مبحث في إثبات إعتبار سند رواية (من دمعتا عيناه فينا دمعة) عند العامة
بتاريخ : 24-11-2012 الساعة : 02:26 PM
فضل البكاء على الحسين عليه السلام
بسمه تعالى ،،،
الحمد لله والصلاة والسلام على خيرة خلق الله محمد وآله .. أما بعد
فإن هذه رسالة في بيان صحة ما ورد في فضل البكاء على سبط النبي صلى الله عليه وآله وسلم وريحانته الإمام ابن الإمام الحسين بن علي صلوات الله عليهما من طريق العامة . توكلت على الله
روى القطيعي في زياداته على [فضائل الصحابة ص840 و841 – ط. دار ابن الجوزي] لأحمد بن حنبل ، قال:
( حدثنا أحمد بن إسرائيل قال : رأيت في كتاب أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله بخط يده : نا أسود بن عامر أبو عبد الرحمن قثنا الربيع بن منذر ، عن أبيه قال : كان حسين بن علي يقول : من دمعتا عيناه فينا دمعة ، أو قطرت عيناه فينا قطرة ، أثواه الله عز وجل الجنة )
قلتُ: أعل بعضهم هذا الإسناد من وجوه عدة، أذكرها ثم أذكر الجواب عنها إن شاء الله ..
الوجه الأول: جهالة أحمد بن إسرائيل أو عدم معرفته [قال المحقق وصي الله بن محمد عباس في الحاشية من الفضائل ص840: (أحمد بن إسرائيل شيخ القطيعي لم أجده)]
الوجه الثاني: أن رواية أحمد بن إسرائيل وجادة والوجادة محط خلاف بين العلماء من حيث القبول.
الوجه الثالث: أن الربيع بن المنذر لم يوثقه معتبر.
الوجه الرابع: أن والده منذر "بن يعلى" لم يثبت سماعه من الإمام الحسين عليه السلام.
----------------------------------
الجواب :
■ أما الوجه الأول .. فإن أحمد بن إسرائيل هو أحمد بن سلمان النجاد الفقيه الحنبلي، وحجتي في ذلك ما ذكره الخطيب البغدادي[موضح الأوهام ج1-ص440] تحت عنوان –ذكر أبي بكر أحمد بن سلمان بن الحسن النجاد- ثم قال: (وهو أحمد بن إسرائيل الذي روى عنه أبو بكر بن مالك القطيعي)
وأحمد النجاد هذا قال عنه الخطيب [تاريخ بغداد ج4-ص412]: (وكان صدوقا عارفا)
وتكلم فيه الدارقطني [المرجع السابق] فقال: (حدث من كتاب غيره بما لم يكن من أصوله)
وأجاب المعلمي [التنكيل ترجمة 19] على ذلك في كلام مطول، وقال في خلاصته: (لم ينكر عليه حديث واحد) وذهب إلى وثاقته
وقال الحافظ ابن العديم: (كان فقيها مفتيا ومحدثا متقنا، واسع الرواية، مشهور الدراية) [بغية الطلب في تاريخ حلب ج2-ص766]
ورمز الذهبي له في ميزان الإعتدال برمز ]صح[ وهو كما نقل عنه ابن حجر، قال: (إذا كتبت صح أول الاسم فهي إشارة إلى أن العمل على توثيق ذلك الرجل) [مقدمة لسان الميزان]
وقال الألباني [إرواء الغليل ج3-ص40] : (حافظ صدوق)
فالحاصل أن أحمد بن إسرائيل النجاد، إن لم يكن ثقة فهو حافظ صدوق يحتج به
-------------------------------
■ أما الوجه الثاني .. فإن الوجادة وإن أختلف فيها الأعلام غير أن المشهور هو العمل بها.
قال الجديع [تحرير علوم الحديث ج1-ص155] : (والتحرير أن قبول والعمل بها صحيح معتبر، بشرط حصول الثقة بالموجود. ومذهب السلف في الرواية بها مشهورة)
وقال الألباني [السلسلة الصحيحة ج7-ص368] : ("الوجادة" المذكورة في "علم المصطلح "، وقد تقرر فيه وجوب العمل بها، فراجع لذلك كتاب "الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث " للشيخ أحمد شاكر)
وللدكتور محمد مصلح الزعبي مبحث حول الوجادة قال في نتيجته بعد أن استعرض أدلة القائلين بالقبول والقائلين بالمنع [الوجادة صورها وأحكامها وصيغ الأداء فيها ص17] :
( فإنني أميل إلى ترجيح رأي الفريق الاول القائلين بجواز العمل بالوجادة، وذلك لقوة أدلتهم ووضوحها كما أن الحاجة في هذه الأعصار تدعو للعمل بالوجادة لتوقف الإسناد وتعذر شروط الرواية، وصارت الكتب هي الوسيلة الوحيدة لنقل الحديث النبوي الشريف والتوقف عن العمل بالوجادة يؤدي لانسداد باب العمل بالمنقول والانتفاع بالحديث النبوي الشريف فقد قال ابن الصلاح: "فإنه لو توقف العمل فيها على الرواية لانسد باب العمل بالمنقول لتعذر شرط الرواية فيها" ) إنتهى .
-------------------------------
■ أما الوجه الثالث .. فإن الربيع بن المنذر ذكره ابن حبان في الثقات [ج6-ص297] وقال العجلي [معرفة الثقات ترجمة 461] : (كوفي ثقة)
فإن قيل: ابن حبان متساهل والعجلي مثله
قلنا: أما ابن حبان فالأمر فيه مشهور غير أن تعديله لا يترك بالكلية بل يُنظر ما إن كان وافق أهل الإعتبار أم لا، أما إذا وافقهم فأمره قوي .. وهو كذلك هنا على ما ستعرف
أما العجلي فلطالما حسبنا أنه متساهل !! وظهر الآن أن الأمر فيه محل خلاف فإن القول بتساهله مبني على قول المعملي وتلقفه منه من أتى بعده ! وظهر استقراء يقابله وهو استقراء المحقق عبد الله بن يوسف الجديع [تحرير علوم الحديث ج1-ص324] قال:
(أطلق بعض المتأخرين أن العجلي يوثق المجهولين، وقد تتبعت كتاب العجلي المسمى: " معرفة الثقات من رجال أهل العلم والحديث، ومن الضعفاء , وذكرهم مذابهم وأخبارهم "، فوجدته في الغالب متين العبارة .... لذا فالواجب أن يعتبر له نقده، فإن جاءت عبارته على الموافقة لعبارة سائر النقاد فذاك ظاهر القبول، وإن خالف أخضعنا قوله لقواعد الترجيح عند اختلاف الجرح والتعديل، وإن انفرد وجب قبول قوله والاحتجاج به كغيره، حتى يتبين بالحجة خطؤه ) إنتهى .
ولبعض المحققين بحوث تفصيليه دقيقة يناقش فيها تهمة التساهل ويثبت أنها على غير الصواب! وكيف كان أمره فإنه لم ينفرد بتوثيق الربيع بل سبقه يحيى بذلك
فقد أورد ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل [ج3-ص456] بسند صحيح عن يحيى بن معين، قال: (الربيع بن ثور الثوري ثقة)
وقال المعلمي في الحاشية : (لم أجده في تاريخ البخاري ولا الثقات وانما فيهما وفي غيرهما ترجمة الربيع بن المنذر بن يعلى الثوري يأتي في بابه وارى ان ابن معين إياه أراد) إنتهى.
وهو كما قال، إذ لا وجود للمعنون في سائر الكتب ! وبه جزم المحقق وصي الله بن محمد عباس في الحاشية على فضائل الصحابة [ص840]، قال:
(الربيع بن منذر بن يعلى الثوري ثقة وثقه ابن معين)
وفي هذا كفاية في بيان وثاقته
-------------------------------
■ أما الوجه الرابع .. فإن المنذر قد أدرك الإمام عليه السلام وعاصره وحجتي في ذلك أن المنذر أدرك الربيع بن خثيم وهذا الأخير توفي سنة 63هـ أي بعد استشهاد الإمام عليه السلام بسنتين فيكون المنذر قد عاصر الإمام حينئذ
على أن الربيع بن خثيم مخضرم أدرك النبي، فلا ينكر سماع المنذر من الصحابة، والمعاصرة تكفي مع تورعه عن التدليس دون الحاجة لإثبات صيغة السماع كما هو المشهور
قال الحاكم [معرفة علوم الحديث ص34] تحت عنوان الأحاديث المعنعنة : (هي متصلة بإجماع أئمة النقل، على تورع رواتها عن أنواع التدليس)
وقال مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح [مقدمة صحيحه]:
(القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديماً وحديثاً: أن كل رجل ثقة، روى عن مثله حديثاً، وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه؛ لكونهما جميعاً كانا في عصر واحد، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام، فالرواية ثابتة، والحجة بها لازمة، إلا أن يكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه، أو لم يسمع منه شيئاً)
نعم البعض زاد على شرط المعاصرة شرطًا آخر وهو ثبوت اللقاء، ولو مرة واحدة ولكن هذا الشرط تطبيقه محال ! قال الألباني [السلسلة الصحيحة ج6-ص1192] :
(لا يمكن التحقق من ثبوت التلاقي بين الرواة في كل الطبقات، هذا يكاد يكون مستحيلا، يعرف ذلك من مارس فن التخريج، ولم يكن من أهل الأهواء)
فالحاصل أننا نقول كما قال الألباني [السلسلة الصحيحة ج7-ص1155] :
(يكفينا في هذه الحالة ثبوت المعاصرة وإمكان اللقاء " كما هو المختار عند جماهير العلماء بشرط السلامة من التدليس)
ولم يرم المنذر بشيء من التدليس
فعلى هذا كله .. الإسناد حسن رجاله ثقات غير أحمد النجاد الحنبلي، وهو حافظ صدوق