السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
أفضلية الإمام عليّ عليه السّلام على الصحابة
مقدّمة
لم يتحدّد الدليل الشرعي لإبراز أفضليّة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام بخصوص جهد الرسول صلّى الله عليه وآله والكلام الذي كان يصدر منه بحق الإمام علي عليه السّلام، وإنّما رافق ذلك نزول الكثير من الآيات القرآنية التي تكفلت بظهور مناقب علي عليه السّلام.
والملاحِظ لكلّ النصوص سيجد أنها من وجه قد سلّطت الضوء على أفضلية الإمام عليّ عليه السّلام على الصحابة، لا من باب عَقْد المقارنة فحسب، وإنّما تتسع النصوص لأكثر من هذا المعنى فتشمل بمقصودها أن عليّاً بمؤهلاته القدسيّة هو الإنسانُ المُعَدّ لتولّي الإمامة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله لا سواه.
وبغضّ النظر عن العصمة والعلم الحضوري الذي يمتلكه الإمام أو المعاجز والكرامات التي كانت تظهر على يديه، دون غيره، يبقى علي عليه السّلام بقدراته وعلومه وصفاته الأفضلَ من الصحابة، حتّى على فرض مقياس مدرسة الخلفاء التي تنظر للإمام عليّ عليه السّلام كصحابيٍّ ليس إلاّ.
من هنا سنتناول موضوع أفضليّة الإمام عليّ عليه السّلام على الصحابة ضمن عدّة أُمور، ومن خلال روايات أهل السنّة!
الأمر الأوّل: مظاهر من شخصية الإمام عليّ عليه السّلام:
إنّ سلوك الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام وملامحه الربّانية تشكل النموذجَ الإلهيّ والقدوةَ الحسنة.
ولا يمكن أن نتوصل إلى الأعماق والأسرار التي يحملها هذا النموذج عبر انتقاء بعض مظاهره العلمية أو السلوكية.
لكن المشاهِد حتّى لو وقف على بعض مظاهره لكفاه دليلاً على أفضلية الإمام عليه السّلام على الصحابة، لا في ميدان محدّد، بل في كل الميادين، بحيث لا يبقى مع ذلك أدنى شك أن الإمام عليّاً عليه السّلام لا يضاهيه أحد من الصحابة، وإليك بعض مظاهر شخصيته عليه السّلام:
1 ـ مظاهر شخصية الإمام عليّ عليه السّلام في الجانب العلميّ:
من الثابت أن الإمام عليّاً عليه السّلام كان أعلمَ الصحابة، وقد بلغ الكمال العلمي عند الإمام عليّ عليه السّلام إلى درجة حتّى قال عنه الرسول صلّى الله عليه وآله: « أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها » (1). ولم يقل الرسول صلّى الله عليه وآله مثل هذا القول لأحد من الصحابة.
ويؤكد ذلك قولُه عليه السّلام: « علّمني رسولُ الله صلّى الله عليه وآله ألفَ باب من العلم، يُفتَح لي من كلّ بابٍ ألفُ باب » (2).
وتفوّقُ الإمام علي عليه السّلام بعلمه الإلهيّ الذي اختُصّ به دعاه أن يقول: « لو كُشِف ليَ الغطاء ما ازددتُ يقيناً » (3).
وتصريحه عليه السّلام بأن العلم الذي يحمله كبير لا يقوى على حمله أحد من الصحابة: « ها إنّ ها هنا لَعِلماً جَمّاً، لو أصبتُ له حَمَلة! ـ وأشار إلى صدره ـ » (4).
فهذه الأقوال تدل بكل وضوح على أن الإمام عليّاً عليه السّلام بلغ من العلم مرتبة لا يمكن لأحد من الخلق أن يبلغها سوى رسول الله صلّى الله عليه وآله.
وإلى هذا أشار عليه السّلام بقوله: « بل اندمجتُ على مكنون علمٍ لو بُحتُ به لأضطربتمُ آضطرابَ الأرشية في الطوى (5) البعيدة » (6).
وعن أبي الطفيل قال: شهدت عليّاً يقول: « سَلُوني، والله لا تسألوني عن شيءٍ إلا أخبرتُكم، وسلوني عن كتاب الله، فواللهِ ما مِن آيةٍ إلاّ وأنا أعلمُ أبِليلٍ نزلت أم بنهار، في سهلٍ أم في جبل » (7).
وعن سعيد بن المسيب أنه قال: « لم يكن أحد من صحابة رسول الله يقول: سلوني، إلاّ عليّاً » (8).
وقد شهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وفي أكثر من مرّة بأفضليّة « الإمام عليٍّ عليه عليه السّلام » وتفوّقه العلمي على كلّ الصحابة.
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لفاطمة الزهراء عليها السّلام: « أما تَرضينَ أن أُزوّجكِ أقْدمَ أُمّتي سِلماً، وأكثرَهم عِلماً، وأعظمَهم حِلْماً » (9).
وقال صلّى الله عليه وآله: « أعلمُ اُمّتي من بعدي عليُّ بن أبي طالب » (10).
وقال صلّى الله عليه وآله: « عليٌّ وعاء علمي، ووصيّي، وبابيَ الذي أُوتى منه » (11).
وقال صلّى الله عليه وآله: « عليٌّ باب علمي، ومبيّنٌ لأُمّتي ما أُرسِلتُ به مِن بعدي » (12).
وقال صلّى الله عليه وآله: « أعلم اُمّتي بالسنّة والقضاء بعدي عليُّ بن أبي طالب » (13).
وقال صلّى الله عليه وآله: « أنتَ تُبيّن لأُمّتي ما آختلفوا فيه بعدي » (14).
وقال صلّى الله عليه وآله: « لِيُهنكَ العلمُ أبا الحسن، لقد شربتَ العلمَ شُرباً، ونهلتَه نهلاً » (15).
2 ـ مظاهر شخصية الإمام عليّ عليه السّلام في الجانب الإيمانيّ:
هذه الصفحة من حياة الإمام عليّ عليه السّلام قد منح فيها زخماً معنوياً ورسم فيها صورة عالية للأجيال، وسجل فيها الأسبقية على الصحابة قاطبة.
فقوّة الإيمان ميزة ينفرد بها علي عليه السّلام وقد تجسدت في صور شتى، ففي العبادة هو المثال، فقد جاء في تفسير قوله تعالى: تَراهُم رُكَّعاً سُجَّداً (16) على أنها نزلت في عليّ عليه السّلام (17).
وقال بهذا الصدد: « صلّيتُ مع رسول الله صلّى الله عليه وآله قبلَ الناس سبعَ سنين، وأنا أوّلُ مَن صلّى معه » (18).
وقال عليه السّلام: « ما أعرفُ أحداً من هذه الاُمّة عَبَدَ الله بعد نبيِّنا غيري... » (19).
وقال عليه السّلام: « أسلمتُ قبل إسلام الناس، وصلّيتُ قبل صلاتهم » (20).
فكان الإمام عليّ عليه السّلام أعبدَ الناس وأكثرَهم صلاةً وصوماً، ومنه تعلّم الناس صلاةَ الليل وملازمةَ الأوراد، وقيام النافلة، وما ظنُّك برجل يبلغ من محافظته على وِرْده أن يُبسَطَ له نطعٌ بين الصفَّين ليلة الهرير، فيصلي عليه ورده والسهامُ تقع بين يديه وتمرّ على صِماخَيه يميناً وشمالاً،فلا يرتاع لذلك، ولا يقوم حتّى يفرغ من وظيفته ؟ وما ظنُّك برجلٍ كانت جبهته كثِفْنة البعير لطول سجوده ؟ (21).
وقيل لعليّ بن الحسين زين العابدين عليه السّلام ـ وكان قد بلغ الغايةَ في العبادة ـ: أين عبادتك من عبادة جدك ؟
قال عليه السّلام: « عبادتي من عبادة جَدّي كعبادة جَدّي من عبادة رسول الله صلّى الله عليه وآله » (22).
أمّا في مظاهر الإيمان الأُخرى فنجده عليه السّلام القمّة في النزاهة والخلق الإلهيّ، وأنه المثل القرآني الذي ساقه لمعنى الصدق، فقد قال تعالى: والذين آمنوا بالله ورسله اُولئك هم الصدّيقون (23).
وهذه الآية حسب رواية أحمد بن حنبل أنّها نزلت في الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام (24).
وهناك آيات كثيرة تشهد بأن الإمام عليّاً عليه السّلام هو النموذجَ الحيَّ لمعنى الإيمان، فقد قال تعالى: أجَعَلْتُم سِقايةَ الحاجِّ وعِمارةَ المَسجدِ الحَرامِ كَمَنْ آمنَ باللهِ واليومِ الآخِر وجاهَدَ في سبيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عندَ اللهِ واللهُ لا يَهدي القومَ الظالمين (25).
هذه الآية وما بعدها نزلت في حقّ « علي » لمّا افتخر طلحة بن شيبة والعباس، فقال طلحة: أنا أولى بالبيت، لأن المفتاح بيدي، وقال العباس: أنا أولى، أنا صاحب السقاية والقائم عليها، فقال علي عليه السّلام: « أنا أوّل الناس إيماناً، وأكثرهم جهاداً »، فأنزل الله تعالى هذه الآية لبيان أفضليّة الإمام عليِّ بن أبي طالب عليه السّلام عليهما (26).
وقال تعالى: أفمَن كانَ مُؤمناً كمَنْ كان فاسقاً لا يَسْتَوُون (27) المؤمن عليّ عليه السّلام، والفاسق الوليد (28).
بهذه الآية يقدّم القرآن الكريم للناس نموذجه الإيمانيّ المتمثل في الإمام عليّ عليه السّلام.
وأُولوا الأرحامِ بعضُهم أَولى ببعضٍ في كتابِ اللهِ مِن المؤمنينَ والمُهاجرين (29).
ذهب جملة من المفسرين على أن الآية منطبقة في الإمام عليٍّ عليه السّلام؛ لأنّه كان مهاجراً ذا رحم (30).
كما بيّن رسول الله صلّى الله عليه وآله للناس وفي أكثر من موضع مدى تسليم الإمام عليٍّ للرسالة وتعاليمها، وسابقتَه في الإسلام، وأنّه الإنسان القادر بقوّة إيمانه على حلّ المشكلات عند التباسها.
روي عن أبي ذرّ، حيث قال: دخَلْنا على رسول الله صلّى الله عليه وآله فقلنا: مَن أحبُّ أصحابك إليك، إن كان أمرٌ كُنّا معه، وإن كانت نائبة كنّا مِن دونه ؟
قال: « عليّ أقدمُكم سِلْماً وإسلاماً » (31).
نكتفي بهذا القدر من الأدلة الكاشفة عن قوة إيمان الإمام عليّ عليه السّلام وأفضليّته، لنرى جانبه الجهاديّ.
3 ـ مظاهر شخصية الإمام عليّ عليه السّلام في الجانب الجهادي:
أما الجهاد عند الإمام عليّ عليه السّلام، فالخوض في إثباته يجري مجرى إيضاح الواضحات وتقرير البديهيات، فإنّه لا خلاف بين جميع المسلمين وغيرهم أن الإمام عليّاً عليه السّلام في جهاده كان أشجعَ الصحابة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وأكثرَهم إقداماً، وإن كانت الشجاعة وحبّ الجهاد عند الصحابة ظاهرة بارزة في حياتهم، إلاّ أنها عند الإمام عليّ عليه السّلام تبدو قيمتها أكثر جلاءً في المهمات الصعبة وعند تراجع الآخرين وعدم قدرتهم على تجاوزها، فيتقدم الإمام عليّ عليه السّلام بتفوّقه الإلهيّ لفكّ الطوق عن المسلمين، وهذا ما تشهد به المعارك التي خاضها ضدّ المشركين وأهلِ الكتاب في بدرٍ والأحزاب وخيبر وحنين وغيرها.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله يومَ خيبر: « لأَدفعنّ الرايةَ إلى رجل يحبُّ اللهَ ورسولَه، ويفتح الله عليه، قال عمر: فما أحببتُ الإمارة قطّ قبلَ يومئذٍ، فدفعها إلى عليّ قال: قال: ولا تلتفت، فسار قريباً، قال: يا رسول الله، علامَ نقاتل ؟
قال صلّى الله عليه وآله: على أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك عَصَموا دماءهم وأموالَهم إلاّ بحقها، وحسابُهم على الله تعالى » (32).
وفي غزوة الخندق: ضرب الإمام عليّ عليه السّلام أروع مثالٍ لنصرة الحق، وتميّزَ به عن غيره من الصحابة، وقد عزّز الرسولُ صلّى الله عليه وآله قيمةَ هذا الحدث العظيم عندما صرّح بأن الإمام يمثّل جانبَ الحقّ كلِّه، فقد روى الجمهور:
أنه لما برز عمرو بن عبد ودّ العامري في غزوة الخندق، وقد عجز عنه المسلمون، قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: « برَز الإيمانُ كلُّه إلى الشِّركِ كلِّه » (33).
ونقل أحمد بن حنبل في مسنده، قال: خطب الإمامُ الحسن عليه السّلام فقال: « لقد فارقَكُم رجلٌ بالأمس لم يَسبقْه الأوّلون بعلم، ولا يُدركه الآخِرون، كان رسولُ الله صلّى الله عليه وآله يبعثه بالراية، جبرئيلُ عن يمينه وميكائيلُ عن شماله، لا ينصرف حتّى يُفتَح له » (34).
وروى الخوارزميّ قال: حدثنا عبيدالله بن عائشة عن أبيه قال: « كان المشركون إذا أبصروا عليّاً في الحرب، عَهِد بعضُهم إلى بعض » (35).
وعن جابر بن عبدالله قال: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول يوم الحديبيّة ـ وهو آخذٌ بضِبْع عليّ بن أبي طالب ـ يقول: هذا أمير البررة، وقاتل الفجرة، منصورٌ مَن نَصَره، مخذولٌ مَن خَذَله. ثم مدّ بها صوته وقال: أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها، فمن أراد الدارَ فلْيأتِ الباب » (36).
وعن ابن عبّاس قال: « كان المهاجرون يوم بدرٍ سبعةً وسبعين رجلاً، وكان الأنصار مائتين وستة وثلاثين رجلاً، وكان صاحب راية رسول الله صلّى الله عليه وآله عليّ ابن أبي طالب، وصاحب راية الأنصار سعد بن عُبادة » (37).
وعن ابن عباس قال: « إن راية المهاجرين كانت مع عليّ عليه السّلام في المواقف كلِّها: يوم بدر ويوم أُحد ويوم خيبر ويوم الأحزاب ويوم فتح مكة، ولم تزل معه في المواقف كلِّها » (38).
ويحدثنا الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام عن صُحبته لرسول الله صلّى الله عليه وآله عندما عزما على كسر الأصنام التي كانت فوق الكعبة وقد صعد عليه السّلام على مَنكِبَي رسول الله صلّى الله عليه وآله:
قال عليّ عليه السّلام: « إنطلقتُ مع رسول الله صلّى الله عليه وآله حتّى أتينا الكعبة، فصعد رسولُ الله صلّى الله عليه وآله على مَنْكِبي ثمّ قال صلّى الله عليه وآله: إنهض. فنهضت، فلما رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله ضَعفي قال لي: إجلْس. فجلست، فنزل النبيّ صلّى الله عليه وآله وجلس لي، وقال لي: إصعد على مَنْكِبي. فصَعِدتُ على مَنكِبَيه فنهض بي. فقال عليّ عليه السّلام: إنه يُخيَّل إليّ أنّي لو شئتُ لَنِلتُ أُفقَ السماء، فصعدت على الكعبة وعليها تمثال من صفر أو نحاس، فجعلت أعالجه لأُزيله يميناً وشمالاً وقداماً ومن بين يديه ومن خلفه، حتّى استمكنتُ منه، فقال نبيُّ الله: اِقذفْه، فقذفتُ به فكسرته كما يكسر القوارير، ثمّ نزلت فانطلقتُ أنا ورسول الله صلّى الله عليه وآله نستبق، حتّى توارينا بالبيوت؛ خشيةَ أن يلقانا أحد » (39).
وتتلخّص صورة سلوك الإمام عليّ عليه السّلام بكل جوانبها الإلهيّة عندما يشبّهه رسول الله صلّى الله عليه وآله بالأنبياء عليهم السّلام، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « من أراد أن ينظر إلى آدمَ في علمه، وإلى نوحٍ في عزمه، وإلى إبراهيمَ في حِلْمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في زُهده؛ فلْينظُرْ إلى عليِّ بنِ أبي طالب » (40).
قال: « أفيكم أحد كان آخر عهده برسول الله صلّى الله عليه وآله حتّى وضعه في حفرته، غيري ؟
قالوا: لا (65).
ومع وجود هذه الفضائل والمناقب فيه عليه السّلام مع ذلك صبر لله وفي الله حتّى لا يتشتّت أمر المسلمين، ولا يرجع الناس كفّاراً يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف، وهذا الصبر من أحسن الصبر، وله أجر غير ممنون.
12 ـ وفي الحلم « كان عليه السّلام أحلمَ الناس عن ذنب، وأصفحهم عن مسيء، ويحلم عند جهل الناس، وهو مثال للحلم. صدق رسول الله صلّى الله عليه وآله حيث قال في خبر: « لو كان الحِلْمُ رجلاً لَكان عليّاً » (66).
ونجده عليه السّلام يوم الجمل حيث ظفر بمروان بن الحكم ـ وكان أعدى الناس له وأشدهم بغضاً ـ فصفح عنه.
وكان عبدالله بن الزبير يشتمه على رؤوس الأشهاد، وخطب يوم البصرة، فقال: أتاكم الوغد اللئيم علي بن أبي طالب!! وكان الإمام عليّ عليه السّلام يقول: « ما زال الزبيرُ رجلاً منا أهلَ البيت حتّى شبَّ عبدُالله » فظفر به يوم الجمل فأخذه أسيراً، فصفح عنه وقال: « إذهبْ فلا أرَينّك » لم يزده على ذلك... (67).
الأمر الثاني: الآيات النازلة في حقّ الإمام عليّ عليه السّلام ولم ينزل مِثلُها في حقّ غيره:
نختار في هذه الفقرة بعض الآيات النازلة في حقّ الإمام عليّ عليه السّلام والتي تبيّن أفضليتَه على الصحابة، ليس كلّ الآيات التي تبيّن فضله والتي نزلت في حقّه مطلقاً؛ لأن هذه تحتاج إلى بحث مستقل. فمن الآيات التي يمتاز بها الإمام عليّ عليه السّلام ولا تنسحب على غيره، وبها تثبت أفضليته على الصحابة، وتوضح مِن ثَمّ مدى علاقة الإمام عليّ عليه السّلام بالقرآن:
1 ـ ما عن ابن عباس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: « ما أنزلَ اللهُ آية فيها (يا أيُّها الذينَ آمَنوا ) إلاّ وعليٌّ رأسُها وأميرها » (68).
2 ـ وعن ابن عباس أيضاً أنه قال: لمّا نزل ( قلْ لا أسألُكُم عليهِ أجراً إلاَّ المودّةَ في القربى ) (69)، قالوا: يا رسول الله، مَن قرابتُك هؤلاء الذين وجبَتْ علينا مودّتُهم ؟ قال: « عليٌّ وفاطمةُ وآبناهما » (70).
وبهذه الآية تصبح المودّة للإمام عليّ عليه السّلام واجبة على غيره من الصحابة.
3 ـ قوله تعالى: ( وآجعَلْ لي وزيراً مِن أهلي) (71) فعَن ابن عباس رضي الله عنه أنّه قال: أخذ النبيّ صلّى الله عليه وآله بيد عليّ بن أبي طالب عليه السّلام ـ ونحن بمكّة ـ وبيدي، وصلّى أربع ركعات، ثم رفع يده إلى السماء فقال: « اللهم إن موسى بن عمران سألك، وأنا محمّدٌ نبيُّك أسألك أن تشرح لي صدري، وتَحْلُلَ عُقدةً من لساني؛ يفقهوا قولي، وآجعلْ لي وزيراً من أهلي، عليَّ بنَ أبي طالب أخي، أُشدُدْ به أزْري، وأشْرِكه في أمري ». قال ابن عبّاس: « سمعت منادياً ينادي: يا أحمد، قد أُتِيتَ ما سألت » (72).
4 ـ قال تعالى: ( إنَّما وليُّكُمُ اللهُ ورسولُه والذينَ آمَنوا الذين يُقيمونَ الصلاةَ ويُؤتُون الزكاةَ وهُم راكِعُون) (73).
اعتمد القرآن الكريم في خصوص هذه الآية على تبيان أفضلية الإمام عليّ عليه السّلام على غيره من الصحابة عن طريق إبراز الجانب السلوكيّ المصحوب بالتصريح بأن عليّاً عليه السّلام هو الوليّ للمؤمنين.
وقد أجمعوا على نزول هذه الآية في الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام لمّا تصدّق بخاتَمهِ على المسكين في الصلاة بمحضرٍ من الصحابة.
قال الزمخشريّ عن قوله « وهُم راكِعُون »: وقيل: هو حال مَن يُؤتُون الزكاة، بمعنى يؤتونها في حالِ ركوعهم في الصلاة، وأنها نزلت في عليٍّ كرّم الله وجهَه حين سأله سائلٌ وهو راكع في صلاته، فطرَحَ له خاتَمَه كأنّه كان مرجاً في خنصره (74)، فلم يتكلّف لخلعه كثيرَ عملٍ تَفسد بمِثله صلاتُه.
فإن قلت: كيف صحّ لعليّ عليه السّلام واللّفظ جماعة ؟
قلت: جِيء به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً، ليرغب الناسُ في مثل فعله، فينالوا مثل ثوابه، ولينبِّه على أن سجيّة المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البِرّ والإحسان وتفقّد الفقراء، حتّى إن لَزِمهم أمرٌ لا يَقبل التأخير وهم في الصلاة؛ لم يُؤخّروه إلى الفراغ منها » (75).
5 ـ قال تعالى: « يا أيُّها الرسولُ بلِّغْ ما اُنزِلَ إليكَ مِن ربِّك... » (76).
صرّح أئمّة التفسير والحديث أنّها نزلت في بيان فضل الإمام عليّ عليه السّلام يوم الغدير، حيث أخذ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله بيد عليّ عليه السّلام وقال: « مَن كنتُ مَولاه، فعليٌّ مولاه، اَللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وآنْصُرْ مَن نَصَره، واخذلْ مَن خَذَله، وأدِرِ الحقَّ مَعَه كيف مادار » (77).
وبهذا التنصيب الإلهي لعلي ـ حسب هذا النص القرآني ـ يثبت أنه عليه السّلام هو الأفضل بعد الرسول صلّى الله عليه وآله من غيره.
6 ـ وقال تعالى: إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عنكُمُ الرِّجْسَ أهلَ البيتِ ويُطَهِّرَكُم تَطهيراً) (78).
إن الآية تنصّ على حصر إرادة الله تعالى هنا في إذهاب الرجس عن أهل البيت، وتطهيرهم تطهيراً كاملاً شاملاً، وهذا الحصر إنّما هو بالنسبة إلى ما يتعلّق بأهل البيت، وإلاّ فإن لله تعالى إرادات تشريعيّةً وتكوينيّة، غيّرها بالضرورة، فالمعنى أن إرادة إذهاب الرجس والتطهير مختصّة بهم دون غيرهم، فتصير في قوّة أن يُقال: يا أهل البيت، أنتمُ الذين يُريد اللهُ أن يذهب عنكمُ الرجسَ ويُطهِّرَكم من الأدناس. فالإرادة هذه تكوينيّة لا محالة، فإن الإرادة التشريعيّة للتطهير لا تختصّ بقومٍ دون قوم، أو بيتٍ دون بيت. والإرادة التكوينية منه تعالى لا تنفكّ عن المراد، فتطهير أهل البيت من الرجس أمر واقع بإرادة الله تعالى، فهم المعصومون من الذنوب والآثام والأخطاء.
هذا هو الظاهر من نفس الجملة بصرف النظر عمّا قَبلها.
وروايات نزولها في أهل البيت ـ أهل بيت الوحي المطهّرين، النبيّ وعليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم ـ دون غيرهم كثيرة جداً، تربو على سبعين حديثاً من طرق الفريقين، وإذا لم يكن مثل هذه الروايات معتمَداً عليها فبأيّ حديث بعده يؤمنون ؟!
وهذه الروايات التي روتها الشيعة بطرقهم عن أمير المؤمنين وعليّ بن الحسين ومحمّد بن عليّ وجعفر بن محمّد وعليّ بن موسى الرضا عليهم السّلام، عن أُمّ سلمة وأبي ذرّ وأبي ليلى وأبي الأسود الدؤليّ وعمر بن ميمون الأوديّ وسعد بن أبي وقّاص، وروتها السنّة بأسانيدهم عن أُمّ سلمة وعائشة وأبي سعيد الخُدْريّ وسعد ووائلة بن الأصقع وأبي الحمراء وابن عبّاس وثوبان مولى النبيّ صلّى الله عليه وآله وعبدالله بن جعفر وعليّ بن أبي طالب والحسن بن عليّ عليهم السّلام، كلّها تدل على أن الآية نزلت في الخمسة الطيبة: رسول الله وابن عمه عليّ وبنته فاطمة وسبطَيه الحسنين عليهم السّلام، وهم المرادون بأهل البيت دون غيرهم (79).
روى عبدالله بن أحمد بن حنبل في مسنده عن أبيه عن شدّاد أبي عمّار، قال: دخلتُ على وائلة بن الأصقع وعنده قوم فذكروا عليّاً، فلمّا قاموا قال: ألا أُخبرك بما رأيتُ من رسول الله صلّى الله عليه وآله ؟ قلت: بلى، قال: أتيت فاطمةَ ـ رضيَ الله تعالى عنها ـ أسألها عن عليّ، قالت: توجه إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله. فجلستُ أنتظره، حتّى جاء رسول الله صلّى الله عليه وآله ومعه عليّ وحسن وحسين ـ رضي الله تعالى عنهم ـ آخذاً كلُّ واحد منهما بيده، حتّى دخل، فأدنى عليّاً وفاطمة فأجلسهما بين يديه، وأجلس حسناً وحسيناً كلُّ واحد منهما على فخذه، ثم لفّ عليهم ثوبه ـ أو قال: كساءاً ـ ثمّ تلا هذه الآية: إنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عنكمُ الرِّجسَ أهلَ البيتِ ويُطهِّرَكُم تَطهيرا ، وقال: « اَللّهمَّ هؤلاءِ أهلُ بيتي، وأهلُ بيتي أحقّ » (80).
وبهذا يحوز الإمام صلوات الله عليه على مَلَكة العصمة، والتي تكفي برهاناً على أنه الأفضل على من وجه الأرض دون رسول الله صلّى الله عليه وآله.
7 ـ قوله تعالى: ( فمَن حاجَّكَ فيهِ مِن بعدِ ما جاءكَ مِن العلمِ فقُلْ تَعالَوا نَدْعُ أبناءنا وأبناءَكم ونساءَنا ونساءَكم وأنفسَنا وأنفسَكم ثمّ نَبتَهِلْ فنَجْعَلْ لعنةَ اللهِ على الكاذبين ) (81).
يتضمن الأمر بدعوة الأبناء والنساء والأنفس ـ بصيغ الجمع في الجميع ـ وامتثال هذا الأمر يقتضي إحضار ثلاثة أفراد من كلّ عنوان لا أقل منها، تحقيقاً لمعنى الجمع، لكن الذي أتى به النبيّ صلّى الله عليه وآله في مقام امتثال هذا الأمر على ما يشهد به صحيح الحديث والتاريخ لم يكن كذلك، وليس لفعله صلّى الله عليه وآله وجه إلاّ انحصار المصداق في ما أتى به. فالآية بالنظر إلى كيفية امتثالها بما فعل النبيّ صلّى الله عليه وآله تدلّ على أن هؤلاء هم الذين كانوا صالحين للاشتراك معه في المباهلة، وأنهم أحبُّ الخلق إليه، وأعزّهم عليه، وأخصّ خاصته لديه، وكفى بذلك فخراً وفضلاً.
ويؤكّد دلالتَها على ذلك أنّه صلّى الله عليه وآله كان له عدّة نساء ولم يأتِ بواحدة منهن سوى بنتٍ له، فهل يُحمَل ذلك إلاّ على شدّة اختصاص فاطمة الزهراء عليها السّلام به، وحبّه لها لأجل قربها إلى الله وكرامتها عليه؟!
كما أن انطباق عنوان « النَّفْس » على الإمام عليّ عليه السّلام لا غير، يدلّ على أعظم فضيلة وأكرم مزية له عليه السّلام، حيث نزل منزلة نَفْس النبيّ صلّى الله عليه وآله (82).
ويؤيده ما رواه الفريقان عن رسول الله صلّى الله عليه وآله حيث قال لعلي عليه السّلام: « أنت منّي بمنزلةِ هارونَ مِن موسى إلاّ أنّه لا نبيَّ بَعدي » (83) وقوله « أنت منّي وأنا منك » (84).
وقد احتجّ مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام بهذه الفضيلة يوم الشورى، واعترف بها القوم ولم ينكروا عليه. وقد بلغ الأمر من الوضوح مبلغاً لم يبق فيه مجال للإنكار من مثل ابن تيمية، فقد اعترف بصحة الحديث القائل: بأن نفس رسول الله صلّى الله عليه وآله في الآية هو عليّ عليه السّلام، إلاّ أنّه جعل مِلاك التنزيل هو القرابة، ولمّا التفت إلى انتقاضه بعمّه العباس حيث إن العمّ أقرب من ابن العم قال: « إن العباس لم يكن من السابقين، ولا كان له اختصاص بالرسول صلّى الله عليه وآله كعليّ ». فاضْطُرّ إلى الاعتراف بأنّ مناط تنزيل الإمام عليّ عليه السّلام منزلةَ نَفْس النبيّ (85) ليس هو القرابة فقط بل سِبقه إلى الإسلام واختصاصه بالنبيّ صلّى الله عليه وآله، وهل يكون اختصاصه به صلّى الله عليه وآله إلاّ لأجل أفضليّته من غيره وأقربيّته إلى الله سبحانه ؟! (86)
ثم إن في قوله تعالى: ( نَدْعُ أبناءنا... ) إشارة إلى أنّ لغيره صلّى الله عليه وآله شأناً في الدعوة إلى المباهلة، حيث أضاف الأبناء والنساء إلى ضمير المتكلّم مع الغير، مع أن المحاجّة كانت معه صلّى الله عليه وآله خاصّة، كما يدلّ عليه قوله تعالى: فمَن حاجَّكَ.. . وهذا هو الذي يستفاد من قوله تعالى: ويَتْلُوه شاهدٌ مِنه (87) وقوله تعالى: قلْ هذهِ سبيلي أدْعُو إلى اللهِ على بصيرةٍ أنا ومَنِ آتَّبَعني (88). كما يؤيده ما ورد فيها من الروايات، وهو مقتضى إطلاق التنزيل في قوله صلّى الله عليه وآله لعليّ عليه السّلام: « أنت منّي بمنزلةِ هارونَ مِن موسى ».
ويؤيّد ذلك قولُه تعالى: ( فنَجْعَلْ لعنةَ اللهِ علَى الكاذبين )، فإنّ المراد بالكاذبين هنا ليس كلّ مَن هو كاذب في كل إخبارٍ ودعوى، بل المراد هم الكاذبون المغرضون في أحد طرفَي المحاجّة والمباهلة، فلا محالة يكون المدعي في كلا الجانبين أكثر من واحد، وإلاّ لكان حق الكلام أن يقال مثلاً: « فنجعلْ لعنةَ الله على مَن هو كاذِب » حتّى يصحّ انطباقه على الفرد أيضاً. فالمشتركون مع النبيّ صلّى الله عليه وآله في المباهلة شركاءُ له في الدعوى.
وحيث أنّ المحاجّة إنّما وقعت بين النبيّ صلّى الله عليه وآله وبين النصارى لا لمجرد الدعوى، بل لأجل دعوتهم إلى الإسلام، وأنّ الحضور للمباهلة كان تبعاً لتلك الدعوى والدعوة، فحضور مَن حضر أمارة على كون الحاضرين مشاركين له في الدعوى والدعوة معاً.
والروايات التي صدرت من الصحابة في آية المباهلة كثيرة جدّاً، كرواية جابر بن عبدالله والبُراء بن عازب، وأنس بن مالك، وعثمان بن عفّان، وعبدالرحمان بن عوف، وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقّاص، وعبدالله بن عبّاس، وأبي رافع مولى النبيّ صلّى الله عليه وآله.. وغيرهم، ورواية جمع من التابعين عنهم كالسدي والشعبي والكلبيّ وأبي صالح، وإطباق المحدّثين والمؤرخّين والمفسّرين على إيداعها في موسوعاتهم، كمسلم والترمذي والطبريّ وأبي الفداء والسيوطيّ والزمخشريّ والرازيّ باتّفاق الروايات وصحّتها (89).
قال جابر: فيهم نزلت نَدْعُ أبناءنا وأبناءَكم قال جابر: ( أنْفُسَنا ) رسول الله صلّى الله عليه وآله وعليّ عليه السّلام، و ( أبناءَنا ) الحسن والحسين عليهما السّلام، و ( نساءَنا ) فاطمة عليها السّلام (90).
8 ـ قوله تعالى: إنّ الذينَ آمَنوا وعَمِلوا الصّالحاتِ أُولئكَ هُمْ خَيرُ البريّة (91). عن جابر بن عبدالله قال:
« كنّا عند النبيّ صلّى الله عليه وآله فأقبل عليّ بن أبي طالب، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: « قد أتاكم أخي »، ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثم قال: « والذي نفسي بيده، إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة »، ثم قال: « إنّه أوّلُكم إيماناً معي، وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله، وأعدلُكم في الرعية، وأقسمكم بالسوية، وأعظمكم عند الله مَزيّة ». قال: ونزلت « إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ أُولئك هم خيرُ البريّة »، قال: فكان أصحاب محمّدٍ صلّى الله عليه وآله إذا أقبل عليٌّ قالوا: قد جاء خيرُ البريّة » (92).
الأمر الثالث: تصاريح عامة من السنّة النبويّة تؤكّد فَضْل الإمام عليٍّ عليه السّلام على الصحابة
ليس غرضنا استعراض كامل الروايات الصادرة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله في حقّ الإمام عليّ عليه السّلام، أو التي يُكتشف منها عمق العلاقة بينهما وخصوصيتها، أو أن عليّاً عليه السّلام ذلك النموذجُ الإلهيّ المختار لحمل الأمانة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله، بل غرضنا انتخاب بعض النماذج الروائيّة التي أظهر أو أفرز فيها رسولُ الله صلّى الله عليه وآله أفضليّةَ الإمام عليّ عليه السّلام على الصحابة، لا لشيء وإنما سعياً منه صلّى الله عليه وآله لتبليغ الأُمّة بما يُريده الله سبحانه، فمِن تلك الروايات:
1 ـ عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله جمع قريشاً ثمّ قال: « لا يؤدّي أحدٌ عنّي دَيني إلاّ عليّ » (93).
2 ـ عن عبدالله قال:
وطرَقَ الإمامُ عليّ عليه السّلام البابَ على رسول الله صلّى الله عليه وآله في بيت أُمّ سَلَمة، حيث أمرها صلّى الله عليه وآله في فتح الباب له معلّقاً بأنّ الطارق رجلٌ يحبّ اللهَ ورسولَه، ولمّا دخل، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « يا أُمّ سلمة، أتعرفونه ؟ » قالت: نعم يا رسول الله، هذا عليُّ بن أبي طالب، قال: « صدقتِ، سيّدٌ أُحبّه، لحمُه مِن لحمي، ودمُه من دمي، وهو عَيبةُ بيتي، اِسمعي وآشْهَدي، وهو قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين مِن بَعدي، فآسمعي واشهدي، وهو قاضي عِداتي، فاسمعي واشهدي، وهوَ واللهِ يُحيي سُنّتي فاسمعي واشهدي، لو أن عبداً عَبَدَ اللهَ ألفَ عام، بعد ألف عام، وألفَ عام بين الركن والمَقام، ثمّ لقيَ اللهَ مُبغضاً لعليّ بن أبي طالب وعترتي، أكبَّه اللهُ على مَنخَرَيه يومَ القيامة في نارِ جهنّم » (94).
3 ـ ما روي عن الإمام عليٍّ عليه السّلام أنّه قال: « جاء النبيَّ أُناسٌ من قريش، فقالوا: يا محمّد إنّا جيرانك وحلفاؤك، وإن مِن عبيدنا قد أتوك ليس بهم رغبة في الدين ولا رغبة في الفقه، إنما فرّوا من ضياعنا وأموالنا فآردُدْهم إلينا، فقال لأبي بكر: ما تقول ؟ قال: صدقوا، إنهم لَجيرانُك وحلفاؤك. فتغير وجه النبيّ صلّى الله عليه وآله، ثمّ قال لعمر: ما تقول ؟ قال: صدقوا، إنهم لَجيرانك وحلفاؤك. فتغير وجه النبيّ صلّى الله عليه وآله، ثم قال: « يا معشرَ قريش! واللهِ لَيَبعثَنّ اللهُ عليكم رجلاً منكمُ آمتحنَ اللهُ قلبَه للإيمان، فيضربكم على الدين أو يضرب بعضكم ». قال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله ؟ قال: لا. قال عمر: أنا هو يا رسول الله ؟ قال: لا، ولكن الذي يخصف النعل. وقد كان أعطى عليّاً نعلاً يخصفها » (95).
4 ـ روى الزمخشري بإسناده فقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « فاطمة مهجة قلبي، وابناها ثمرة فؤادي، وبَعلُها نور بصري، والأئمّة مِن وُلْدها أُمناء ربّي، وحبلٌ ممدود بينه وبين خلقه، مَن اعتصم بهم نجا، ومن تخلّفَ عنهم هوى » (96).
وبهذا يصبحون عليهم السّلام أفضلَ مَن يُعتصَم بهم، لأنّهم يقودونه نحو الهداية، وبطريق أولى يكونون عليهم السّلام أفضلَ من الذي يخالفهم من الصحابة، لأنّ الله ورسوله مع الذي يَعتصِم بهم لا مع الذي يتخلف عنهم، ومن المعلوم أن كثيراً من الصحابة لم يتخلّف عنهم فحسب وإنّما قد شن الحربَ عليهم، والإمام عليّ عليه السّلام قد وضح موقفه من بعض الصحابة كما في الخطبة المعروفة بالشِّقْشِقية، وموقفُ الزهراء عليها السّلام واضح أيضاً من خلال خطبتها في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله بعد وفاة أبيها، حيث عكست صورة عن مدى مخالفة بعض الصحابة للإمام عليّ عليه السّلام.
5 ـ روي عن أبي سعيد الخُدْريّ أنّه قال: كنّا جلوساً ننتظر رسول الله صلّى الله عليه وآله، فخرج علينا مِن بعض بيوت نسائه، قال: فقُمنا معه، فانقطعت نعله فتخلف عليها علي يخصفها، فمضى رسول الله صلّى الله عليه وآله ومضينا معه، ثمّ قام ينتظره وقمنا معه فقال: « إنّ منكم مَن يقاتل على تأويل هذا القرآن، كما قاتلت على تنزيله » فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر، فقال صلّى الله عليه وآله: « لا، ولكنّه خاصف النعل ». قال: فجئنا نبشّره ( قال في أحدهما ) وكأنّه قد سمعه. وقال في الآخر فلم يرفع به رأساً كأنّه قد سمعه (97).
وبهذا النمط من الروايات يكتسب الإمام عليٌّ عليه السّلام الأفضليّةَ على الصحابة؛ لأنّه المتصدّي لإثبات الحقّ في مرحلة ما بعد الرسول صلّى الله عليه وآله، وعلى الصحابة أن يلتحقوا به.
6 ـ جاء عن النبيّ من عدة طرق: « إنّ عليّاً منّي وأنا من عليّ، وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي، لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو عليّ » (98).
ـ يكشف موقفُ رسول الله صلّى الله عليه وآله من عمر وأبي بكر في مسألة تزويج فاطمة، عن مدى عناية الرسول صلّى الله عليه وآله الخاصّة بالإمام عليّ عليه السّلام دونَهما.
عن عبدالله بن يزيد عن أبيه، قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّها صغيرة. فخطبها عليٌّ عليه السّلام فزوّجها منه (99).
8 ـ قضية سدّ الأبواب باستثناء باب الإمام عليّ عليه السّلام:
في مسند أحمد عن عدّة طرق: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله أمر بسدّ الأبواب إلاّ باب عليّ فتكلّم الناس، فخطب رسول الله صلّى الله عليه وآله، فحَمِد اللهَ وأثنى عليه، ثمّ قال: « أمّا بعد، فإنّي أُمِرتُ بسدّ هذه الأبواب غيرَ بابِ عليّ، فقال فيه قائلكم! واللهِ ما سددتُ شيئاً ولا فتَحْتُه، وإنَّما أُمِرتُ بشيء فاتّبعْتَه » (100).
9 ـ مؤاخاة النبيّ لعليّ عليه السّلام:
نجد أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله آخى بين الناس، وترك عليّاً عليه السّلام حتّى بقيَ آخِرَهم، لا يرى له أخاً، فقال: يا رسول الله، آخيتَ بين أصحابك وتركتني ؟! فقال: « إنّما تركتُك لنفسي، أنت أخي وأنا أخوك، فإنْ ذَكَرك أحد فقل: أنا عبدالله وأخو رسوله، لا يَدّعيهما بعدَك إلاّ كذّاب، والذي بعثني بالحق، ما أخّرتُك إلاّ لنفسي » (101).
10 ـ ويلخّص بعض ما تفرّد به الإمام عليّ عليه السّلام من الفضائل ما جاء عن سعد ابن أبي وقّاص، حيث قال: واللهِ لأَن يكون لي واحدةٌ من خلال ثلاث أحبُّ إليَّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، لأن يكون قال لي ما قال له حين ردّه من تبوك: « أمَا تَرضى أن تكونَ منّي بمنزلة هارونَ مِن موسى إلاّ أنّه لا نبيَّ بعدي »، أحبُّ إليّ مِن أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس. ولأن يكون قال لي ما قال له يوم خيبر: « لأُعْطينّ الرايةَ رجلاً يحبّ اللهَ ورسولَه، يفتح اللهُ على يديه، ليس بفرّار » أحبُّ إليَّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس. ولأن يكون لي ابنته ولي منها من الولد ما له، أحبُّ إليَّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس (102).
الأمر الرابع: انطباعات الصحابة عن شخصيّة الإمام عليّ عليه السّلام
لقد ترك الدورُ الرساليّ والجهد الربّاني الذي أبداه الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام من أجل تحقيق الرسالة وإعلاء كلمة الحقّ، منذ البعثة وحتّى ختم الرسالة، من الآثار والانطباعات الإيجابيّة المؤثّرة في نفوس الصحابة، حيث شكلت خطواتُه موقعاً للقوة والنهوض، سواء في عصر الرسالة أو بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله، فهو المرجع للحكّام حيث تضيق بهم الصعاب وتعجز عقولهم عن إدراك أغراض الشريعة وحقائقها، وهذا الأمر لا يحتاج إلى مزيد من الإيضاح والتفصيل، حيث حفلت به كتبُ الصحاح والسِّيَر.
وعلى أي حال، فإنّ انطباعات الصحابة حول الإمام عليّ عليه السّلام والنظرة إليه ما لا يمكن حصره في هذه الفقرة من البحث، لكننا نكتفي ببعض تصريحات الصحابة في حقّه عليه السّلام وأفضليّته على الصحابة كما يلي:
1 ـ أبو بكر بن أبي قحافة
نجد أبا بكر يرجع إلى الإمام في حلّ كثير من المعضلات، فعندما أراد أبو بكر غزوَ الروم شاور جماعةً من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وأخّروا، فاستشار عليَّ بن أبي طالب عليه السّلام فأشار أن يفعل، فقال: فإن فعلتَ ظفرت. فقال: بَشَّرتَ بخير. فقام أبو بكر في الناس خطيباً وأمرهم أن يتجهّزوا إلى الروم (103).
وفي مجال التفسير نجد أبا بكر يعترف بعدم قدرته على تفسير آيات القرآن، فعن أبي مليكة قال: سُئل أبو بكر عن تفسير حرف من القرآن، فقال: أيُّ سماء تظلني، وأيُّ أرض تُقلّني، وأين أذهب وكيف أصنع إذا قلتُ في حرف من كتاب الله بغير ما أراد ؟! (104)
وكان قد سُئل عن قوله تعالى: وفاكهةً وأبّاً (105)، ولمّا بلغ ذلك أميرَ المؤمنين عليه السّلام ما قاله في ذلك، قال: « يا سبحان الله! ما عَلِم أنّ الأبّ هو الكلاء والمَرعى، وأن قوله تعالى: وفاكهةً وأبّاً اعتداد من الله تعالى بإنعامه على خَلْقه بما غَذاهم به، وخَلقَه لهم ولأنعامهم مما يحيي به أنفسهم وتقوم به أجسادهم » (106).
كما صرّح أبو بكر بأنّه لا يقوى على وصف الرسول صلّى الله عليه وآله بالشكل الدقيق، وما زال الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام هو الأقدرَ على ذلك؛ لأنّه الأكثر التصاقاً ومعرفةً بأسرار الرسول والرسالة.
عن ابن عمر: أنّ اليهود جاءوا إلى أبي بكر فقالوا: صِفْ لنا صاحبك، فقال: معشرَ اليهود، لقد كنت معه في الغار كأُصبعيّ هاتين، ولقد صعدت معه جبل حِراء وإن خنصري لفي خنصره، ولكنّ الحديث عنه شديد، وهذا عليّ بن أبي طالب. فأتَوا عليّاً فقالوا: يا أبا الحسن، صف لنا ابنَ عمك، فقال: « لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وآله بالطويل الذاهب طولاً، ولا بالقصير المتردّد، كان فوق الربعة، أبيضَ اللّون مُشْرَباً حُمرة جُعْد الشعر ليس بالقطط يضرب شعره إلى أرنبته، صلت الجبين، أدعج العينين دقيق المسربة، برّاق الثنايا، أقنى الأنف، كأنّ عنقه إبريقُ فضّة، له شعرات من لبته إلى سُرّته، كأنهنّ قضيب مسك أسود ليس في جسده ولا في صدره شعرات غيرهن، وكان شثنَ الكفّ والقدم، وإذا مشى كأنّما يتقلّع من صخر، وإذا التفتَ التفت بمجامع بدنه، وإذا قام يعتنقونه الناس، وإذا قعد علا الناس، وإذا تكلّم أنصت الناس، وإذا خطب أبكى الناس، وكان أرحمَ الناس بالناس، لِليتيمِ كالأب الرحيم، وللأرملة كالكريم، أشجع الناس وأبذلهم كفّاً وأصبحهم وجهاً، لباسه العباء، وطعامه خبز الشعير، وإدامه اللبن، ووسادُه الأدم محشو بليف النخل، سريره أمّ غيلان مرمل بالشريف. كان له عمامتان إحداهما تُدعى « السحاب » والأُخرى « العقاب »، وكان سيفه ذا الفقار ورايته الغراء، وناقته العضباء، وبغلته دلدل، وحماره يعفور، وفرسه مرتجز، وشاته بركة، وقضيبه الممشوق، ولواؤه الحمد، وكان يعقل البعير ويعلف الناضح، ويرقع الثوب ويخصف النعل » (107).
2 ـ عمر بن الخطّاب
ترك الإمام عليّ عليه السّلام في نفسه من الآثار حتّى اشتهر كلامه في عدة مواضع: « لولا عليٌّ لَهلكَ عمر » (108).
وقوله: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: « ما اكتسبَ مكتسِبٌ مثلَ فضلِ عليّ، يَهدي صاحبَه إلى الهدى، ويردُّه عن الردى » (109).
وعن محمّد بن خالد الضبيّ، قال: خطبهم عمرُ بن الخطاب فقال: لو صرفناكم عمّا تعرفون إلى ما تنكرون، ما كنتم صانعين ؟ قال: فسكتوا، فقال ذلك ثلاثاً، فقام عليٌّ عليه السّلام فقال: يا عمر! إذن نَسْتَتيبك، فإن تُبتَ قَبِلناك، قال: فإن لم أتب ؟ قال: إذن نضرب الذي فيه عيناك، فقال: الحمد لله الذي جعل في هذه الأُمّة مَن إذا اعوجَجْنا أقام أوَدَنا (110).
ثم نجد عمرَ يستشير في الخمر وفي مقدار حدّها، فعن ثور بن يزيد الديليّ أنّ عمر ابن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل، فقال عليّ بن أبي طالب: « ترى تجلده ثمانين، فإنّه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى آفترى ». فجلد عمرُ في الخمر ثمانين (111).
وجاء عن اُذينة العبدي قال: أتيت عمر فسألته: من أين أعتمر ؟ قال: إئت عليّاً فسله...
3 ـ عثمان بن عفّان
وله مراجعات كثيرة للإمام عليّ عليه السّلام في القضايا المعقّدة والتي لا يجد لها حلاًّ. فعن بعجة بن عبدالله الجهنيّ قال: تزوج رجل منّا امرأةً من جُهينة فولدت له تماماً لستّة أشهر، فانطلق زوجُها إلى عثمان بن عفّان، فأمر برَجْمها، فبلغ ذلك عليّاً عليه السّلام فأتاه فقال: ما تصنع ؟ قال: وَلَدَتْ تماماً لستّة أشهر، وهل يكون ذلك ؟ قال عليّ عليه السّلام: أما سمعتَ الله تعالى يقول: وحَمْلُه وفصالُه ثلاثونَ شَهْراً (112)، فكم تجده بقيَ إلاّ ستة أشهر! فقال عثمان: ( والله ما فطنتُ لهذا ) (113).
وعن محمّد بن يحيى بن حبّان أنّه كانت عند جده حبّان بن منقذ امرأتان هاشميّة وأنصاريّة، فطلّق الأنصاريّة وهي تُرضِع، فمرت سنة لم تَحِض، ثم هلك، فقالت: أنا أرثه لم أحض. فاختصما إلى عثمان بن عفّان فقضى لها بالميراث، فلامت الهاشميّة عثمانَ بن عفان، فقال لها: هذا عمل ابنِ عمك، هو أشار علينا بهذا، يعني عليَّ بن أبي طالب ) (114).
وعن مسند عثمان أنّ عثمان بن عفّان أتى برجل فجرَ بغلام من قريش، فقال عثمان: أحُصِّن ؟ قالوا: قد تزوج بامرأة ولم يدخل بها بعد، فقال عليّ لعثمان: لو دخل بها لحلّ عليه الرجم، فأما إذا لم يدخل بها فاجلدوه الحدّ. فقال أبو أيوب: أشهد أنّي سمعتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله يقول الذي ذكره أبو الحسن، فأمر به عثمان فجُلِد (115).
4 ـ ابن عباس
قال رضي الله عنه: « واللهِ لقد أُعطي عليُّ بن أبي طالب تسعةَ أعشار العلم، وأيمُ الله لقد شارككم في العُشْر العاشر » (116).
وقال رضي الله عنه: « علمُ النبيّ مِن علم الله، وعلم عليٍّ مِن علم النبيّ، وعلمي مِن علم عليّ، وما علمي وعلم الصحابة إلاّ كقطرةٍ في سبعة أبحُر » (117).
وقال رضي الله عنه: « العلم ستّةُ أسداس، لعليٍّ خمسة أسداس، وللناس سدس، ولقد شارَكَنا في السُّدُس حتّى لَهُوَ أعلم به منّا » (118).
5 ـ ابن مسعود
قال رضي الله عنه: « كنّا نتحدّث أنّ أقضى أهل المدينة عليّ » (119).
وقال أيضاً: قُسِّمتِ الحكمةُ عشرةَ أجزاء، فأُعطي عليٌّ تسعة أجزاء والناسُ جزءاً واحداً، وعليٌّ أعلمُهم بالواحد منها » (120).
وقال أيضاً: « الأعلمُ بالفرائض عليُّ بن أبي طالب » (121).
وقال أيضاً: « أفرض أهل المدينة وأقضاها عليّ » (122).
وقال أيضاً: « إنّ القرآن أُنزِل على سبعة أحرف، ما منها إلاّ وله ظهر وبطن، وإنّ عليّ بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن » (123).
6 ـ عَدِيّ بن حاتِم
في خطبة له: « واللهِ لئن كان إلى العلم بالكتاب والسنّة، إنّه ـ يعني عليّاً ـ لأعلمُ الناس بهما، ولئن كان إلى الإسلام إنّه لأخو نبيّ الله، والرأس في الإسلام، ولئن كان إلى العقول والنحائر إنّه لأشدُّ الناس عقلاً وأكرمهم غَيرة » (124).
7 ـ أبو سعيد الخدري
« أقضاهم علي عليه السّلام » (125).
8 ـ عائشة
« عليٌّ أعلمُ الناس بالسُّنّة » (126).
9 ـ عطاء
« سُئل عطاء: أكان في أصحاب محمّد أعلمُ مِن عليّ ؟ قال: لا واللهِ ما أعلمه » (127).
10 ـ سعيد بن المسيب
قال: « كان عمر يتعوّذ بالله مِن معضلة ليس لها أبو الحسن! » (128).
11 ـ معاوية بن أبي سفيان
قال: « كان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذه من عليّ » (129).
وجاء رجل إلى معاوية فسأله عن مسألة فقال: سل عنها عليَّ بن أبي طالب، فهو أعلم. قال: يا أمير المؤمنين! جوابك فيها أحبُّ إليّ من جواب عليّ. قال: بئس ما قلت! لقد كرِهتَ رجلاً كان رسول الله يغزره بالعلم غزراً، ولقد قال له: « أنت منّي بمنزلة هارونَ مِن موسى إلاّ أنّه لا نبيَّ بعدي » (130).
12 ـ سعيد بن غفلة
دخلتُ على عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فوجدته جالساً، بين يديه صفيحة فيها لبن، أجدُ ريحَه من شدّة حموضته، وفي يده رغيف أرى آثار قشار الشعير في وجهه وهو يكسره بيده أحياناً، فإذا أعيى عليه كسره بركبته وطرحه في اللبن، فقال: أُدْنُ، فأصِبْ من طعامنا هذا.
فقلت: إنّي صائم.
فقال: سمعت رسولَ الله صلّى الله عليه وآله يقول: « مَن منَعَه الصيامُ من طعامٍ يشتهيه، كان حقّاً على الله أن يُطعمه من طعام الجنّة ويسقيه مِن شرابها » (131).
13 ـ عبدالله بن عمر
قال: « كان لعليّ بن أبي طالب ثلاثةٌ، لوكانت لي واحدة منهنّ كانت أحبَّ إليَّ من حُمْر النَّعَم: تزويجُه فاطمة ( سلام الله عليها )، وإعطاؤه الرايةَ يومَ خيبر، وآية النجوى » (132).
الأمر الخامس: ما تفرّد به الإمام عليّ عليه السّلام عن غيره من الصحابة
لقد تمتّع الإمام عليّ عليه السّلام بمميزات أُخرى قد منحته له يدُ الغيب، بغيةَ أداء مهمّة الإمامة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله، كعِلم الغيب الموهوب منه سبحانه، ولهذا نجده يُخبِر عن حوادثَ مستقبليّة تحقّقت فيما بعد.
كما حَظي عليه السّلام بتوجّه من قبل رسول الله صلّى الله عليه وآله قد ركّز فيه على أهميّة تولّي الإمام عليّ عليه السّلام من بعد وفاته صلّى الله عليه وآله، وبهذا الصدد نلاحظ جملة من الروايات تنصبّ في تنبيهاتها على مستقبل الرسالة، وتركّز في الوقت نفسه على ضرورة التمسك بولاية الإمام عليّ عليه السّلام.
ومِن ثَمّ نجد توجّهاً آخر قد قام به الرسول صلّى الله عليه وآله، وهو التصدّي لأعداء الإمام عليّ عليه السّلام ومبغضيه، وهذه العناية من قبل الله ورسوله لعليٍّ عليه السّلام لم نجدها قد مُورِست في حقّ غيره.
أولاً: التصدّي القرآنيّ لأعداء الإمام عليٍّ عليه السّلام
استخدم القرآن من خلال كشفه لصفاتِ الإمام عليٍّ عليه السّلام وسلوكه الإلهيّ سابقَ الذكْر، أُسلوبَ ربطِ الناس حولَه عليه السّلام؛ لأنّه المنقذ من الضلالة، وخطُّه الإلهي هو الفصل بين الحقّ والباطل، وتُمثِّل مواقفُه القرآنية المعيارَ الحقَّ الذي تُوزَن به الأعمال.
من هذا المنطلق يتوسّع القرآن في طلبه في العلاقة مع الإمام عليّ عليه السّلام، لتكون أكثرَ من البعد الذهنيّ والعقليّ، فتمتدّ إلى الانشداد العاطفيّ والمحبة الصادقة كشرط ولائيّ يدفع إلى العمل والتطبيق والانضمام تحت ولاية الإمام عليّ عليه السّلام؛ لذا قال تعالى: قلْ لا أسئَلُكُم عَليهِ أجْراً إلاَّ المَودّةَ في القُربى (133).
فعن ابن عباس، قال: لما نزلَتْ قلُ لا أسئلُكُم عَليهِ أجْراً إلاَّ المَودّةَ في القُربى قالوا: يا رسولَ الله، مَن قرابتُك الذين وجبَتْ علينا مودّتُهم ؟ قال: « عليٌّ وفاطمة، والحسنُ والحسين » (134).
وفي الوقت الذي يؤكّد فيه القرآنُ الكريم على وجوب مودّة الإمام عليّ عليه السّلام ومحبّته، يتصدّى من جانب آخر لمَن يبغض الإمام عليّاً عليه السّلام ويقف منه موقف العداء، حيث يصنفه في شريحة المنافقين؛ لأنّ الإمام هو الرمزُ الإلهيّ في الأرض والذي يَمتحن اللهُ فيه القلوب، ولا نجد من تمتّع بهذه الخصوصيّة غير الإمام عليٍّ عليه السّلام.
فجاء عن ابن عبّاس في قوله تعالى: وَقِفُوهم إنَّهُم مَسْؤُولُون (135)، وعن أبي سعيد الخدريّ أيضاً عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: « عن [ أي مسؤولون عن ] ولاية عليِّ بنِ أبي طالب » (136).
أمّا قوله تعالى: وَلَتْعْرِفَنَّهُم في لَحْنِ القَوْلِ (137) فعن أبي سعيد الخُدْريّ، قال: ( بِبُغضِهم عليّاً عليه السّلام ) (138).
وتُبيّن الآية الكريمة التالية مدى علاقة الإمام بالرسول، حيث جعلت الموقفَ السلبيّ من الإمام عليٍّ يتضمّن الموقفَ نفسَه من رسول الله، ففي قوله تعالى: وشاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بعدِ ما تَبيَّنَ لَهُمُ الهُدى (139).
قال صلّى الله عليه وآله: « في أمرِ عليٍّ عليه السّلام » (140).
وهكذا بقيَ القرآن الكريم يهاجم في كثير من آياته مَن كذّب رسول الله صلّى الله عليه وآله في قضيّة قُرْب رسول الله من الإمام عليٍّ، وتفرده بالخصوصيّات والمهمّات التي كان صلّى الله عليه وآله يمنحها لعليٍّ، وكشف القرآن ذاتَ الرسول وأذيّتَه النفسيّة التي كان يتلقّاها من مُبغضي الإمام عليّ عليه السّلام.
فجاء في قوله تعالى: فمَنْ أظلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ على اللهِ وكَذَّبَ بالصِّدْق (141) هو مَن رَدَّ قولَ رسول الله صلّى الله عليه وآله في عليّ عليه السّلام (142).
أما قوله تعالى: والذينَ يُؤْذُونَ المؤمنين والمُؤمناتِ بغير مَا آكتَسَبوا فَقدِ آحتَمَلُوا بُهتاناً وإثْماً مُبيناً (143)، فيفضح مظالمَ المنافقين للإمام عليٍّ عليه السّلام وتبين نزاهتَه، فقد ورد أنّها نزلت في الإمام عليّ عليه السّلام؛ لأنّ نفراً من المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه (144).
وتوضح الآية الكريمة التالية أيضاً أنّ الله ينتقم من أعدائه بعليّ عليه السّلام، وبهذا يستلزم أنّ كلّ مَن قاتل عليّاً عليه السّلام هو عدوٌّ الله: فإمّا نَذْهَبنَّ بكَ فإنّا مِنُهم مُنتَقِمُون (145).
قال ابن عباس: بعليٍّ عليه السّلام (146).
وعن أبي عبدالله الجدليّ قال: قال لي عليٌّ عليه السّلام: « ألا اُنْبِئُك بالحسنة التي مَن جاء بها أدخله الله الجنّة، والسيئةِ التي مَن جاء بها أكبَّه الله في النار ولم يقبل منه عملاً ؟ قلت: بلى. ثمّ قرأ مَن جاءَ بالحَسَنةِ فَلَه خَيرٌ منها وهُم مِن فزعٍ يَومئذٍ آمِنون * ومَن جاءَ بِالسَّيِّئةِ فَكُبَّت وُجُوهُم في النار (147) ثم قال: يا أبا عبدالله، الحسنةُ حبُّنا، والسيّئةُ بُغضُنا » (148).
ولَحِق الخطابَ القرآنيَّ في تصدّيه لأعداء الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام تأكيدُ الرسول صلّى الله عليه وآله، حيث ورد عددٌ من الروايات تصنف في دلالتها الناسَ إلى مَن هو محبّ للإمام عليّ عليه السّلام ومَن هو مبغض له، ولا تفكّك بين مَن يحبّ الرسولَ صلّى الله عليه وآله ومَن لا يحبّ الإمام عليّاً عليه السّلام، وإنّما الإيمان هوالحبُّ لهما معاً، لأنّهما نفْسٌ واحدة « وأنفُسَنا ».
جاء في مسند أحمد من عدة طرق أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: « مَن آذى عليّاً فقد آذاني » (149)، و « أيُّها الناس، مَن آذى عليّاً بُعِثَ يومَ القيامة يهوديّاً أو نصرانيّاً » (150).
وفي مسند أحمد أيضاً: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: « لا يُحبُّك إلاّ مؤمن، ولا يُبغضك إلاّ منافق » (151).
وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله مشيراً إلى أمير المؤمنين عليه السّلام: « أيها الناس، اِمتحنوا أولادَكم بحبّه؛ فإنّ عليّاً لا يدعو إلى ضلالة، ولا يُبعد عن هدىً، فمن أحبَّه فهو منكم، ومَن أبغضه فليس منكم » (152).
ثانياً: تأكيد الرسول صلّى الله عليه وآله وحمايته المستقبلية لخطّ الإمامة
ركّز الرسول صلّى الله عليه وآله في ذهن الأُمّة أهميّة دور الإمام عليّ عليه السّلام، ولزوم التمسّك بولايته، فهو الذي ينجي الأُمّة ويحصنها من مزالق التَّيه والانحراف؛ ولهذا أشار صلّى الله عليه وآله لعمار: « ستكونُ في أُمّتي بعدي هَناة واختلاف، حتّى يختلفَ السيفُ فيهم حتّى يقتلَ بعضُهم بعضاً، ويتبرأ بعضُهم من بعض... يا عمار مَن تقلّد سيفاً أعان به عليّاً على عدوّه؛ قلّده الله يوم القيامة وشاحَينِ من دُرّ، ومَن تقلّد سيفاً أعان به عدوَّه؛ قلّده الله وشاحَين مِن نار، فإذا رأيتَ ذلك فعليك بهذا الذي عن يميني ـ يعني عليّاً » (153).
وأشار القرآن الكريم إلى المحن التي تتعرّض لها الأُمّة بعد الرسول صلّى الله عليه وآله، حيث تؤدَّي إلى تشقّق الصفّ واختلاف كلمتها مما تكون نتيجة ذلك دخول كثير من الطوائف المتناحرة في النار، ولا تنجو إلاّ الفرقة التي تتولّى الإمامَ عليّاً عليه السّلام وتتّبع خطّه، وبهذا يسجل الإمام عليه السّلام أرقى قيمة في فضله على الباقين من المسلمين. فقد جاء في قوله تعالى:
إن الذينَ فَرَّقُوا دِينَهم وكانوا شِيَعاً (154) قال زاذان أبو عمر: قال لي علي عليه السّلام: أتدري على كم افترَقَتِ اليهود ؟ قلت: اللهُ ورسوله أعلم، قال: افترقَتْ على إحدى وسبعين فِرقة، كلُّها في الهاوية، إلاّ واحدة هي الناجية.
أتدري على كم تفترق هذه الأُمّة ؟ قلت: اللهُ ورسوله أعلم، قال: تفترق إلى ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلُّها في الهاوية، إلاّ واحدة هي الناجية.
أتدري على كم تفترق فيَّ ؟ قلت: وإنه لتفترق فيك ؟ قال: نعم، تفترق فيَّ آثنتَي عشرة فرقة، كلّها في الهاوية، إلاّ واحدة هي الناجية، وأنت منهم يا أبا عمر » (155).
وآية: (فَسْأَلُوا أهلَ الذِّكْرِ إنْ كنتُم لا تَعلَمُون ) (156).
تؤكّد كونَ الإمام عليه السّلام هو المرجعَ بعد الرسول صلّى الله عليه وآله في حالة التباس الأُمور وطغيان المحن وعدم معرفة الصحيح من الاستفهامات الطارئة والمستجدّات، فقد جاء في تفسيرها عن جابر الجُعفيّ قال: لمّا نزلت( فسألوا أهلَ الذِّكْرِ إنْ كنتُم لا تَعلَمُون )، قال عليّ عليه السّلام: نحنُ أهلُ الذِّكْر (157). وبهذا يكون عليّ عليه السّلام الإمامَ للفِرقة الناجية، وهو المعلِّم لغيره من الصحابة، مخافةَ الانخراط من غير علم ضمنَ الفِرق الضالة.
عن أبي سعيد الخدريّ يقول: كنّا جلوساً ننتظر رسولَ الله صلّى الله عليه وآله، فخرج علينا مِن بعض بيوتِ نسائه، قال: فقُمْنا معه فآنقطعت نعلُه، فتخلّف عليها عليٌّ عليه السّلام يخصفها، فمضى رسولُ الله صلّى الله عليه وآله ومضينا معه، ثم قام ينتظره وقمنا معه، فقال: إنّ منكم مَن يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلتُ على تنزيله. فاستشْرَفْنا وفينا أبو بكر وعمر، فقال صلّى الله عليه وآله: لا، ولكنّه خاصف النعل. قال: فجئنا نبشّره، قال في أحدهما: وكأنه قد سمعه، وقال في الآخر: فلم يرفع به رأساً كأنّه قد سمعه (158).
وتمييزاً آخَرَ لصفّ الإمام عليّ عليه السّلام عن غيره من الناحية المصداقية؛ لتكون البيّنة آكدَ، ولا تبقى حجّة بيد المناوئين للإمام، فقد قال صلّى الله عليه وآله لعمار الموالي للإمام عليّ عليه السّلام والمناصر له: تَقتُلك الفئةُ الباغية.
عن عِكرمة أنّ ابن عباس قال له ولابنه عليّ: « إِنطلِقا إلى أبي سعيدٍ الخُدْري فآسمعا مِن حديثه، قال: فانطلقا فإذا هو في حائط له، فلمّا رآنا أخذ رداءه فجاءنا فقعد، فأنشأ يحدّثنا حتّى أتى على ذِكْر بناء المسجد، قال: كنّا نحمل لُبنةً لبنة وعمّارُ بن ياسر يحمل لبنتين لبنتين، قال: فرآه رسولُ الله صلّى الله عليه وآل فجعل ينفض التراب عنه ويقول: يا عمّار، ألاَ تحمل لبنةً كما يحمل أصحابك ؟! قال: إنّي أُريد الأجرَ من الله، قال: فجعل ينفض التراب عنه ويقول: وَيْحَ عمّار! تقتله الفئةُ الباغية، يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار. قال: فجعل عمّار يقول: أعوذ بالرحمان مِن الفتن » (159).
ومن إشارات الرسول وتنبيهاته للحوادث المستقبليّة، والتي تتضمّن الكشفَ عن صفة الاندماج والاتحاد بين إمامة الإمام عليّ عليه السّلام وخطّ الرسالة، وكونه الامتدادَ الشرعيَّ لها، وتُحقّق في الوقت نفسه حصانَة الأُمّة ووقايتَها من ضرر شعارات الضلالة ودعوات الانحراف، فقد حذّر صلّى الله عليه وآله من خطورة حركة الخوارج التي تظهر فيما بعد ومناوأتها للإمام عليّ عليه السّلام، بهذا التنبيه يمثل الإمامُ عليٌّ عليه السّلام خط الإمامة والمجسِّد للقيم الإلهيّة، أما باقي الدعوات المخالفة فتتهاوى نحو الحضيض والانحراف.
فعن أبي سعيد الخُدْريّ قال: بينما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو يقسّم قسماً، أتاه ذو الخويصرة ـ وهورجل من بني تَميم ـ فقال: يا رسول الله اعدِلْ، فقال: ويلك! ومَن يعدل إذْ لم أعدل ؟! قد خِبْتَ وخَسِرتَ إن لم أكنْ أعدل، فقال عمر: يا رسول الله أتأذن لي فيه فأضربَ عنقه ؟ قال: دعه؛ فإنّ له أصحاباً يحقر صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرأون القرآنَ لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدِّين كما يمرق السهمُ مِن الرمية. إلى أن قال: آيتُهم رجلٌ أسود إحدى عَضُدَيه مثل ثَدْي المرأة، أو مثل البضعة تدر درّاً، ويخرجون على خير فرقة من الناس. قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأشهد أنّ عليَّ بن أبي طالب عليه السّلام قاتَلَهم وأنا معه، فأمَر بذلك الرجل فالتُمس فأُتي به حتّى نظرتُ إليه على نَعْت النبيّ صلّى الله عليه وآله الذي نَعَت به (160).
وجاء عن الرسول صلّى الله عليه وآله روايات أُخرى تتّجه نحو تبنّي الإمام عليّ عليه السّلام وعلى نحو الإطلاق، أي تبيّن أفضليّة الإمام عليٍّ عليه السّلام على غيره، سواءً من قد كان عاصَرَه من المسلمين مع النبيّ صلّى الله عليه وآله أو مَن يأتي مستقبَلاً، وتوضّح أيضاً أن سلوك الإمام عليه السّلام ومواقفه لا تمثل حالةً طارئة تُنتَزع عنه في ظرف آخر، وإنما تمسّكُ الإمام عليٍّ عليه السّلام بالحقّ، أو علاقته بالحقّ والحقّ بعليّ، هي علاقة اتّحاد المفهوم بالمصداق.
فقد روي عن ثابت مولى أبي ذر قال دخلت على أُمّ سلمة فرأيتها تبكي وتذكر عليّاً عليه السّلام وقالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: « عليٌّ مع الحقّ والحقُّ مع عليّ، ولن يَفْتَرِقا حتّى يَرِدا عَلَيّ الحوضَ يومَ القيامة » (161).
وجاء أيضاً عن النبيّ صلّى الله عليه وآله من عدة طرق: « إنّ عليّاً منّي وأنا مِن عليّ، وهو وليُّ كلِّ مؤمنٍ بَعدي، لا يُؤدّي عنّي إلاّ أنا أو عليّ » (162).
ثالثاً: الإخبارات الغيبيّة والكرامات عند الإمام عليٍّ عليه السّلام
لقد امتاز الإمام عليُّ بن أبي طالب عليه السّلام على باقي الصحابة بكرامات عديدة، حتّى شكّلت إخباراته بالحوادث المستقبلية ظاهرةً مشهودة في حياته، فمِن ضمن ما أَخبَرَ به وتحقّق خارجاً، ما يلي:
1 ـ إخباره عليه السّلام بعمارة بغداد ومُلْك بني العبّاس وذِكْرِ أحوالهم وأخذ المغول منه. قال عليه السّلام: « وما أدراك ما الزوراء! أرض ذات أثل، يُشيَّد فيها البنيان، ويكثر بها السكّان، يتّخذها وُلْدُ العبّاس مَوْطناً، ولزخرفهم مسكناً، تكون لهم دارَ لَهْوٍ ولَعِب، ويكون بها الجورُ الجائر والحيف المحيف، والأئمّة الفجرة، والقُراء الفَسَقة، والوزراء الخَوَنة، يخدمهم أبناءُ فارسَ والروم، لا يأتمرون بينهم بمعروفٍ إذا عَرَفُوه، ولا يَنتَهُون عن منكرٍ إذا نَكِرُوه... » (163).
2 ـ جاء رجلٌ إلى أمير المؤمنين عليٍّ عليه السّلام فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي مررتُ بوادي القرى، فرأيت خالدَ بن عرفطة قد مات، فاستغفرْ له.
فقال عليه السّلام: « إنّه لم يَمُت، ولا يموتُ حتّى يقودَ جيشَ ضَلالةٍ، صاحبُ لوائهِ حبيبُ بن جمّاز ». فقام رجل من تحت المنبر فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي لك شيعة، وإني لك محبّ.
فقال: ومن أنت ؟ قال: حبيبُ بن جمّاز. فقال عليه السّلام: « إيّاك أن تحملها، ولتحملنّها فتدخل بها مِن هذا الباب »، وأومأ بيده إلى باب الفيل.
فلما مضى أمير المؤمنين عليه السّلام ومضى الحسن ابنُه مِن بعده، وكان من أمر الحسين عليه السّلام ما كان؛ بعث ابنُ زياد بعُمَرِ بنِ سعد إلى الحسين عليه السّلام وجعل خالد بن عرفطة على مقدّمته، وحبيبَ بن جمّاز صاحبَ رايته، حتّى دخل المسجدَ مِن باب الفيل (164).
3 ـ ورُوي عنه عليه السّلام أنّه لمّا توجّه إلى صِفِّين لحرب معاوية ووصل إلى كربلاء؛ وقف عليه السّلام ناحيةً من المعسكر، ثمّ نظر يميناً وشمالاً وقال: « هذا واللهِ مناخُ رِكابِهم، وموضعُ منبتهِم ». وبكى بكاءً طويلاً.
فقيل له: يا أمير المؤمنين، ما هذا الموضع ؟ ومَن هؤلاء ؟ فقال عليه السّلام: « هذه كربلاء، يُقتل فيها فئةٌ من آل محمّدٍ ظلماً وعدواناً، ويُقتَل معهم قومٌ يدخلون الجنّةَ بغيرِ حساب ».
ثم سار عليه السّلام وكان الناس لا يعرفون تأويل ما قال، حتّى كان من أمر الحسين عليه السّلام ما كان (165).
4 ـ ولما خرج الإمام عليّ عليه السّلام إلى أهل النهروان؛ أقبل رجل من أصحابه ممن كان على مقدّمته يركض، حتّى انتهى إلى الإمام عليٍّ عليه السّلام فقال: البشرى يا أمير المؤمنين! قال: « ما بُشراك ؟ ».
قال: إنّ القوم عبروا النهر لمّا بلغهم وصولك، فأبشِرْ، فقد منحك الله أكتافَهم، فقال له: « آلله أنت رأيتَهم قد عبروا! » قال: نعم، فأحلَفَه ثلاث مرّات، في كلّها يقول: نعم، فقال الإمام عليّ عليه السّلام: « واللهِ ما عبروه ولن يَعبروه، وإنّ مصارعَهم لَدُون النطفة، والّذي فلَقَ الحبّة، وبرأ النَّسَمة،لن يبلغوا الأثْلاث ولا قَصْر بَوازِن، حتّى يقتلهم الله، وقد خابَ مَن افترى ».
قال: ثم أقبل فارس آخر يركض، فقال كقول الأوّل، فلم يكترث الإمام عليّ عليه السّلام بقوله، وجاءت الفرسان تركض كلّها تقول مثل ذلك، [ فقال: « فلا يبقى منهم إلاّ أقلّ من عشرة، ولا يُقتَل من أصحابي إلاّ أقلُّ من عشرة » ].
فقام الإمام عليّ عليه السّلام فجال في متن فرسه، قال: فيقول شابّ من الناس: واللهِ لأكوننّ قريباً منه، فإن كانوا عبروا النهر لأجعلنّ سِنانَ هذا الرمح في عينه، أيدّعي عِلمَ الغَيب ؟
فلمّا انتهى عليه السّلام إلى النهر؛ وجد القومَ قد كسروا جفونَ سيوفهم وعرقَبوا خيلهم، وجَثَوا على رُكَبهم وحكّموا تحكيمة واحدة بصوت عظيم له زَجل، فنزل ذلك الشابّ فقال: يا أمير المؤمنين إنّي كنت شككتُ فيك آنفاً، وإنّي تائب إلى الله وإليك فاغفرْ لي.
فقال عليّ عليه السّلام: « إنّ الله هو الذي يَغفر الذنوب، فآستغْفِرْه » (166).
5 ـ عن إسماعيل بن رجاء، قال: قام أعشى باهلة (167) ـ وهو غلام يومئذٍ حدث ـ إلى عليٍّ عليه السّلام وهو يخطب ويذكُر الملاحم، فقال: يا أميرَ المؤمنين، ما أشبه هذا الحديث بحديث خرافة!
فقال عليّ عليه السّلام: « إن كنتَ آثماً فيما قلتَ يا غلام، فرماك الله بغلامِ ثَقيف ».
ثم سكت، فقام رجال فقالوا: ومَن غلامُ ثقيف يا أمير المؤمنين ؟!
قال عليه السّلام: « غلامٌ يملك بلدتكم هذه، لا يتركُ لله حُرمةً إلاّ انتهَكَها، يضرب عُنُقَ هذا الغلام بسيفه ».
فقالوا: كم يملُك يا أمير المؤمنين ؟
قال: « عشرين إنْ بَلَغها ».
قالوا: فيُقتَلُ قتلاً أم يموت موتاً ؟
قال: « بل يموت حَتْفَ أنفه بِداءِ البَطن، يثقب سريرَه لكثرة ما يخرج من جَوفه ».
قال إسماعيل بن رجاء: فواللهِ لقد رأيتُ بعينَيّ أعشى باهلة، وقد أُحضر في جملة الأسرى الذين أُسِروا من جيش عبدالرحمان بن محمّد بن الأشعث بين يَديِ الحجّاج فقرّعه ووبّخه.
واستنشده شِعرَه الذي يحرّض فيه عبدالرحمان على الحرب، ثم ضرب عنقَه في ذلك المجلس (168).
ومن كراماته عليه السّلام ما جاء في تفسير الفخر الرازيّ، في ذيل تفسير قوله تعالى: ( أم حَسِبتَ أنّ أصحابَ الكهفِ والرَّقيمِ كانوا من آياتِنا عَجَباً ) (169)، قال: وأمّا عليّ عليه السّلام فيُروى أنّ واحداً من مُحبّيه سرق، وكان عبداً أسود.
فاُتيَ به إلى عليّ عليه السّلام فقال له: « أسرَقْت ؟ » قال: نعم، فقطع يده.
فانصرف من عند عليٍّ عليه السّلام فلقيه سلمانُ الفارسي وابن الكوّاء، فقال ابن الكوّاء: مَن قطع يدك ؟ قال: أميرُ المؤمنين، ويعسوب المسلمين، وخِتنُ الرسول، وزَوج البتول.
فقال: قطعَ يدَك وتمدحه ؟! فقال: ولِمَ لا أمدحه وقد قطع يَدي بحقّ وخلّصني من النار. فسمع سلمان ذلك، فأخبر به عليّاً عليه السّلام فدعا الأسود ووضع يده على ساعده وغطّاها بمنديل، ودعا بدعوات، فسمعنا صوتاً من السماء: اِرفَعِ الرداء عن اليد، فرفعناه فإذا اليد قد بَرِئت بإذن الله تعالى وجميلِ صنعه (170).
وعن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وآله أدعو عليّاً، فأتيتُ بيته فناديتُه، فلم يُجِبْني، فعُدتُ فأخبرت رسولَ الله صلّى الله عليه وآله فقال لي: « عُدْ إليه، اُدْعه فإنّه في البيت ». قال: فعدتُ أُناديه، فسمعت رحىً تطحن، فشارفتُ فإذا الرّحى تطحن وليس معها أحد، فناديتُه فخرج إليّ منشرحاً، فقلت له: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله يدعوك، فجاء، ثمّ لم أزل أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وينظر إليّ، ثمّ قال: « يا أبا ذرّ ما شأنك ؟ ».
فقلت: يا رسول الله، عجيب من العجب، رأيت رحىً تطحن في بيت عليّ عليه السّلام وليس معها أحدٌ يرحى.
فقال: « يا أبا ذرّ، إنّ لله ملائكةً سيّاحين في الأرض، وقد وُكِّلوا بمؤونة آلِ محمّد » (171).
الخلاصة:
لقد ترك الإمام عليُّ بن أبي طالب عليه السّلام من الانطباعات الخيّرة في نفوس الصحابة، ما جعل تصريحاتِهم بأفضليّته على الصحابة تملأ كتب التفسير والحديث والتاريخ.
كما أن الإمام عليّاً عليه السّلام قد جسّد بسلوكهِ الإيمانيّ، وطاقاته العلميّة والجهاديّة والأخلاقيّة ما خطّتْه الرسالة بما لا يَخفى على أحد، فكان المثلَ الأعلى في تطبيقها بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله، في الوقت الذي يعجز باقي الصحابة عن الرُّقيّ إليها.
وشهد القرآنُ الكريم وصرّحت أقوالُ الرسول صلّى الله عليه وآله بفضل الإمام عليّ عليه السّلام على الصحابة، كما مرّ ذكره في أكثر من مناسبة.
وكان عليه السّلام هو المرجعَ للصحابة في حل المعضلات بشكل عامّ للحكّام قبلَه بنحو خاصّ.
وعليه، يكون الإمامُ عليُّ بن أبي طالب عليه السّلام أفضلَ الصحابة على الإطلاق بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله دون منازِع، ويكون هو الأَولى بالأخذ عنه وتولّيه واتّباعه وطاعته، والإقرار بولايته وإمامته وترجيحِ قولهِ على أقوال غيره من الصحابة، والاعتقاد بفرض مودّته، وفوقيّة منزلته، وأشرفيّة مقاماته، وأولويّة خلافته، صلوات الله عليه وعلى أبنائه الأئمّة الطاهرين.
المصادر والأدلة:
[1] المستدرك على الصحيحين: 3/126و 127، تاريخ بغداد: 11/49 و 50، جامع الاُصول: 9/473، ح 6489، اُسد الغابة: 4/22، البداية والنهاية: 7/372. وقد رواه الترمذي في سننه : 5/637 بلفظ: أنا مدينة العلم وعلي بابها.
[2] تفسير الرازي: 8/21 ـ عندتفسير قوله تعالى: (إنّ الله اصطفى آدم ونحواً وآل ابراهيم...)آل عمران: 23، وكنز العمّال: 13/114 ح 36372 .
[5] الأرشية: جمع رشاء بمعنى الحبل، والطوى جمع طوية وهي البئر البعيدة العميقة.
[6] نهج البلاغة: الخطبة 5 .
[7] فتح الباري: 8/459 سورة الذاريات، كنزالعمال: 13/165 ح36502،الجرح والتعديل: 6/192، تهذيب الكمال:20/487،واُسد الغابة: 4/22،الرياض النضرة: 3/167 . ترجمة علي بن أبي طالب(عليه السلام)، الترجمة رقم: 4089 .
[24] رواه في كتاب الفضائل من فضائل علي(عليه السلام) في حديث 154 و 339 ومنهاج السنّة على ما في تعليقة شواهد التنزيل: 2 /224، وفيه رواه الحسكاني بأسانيد متعددة، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): والصدّيقون ثلاثة حبيب النجار مؤمن آل ياسين، وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب الثالث أفضلهم، ورواه في الصواعق المحرقة: 123، والتفسير الكبير: 27/57، وذخائر العقبى: 56، والرياض النضرة: 2/153، وفيض القدير: 4/137، والدر المنثور: 5/262.
[30] رواه ابن مردويه في كتاب المناقب، ونقله في إحقاق الحق: 3/419، عن الترمذي في مناقب المرتضوي: 62 .
[31] علل الحديث لابن أبي حاتم الرازي: ح 2664، مناقب المرتضوي للترمذي: 95، وروي في كنز العمال: 13/122، ح36392 عن ابن عباس، قال عمر بن الخطاب: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): أنت يا علي أول المؤمنين إيماناً وأوّلهم إسلاماً.
[32] مسند أحمد: 3/86، ح 8764، مجمع الزوائد: 9/123، التاريخ الكبير للبخاري: 7/263، الطبقات الكبرى لابن سعد: 2/110 باب غزوة رسول الله(صلى الله عليه وآله)خيبر، خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للنسائي: 59.
[33] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 13/261 و 285، 19/61.
[34] مسند أحمد بن حنبل: 1/199.
[35] ابن المغازلي في مناقبه: 72، 106.
[36] تاريخ مدينة دمشق: 42/383.
[37] تاريخ الطبري: 2/138.
[38] تاريخ دمشق لابن عساكر ترجمة/ الإمام علي(عليه السلام): 1/142، الفصول المائة: 1/307.
[39] خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 113، ومستدرك الحاكم: 2/366، ومسند أحمد: 1/84، وكنز العمال: 6/407، والرياض النضرة: 2/200، وتاريخ بغداد: 13/302، وذخائر العقبى: 85.
[40] ينابيع المودّة للقندوزي، الباب: 40.
[41] البقرة: 207.
[42] اُسد الغابة: 4/25، وشواهد التنزيل: 1/98، ومستدرك الحاكم: 3/132، ونور الأبصار: 86، وينابيع المودّة: 92، والتفسير الكبير: 5/204، ومسند أحمد: 1/331، وتفسير الطبري: 9/140، والسيرة النبوية لدحلان في هامش السيرة الحلبية: 1/307. وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب: 4/439 وقيل: إن الآية نزلت في صهيب الرومي أقول: جعل هذه الرواية وأشباهها إنّما هو من أعداء أهل البيت(عليهم السلام)، وإلاّ فإنه يظهر بأدنى تأمّل: أن الآية الكريمة إنما هي فضيلة من بذل النفس في سبيل الله، وليس هذا إلاّ علي بن أبي طالب(عليه السلام) في الليلة التي بات فيها على فراش رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ومدلول الرواية الواردة في صهيب الرومي ليس إلاّ بذل المال، وأين هذا من ذلك، فلا ربط بينها وبين الآية الكريمة؟
[68] النور المشتعل من كتاب ما نزل في القرآن في علي للحافظ أحمد بن عبدالله الأصبهاني: 26.
[69] الشورى: 23.
[70] خصائص الوحي المبين لابن بطريق: 81.
[71] طه: 29 .
[72] خصائص الوحي المبين لابن بطريق : 245.
[73] المائدة: 55.
[74] كأنه كان مرجاً، أي قلقاً غير ثابت.
[75] الكشاف للزمخشري: 1/648 وتفسير ابن جرير الطبري: 6/186 والسيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى: (انما وليكم الله ورسوله)في سورة المائدة قال: وأخرج الخطيب في المتفق عن ابن عباس قال: تصدق علي(عليه السلام) بخاتمه وهو راكع ، فقال النبي(صلى الله عليه وآله) للسائل: من أعطاك الخاتم؟ قال ذاك الراكع، فأنزل الله (إنما وليكم الله ورسوله).
[76] المائدة: 67.
[77] أخرج ذلك متواتراً أئمة التفسير والحديث والتاريخ، وكذا تواتر نزول الآية الكريمة في يوم الغدير، وخطبة النبي(صلى الله عليه وآله) في هذا اليوم، بمحضر من مائة ألف أو يزيدون ونقلوا احتجاج أهل البيت، وكثير من الصحابة، فنقتصر ـ طلباً للاختصار ـ على ذكر أقل القليل من تلك المصادر منها شواهد التنزيل: 1/187 والدر المنثور: 2/298 وفتح القدير: 3/57 وروح المعاني: 6/168 والمنار: 6/463 وتفسير الطبري: 6/198 والصواعق المحرقة: 75.
[78] الأحزاب: 33.
[79] راجع الإمامة والولاية لجمع من العلماء: 150.
[80] مسند أحمد : 4/107 ، أجمع المفسرون على نزول آية التطهير في فضل (أصحاب الكساء) في بيت أم سلمة وروي متواتراً عن أئمة أهل البيت ، وكثير من الصحابة، وهذا انموذج من مصادره : الحافظ الكبير، الحنفي المعروف بالحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل: 2/10 ـ 192 بعدّة أسانيد، والحافظ جلال الدين السيوطي في الدر المنثور : 5/198 بطرق، وكذا الطحاوي في مشكل الآثار: 1/238 ـ 332 والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد: 9/121 و 146 و 169 و 172 وأحمد بن حنبل في مسنده : 1/230 و 4/107 وابن حجر في الصواعق : 85 والطبري في تفسيره : 22/5 و 6 و 7 وابن الأثير في اُسد الغابة : 4/29 والنسائي في خصائصه : 4.
[81] آل عمران: 61.
[82] التفسير الكبير، للفخر الرازي: 8/81، تفسير الآية 61 من سورة آل عمران، المسألة الخامسة.
[83] قد أنهى البحراني الروايات الواردة عن النبي(صلى الله عليه وآله) والمشتملة على هذه العبارة من طرق السنّة الـى مائة حديث ومن طرق الشيعة الى سبعين حديثاً، فراجع غاية المرام: 109 ـ 152.
[84] خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 88 .
[85] سنن الترمذي : 5/596، حديث 3724 .
[86] منهاج السنّة ابن تيمية: 4/33، البرهان التاسع.
[87] هود: 17.
[88] يوسف: 108.
[89] الإمامة والولاية لجمع من العلماء: 138.
[90] غاية المرام: 301 الحديث 7.
[91] البيّنة: 7.
[92] تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 42/371. ترجمة علي بن أبي طالب(عليه السلام) . روى الأعلام عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) بأن (خير البرية) علي وشيعته، منهم السيوطي في الدر المنثور: 6/379، وابن حجر في الصواعق: 96، 159، والشوكاني في فتح القدير: 5/464 والآلوسي في تفسيره: 30/207، والطبري في تفسيره: 3/171 والشبلنجي في نور الأبصار: 105، والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل: 2/356.
[93] تاريخ دمشق لابن عساكر: 42/47.
[94] تاريخ دمشق لابن عساكر: 42/470.
[95] تذكرة الخواص: 40، المستدرك: 2/137، كنز العمال: 13/127، ح36403، شرح معاني الآثار: 2/408 مناقب ابن شهر آشوب: 2/44.
[96] رواه الزمخشري في كتابه المناقب: 213 مخطوط ، والشيخ جمال الدين الحنفي الموصلي في درر بحر المناقب: 116 مخطوط ، والحافظ محمد بن أبي الفوارس في الأربعين: 14 مخطوط ، وإحقاق الحق: 4/228 و 9/198 ، ورواه الشيخ سلميان في ينابيع المودّة: 82 ، والموثق الخوارزمي في مقتل الحسين: 59.
[97] مسند أحمد بن حنبل: 3/83 ، وبنفس المعنى في حلية الأولياء لأبي نعيم: 1/67 ، واُسد الغابة لابن الأثير: 3/283.
[98] مسند أحمد: 4/164 و 165 بخمسة طرق ، وخصائص أمير المؤمنين للنسائي: 19 و20 بطريقين ، وصحيح البخاري: 3/229 ، والصواعق المحرقة: 74، كنز العمّال، المتقي الهندي: 11/607، ح 32938، سنن الترمذي: 5/591، ح3712 .
[152] ترجمة الإمام علي(عليه السلام) من تاريخ مدينة دمشق: 2/225 / 730.
[153] ينابيع المودّة: 128 ، وبلفظ آخر لابن الأثير في اُسد الغابة: 5 /287، وتاريخ بغداد: 13/186، ومجمع الزوائد: 6/236 ، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة: 2/397.
[154] الأنعام : 159.
[155] خصائص الوحي المبين لابن بطريق : 214، وفي تاريخ دمشق : 18/4.
[156] النحل: 43.
[157] تفسير ابن جرير الطبري : 17/5.
[158] مسند الإمام أحمد بن حنبل : 3/83 ، وبنفس المعنى في حلية الأولياء لأبي نعيم: ؤ1/67 ، واُسد الغابة لابن الأثير : 3/283.
[159] صحيح البخاري في كتاب الصلاة وصحيح مسلم في كتاب الفتن وسنن الترمذي: 5/628، باب 35 مناقب عمار بن ياسر، ح 3800، ومستدرك الصحيحين: 2/148 ومسند أحمد : 3/516، ح 11451 وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي : 13/186.
[160] صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق وخصائص النسائي : 137 ، وميزان الاعتدال للذهبي : 2/263.
[161] تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: 14/321 ، والحاكم في مستدرك الصحيحين : 3/124 وصحيح الترمذي: 2/298.
[162] مسند أحمد : 4/164 و 165 بخسمة طرق ، وخصائص أمير المؤمنين للنسائي: 19 و20 بطريقين، وصحيح البخاري : 3 /229، والصواعق المحرقة : 74 ، وسنن البيهقي : 8 / 5.