(فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتلهُ فأصبحَ من الخاسرين، فبعث الله غرابا يبحثُ في الأرض ليُريهُ كيف يواري سوءة أخيه، قال يا ويلتى أعجزتُ أن أكون مثل هذه الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين).(1)
في هذا النص تتجلى وبوضوح آثار الجريمة على الإنسان، فأي جريمة يرتكبها الانسان فإنه نفسيا يشعر بالخسارة والندم وإن لم يُعلن ذلك . وتبقى ظاهرة الخسارة والندم تُصاحبهُ وتقضّ مضاجعهُ إلى آخر أيام عمره. ولكن الغريب أننا نرى الأمويون لم يندموا على جريمتهم المروّعة في كربلاء وغيرها ، ولم يأخذوا درسا من الغراب فيدفنوا جثث قتلاهم ، بل تركوها تسفي عليها الرمال والرياح واظهروا مظاهر الفرح والسرور وزينوا المدن ، ولم يشعروا بالخسارة بل اعلنوا انهم انتصروا وعدوا ذلك نصرا وعيدا يحتفلون به لا زالت آثاره إلى هذا اليوم باقية. ويزيد لعنه الله اول من أرسى قواعد هذه الأعياد عندما أنشد بعد مقتل الحسين عليه السلام :
لأهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لا تشل.(2)
وقوله لأهلوا ، اي كلما رأوا هلال شهر المحرم تبدأ أعيادهم ، فيستهلون ويفرحون. فانظر إلى فضائياتهم اليوم عند بداية شهر محرم من كل عام .
ان تربية عدم الشعور بالخسارة والندم مدرسةٌ تخرّج منها الملايين من المسلمين ممن نراه اليوم يُمارس الجريمة بأبشع صورها فلا تهزه مشاهد الدماء وانين القتلى ووحشة الأرامل والأيتام. وقد تمخضت هذه المدرسة عن نوع من النفاق المقيت المذموم تم زراعته بعناية في نفوس القتلة وهو أن : سيدنا الحسين ، قتلهُ سيدنا يزيد. (3)
المصادر:
1- سورة المائدة آية : 30.
2- الأبيات التي ترنم بها يزيد لابن الزبعرى وردت في سيرة ابن هشام ٣ / ٩٧، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ؟ / ٣٨٢. وورد في ما تمثل به يزيد في فتوح ابن أعثم ٥ / ٢٤١ .
3- وقد تجلت مظاهر السخرية من الندم بأبشع صورها في قيادات جيش يزيد بن معاوية لعنهم الله، وهذا عمر بن سعد ابن ابي وقاص ينشد مستهزئا بالتوبة والندم كاشفا عن عقيدته الإلحادية الفاسدة فيقول :
يقولون إن الله خالق جنة * ونار وتعذيب وغل يدين
فإن صدقوا مما يقولون إنني * أتوب إلى الرحمن من سنتين
وإن كذبوا فزنا بدنيا عظيمة * وملك عقيم دائم الحجلين
وإن آله العرش يغفر زلتي * ولو كنت فيها أظلم الثقلين
ولكنها الدنيا بخير معجل * وما عاقل باع الوجود بدين