قوله تعالى {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ} سورة الصافات الآية 24
قوله تعالى {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ} سورة الصافات الآية 24 وماهو الشيء الذي سيوقف الناس لاجل المسألة عليه
نعم سيُسأَلُ الناسُ عن كلِّ عقيدةٍ وعن كلِّ فعلٍ، ولكن حيث كان هناك بعضُ الأمور أهمَّ من بعضها الآخر، وكانت بعضُ الاعتقادات أوجبَ في الالتزام بها من بعضها الآخر، لذا نجد أنَّ الأحاديثَ التي وردت في تفسير الآية التي نبحث فيها، ركَّزت على أنَّ الناس سيُسألون عن ولايةِ وحبِّ أمير المؤمنين وأهلِ بيته الأطهار (عليهم السلام).
وكيف لا يكون السؤالُ عن ذلك أولاً، ومدارُ قبولِ الأعمال وصكُّ دخول الجنان، هو ولاية الطيبين من آل طه وعدنان (صلى الله عليه وآله).
فقد أخرج الحافظ أبو نعيم، والمرشد بالله في ترتيب الأمالي، والحاكم الحسكاني ـ وهم من أبناء السُّنة ـ وفرات الكوفي ومحمد بن العباس في تفسيريهما، بإسنادهم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله عزَّ وجل {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ} قال: عن ولاية عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام).
أقول: وأخرجه ابن مردويه في مناقبه بعدة طرق عن ابن عباس، وأخرجه أيضاً الحسكاني بإسناده عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام).
وأخرج ابن شيرويه الديلمي ـ من أبناء السُّنة ـ في كتابه الفردوس بإسناده عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله) {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ} عن ولاية عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام).
أقول: وأخرجه الحاكم الحسكاني بإسناده عن مندل العنزي عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وأيضاً بإسناده عن عطية عن أبي سعيد عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وأخرجه أيضاً محمد بن سليمان في مناقبه، بإسناده عن أبي هريرة عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأخرجه أيضاً هو والحاكم الحسكاني في الشواهد، والصَّدوق في عيون أخبار الرضا ومعاني الأخبار، بإسنادهم عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأيضاً أخرجه الصَّدوق في العلل والعيون، بإسناده عن أمير المؤمنين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وأخرج أبو نعيم في كتابه، والحاكم الحسكاني، وأبو معاوية الضرير بإسنادهم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا كان يوم القيامة، أُوقف أنا وعليٌّ على الصراط، فما يمرُّ بنا أحدٌ إلا سألناه عن ولاية عليٍّ (عليه السلام)، فمَن كانت معه وإلا ألقيناه في النار، وذلك قوله {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ}.
أقول: وأخرجه الشيخ الطوسي في أماليه ومحمد الطبري في بشارة المصطفى بإسنادهما عن أنس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه وآله)، ومثله أخرج الصَّدوق في العيون والمعاني، بإسناده عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني عن الإمام الهادي (عليه السلام) عن آبائه عن الحسن بن علي (عليهما السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومثله أيضاً أخرج محمد القمي في مأة منقبة، وابن طاووس في اليقين، بإسنادهما عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وأخرج الحاكم الحسكاني بإسناده عن سفيان عن السدي في قوله تعالى {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} قال: عن ولايةِ عليٍّ (عليه السلام).
وروى أبو الأحوص عن أبي إسحق في قوله تعالى {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ} قال:يعني عن ولاية عليٍّ (عليه السلام).
وروى أبو معاوية علي بن حاتم بإسناده عن مجاهد {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ} قال: عن ولاية عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام).
أقول: ومما يُؤيِّد هذا المعنى بل ويدل عليه صريحاً، ما أخرجه الطبراني في معجمه، والثعلبي في تفسيره وابن المغازلي في مناقبه ـ من أبناء السُّنة ـبإسنادهم عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تزول قَدَمَا العبدِ يوم القيامة حتى يُسأَل عن أربع.... وعن حبنا أهل البيت (عليهم السلام).
وأخرج ابن المغازلي في مناقبه، والخوارزمي في المناقب، ومحمد الطبري في بشارة المصطفى بإسنادهم عن أبي برزة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تزول قدمُ عبدٍ يوم القيامة حتى يسأله الله تبارك وتعالى عن أربع.... وعن حبنا أهل البيت (عليهم السلام)، فقال له عمر: فما آيةُ حبِّكم مِن بعدكم؟ قال: فوضع يده على رأس عليٍّ (عليه السلام) ـ وهو إلى جانبه ـ وقال: إنَّ حبي مِن بعدي حبُّ هذا.
اما من طرق الشيعة فورد الحديث بست طرق :
الحديث الأول: ابن بابويه قال: حدثنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق (رضي الله عنه) قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله قال: حدثنا سهل بن زياد الآدمي عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: حدثني سيدي علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي (عليهم السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن أبا بكر مني لبمنزلة السمع، وأن عمر مني لبمنزلة البصر، وإن عثمان مني لبمنزلة الفؤاد فقال فلما كان من الغد دخلت عليه وعنده أمير المؤمنين وأبو بكر وعمر وعثمان فقلت له: يا أبت سمعتك تقول في أصحابك هؤلاء قولا فما هو فقال (عليه السلام): نعم وأشار إليهم فقال هم السمع والبصر والفؤاد وسيسألون عن ولاية وصيي هذا وأشار إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ثم قال: إن الله عز وجل يقول: * (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) *ثم قال (عليه السلام): وعزة ربي إن جميع أمتي لموقوفون يوم القيامة ومسؤولون عن ولايته وذلك قول الله: * (وقفوهم إنهم مسؤولون) *(عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 2 / 280 / ح 86.
الحديث الثاني: ابن بابويه عن محمد بن عمر الحافظ الجعاني قال: حدثني عبد الله بن محمد ابن سعيد بن زياد من أصل كتاب أبيه قال: حدثنا حفص بن عمر العمري قال: حدثنا عصام بن طليق عن أبي هارون عن أبي سعيد عن النبي (صلى الله عليه وآله): في قول الله عز وجل * (وقفوهم إنهم مسؤولون) * قال: " عن ولاية علي ما صنعوا في أمره وقد أعلمهم الله عز وجل أنه الخليفة بعد رسوله ") ) معاني الأخبار: 67 / ح 7.).
الحديث الثالث: الشيخ الطوسي في أماليه عن أبي محمد الفحام قال: حدثنا أبو الفضل محمد ابن هاشم الهاشمي صاحب الصلاة بسر من رأى قال: حدثنا أبي هاشم بن القاسم قال: حدثنا محمد بن زكريا ابن عبد الله الجوهري البصري عن عبد الله بن المثنى عن ثمامة بن عبد الله بن أنس ابن مالك عن أبيه عن جده عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على جهنم لم يجز عليه إلا من معه جواز فيه ولاية علي بن أبي طالب وذلك قوله تعالى: * (وقفوهم إنهم مسؤولون) * يعني عن ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) "( أمالي الطوسي: 290 / مجلس 11 / ح 11.
الحديث الرابع: محمد بن العباس بن ماهيار الثقة في تفسيره فيما نزل في أهل البيت (عليهم السلام) عن صالح بن أحمد عن أبي مقاتل عن حسين بن حسن عن حسين بن نصر بن مزاحم عن القاسم بن الغفار عن أبي الأحوص عن مغيرة عن الشعبي عن ابن عباس في قول الله عز وجل: * (وقفوهم إنهم مسؤولون) * عن ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام)تأويل الآيات: 2 / 493 ح 1
الحديث الخامس: الشيخ الطوسي في مصباح الأنوار بإسناده عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إذا كان يوم القيامة أقف أنا وعلي على الصراط بيد كل واحد منا سيف، فلا يمر أحد من خلق الله إلا سألناه عن ولاية علي (عليه السلام) فمن معه شئ منها نجى وإلا ضربنا عنقه وألقيناه في النار ثم تلا: * (وقفوهم إنهم مسؤولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون) *
الحديث السادس: تفسير الإمام أبي محمد العسكري (عليه السلام) : 406 ح 275 - 276.في قوله تعالى * (وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما ورائه وهو الحق) قال العسكري (عليه السلام): " وإذا قيل لهؤلاء اليهود الذين تقدم ذكرهم: * (آمنوا بما أنزل الله) * على محمد من القرآن المشتمل على الحلال والحرام والفرائض والأحكام * (قالوا: نؤمن بما أنزل علينا) * وهو التوراة * (ويكفرون بما ورائه) * يعني ما سواه ولا يؤمنون به * (وهو الحق) * والذي يقول هؤلاء اليهود. إنه وراءه هو الحق، لأنه هو الناسخ والمنسوخ الذي قدمه الله عز وجل، قال الله تعالى: * (فلم) * كنتم * (تقتلون) * لم كان يقتل أسلافكم يقتلون (أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين) بالتوراة أي ليس التوراة الآمرة بقتل الأنبياء، فإذا كنتم تقتلون الأنبياء فما آمنتم بما أنزل عليكم من التوراة، لأن فيها تحريم قتل الأنبياء كذلك إذا لم تؤمنوا بمحمد وبما أنزل عليه هو القرآن هو الآمر بالإيمان وأنتم ما آمنتم بعد بالتوراة، لأن الله تعالى أخذ عليهم الإيمان بهما، ولا يقبل الإيمان بأحدهما إلا مع الإيمان بالآخر، لذلك فرض الله الإيمان بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) كما فرض الله الإيمان بمحمد فمن قال: آمنت بنبوة محمد وكفرت بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فما آمن بنبوة محمد، إن الله تعالى إذا بعث الخلائق يوم القيامة نادى منادي ربنا نداء تعريف الخلائق في إيمانهم وكفرهم فقال:
الله أكبر الله أكبر، ومناد آخر ينادي: معاشر الخلائق ساعدوه على هذه المقالة، فأما الدهرية والمعطلة فيخرسون عن ذلك ولا تنطق ألسنتهم ويقولها سائر الناس [ من الخلائق فيمتاز الدهرية والمعطلة عن سائر الناس بالخرس ].
ثم يقول المنادي: أشهد أن لا إله إلا الله، فيقول الخلائق كلهم ذلك إلا من كان يشرك بالله تعالى من المجوس والنصارى وعبدة الأوثان فإنهم يخرسون فيبينون بذلك من سائر الخلق، ثم يقول المنادي: أشهد أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقولها المسلمون أجمعون وتخرس عنها اليهود والنصارى وسائر المشركين، ثم ينادي مناد آخر من عرصات القيامة ألا فسوقوهم إلى الجنة لشهادتهم لمحمد بالنبوة، فإذا النداء من قبل الله تعالى: لا بل قفوهم إنهم مسؤولون، يقول [ الملائكة ] الذين قالوا سوقوهم لشهادتهم بالنبوة: لماذا يقفون يا ربنا؟ فإذا النداء من قبل الله تعالى: (وقوفهم إنهم مسؤولون) عن ولاية علي بن أبي طالب وآل محمد، يا عبادي وإمائي إني أمرتهم مع الشهادة لمحمد شهادة أخرى، فإذا جاءوا بها يعطوا ثوابهم وأكرموا مآبهم، وإن لم يأتوا بها لم تنفعهم الشهادة لمحمد بالنبوة ولا لي بالربوبية، فمن جاء بها فهو من الفائزين، ومن لم يأت بها فهو من الهالكين، فقال: فمنهم من يقول: [ قد ] كنت لعلي بالولاية شاهدا ولآل محمد محبا وهو في ذلك كاذب يظن أن كذبه ينجيه فيقال لهم: سوف نستشهد على ذلك عليا (عليه السلام) فتشهد أنت يا أبا الحسن، فتقول: الجنة لأوليائي شاهدة، فمن كان منهم صادقا خرجت إليه رياح الجنة ونسيمها فاحتملته فأوردته علالي الجنة وغرفها وأحلته دار المقامة من فضل ربه لا يمسهم فيها نصب ولا يمسهم فيها لغوب، ومن كان منهم كاذبا جاءته سموم النار وحميها وظلها الذي هو ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب، فتحمله فترفعه في الهواء وتورده نار جهنم.
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فلذلك أنت قسيم الجنة والنار تقول لها: هذا لي وهذا لك