ، وأكثر علما بفائدة الدواء من غيره ، ولكنه عالم بأن تلك العصبة لا تريد حياته ، فذكريات حملة أولئك عليه في العقبة ما زالت عالقة في ذهنه
منقول